بقلم علي الظفيري:
كنت في السابق أحمل للشيخ رائد صلاح محبة كبيرة واستثنائية في قلبي .. لكن وبعد الوثائقي الذي أذاعته الجزيرة عنه قبل أيام تغير الموقف تماماً .. هذا الرجل لا يستحق المحبة والتقدير فقط .. ففي هذا الزمن الصعب الذي أنجب رجال السلطة الوطنية الفلسطينية والخارجية المصرية ومجلس الحكم العراقي وسمير جعجع ..
يكون للشيخ رائد صلاح منزلة الأنبياء والصالحين والقادة الحقيقيين في الأمم .. وهي منزلة لا يليق بها الحب والتقدير .. بل يتعداها إلى الإيمان ولا شيء غيره ..
داعية العنف والتطرف حسب الاتهامات الصهيونية .. شجرة زيتون في جسد الأمة .. تتوهم "إسرائيل" كثيراً حين تفكر باقتلاعها.. ويحتاج الصهاينة إلى درس في الزيتون لا يبدو أنهم تلقوه جيداً حتى الآن .. فهذه الشجرة دائمة الخضرة ومعمرة .. ولها قدرة على الصمود في ظروف بيئية قاسية كالجفاف والأراضي المحجرة – حالنا اليوم – كما أن رأس الشجرة يتكون من شبكة قوية من الأفرع والأغصان .. وهي رغم قصرها إلا أنها ذات جذع سميك .. يزداد سمكاً بزيادة عمر الشجرة .. كما أنها تعيش لفترات طويلة جداً .. بعض منها في القدس يقدر عمره بألفي سنة ! ويبقي السؤال: هل تعرف "إسرائيل" جيداً من هو رائد صلاح ..
وهل تعرف "إسرائيل" شجرة الزيتون ؟ !
العرب الأميركيون لم يتقاعدوا بعد .. رغم أن احتفالاتهم انطفأت بعد رحيل بوش وعصابته .. ونشاط محموم حول المفاوضات المباشرة يلوح في الأفق .. عباس يريد غطاء عربياً يعرف أنه دائماً بانتظاره .. دافئاً كما تشتهي نفسه المفاوضة .. وأوباما المهزوم فعلياً في العراق وأفغانستان يريد ترتيب المنطقة كما لو أن شيئاً لم يحدث .. إمعان الحصار على إيران وإدانة حزب الله في لبنان بقرار ظني يعرفه «سلفاً» سعد الحريري وغابي أشكنازي ومجلة دير شبيغل منذ عام، والعراق بين رجال إيران وعلاوي، والأخير أصبح حلماً عربياً هذه الأيام، يصطف العرب البائسون على بوابة الهاشمي وإياد علاوي ! وفي الطرف الآخر يقف المعجزة مقتدى الصدر وعمار الحكيم، رجال فرق الموت وعرابو الصحوات خادمة الاحتلال بقيادة الدليمي وأبوريشة يحتلون المشهد العراقي!، لكن ليس المشهد كله .. فأشجار الزيتون لم تُقلع بعد!
رؤية الشيخ رائد صلاح وهو يبتسم تبعث على الطمأنينة والثقة بالنفس العربية المحبطة .. تستطيع عبارة واحدة يطلقها هذا الرجل العربي المقاوم أن تزرع الإرادة والصمود في وجدان الأمة .. انظروا ما فعلته أشجار الزيتون الفلسطينية في ظل أبشع احتلال شهدته البشرية في العصر الحديث، عزمي بشارة الذي ظنت "إسرائيل" أنها اقتلعته من أرضه وأنهت مفعوله وفكره المقاوم .. ينثر اليوم بذور العزة والقوة والمنعة في كل أرض عربية، ومذهل جداً حجم الشباب العربي الذي يؤمن ببشارة كرمز عربي، أصبح للدكتور والمفكر والسياسي الاستثنائي العابر للأعراق والمذاهب والطوائف والأوطان الضيقة المهزومة أثرٌ في كل حبة تراب عربية .. ولم تنتهِ بعد أشجار الزيتون الفلسطينية.. إسماعيل هنية والمقاومون في غزة أشجار زيتون أغصانها وارفة .. الشيخ الشهيد أحمد ياسين وعبدالعزيز الرنتيسي اقتلعت الطائرات الإسرائيلية أجسادهم، لكن أرواحهم ودرسهم ما زال محفوراً في النفس العربية رغم أنف دائرة المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية!
أعرف آلافاً من الشباب العربي .. أعرفهم عبر الإنترنت والمطارات والمقاهي التي جمعتنا بغير أرض عربية .. من بلاد المغرب التي يهوى الإنسان فيها عروبته.. إلى الخليج الذي لوثه الوجود الأميركي الدائم والمحبب! أعرف آمالهم وإحباطهم .. سعيهم للوظائف والحياة الكريمة .. قرفهم من كل ما هو رسمي في هذه الأيام .. ضياعهم في عوالم السياسة والدين والأفكار المتلاطمة .. وغريب كيف أنه ورغم اليأس الذي تراكم عقوداً في دواخلهم .. مازالت أنفسهم خصبة لزراعة الأمل وإن صاحبته المرارة .. ولهؤلاء نقول : ازرعوا أشجار الزيتون في عقولكم وقلوبكم .. ازرعوا رائد صلاح وعزمي بشارة وخالد مشعل وحارث الضاري ومحمد الخالصي وعبدالوهاب المسيري .. وتذكروا أنا باقون هنا .. ما بقي الزعتر والزيتون ..
التعليقات (0)