تنبيهان:
1-أرسل إليّ الفنان والمبدع الأخ "حسن زمامة" –عبر البريد الإلكتروني- مجموعة من النكت حول الطاغية الدموي في ليبيا، فكان هذا الحوار بين الصديقين الآتي ذكرهما.
2-عنوان الحوار هو شطر بيت لأبي الطيب المتنبي رحمه الله، قاله لما غادر مصر بعد أن ساءت علاقته بكافور الإخشيدي، إذ قال:
وكم ذا بمصر من المضحكات ولـكـنـه ضحـك كـالـبـكـا
غير أنه تجدر الإشارة إلى أن ما ينطبق على هذا المقال هو الشطر الثاني فقط، إذ مصر الآن تنضح "ثوارا" والحمد لله.
الحوار:
"العرْبي الطايكا" و"الشرقي الزكرومي" صديقا طفولة كانت قاسية. لايزال العربي يتذكر كيف كان يرى أباه يعود أحيانا، بعد غروب الشمس، إلى المنزل، وما في جيبه سنتيم واحد، بعد أن لم يجد عملا في "المُوقْفْ". فكان يوثر ابنه الصغير، العربي، بالعشاء القليل الذي تركته له الأسرة، ويعمد إلى بعض قطع الخبز، الصلبة كالحجر، يصب عليها الماء المغلي كي تصبح طيعة تحت أسنانه المتآكلة، ثم يأكلها. كان الأب يخرج في سواد الليل –أي قبل طلوع الشمس- ويعود في سواده أيضا، أي قبل غروبها.
يتذكر الشرقي هو الآخر اعتقاله ظلما –بعد أن أصبح شابا- بتهمة "الانتماء إلى خلية إسلامية"! ويتذكر الحكم الذي صدر ضده، بعد أن "أثبت" صك الاتهام أنه سبق له أن استقبل "زعيم الخلية" في منزله بتاريخ ذكره الصك. كاد يُجَن، خاصة وأن الحي الذي كان يوجد فيه المنزل المذكور لم يكن موجودا إلا في التصميم الهندسي!!
العربي والشرقي شابان وحد بينهما البؤس والقهر والحرمان...لكنهما حافظا على إبائهما وعزة نفسيهما. وقد اكتسبا من حياة البؤس والحرمان القدرة على "السخرية السوداء" من الواقع المعيش، وحب النكتة والتندر.
التقى العربي والشرقي في مقهى هذه الأيام، أيام الثورة على مجموعة من صهاينة العرب وطغاتهم، ودار بينهما الحوار التالي:
قال العربي:
-هل تتابع أخبار العالم العربي وثوراته؟
أجاب الشرقي:
-كيف لاأتابع، وفي الحديث:" من لم يهتم لأمر المسلمين فليس منهم"؟!(1) إن قلبي مع شعوب: مصر وتونس واليمن...وشعب ليبيا خاصة!
قاطعه العربي:
-آه! الشعب الطيب هناك مبتلى بطاغية مجنون، وبأبنائه المجانين مثله، في معظمهم!
قال الشرقي:
-ويح الشعب إذا اشتهى المجنون القتل وسفك الدماء!
-نعم، وهذا مايحدث الآن! قتل...حرق الجثت...خطف الجرحى...نبش قبور الشهداء...!!
سأل الشرقي:
-أتعرف لماذا يفعل ذلك؟
أجاب العربي:
-لأنه مجنون بكل بساطة!
-لا...أبدا.
قال الشرقي ذلك، ثم تحفز لإكمال جوابه كأنه سيفشي سرا خطيرا، وتحفز العربي للإنصات كأنه سيسمع خبرا "يفتح" عليه "فتحا مبينا":
-...قيل أن القذافي خطب في أهل ليبيا وقال: "لما قمت بالانقلاب وبدأت حكم ليبيا كان سكانها مليونين فقط. الآن هم سبعة ملايين. فلي الحق في التصرف في الخمسة ملايين التي زادت كما أشاء"!
ضحك العربي وقال:
-لاتكاد تترك النكتة حتى في مواقف الحرب والألم...! يريد أن يتصرف فيهم كما يشاء، كأن شرفاء ليبيا مجموعة من النعاج يسمنهم ثم يسوقهم إلى المذبح!
رد الشرقي:
-نعم، ومن لم يسقه إلى المذبح يبقه في الحظيرة إلى أن يأتي دوره!
علق العربي:
-طبيعي، فمن حُلِقت لحية جار له، فليسكب الماء على لحيته! لكن ذلك كان من قبل. أما الآن، فالمختار رحمه الله نفض عنه غبار القبور.
تتابع الحوار وتشعب بين جد وهزل، ثم رجع الكلام إلى موضوع القذافي، فقال الشرقي:
-لقد قال القذافي أنه سيواجه الثوار "بيت بيت، دار دار، زنكة زنكة..."، فبالنسبة له هذه المواجهة هي "ثورة، ثورة..."، وقد "دقت ساعة العمل، دقت ساعة الزحف، دقت ساعة الانتصار..."!
تذكر العربي نكتة مرتبطة بالقتل والفتك، فقال:
-الخطير في الأمر أن علماء ليبيين، فيما يقال، صنعوا قنبلة نووية، ولما طلبوا منه الإذن لضرب أمريكا –عدوة الشعوب ومثيرة الحروب- نهرهم بشدة قائلا: "القنبلة صُنعت في ليبيا وسوف يتم تفجيرها في ليبيا"!
علق الشرقي مازحا:
-ياله من حرص على الثروة الوطنية! صحيح، لماذا يُصرَف "خيرنا" في غيرنا؟ دائما لنا –نحن المسلمين- القتل والتدمير والتجهيل والتفسيق والتفقير... ولغيرنا الحياة والعمران والعلم والغنى...!
سأل العربي:
-على ذكر التفسيق، أما زالت السلطة في بلدنا مستعدة لتنظيم مهرجان "موازين"؟
أجاب الشرقي:
-ربما. غير أن للقذافي سياسة مثلها. فقد ألقى هذه الأيام خطابا ذكر فيه شعار:"غنوا وارقصوا واستعدوا..."! لكنه لم يكن يعلم أننا سبقناه إلى هذا الشعار بمهرجاناتنا "الثقافية"!
علق العربي بدوره ساخرا:
-ثقافة العري والخلاعة والمجون، وفن هز البطون والأرداف...!
ثم سأل:
-...أما تعلم أن القذافي أهدى شعبه أغنية "إليسا" التي فيها: " يانعيش مع بعض حبيبي يانموت احنا الانثنين"؟
-بلى، خاصة وأنه سبق له أن أعلن أن الشعب الليبي يحبه!
أكمل العربي كلام صديقه:
-ومن لايحبه يستحق الموت!! ولذلك فالأغنية التي تُعزَف له الآن هي أغنية المطرب الأسمر، لا الأشقر كما يحب أن تكون عليه ممرضاتُه :" نار ياحبيبي نار"!
-لكنه لايحب شعبه حقا. فلو كان يحبه ما سلط عليه مجموعة من المرتزقة المتعطشين للمال والدماء.
-أما تعلم أنه استبدل حب الشعب بحب النساء؟ لقد سالوه مرة:"لماذا الحرس الخاص بك من النساء، وهن دائما وراءك أينما تذهب؟ فأجاب: "أليس وراء كل رجل عظيم امرأة؟".
-على ذكر النساء، فللرجل فتاوي تتعلق بهن.
سأل العربي:
-مثلا؟
أجاب الشرقي:
مثلا: روي أنه سُئل مرة عن النساء فصاح بجنون: "الشقراوات، الشقراوات، الشقراوات..." ثم أُغمِي عليه!
وضّح العربي:
-الشقراوات الأوكرانيات...! لدي فكرة: لماذا لايقوم أتباعه بجمع "فتاويه" النسائية تحت عنوان: "الأجوبة القذافية في المسائل النسوية" مثلا؟
عقب الشرقي:
-أقترح أن تُجمَع "فتاويه" في القضايا كلها، لاقضايا النساء فقط، تحت عنوان: "الشافي الكافي في فتاوي القذافي"، وتكون "فتاريه" النسوية في فصل خاص بالعنوان الذي ذكرت.
ضحك الإثنان، وتابع العربي:
-اقتراح "علمي" جيد. ومما يجدر ذكره في ذلك الفصل مثلا فتواه في أكل فتاة مع شاب من نفس "الآيس كريم"، إذ أفتى أنها أخته من الرضاعة إذا كان "الآيس كريم" يحتوي على حليب...!
قاطعه الشرقي:
-بما أننا نتكلم عن الفتاوي، هناك، مما نسمعه الآن في بعض الفضائيات وعلى بعض صفحات "الفايسبوك"، ما يمكن أن نسميه "فتاوي قذافية"، حتى دون أن يفتي بها القذافي، خاصة وأنها جاءت على أصوله في الإفتاء! هل سمعت مثلا بفتوى "شيخ مسيلمة" –وهو من "ورثة الشياطين" لا الأنبياء- أن التدخين لايفطر في نهار رمضان ؟
-أظنك تقصد فتوى جمال البنا! لقد أفتى الرجل أيضا بأمور أخرى غريبة! لاشك أن فتاويه "قذافية" فعلا!
-نعم، هو المقصود بعينه. ولقد علق كثير من الظرفاء على فتاويه "القذافية" تعليقات ساخرة تزري به.
-يقول المثل المغربي الدارج: "اللّي دارْ راسو فالنُّخّالا يْنْقْبوهْ الدّْجاجْ" (2).
وعلى الرغم من سنوات الاعتقال، لم ينس الشرقي تكوينه العلمي وعقليته الأصولية، بل المعروف عنه أنه اتخذ من سجنه فرصة لتعميق تخصصه في الحديث والفقه وأصوله، ولإتمام حفظ كتاب الله تعالى برواية ورش عن نافع، وبرواية حفص أيضا عن عاصم. ولذلك قال:
-للفتوى شروطها. لكن يبدو أنه أصبح يتجرأ عليها كل من هب ودب، مع أنه مما رُوِيَ: "أجرأكم على الفتوى أجرأكم على النار" (3).
أكد العربي ذلك فقال:
-الآن يفتي، كثيررون من "تتار الثقافة". والغريب أنه حتى الذين يرفضون الدين والتدين يفتون في قضايا الأمة مما لو جُمع له كبار علمائها لفكروا وأعملوا عقولهم كثيرا قبل أن يقولوا رأيا أو يستنبطوا حكما في تلك القضايا! تصور "أباجهل" و" أبالهب" و"مسيلمة" و"المقنع الكندي" وأمثالهم من أساطين الكفر والزندقة يفتون!
صاح الشرقي مذعورا:
-إذا كان مثل هؤلاء يفتون، فـَ ...واإسلاماه!!
لكن العربي تابع قائلا:
-للقذافي أيضا "فتوحات" في مجالات أخرى: في التعليم، في السياسة، في الاقتصاد...
قاطعه الشرقي:
- على ذكر التعليم، يحكى أنه زار مدارس بالمغرب ذات مرة على عهد الحسن الثاني، فوجد أساتذة الابتدائي يدونون في دفاتر التلاميذ عبارات التعزيز التربوي المعروفة: "حسن" و"حسن جدا " و"مستحسن". ولما عاد إلى ليبيا، فرض على الأساتذة أن يدونوا للتعزيز عبارات: "قذافي" و"قذافي جدا" و"مستقذف"!
صحح العربي فقال:
-الأفضل أن يفرض على المدرسين أن يذكروا عبارات: "مُعَمّر" (بصيغة الفاعل)، و"معمّر جدا" و"مستعمِر"، خاصة وانه عمّر الكرسي طويلا، حتى أنني اعتقدت أن الكرسي سيخرج في مظاهرة محتجا على احتلاله من إست واحدة منذ مايزيد على أربعين عاما (4).
قهقه الشرقي عاليا ثم قال:
-لماذا لايستقيل هذا الأحمق؟
أجاب العربي:
-لقد استقال مرة، ثم خاطب الشعب قائلا: "لقد تقدمت باستقالتي، ولكني بصفتي رئيسا للجمهورية فقد رفضتها"!
ضحك الشرقي حتى كاد يستلقي، خاصة وأن كلام العربي ذكره حادثة ً طريفة، فقال:
-هذا يذكرني بما حدث ببلدنا بعد الاستقلال الشكلي: اكترى وزيرٌ، ولنسمه "عباس"، "فيلا" من مالكها الذي يسمى هو الآخر "عباس". وكان ثمن الكراء يُستَخلَص من ميزانية الوزارة، بما أنها ملزَمة بتأمين سكن "ملائم" للوصي عليها. بعد فترة وجيزة طالب "عباس المالك" ، كتابة، "عباس الوزير" بالزيادة في ثمن الكراء. استجاب "عباس الوزير" بسرعة للطلب، لكنه زاد ماطالب به "عباس المالك" أضعافا مضاعفة، مبررا ذلك التضعيف بإدراكه للأهمية الجغرافية لموقع المسكن، ولقيمته الفلسفية والتراثية والتاريخية والسياحية والجيولوجية والأركيولوجية والفيزيائية والكيميائية والإلكترونية...وربما الفرعونية والأموية والعباسية ...إلى آخر ما جال في ذهن الوزير من كلمات من عائلة "إيّة"! فيما بعد تبين أن "عباس الوزير" هو نفسه "عباس المالك"!!!
علق العربي، مفتخرا:
-نحن قوم لنا شرف! فقد سبقْنا القذافي أيضا إلى هذه! فبعض مسؤولينا –أخي- عقليتهم "قذافية" دون علم القذافي! ينبغي على "عباس الوزير والمالك" أن يسجل براءة اختراع هذه الطريقة في نهب المال العام! والحمد لله الذي لايُحمَد على مكروه سواه.
تابع الشرقي قائلا:
-القذافي توصل هو الآخر إلى شيء لم يُسبَق إليه، وحاول تسجيل براءة ذلك الاكتشاف.
سأله العربي:
-ماهو هذا الاكتشاف؟
أجاب الشرقي:
-لقد اكتشف أن "شكسبير" الإنجليزي أصله عربي:"الشيخ زبير"، وأن "أوباما" الأمريكي أصله عربي أيضا: "أبو عمامة"...
قاطعه العربي ضاحكا:
-وأن "أرخميدس" (Archimède) اليوناني هو "الشيخ أحمد"...
لم يمنع الضحك الشرقي أن يتابع:
-لقد حاول القذافي أيضا تسجيل براءة اختراع أو سبق آخر، لما اقترح مرة الصعود إلى الشمس!
-الشمس؟! كيف حدث ذلك؟ لابد أنها نكتة!
ضحك الاثنان حتى قبل ذكر النكتة، وبدأ الشرقي يسرد:
-يروى أنه جمع كل علماء ليبيا مرة وقال لهم : "الأمريكان صعدوا إلى القمر، ونحن نريد الصعود إلى الشمس"، فرد أحدهم عليه مداريا حمقه : الشمس ذات حرارة مرتفعة أيها الزعيم، وسنذوب حتما بحرارتها حين سنقترب منها! فنهره القذافي قائلا: اسكت يا أحمق، نحن سنصعد إليها ليلا!
هنا ضحك الاثنان ضحكا لكنه كالبكاء! كل واحد منهما فكر في شيء واحد في نفس الوقت: لم يصعد القذافي إلى الشمس، ولكن شمس ليبيا كادت تغيب معه ومع حكمه. غير أن مما أثلج صَدْرَي ِ الصديقين أن تلك الشمس بدأت تسطع من جديد –ولو ببطء- مع ثوار ليبيا المنصورين بإذن الله.
___________
1-هذا الحديث يدور كثيرا على ألسنة كثير من أبناء الحركة الإسلامية، على الرغم من أنه ضعيف جدا في بعض طرقه، وموضوع في طرق أخرى كما ذكر ذلك علماء الحديث.
2-معناه: "من وضع نفسه في نخالة الدقيق نقره الدجاج".
3-الحديث رواه الدارمي مرسلا. وقد ضعفه الألباني رحمه الله. ولذلك صدّره الشرقي بصيغة التمريض (رُوِي) كما هي قواعد التحديث.
4- الفكرة للفنان المقتدر أحمد السنوسي (بزيز).
التعليقات (0)