مواضيع اليوم

"كلاّ وموازينو"

إدريس ولد القابلة

2012-03-21 23:04:59

0

اللهم قد بلغت


"كلاّ وموازينو" (1)


مرّة أخرى يثير مهرجان "موازين" جدلاً واسعاً أكثر من السنة الماضية. كيف لا؟ وهو المهرجان الذي يدكّ دكاً ملايين الدراهم سنة تلو سنة في مغرب مازال الفقر والبطالة والتهميش والسكن غير اللائق ومعضلات اجتماعية أخرى تقض مضجع الملايين من المغاربة "على عينيك يا بن عدّي".


ويأتي هذا الجدال هذا العام بعد الجدال الذي أثاره الراتب الشهري للمدرب الوطني لكرة القدم الذي قد يكفي لأداء أعضاء الحكومة بكاملها خلال شهر، علماً أن الوضع الذي تحياه بلادنا حالياً لا يجعل من كرة القدم من الأولويات حتى نبذر عليها من أموال الشعب الملايير من السنتيمات.


هاهو "موازين"، هذه السنة أيضاً، يُقابل بانتقادات حادّة وصارمة متكررة قبل انطلاقه. ويبدو أن مناهضيه يؤسسون أطروحتهم هذا العام على ضوء اعتبار المهرجان وجهاً من وجوه الفساد الاقتصادي وتبذير المال العمومي –بل هناك من يرقى به إلى مرتبة جريمة اقتصادية في حق الشعب- إنه في نظر هؤلاء ليس مشروعاً ثقافياً وإنما محطة "ديكورية" لتسويق صورة للبلد لدى الخارج لا تعكس وجهه الحقيقي، سيما ضخامة المعضلات التي لا تزال تثقل كاهل المغاربة وتنغص عليهم حياتهم اليومية منذ سنوات.
كما يبدو أن مطلب إلغاء مهرجان "موازين" يجد صدى واسعاً في الشارع المغربي، خصوصاً وأن كثيرين يرونه سبيلاً من سبيل التلهية على ما هو أهم، كما تم استخدام لعبة كرة القدم في مغرب الأمس.


يطالب مناهضو مهرجان "موازين" والمهرجانات المماثلة المبرمجة خلال السنة بتخصيص ميزانياتها المهمة لإنجاز مشاريع تنموية –على الأقل- من أجل تخفيف وطأة المعضلات التي تغض مضجع العديد من المغاربة ولو بقدر. وذلك تماشياً مع احترام روح المُواطنة، لأنه يمكن التخلي عن الترويح والمرح والرقص و "هزّ البوط"، لكن لا يمكن التخلي عن الشغل والسكن اللائق والخدمات الصحية وغيرها. علماً أن أصحاب هذا الرأي ليسوا ضد الترفيه والمرح، وإنما هم ضد المهرجانات التي تبذر أموال الشعب تبذيراً، لأن الأولويات القائمة حالياً –ومنها التشغيل والحد من أخطبوط البطالة والتصدي للتهميش والإقصاء والسكن غير اللائق والفقر- لا تسمح بتبذير الملايير على الغناء والرقص و"هزّ البوط" لمجرد الترويج على النفس وبدعوى خدمة الثقافة وصقل صورة البلاد في الخارج.
كثيرون هم الذين يعتبرون أن الإصرار على تبذير الملايير في مهرجان "موازين" بمثابة تحدي كبير لمشاعر الشعب المغربي إذ أن العديد من المغاربة أضحوا اليوم يرفضون رفضاً مطلقاً تبذير الأموال الطائلة في أمور تُعد من الكماليات في وقت تنقصهم الكثير من الأساسيات الحيوية الضامنة للعيش الكريم.


لقد أضحى هؤلاء –سيما الشباب منهم- يطالبون بإصرار مستميت بإلغاء "موازين" وتوظيف ميزانياته في مجالات تُقلّل من آثار المعضلات الاجتماعية التي يكتوون بلهيبها منذ عدة سنوات.


إن العديد من أصحاب هذا الرأي يعتبرون أن الإصرار على التمادي في صرف الملايير في هذا المهرجان وجهاً من وجوه الفساد ومعاكسة صريحة لما تريده أغلبية الشعب المغربي.


من ضمن ما يقوله المدافعون على مهرجان "موازين"، أنه مموّل من طرف القطاع الخاص أساساً، إلا أن الواقع الفعلي على أرض الواقع يكذب –بالحجة والدليل هذا الإدعاء، لأن هناك الملايين تقتطع من أموال الشعب لتمويله. علماً أن ميزانيته ضخمة لا تتماشى والمشاكل العويصة التي تعيشها البلاد.


فرغم ضخامة الرواتب المقدمة للفنانين الأجانب المدعوين، فإنها في واقع الأمر لا تمثل إلا 23% من الميزانية الإجمالية المصروفة لإقامة "موازين".


لقد ظلت الجهات العمومية تنفي تخصيص أموال عمومية لمهرجان "موازين"، لكن الحقيقة سرعان ما كذبت الإدعاء. إن القائمين على المهرجان صرحوا أكثر من مرّة أن 6% فقط من ميزانية المهرجان تأتي من مساهمات رسمية (أي من أموال الشعب). كما تأكد أنه في سنة 2010 قدمت مدينة الدارالبيضاء وحدها أكثر من مليون درهم للمهرجان من تحت الطاولة "حسِّي مسِّي" كما قيل أن هذه المساهمة بلغت 4 مليون درهماً سنة 2011. كما أن مساهمات بعض المؤسسات العمومية وشبه العمومية ظلت مهمة، ومنها المكتب الشريف للفوسفاط وصندوق الإيداع والتدبير والمكتب الوطني للسكك الحديدية والخطوط الملكية المغربية وغيرها، وكلها مؤسسات تابعة للدولة وأموالها تعتبر بامتياز من أموال الشعب. كما أن مجلس مدينة الرباط ساهم سنة 2011 بما قدره أربعة ملايين درهم في تمويل المهرجان، وهذه كذلك من أموال الشعب.


وقال قائل، إذا كان لابد من الترويج على النفس والترفيه على إيقاعات "موازين" لماذا لا الاقتصار على فنانين ومغنّيين محليين ليبقى مالنا عندنا ويُروج ببلادنا، وأيضا لتعزيز الفن والثقافة والتراث المحليين عوض استضافة فنانين من مختلف أنحاء المعمور، يأتون أياماً –بل سويعات معدودة- ويعودون إلى ديارهم غانمين الملايين بالعملة الصعبة، مقابل الظهور لساعة أو ساعتين أمام الجمهور، هذا ناهيك عن مصاريف إقامتهم وتنقلاتهم وحراستهم.


وقد اعتبرت هيأة حماية المال العام أن المبلغ المسلم للفنانين الأجانب سنة 2011 كاف لتشغيل 760 معطل من حملة الشهادات العليا.
لكن، هل فعلاً الأموال المخصصة لإقامة مهرجان "موازين" من شأنها أن تخفّف –ولو بقدر- من وطأة بعض المعضلات؟
لتجميع عناصر الجواب على هذا السؤال يمكن القيام ببعض المقارنات المفترضة استناداً على معطيات النسخ السالفة للمهرجان.


ففي سنة 2008 حازت الفنانة الأمريكية "ويتني هيوستن" على 890 مليون سنتيماً، وهو مبلغ كاف لضمان 2492 معلم أو 1424 طبيب في شهر واحد أو لبناء 30 شقة. وفي سنة 2011 حصلت الفنانة "شاكيرا" على أكثر من 772 مليون سنتيماً، وهذا كاف وزيادة على أداء أجرة 2161 معلم و 1235 طبيب لشهر واحد أو لتشييد 26 شقة لإيواء 26 عائلة مكونة من 5 أفراد. وحصلت الفنانة الأمريكية "ماريا كاري" على 830 مليون سنتيماً، وهو مبلغ كاف لأجرة 2324 معلم و 1328 طبيب و إيواء 28 عائلة.


وخلاصة القول، إن الغيرة عن الشعب وعن الوطن وروح المواطنة والنزاهة والاستقامة ومبدأ النهي عن المنكر، كلها تقرّ بوجوب التصدي لهذا التبذير. والإصرار على السير على نفس الدرب دون تأمل فيما قيل وسوف يُقال بخصوص هذا المهرجان هو من قبيل التعنت وشكل من أشكال الاستبداد المستتر ليس إلاّ.

(1) يعني " لكل موازينه"




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات