" أشكو الخريف"
حين تحن اللغة الى سهوبها
دلدار فلمز
في مجموعته ( أشكو الخريف) يؤكد الشاعر اسكندر حبش تمسكه بتقنيته الشعرية التي تعتمد على الغرابة والدهشة في بناء النص وهي سمة ظهرت في قصائده الأولى عندما نشرها في مجلة "ميكروب" ورسخها عبر مجموعاته الشعرية.
في مجموعته هذه محاور تتماهى ولا تتميز إلا من خلال الكشف عن الغموض المتلبس في القصيدة ذاتها، وهو غير معني كثيرا بالمناهج والمفاهيم الجاهزة التي تقدم حلولا سائدة وآمنة، ما هو مطروح في قصيدته دفقات من رؤى وجدانية عبر إشارات مكتنفة بغموض جميل وموظف وتبدو تلك الإشارات للوهلة الأولى عصية على الفهم.
إذاً ربما قراءة قصائده بحاجة إلى اجتهاد وقراءة في مستويات غير عادية لإزاحة الممكوث في مخفي الكائنات ذات النزعة المستمرة في اسطرة تواريخها لكن من رؤية شعرية بحتة, وهو يعتمد على استعارة صورها من ذاتها في مسافة التجسيد، وهذه المسافة تحيلنا إلى التأويلات التي تبدو عليها معاني القصائد موزعة بين صانعها وفتنتها وغربتها.
" واقف كي يعبروا
واقف في الرائحة
التي غادرت من كثرة الوحشة
أما كانت لك بلاد تقيك هذه الذكرى؟
أما كانت أنهار تسدل أشياءها
فوق ظلال الذين عادوا من حروب طويلة؟"
من قصيدة – أشكو الخريف-
من الواضح أن اللغة تلعب دورها الأنبل هنا متجاوزة حالة السياق والمرجعية في كافة المستويات متناسية كمرجع سلطة اللغة نفسها... فيتم توظيفها خارج أدائها السلطوي جاعلة منها شجرة للشعر وهويته. "أشكو الخريف" يضعنا أمام دلالات عميقة فالشاعر لا يهتم كثيرا بالمنجز الشعري ولا يريد الانضواء تحت أصداء شعرية سابقة بل يذهب ناحية ترسيخ تجربته الخاصة, ونلاحظ ذلك عند قراءة قصائده على عدة مستويات حيث نستطيع كشف وفك متن قصائده من خلال إيجاد أكثر من غرض ووظيفة للغة.
في مواضيع مجموعته الأنثى- المرأة- الموت.. والمرأة كحالة رمزية تقود الشعر إلى خسارة سرمدية ولذة العزلة التي تتحقق في تشهي جسدين في لحظة واحدة أو طرحها " الأنثى" في فضاءات مفتوحة حيث يمكن إحالتها كرمز واستدلال في أكثر من معنى، وفي أغلب الحالات نشم خطواتها ناقصة ولذيذة وهناك إشارات تدل على الموت المستتب, ويتصاعد ذلك, ويتم توظيفه وتوزيعه بين مساحات محسوسة داخل النص
" هذا هو الموت
وهنا على ضفة الرغبة
يزهر الصفصاف
كي يعيد الكلام إلى بدايته"
هذه المفردة أكثر ثقلاً، تؤسس مناخات لا تخلو من روائح ورجف الموت وتحسسنا بطريقة تراجيدية بالخط الفاصل بينها وبين الحياة، وهنا الشاعر يواجه الموت بثقل كجسد يتمطى على المنحدرات حيث تتلاشى ملامحه الممعنة في الغياب/ الوقت يلاحظ أن نبرة الحزن لا تتسرب بل تسمو في رفع الكلمات برافعات المرثية ذات الوقع الجليل في محو الخطيئة وتحطيم الغضب وترويض الرغبات ضمن تحالف فني جميل وغامض كالطعنة.
التعليقات (0)