يحاول وزير التربية التعليم السعودي الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد تحديث مؤسسة التعليم في بلاده، والتي كانت أبرز المتهمين في ميل شبان المملكة نحو التطرف، وازدياد نسبة العاطلين من خريجيها، رغم سيل الانتقادات والعقبات التي يعتبر تاريخ أسرته نفسها واحداً منها.
وقبل ثلاثة قرون نشأ تحالف ديني سياسي بين الشيخ محمد بن عبد الوهاب والإمام محمد بن سعود الوهاب يهدف إلى تكوين دولة إسلامية، وتطهير بلاد الحرمين من البدع والشركيات التي كانت تثير استياء الحليفين، حتى أصبح ينظر إلى أسرة آل سعود بأنها "حارسة للعقيدة الإسلامية الصافية".
وهذا مربط الفرس، وبيضة القبّان، في عملية إصلاح التعليم في السعودية، إذ غالبا ما تصطدم عملية التحديث في المملكة بآراء بعض من رجال الدين الذين يخشون على العقيدة من الضياع، ويرون أن دور الأسرة الملكية هي الحفاظ على الإسلام الصافي لا تذويبه، مذكرين الوزير الديناميكي بذلك التحالف الشهير بين الأمام والشيخ قبل قرون.
وفي حديث حضرته "إيلاف" قال مسؤول سعودي رفيع في وزارة التعليم أن "الانتقادات لمشروع تطوير التعليم أمر مفهوم لأن الأهالي يخشون على أبنائهم وهم أمانة في أعناقنا وربما يكون سبب هذا القلق هو نقص في المعلومات لدى الأهالي".
وهاجم رجل الدين المعروف الشيخ ناصر العمر وزير التعليم قائلاً أنه "يخرب عقيدة الشبان ويسعى إلى تكريس الاختلاط" عبر دمج المؤسسات التعليمية تحت إدارة واحدة. وقال الشيخ في محاضرة تداولت بسرعة عبر موقع تداول مقاطع الفيديو الشهير "يوتيوب": "أبناؤنا وبناتنا ليسوا حظيرة خيل يا سمو الأمير".
وفي ذلك إشارة إلى رعاية الأمير المثير للجدل، وهو من محبي رياضة الفروسية، اجتماعا مختلطاً بين طلبة ذكور وإناث من الدارسين في الثانوية العامة لأول مرة في تاريخ المملكة، رغم أن تربويين وصفوا هذا اللقاء بأنه استعراضي لا أكثر.
وهدد رجل دين آخر، وهو الداعية الإسلامي المتشدد يوسف الأحمد وزير التربية والتعليم السعودي بمقاضاته واتهمه بإدارة مشروع "إفساد الطالبات واختلاطهن بالرجال" منذ تعيينه وزيراً.
وحين دمجت إدارة التعليم النسائية مع شقيقتها الرجالية توجه رجال الدين للقاء الملك عبد الله وقد كان وقتها ولياً للعهد للحديث معه حول هذا القرار لكن الملك قال لهم " أبناؤكم في رقبتي وإن كان لديكم غيرة عليهم فلدي غيرة أكثر منكم" بحسب أحد الحاضرين.
وتحاول وزارة التعليم "توحيد" الإدارات المتناظرة في الوزارة خلال الأشهر القليلة المقبلة، حيث يفضّل منسوبو الوزارة استخدام مفردة "توحيد" بدلاً عن كلمة "دمج" رغم أنها الوصف الدقيق لما يحدث.
وفي دفاعه عن سياسة التعليم الجديدة في المملكة قال المسؤول السعودي في حديث لم يكن للنشر:" هنالك هجمة كبيرة ضد مشروع تطوير التعليم تصفه بأنه محاولة لتغريب المجتمع وهذا غير صحيح جملة وتفصيلاً. هناك سياسة عامة للدولة لا يمكن الخروج عنها، ولا يمكن تغيير سياسة عامة دون رضى المجتمع".
وتحاول وزارة التعليم تطوير العمل المؤسساتي الداخلي وتعزيز صلاحيات إدارات التعليم الفرعية لتصبح "إدارة تعليم لكل إقليم مستقلة تمام الاستقلال عن الوزارة إلا فيما يتعلق بالاستراتيجية العامة" على حد تعبير المسؤول السعودي في حديث باريسي الأسبوع الفائت.
وإضافة إلى ذلك فإن هنالك خطة طموحة هي إنشاء شركة تطوير المرافق التعليمية لتكون "سابك التعليم" على غرار عملاق البتروكيماويات شركة "سابك" التي تعد مصدر فخر للسعوديين، وأصبحت واحدة من أقوى الاذرعة الاستثمارية للرياض في العالم.
وهذه الشركة، التي يتوقع أن يرصد لها مليارات الدولارات، ستكون مسؤولة عن تطوير مرافق التعليم، وتدريب المعلمين، وإعداد كادر سعودي مؤهل لتعليم ملايين الطلبة الشبان الذين ينتظره مستقبل غامض في سوق العمل بسبب سوء مخرجات التعليم، الأمر الذي دعا الوزارة لتطوير المناهج، وتكثيف دراسة اللغة الإنجليزية منذ الصفوف الأولى.
ويرى سعوديون كثر أن ميزانية التعليم مبالغ فيها لدرجة قد تسبب في حالات فساد أو سوء استخدام للأموال، على الرغم من أن هذه الاحاديث سهلة الانتشار صعبة التوثيق.
ويقول احمد الطويان وهو كاتب في صحيفة عكاظ، إحدى أشهر اليوميات السعودية، أن "الأمير مصور ويحب أن تكون الصورة جميلة بغض النظر عما بداخلها إن كان جميلا أو العكس".
وبينما يصف نقاد وزير التربية والتعليم السعودي، وهم كثر، بأنه "أمير مغرّب" و"داعية اختلاط" يرى "الفيصليون"، وهم محبوه ومريدوه، انه رجل صاحب فكر حداثي تحديثي يحسب له فكرة برنامج الملك عبد الله للابتعاث، الذي أرسل عشرات الألاف من الطلبة السعوديين إلى الخارج.
التعليقات (0)