مواضيع اليوم

"نهاية أمريكا".. ..و"بداية الآخرين"!

ممدوح الشيخ

2009-10-20 13:38:33

0



بقلم/ ممدوح الشيخ


mmshikh@hotmail.com


ربما كان فريد زكريا أصغر المفكرين المشاهير عالميا، ولا بأس هنا من الإشارة إلى أنه مسلم من أصول هندية فهي إشارة لها دلالاتها، وهو حاصل على الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة هارفارد، وتربطه علاقة مميزة بالرئيس الأميركي أوباما. والبعض يرى أن الرجل يتمتع بـ "مزايا سحرية" فرؤاه تحدث تأثيرا واسعا، وهو صاحب السؤال/ الصيحة "لماذا يكرهوننا؟" الذي انتشر مدويا بعد 11 سبتمبر. وفريد زكريا، أيضا كاتب افتتاحية النيوزويك الأمريكية ومقدم برنامج تلفزيوني اسمه "تبادل دولي "، كما أنه من تلاميذ المفكر الأمريكي الراحل صامويل هنتغتون.
ومؤخرا أطل زكريا على العالم بكتاب جديد يستشرف فيه مستقبل العالم يجدر التوقف أمامه، ففي ظل موجة كاسحة من الكتابات التي تتوقع انهيار النفوذ الأمريكي أو تبشر به كـ "أمنية"، يرى زكريا عالم ما بعد انفراد أمريكا بالقيادة بشكل مختلف. والكتاب رغم حداثة صدوره حظي باهتمام واسع بل يقال إن الرئيس أوباما معجب جدا به. وقبل الدخول إلى القضية التي استهوت الإعلام العربي بشكل انتقائي واضح: "ترجع مكانة أمريكا"، نشير إلى أن الكتاب يرصد أيضا تغيرات كونية مهمة في مقدمتها: "تفوق الاقتصاد على السياسة في كل مكان في العالم".
وفيما نخب ثقافية وسياسية في قارات العالم كلها تنظر بارتياح لمقولة نهاية "العصر الأمريكي" فإن الأمريكيين – بحسب زكريا – مكتئبون بسبب هذا الأفول الأمريكي، ففي استطلاع يتم يجرى دوريا بين الأمريكيين منذ ربع قرن، تبين منه أن 81 % يرون أمريكا في الطريق الخطأ، وهي حالة التشاؤم الأقصى منذ عقود، فالأمريكيون الآن يعيشون حالة دوار لأنهم أول مرة منذ الحرب العالمية الثانية لا يقودون العالم، كما أن العالم يتشكل على يد غير أمريكية!.
وعلى مستوى الرموز يتوقف زكريا أمام حقائق مثل: أعلى مباني العالم في عاصمة تايوان، وقريباً تنتقل الأسبقية لدبي، وأكبر شركة تداول في العالم في بكين، وأكبر مصفاة في العالم في الهند، وأكبر طائرة ركاب في العالم تصنع في أوروبا، وأكبر صندوق استثماري في العالم في أبوظبي، و....... بل إن هوليوود هي الأخرى تخلت عن عرشها لمنافستها الهندية بوليود.
وإذا كانت هذه تعد رموزا، فإن المؤشرات تعكس التحول بشكل أوضح، فمثلا، العامان 2006 و2007 شهدا نمو اقتصاديات 124 دولة بنسبة تتجاوز 4% سنوياً منها 30 دولة أفريقية، أي ثلثي بلدان القارة السمراء، وقد بلورت الظاهرة مصطلحاً جديداً هو " الاقتصادات الواعدة "، وهي تمتد من البرازيل والأرجنتين في أقصى غرب العالم إلى جنوب إفريقيا إلى كوريا الجنوبية والهند ثم الصين في أقصى الشرق. وقريبا يتوقع أن أكبر 25 شركة في العالم ستتوزع على النحو التالي: 4 في البرازيل والمكسيك وجنوب أفريقيا وتايوان و3 في الهند و2 في الصين وواحدة في كل من: الأرجنتين وشيلي وماليزيا، وجنوب أفريقيا، وجميعها ليست مؤشرات لسقوط أمريكا بل لصعود قوى أخرى.
وعلى عكس بول كيندى في كتابه "صعود وسقوط القوى العظمى" الذي صدر عام 1987، لا يتنبأ فريد زكريا بفقدان أمريكا مكانتها، وبدلا من تغليب منطق الانهيار يتحدث عن عالم يتسع لأكثر من منافس، وهو بذلك يحاول تأسيس منهج "وسطي" لتخيل دور أمريكا في العالم بين هوس كارهيها بفكرة سقوطها الحتمي الدرامي، ومغالاة غرور القوة التي يتبناها "المحافظون الجدد". وفي هذا الإطار يقرر زكريا في مقولات الكتاب أنه لا يكتب عن "نهاية أمريكا" بل عن "بداية الآخرين" بعد أن طال العهد بها في موقع القوة الأعظم كما يرى كثيرون.
والطريف أن بعض من أسعدهم كلام فريد زكريا عن صعود الآخرين تغافلوا عمدا عن تفسيره لهذا الصعود، وهو تبنيهم مبادئ الحرية والحوافز الفردية ومهارات المشروع الرأسمالي ودينامية الفرد والمجتمع، وجميعا معا تشكل "سبيكة التقدم الأمريكية"، ما يعني أن الرجل يرى القيم الأمريكية مفتاح تقدم القوى الصاعدة. فخلال 60 عاماً مضت حثت أمريكا دولا عديدة على نظام السوق الحر الديموقراطية والتكنولوجيا، كما أنها علمت على إفادة العالم من تقدمها وخبراتها. ولا يحاول فريد زكريا في تصوره المستقبلي التهوين من شأن هذا الصعود بل يتكلم بوضوح شديد عن أننا، ولأول مرة في التاريخ، نشهد نمواً عالمياً حقيقياً، وهو يؤدي بدوره لخلق نظام دولي تكف فيه أجزاء العالم عن أداء دور "المتفرج" وتشرع فعليا في احتلال موقع "اللاعب"، ونحن، بالتالي، نشهد مولد نظام عالمي بكل معنى الكلمة.
وأمريكا رغم هذه التحولات ستظل تنعم باقتصاد بالغ الحيوية شديد الفعالية قادر على البقاء متصدرا مسيرة العلم والتكنولوجيا والتطور الصناعي لكن بشرط واحد أساسي هو: أن تنجح أمريكا في التكيف والتواؤم مع التحديات التي تنتظرها عند منحنيات الطريق. وهي ستبقى – بفضل جاذبية ثقافتها – في موقع اللاعب الرئيس.
والجديد الذي لم تتوقف عنده التعليقات التي حفل بها الإعلام العربي على الكتاب ما تنبأ به فريد زكريا لأوروبا، فهو توقع خلال السنوات العشرين المقبلة تقهقر موقع أوروبا دوليا، فعلى مدى الفترة المشار إليها يتوقع زكريا أن حصة أمريكا لن تتغير فيما سترتفع حصة آسيا وتنخفض حصة أوروبا. وسبب انخفاض حصة أوروبا أنها لا تعمل على مواجهة التحدي الذي يجابهه النظام العالمي، المتمثل في منافسة تلك الدول الصاعدة، والطاقة الجديدة التي يمتلكونها، وهذا الأمر يستوجب "إصلاحا مؤلما" لهيكلة أوروبا وما يجب على أوروبا فعله ليس سرا لكنه يحتاج "شجاعة سياسية".
فهل نملك في العالم العربي شجاعة دخول هذا السباق سواء صعدت أمريكا أو انهارت؟
هذا هو السؤال الذي يستحق أن يشغلنا!




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !