مواضيع اليوم

"وصفة" لسياسة خارجية عراقية جديدة

ممدوح الشيخ

2009-11-11 15:10:13

0

 

محرمات السياسة وأعباء التاريخ وفخاخ الأجندات المتقاطعة

هل يجد العراقيون "الحل الوسط التاريخي"؟

"وصفة" لسياسة خارجية عراقية جديدة:
فيدرالية ودولة قوية وعلاقات متوازنة تحترم الجغرافيا.. والتاريخ


العراق ليس بلدا صغيرا ولا ضعيفا ولا هامشيا وتبعيته لطهران أصبحت مستحيلة

لأول مرة: السنة مؤهلون في المرحلة القادمة لأن يلعبوا دور رمانة الميزان

الحلم القومي الكردي سيقوض 3 دول مجاورة.. وحلم الإمبراطورية الشيعية ستطير شظاياه بعيدا!

ميلاد العراق الجديد مرهون بإزاحة منطق الإقصاء للأبد من العقل العراقي

كلما ضعفت الدولة العراقية "الجامعة" توجهت الأنظار للخارج بحثا عن نصير!

إذا تهددت وحدة العراق سيتحول إلى "ثقب أسود" يبتلع الجميع!

الأجندات الخارجية موجودة دائما ولا تتحقق إلا بالتهميش والهواجس والتفسيرات التآمرية

لا مبرر الآن لغياب السفارات العربية عن بغداد

الحفاظ على عروبة العراق يتطلب "ديبلوماسية ثقافية" عربية نشطة...متواصلة

ضعف المركز في الصيغة السياسية العراقية سيكون خطرا على سلام العالم

بقلم/ ممدوح الشيخ

 

 


انسحب الأميركيون من المدن العراقية وربما من الحياة السياسية العراقية، لكن ظلهم ما زال حاضرا في خلفية المشهد ومظلتهم المعنوية ما تزال تمنح العراقيين إحساسا بالأمن في ركن مضطرب من العالم. ورغم أن التفاؤل الشديد بأن مجرد الانسحاب الأميركي يعني انبعاث العراق الجديد كالعنقاء من بين الرماد ينطوي على قدر كبير من المجازفة والقفز في المجهول، فإن التشاؤم المبالغ فيه إزاء إمكان نضوج رؤية متوازنة لعلاقات العراق بمحيطه الجغرافي والعالم يعكس استهانة غير مقبولة بالإنسان العراقي والثقافة العراقية وهي استهانة تغرق في التبسيط المخل، بالضبط شأنها شأن الإغراق في الأحلام الوردية عن عراق المستقبل الذي لم يكن يعيق ميلاده إلا الوجود العسكري الأميركي!
وأيا كان الرأي في مشروعية إطاحة نظام صدام حسين بالقوة على النحو الذي حدث بالفعل فإن ما ولد على أرض هذا البلد من حراك سياسي وثقافي يمكن البناء عليه ويجب الحفاظ عليه وهو حجر الزاوية في استشرافنا مستقبل العراق العائد إلى ساحة السياسة الدولية بعد سنوات من الحصار وسنوات من الاحتلال تركت – دون شك – بصماتها على رؤية العراق لنفسه وللعالم، وعلى رؤية العالم للعراق.
جدل الداخل والخارج
وحجر الزاوية الذي نرى إمكان البناء عليه في العراق ليس مجرد واقع نثمنه إيجابيا بل حائط صد منيع في مواجهة كل محاولة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، فالحرية التي أعقبت زوال النظام البعثي هي بحد ذاتها "رأسمال سياسي" يمكن استثماره في بلد لا تنقصه الموارد الطبيعية، ولا الموارد البشرية، ولا الحضارة، ولا الإرادة، ولا الموقع الاستثنائي على مفترق طرق حضاري كبير بين أمم عريقة، فهذه بوابة العرب الشرقية التي ساهم في حراستها الكرد ومنها تواصلت الأمة العربية عبر التاريخ مع الترك والفرس.
وأول اختبار يواجهه العراق مع الجغرافيا أن يتحول هذا الموقع – عبر سياسة خارجية عراقية جديدة – من محرك للصراع إلى ساحة للتلاقي والحوار والتقارب والتعارف. والجغرافيا فرضت على العراق دائما أن يرنو ببصره خارج حدوده، فالأغلبية الشيعية تنو ببصرها شرقا نحو إيران حيث الروابط المذهبية والثقافية كبيرة بين شيعة البلدين، لكن ميلاد عراق جديد أصبح يستلزم توازنا بين توجه شيعته شرقا وبين ضرورة أدائهم حق عروبتهم كمكون رئيس في الهوية لا يجوز تهميشه عبر التوجه غربا وجنوبا نحو العالم العربي حتى المحيط الأطلسي.
والأقلية الكردية ترنو ببصرها شمالا وشرقا وغربا نحو الكرد في تركيا وسوريا وإيران، وطوال عهد حكم البعث كان قمع الأكراد الملف الوحيد الذي لم تختلف عليه العواصم الأربعة: بغداد وطهران وأنقرة ودمشق. وبإقرار الفيدرالية صار الأكراد "مدعوين" إلى المشاركة المتساوية بعد أن ظلوا عقودا "مطاردين"، ومن ثم وجب عليهم البدء ببناء الجسور مع محيطهم والتحول من الشكوى وتكريس صورة المظلوم إلى التعامل الإيجابي وتأكيد منطق الشراكة.
بين الحافز والعبء
ورغم أن التصنيف المذهبي والعرقي والمذهبي يعامل غالبا بوصفه "عبئا" على بناء دولة المواطنة والقانون وبلورة الهوية الجامعة إلا أنه يمكن أن يتحول إلى "حافز" وحدود الصراع يمكن أن تتحول إلى جسور تفاعل وأخذ وعطاء، وبالتالي فإن مخاوف سنة العراق الذين بدا لفترة أنهم أصبحوا فجأة "محصورين" جغرافيا في وسط العراق دون امتداد جغرافي يمكن أن تصبح من صفحة من الماضي إذا تحققت الموازنة بين الولاء الوطني للعراق الموحد من ناحية، وبين الولاءات التحتية الأخرى دينية كانت أو مذهبية أو قومية، وهو ما سيوفر الإحساس نفسه للمسيحيين والتركمان والإيزيديين و......
والبحث عن حدود الدور العراقي في محيطه وفي العالم: محدداته وواجباته ومحرماته وممكناته وأولوياته وآفاقه – بل حتى منغصاته – لا يمكن إلا أن يتأسس على الوعي الواضح، الذي تترجمه الوقائع، بالصورة الجديدة للعراق. فالفيدرالية خيار نجح في تجارب أخرى عديدة في توفير المرونة للمجتمعات ذات البنية السكانية التعددية، وبالتالي لا مبرر لرفضه بحد ذاته كشكل للتنظيم السياسي، والتجارب المريرة التي عاشتها الأقليات تحت الحكم البعث لم يكن من سبيل لطي صفحتها وإزالة مراراتها إلا بهذه الصيغة التي هي فضلا عن ذلك صمام أمان واقعي يمنع عودة حكم الفرد أو الحزب الواحد بكل ما جره على العراق من ويلات.
فيدرالية نعم..ولكن
وحتى لا تتحول الفيدرالية إلى منزلق إلى التمزق أو الحرب الأهلية فلابد من قاعدة ثقافية صلبة قوامها الاحترام العميق لوحدة العراق كسقف للطموحات القومية والمذهبية والاحترام الأعمق للتعددية كثروة عراقية حقيقية، فالهواجس لا تقتلعها الضمانات المكتوبة ولا الترتيبات العسكرية بل تقتلعها "الشفافية الثقافية" التي لا تقل أهمية عن الشفافية السياسية. ولن يولد العراق الجديد حقيقة إلا بطي صفحة الصور النمطية عن كل طرف لدى الآخر وإزاحة منطق الإقصاء إلى الأبد من العقل العراقي الجمعي. ومن أهم الشروط الموضوعية لميلاد هذا العراق الجديد الإيمان بأن الاستقواء الوحيد المسموح به هو الاستقواء بمكونات الشعب العراقي جميعا لبناء مستقبل مشترك، فالأجندات الخارجية ستظل موجودة دائما لكنها لت تستطيع النفاد إلى الواقع العراقي إلا من ثغرات الإحساس بالتهميش أو الاحتكام إلى الهواجس والبحث خلف سلوك كل الأطراف الأخرى عن مؤامرة.
وعندما يشعر جيران العراق أن دولة قوية تشد الجماعات المكونة للمجتمع العراقي نحو الداخل فإن محاولات الاختراق ستتوقف أو على الأقل لن تجد موطئ يمكن أن تتسلل منه إلى الداخل العراقي. وكلما ضعفت الدولة العراقية "الجامعة" كما توجهت أنظار مكونات الطيف العراقي نحو الخارج بحثا عن نصير قومي أو مذهبي أو ديني أو ...وعندئذ تتحول العراق إلى ثقب أسود في المنطقة يمكن – بالفعل – أن يبتلع الجميع.
الحل الوسط التاريخي
وكما أن الجغرافيا تفرض محددات لا سبيل إلى الفكاك من قيودها فإن التاريخ أيضا يفرض إكراهات لا يمكن – إلا بضريبة باهظة – القفز عليها، والعراق تاريخيا كان حصنا من أهم حصون العروبة بمعناها الواسع، وفيه كتبت بعض أهم صفحات التاريخ العربي قديما وحديثا، وعليه فإن محاولة "مسخ" عروبة العراق يمكن أن يشعل معركة هوية رهيبة تتطاير شظاياها بعيدا بل بعيدا وتطول فصولها أكثر بكثير مما يمكن أن يستمر أي صراع سياسي.
وفي المناطق التي تمثل مناطق التقاء تاريخي بين أمم وثقافات مختلفة فإن الإبقاء على الخرائط يكون الحل الوحيد، ولنا في تجارب الأمم الأخرى عبرة، فالصراع الفرنسي الألماني على الإلزاس واللورين لم ينته إلا بالاتفاق على تجريم تغيير الحدود السياسة بالقوة، والصراع في البلقان لم ينته إلا بخضوع كل الأطراف لمنطق التعايش، وهكذا....
وعندما يبني العراقيون بأنفسهم "الحل الوسط التاريخي" فسيحصلون على الاعتراف العملي بوجودهم ودورهم كقوة إقليمية وسيحصلون على الاحترام الذي يستحقونه كدولة تعددية يحكمها القانون لا الميليشيا ولا الطائفة. فضعف المركز في الصيغة السياسية العراقية لن يكون خطر على الداخل العراقي وحسب بل سيكون خطرا على سلام العالم، ذلك أن تحول كردستان إلى قاعدة لحلم قومي كردي عابر لحدود الدولة سيقوض على وجه القطع ثلاثة دول مجاورة، وتحول جنوب العراق إلى قاعدة لإمبراطورية شيعية مذهبية ستكون له عواقب تمتد في كل الاتجاهات.
وإذا كانت المحددات والمخاوف تضع قيودا وحدودا وتؤكد محرمات فإن الأجندة السياسية المباشرة لا تقل أهمية، إذ تحول العموميات إلى برنامج عمل وترتب الأولويات، وأول بنود برنامج العمل في أجندة السياسة الخارجية يجب أن تكون بناء جسور ثقة بين العراق وعالمه العربي، والمسئولية هنا مزدوجة، إذ لا مبرر في ظل الوضع الجديد لأن تبقى بغداد خالية من سفارات لكل الدول العربية ووجود سياسي يتجاوز التمثيل الديبلوماسي بكثير، فعرب العراق سيشعرون بقدر كبير من الاطمئنان في ظل هذا الوجود الرسمي العربي، فضلا عن أن الحفاظ على عروبة العراق في مواجهة التأثيرات الثقافية الكبيرة التي تهب عليه تتطلب "ديبلوماسية ثقافية" عربية نشطة ومتواصلة.
والقوى الفاعلة على ساحة السياسة العراقية الآن ليست في حاجة إلى من يقف منها موقف المتفرج أو فالعلاقة بينها وبين محيطها الإقليمي في مفترق طرق بكل معنى الكلمة، فلا القوى التي توجهت إلى إيران وجدت ضالتها في طهران أو في قم، فالأولى أرادت اتباع منطق العصا والجزرة وتحطمت آمالها على صخرة أن العراق ليس بلدا صغيرا ولا ضعيفا ولا هامشيا وبالتالي فإن من يحكمه ليس مضطرا أبدا لقبول منطق التبعية لطهران أيا كانت الروابط التي تربطه بها. أما قم فما زالت تخوض صراعا مريرا مع النجف الأشرف التي لا يدين معظم مراجعها بنظرية "ولاية الفقيه" وهو ما جعل النفوذ السياسي لمراجع قم يتضاءل باستمرار لحساب مرجعيات دينية ترى العراق مؤهلا لأن يكون مركزا منافسا لقم، وستلعب الرغبة في التقارب مع السنة دورا كبيرا في تحجيم التأثير السياسي للروابط المذهبية مع إيران.
أما السنة فحققوا نقلة نوعية بالتحول الكبير في موقفهم من العملية السياسية ودورهم في مواجهة الإرهاب، وهم مؤهلون في المرحلة القادمة لأن يلعبوا دور رمانة الميزان بين شيعة تراودهم أحلام ربط العراق بإيران في إمبراطورية شيعية تلتهم جنوب العراق وأكراد ما زالوا يركضون خلف حلم لإقامة الوطن القومي الكردستاني على أنقاض العراق وجيرانه.
وعند صياغة العلاقات الخارجية للعراق الجديد فإن العلاقات مع القاهرة أو الرياض أو الرباط يجب أن تكون أقوى من العلاقات مع طهران، فالعالم العربي يشكل الامتداد الطبيعي للخارطة العراقية المحاطة شرقا وشمالا باثنين من أكثر النظم اعتدادا بهويتها القومية (الفارسية والتركية)، فضلا عن أن إعادة بناء العراق اقتصاديا يناسبه الرهان على قوى لا مطامع له في أرض العراق ولا ثارات بينه وبين الشعب العراقي، فعندما تصبح السياسة الخارجية العراقية في خدمة مشروع للنهوض الاقتصادي والتحول من ترسانة عسكرية إلى "نمر اقتصادي" ستفتح آفاق جديدة للعلاقة مع العالم العربي.
فلتكن حدود العراق كما تفرضها "الجغرافيا" جسورا للتعايش، وليكن التاريخ العربي لهذا البلد الكبير فضاء لمستقبله.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !