لم
يذق طعم الجبنة إلا في العشرين .. وعرف الآيسكريم متأخراً
"مناحي" السعودي : شخصية سينمائية
تفتح باب الأمل للتغيير
بين
لحظة وأخرى يحمل الممثل السعودي فايز المالكي هاتفه المحمول؛ وبعد ثوان من الصمت يهمهم
لمحدثيه بكلمات مقتضبة لا تتعدى : "جزاك الله خيراً" أو "شكراً على
نصيحتك" بعد زوبعة أثارها فيلمه الذي عرض تجارياً في صالات سينما خاصة في
مدينة جدة غرب البلاد متسبباً في ردود فعل لا سابق لها.
ومنذ
انتهاء عرض فيلمه الشهر الفائت، الذي حضره أكثر من عشرين ألف مشاهد، لا يزال يتلقى
الاتصالات الغاضبة من رجال دين يطلبون منه التوقف عن الظهور في أفلام جديدة ربما
تجعل من السينما واقعاً لا رجوع عنه في المملكة المحافظة، خصوصاً وأنه يقرأ
سيناريو لفيلم جديد سوف يعرض هذا العام.
وهذه
هي المرة الأولى التي تُعرض فيها أفلام بهذه الطريقة المفتوحة في المملكة السعودية
حيث يمكن للجمهور شراء التذاكر، التي لم يتجاوز سعرها 15 دولاراً، رغم أنها تباع في
بلد لا يزال يحضر رسمياً افتتاح دور للسينما بسبب ضغوطات من قبل رجال دين ومحافظين
اجتماعياً.
بيد
أن هذه القاعدة تعرضت في الآونة الأخيرة للعديد من الخروقات.
يقول
أحد المدراء التنفيذيين في شركة روتانا الذي لم يفضل ذكر أسمه أن الشركة ستنتج
سنوياً ما يقارب ثلاثة أفلام سعودية تتراوح ميزانية كل واحد منها بين 600 ألف إلى
مليون دولار.
وجاء
العرض بعد موافقة أمير منطقة مكة المكرمة خالد الفيصل المحب للثقافة والفنون على
أن يكون عرضاً تجارياً مفتوحاً. ولأول مرة تم عرض الفيلم 7 مرات يومياً ما يعكس
شغف السعوديين الشديد بمشاهدة الأفلام السينمائية.
وليس
سراً أن القاعات الخاصة للعروض السينمائية بدأت تنتشر في مدن المملكة حتى وإن كان
ذلك عبر أساليب بدائية.
وفي
الرياض التي تعتبر من أكثر المدن السعودية حداثة وتنوعاً يقوم شبّان بوضع شاشات
عرض ضخمة في أقبية منازلهم أو الغرف الخارجية الملحقة بهذه المنازل لتتحول إلى
منطقة عرض سينمائية على طريقتهم الخاصة.
يقول
أحدهم وهو شاب ينتمي إلى عائلة ثرية أختار أن يسمي نفسه بدر :" الحقيقة أنا
لا أسعى للكسب المادي فغالباً ما أنفق أسعار التذاكر على الأطعمة والمشروبات التي
أقدمها للمشاهدين لكنني أود أن أجعل الشبان يشاهدون مالم يعتادوا عليه وخصوصاً
روائع السينما الفرنسية والإيرانية والصينية .. أوروباً عموماً".
وفي
الوقت الذي تتسابق فيه الصحف والمجلات الاقتصادية ومنتديات الإنترنت في تتبع أخبار
مالك هذه الشركة المنتجة للفيلم الملياردير الأمير الوليد بن طلال، الذي تقول
الأنباء أنه تعرض لخسائر موجعة في الأزمة المالية الأخيرة، فإنه يبدو أكثر إصراراً
على دعم خطوات الانفتاح بلاده ولو بشكلٍ محدود.
يقول
الفنان فايز المالكي في تعليقه على زوبعة عرض فيلمه السينمائي الأول
"مناحي" في حديثه مع "إيلاف" :"نحن لا نريد صداماً مع
أحد بل نريد إتاحة قدر معقول من الترفيه البريء للعوائل السعودية .. لا يتنافى مع
أخلاق المجتمع وتقاليده .. لقد كانت تجربة مهمة في مسيرتي الفنية ولا أظنك تتصور
حجم سعادتي".
أما
هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي يقارب عملها من عمل شُرط الآداب في
العالم العربي فقد كان لها رأي آخر تراجعت عنه بعد ضغوط من أحد أفراد الأسرة
الحاكمة حسب ما ذكرته مواقع الكترونية متفرقة، بينما أمطر رجال دين الفنان والشركة
بالعشرات من الاتصالات المستنكرة والرسائل الغاضبة.
تقول
إحدى الرسائل النصية التي أرسلت إلى هاتف فايز المحمول :" أتق الله وأعلم أن
من سنّ سنّة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة".
وأدى
فايز، الذي يحلم بأن تكون شخصية "مناحي" هي النسخة الخليجية من شخصية
"غوار" التي أشتهر بها الفنان دريد لحام، في فيلمه دور بدوي ساذج يقع في
شراك مؤامرة بقصد الثراء السريع في دبي، المقصد السياحي والتجاري في المنطقة حيث
أسلوب الحياة الأكثر تحررا.
أما
فيلمه الجديد الذي قرأت "إيلاف" فكرته الرئيسية خلسة من الفنان والعيون فيتحدث
عن مولودين يتم استبدالهما لعائلتين مختلفتين عن طريق الخطأ حيث يتربى الإبن
الأولى مع عائلة لبنانية والآخر مع عائلة بدوية في إحدى خيام الصحراء.
وتحدث
مفارقات مضحكة حينما يكتشف الأهل الخطأ الذي حدث في المستشفى ويقررون إصلاح الأمر
بأن يذهب فايز اللبناني إلى عائلته الأصلية في الصحراء والعكس يحدث للابن الآخر
الذي تربى مع أسرة بدوية.
ومن
بين العشرات من الصور التي نشرتها وسائل الإعلام في سياق تغطيتها لهذا الحدث، كانت
الصورة النجم التي نشرتها الصحف السعودية وتداولتها مواقع إلكترونية بكثرة هي صورة
شبان يؤودون الصلاة قبيل دخولهم لمشاهدة الفيلم فيما تظهر أمامهم بوسترات نجوم
الفيلم بحجم لا تخطئه العين.
يقول
محمد يحى، وهو محرر الفنون والمنوعات في صحيفة الجزيرة، عن تلك الصورة :"إنها
رسالة". ويضيف فيما تنتشر في المكان غبار تدخينه الشره قائلاً :" إنها
رسالة إلى المتخوفين من رجال الدين .. رسالة تطمين بأن السينما لا تتعارض مع الدين
أبداً".
لا
يزال فايز سعيداً بالنجاح دون أن يمنعه ذلك من استكمال نشاطاته الإنسانية في
مكافحة الفقر. خصوصاً وأنه رجل خبر الفقر لدرجة أنه لم يعرف طعم الجبنة إلا في
العشرين من عمره، وذاق الآيسكريم، بنكهة الفانيلا التي أحبها، متأخراً جداً.
غير
أنها أيام مضت إلى غير رجعة.
التعليقات (0)