"كتاب" يؤكد أن اليهود ابتزوا الضمير الأوروبي بقضية معاداة السامية.. ومن العبث إضاعة الوقت في وضع تعريف "لفكرة التسامح" عند المسلمين
تمثل ظاهرة تسطيح التاريخ مشكلة من أخطر المشاكل في ثقافتنا العربية المعاصرة، حيث إننا نقحمه في كل شيء، فتجدنا نستخدمه مرة لبث الأمل في قرب نهضتنا ، ثم نعود ونستخدمه مرة أخرى لبث اليأس والإحباط واليأس، والتأكيد على أن التخلف سمة راسخة فينا منذ الأزل.
ولقد وصل التسطيح بعلم التاريخ أنك تجد رجل الشارع العادي يظن في قرارة نفسه أنه عارف بكل شيء عن تاريخنا وليس له حاجة في الاستزادة منه، ويعتقد أنه مدرك بأبعاد التاريخ منذ غادر الثانوية، وأنه لا شيء جديد يستأهل الدراسة أو يستحق المعرفة.
كانت هذه هي الكلمات التي قدم بها الدكتور سليمان العسكري، رئيس تحرير مجلة العربي، لكتاب "إعادة قراءة التاريخ" للدكتور قاسم عبده قاسم، أستاذ التاريخ الوسيط، والحائز على جائزة الدولة التشجيعية، ووسام العلوم والفنون لسعة وغزارة إنتاجه.
صدر كتاب "إعادة قراءة التاريخ، الذي يقع في نحو 208 صفحات، عن كتاب مجلة العربي بالكويت عن شهر نوفمبر، وقد قسمه الكاتب إلى محورين: الأول يقرأ فيه التاريخ العربي قراءة معاصرة.
والمحور الثاني يتناول التاريخ عند الآخر- الغرب، وكيف يرانا وكيف نراه الآن؟
في البداية اكد المؤلف علي أنه لابد أن نفهم أن "قراءة التاريخ" هي استجابة خالدة في الإنسان بغية المعرفة عن نفسه وعن الآخر، لهذا فقراءة التاريخ هي إنسانية في المقام الأول، وهذه الإنسانية تؤكد على أهمية الناس وخياراتهم الفردية، وقيمهم التي يتمسكون بها لينظروا من خلالها إلى العالم من حولهم. وفي هذا السياق يبرز المؤلف واجب المؤرخ الذي يتمثل في الوصول إلى ربط الماضي بالحاضر بطريقة خلاقة، وليس مجرد رصد للحقائق، بل إن وظيفته في الأساس بعث الحقائق بإعطائها القيم والمثل الحافزة والبناء لعصره.
وأثار المؤلف إلى أنه من خلال القراءة الدينية للتاريخ يتبين أن فكرة التاريخ عند اليهود تهدف إلى تشييد "مملكة الرب" في أرض الميعاد على يد المخلص الذي سيأتي في نهاية الزمان. وعلى جانب آخر كان من عيوب القراءة الكاثوليكية للتاريخ انها تضمنت عناصر غيبية اعتقد كاتبوها أنها من وساط السببية في الظاهرة التاريخية حتى احتكرت الأديرة إنتاج الكتب التاريخية في العصور الوسطى.
وعلى العكس كانت القراءة الإسلامية للتاريخ تهدف إلى التركيز على الجانب التعليمي التربوي الأخلاقي.
وأكد الكاتب أن فكرة التسامح كمصطلح كان عرضة لتقلبات عدة ناتجة عن سياقات نشأته التي جاء فيها، وفي محاولة منه لرصد أهم ما يحمله هذا المصطلح أكد أنه من العبث إضاعة الجهد في وضع تعريف جامع مانع له، علاوة على أن محاولة فهمه في سياقه الثقافي الذي يستخدم فيه يمكن أن يؤدي إلى فهم المزيد من الحقائق بين المناطق الثقافية المختلفة بدلا من تسويد العرب لكثير من الأوراق لتوضيح مفهومه أو لصقه بتعريفه الغربي غير المتسامح في أصله، لأن الكاثوليكية أو البروتستانتية رفعت هذا الشعار بعد عصر تفاقم فيه الصراع بين الكنيسة وبين من تمردوا عليها.
وأوضح الكاتب أن إشاعة الوعي بالتاريخ يجب أن لا تقتصر على المؤرخين فقط وإنما يجب تمكينه من خلال الأعمال الدرامية في السينما والتليفزيون، ويشير الكاتب كذلك إلى أن الفيلم التاريخي مازال يحتاج إلى اهتمام حقيقي أكبر لبناء الهوية الوطنية وذلك لإقبال الجماهير على مشاهدة التليفزيون، حيث إن النقص الذي تعاني منه الكتب تجعلهم يقبلون على مشاهدة التليفزيون والذهاب إلى السينما.
أما الجزء الثاني من الكتاب فهو الأهم على الإطلاق في فهم الحقيقة التاريخية بيننا وبين الغرب- الآخر- وهنا يتعجب الكاتب من ظهور أدب الشكوى عند اليهود ، حتى يظهروا أمام الغرب على أنهم مضطهدون، ويشير إلى أن المثير أن الحركة الصليبية في القرنين العاشر والحادي عشر كانت قد بدأت كتابة أسماء الذين ماتوا إبان تلك الحملات على الشرق، لكن استحدث اليهود أدبا خاصا بهم من تلك الفكرة ليسجلوا فيه ضحايا الاضطهادات اللاحقة. مشيرا إلى أن مذكرات "ماينس " استخدمت من قبل جماعة تسمت بـ"جماعة يهود ماينس" للفخر بماضيها المجيد وتضحياتها في سبيل الرب وشعبه المختار. مؤكدا ان قضية معاداة السامية ابتز بها اليهود الضمير الأوروبي، منتقدا الباحثين اليهود الذين تحدثوا عن الاضطهادات الصليبية ضد يهود أوروبا تحت عنوان مثير هو "الهولوكست الأول"، في الوقت الذي تعرض فيه المسيحيون في سهل البلقان لنفس الوحشية التي تعرض لها اليهود، مؤكدا على أن آلة الدعاية الصهيونية دأبت على اجتزاء ما يخص اليهود وتضخيمه، مع أن ما يرتكبه اليهود الآن بحق المسلمين أشد شناعة وفظاعة.
وفي نفس الإطار الذي لابد أن نرى منه الآخر أكد عبده قاسم على أن مصطلح الحروب الصليبية الذي صرح به بوش الابن عقب تفجيرات سبتمبر واعتبره "زلة لسان" بعد ذلك، هو تأكيد للدلالة الاستيطانية الموجهة إلى المنطقة العربية. وذلك لأن الغرب بدأ ينظر إلى الخطر الأخضر- الإسلام- بعد انتهاء الخطر الأحمر الشيوعي بتفكك الاتحاد السوفيتي، وأن الترويج لفكرة الخطر الإسلامي الذي يتهدد الحضارة الغربية التي لابد أن تخلق لنفسها عدوا تواجهه حتى ولو كان وهميا، حيث جاءت الفكرة التي روج لها "برنارد لويس" وهي أن الصراع التاريخي بين الإسلام والحضارة الغربية المسيحية- اليهودية- قدر مكتوب لا فكاك منه. وزاد الأمر عندما صدر كتاب "صراع الحضارات" للكاتب هنتنجتون، والذي لقي اهتماما مريبا من وسائل الإعلام الغربية على الرغم من بعض الأصوات العاقلة التي تدعو إلى حوار الحضارات وفهم الإسلام والخروج من نزق فكرة الخطر الإسلامي.
لكن ما يزيد فكرة الصراع وضوحا لدى الطبقات الشعبية هي الأغاني الشعبية التي تحث الناس على الحروب الصليبية على البلاد البعيدة- الوطن العربي- التي تقول:
إنك لمحظوظ أيها الفارس .. لأن الرب دعاك لمساعدته.. ضد الأتراك والمسلمين
وفي أغنية صليبية أخرى تدعو إلى الجهاد ضد "أعداء الرب":
إنه يدعوكم الآن لأن الكنعانيين.. وأتباع زنكي.. قد مارسوا الكثير من الحيل الشريرة ضده.. وعليكم أن تكافئوهم الآن بما يستحقون.
من هنا تتأكد فكرة رؤية الآخر لنا ليس فقط على مستوى الطبقات الأرستقراطية بل أيضا في طبقة العامة.
التعليقات (0)