مواضيع اليوم

"فلسطين المبدعة".. حينما تصبح الكلمة متراسا لنضال الشعوب

kouldoun zaraa

2009-12-25 16:31:21

0

"فلسطين المبدعة".. حينما تصبح الكلمة متراسا لنضال الشعوب

 

عبد المجيد دقنيش

أبوظبي- صدر للشاعر السوري هادي دانيال في المدة الأخيرة عن دار نقوش عربية كتاب "فلسطين المبدعة"، وقد تميز الكتاب الذي جاء في 144 صفحة بالاخراج الأنيق الذي جسدته لوحة من تصميم الفنان التونسي المتميز عادل التليلي، حاولت محاكاة المضامين المختلفة التي تضمنها هذا الأثر.

ولعل المتصفح لكتاب "فلسطين المبدعة" يلمس الاضافة المهمة التي يمكن أن يحققها مثل هذا الأثر وذلك لتضمنه قراءات نقدية جادة حاولت تتبع بعض التجارب الابداعية الفلسطينية المتميزة على غرار محمود درويش ومعين بسيسو وغسان كنفاني وفدوى طوقان ويحي يخلف وأحمد دحبور ونصري حجاج.وقد انقسم الكتاب الى ستة فصول راوحت بين "الرموز" و"الشعر" و"الرواية" و"القصة القصيرة" و"الفن التشكيلي" و"السينما" وتعرفنا من خلالها على صور من المشهد الأبداعي الفلسطيني في الداخل والخارج عبر فترات زمنية متباعدة فنقرأ مثلا عن "حنا أبو حنا في كتابه عن شعراء فلسطين الاوائل" ونكتشف صورة "معين بسيسو في 88 يوما خلف متاريس بيروت" ونتعرف على تيمة شعر وسيرة "فدوى طوقان في رحلة جبلية،رحلة صعبة" ويرحل بنا الشاعر هادي دانيال عبر بحور محمود درويش وتفاصيل زياراته الكثيرة الى تونس.كما يطل بنا هذا الكتاب على عوالم الشاعر الفلسطيني الكبير أحمد دحبور من خلال ديوانه التاسع "هكذا" الذي يكمل حكاية "الولد الفلسطيني وثوابثه وتحولاته"، ولابد من المرور عبر بوابة السينما من خلال فيلم "ظل الغياب" لنصري حجاج الذي يجسد الصورة المغيبة للفلسطيني الذي يبحث عن مأوى أو قبر يسكنه في حياته أو في مماته ونكتشف "بلاغة الصورة ومصداقية المعلومة وحميمية السرد".

يحتفي كتاب "فلسطين المبدعة" بالقدس عاصمة للثقافة العربية وبطريقته الخاصة يعبر الكاتب هادي دانيال عن حبه والتصاقه الدائم بكل ما له صلة بالقضية الفلسطينية وهو الذي انضم الى منظماتها وعاصر ثوارها ومبدعيها مذ كان شابا، وهو ما حاول أن يلخصه في مقدمة كتابه هذا حيث يقول" عندما فاتحت صديقي الأعز الدكتور المنصف الشابي، باصدار هذا الكتاب "فلسطين المبدعة" عن دار نقوش عربية التي يديرها تحية منا الى القدس عاصمة الثقافة العربية، توهجت تلك اللحظة في وجداني وعقلي وتلامعت في مخيلتي أسماء أبرز من حملت تلك المرحلة من المشهد الثقافي الفلسطيني بصماتهم، فانتقيت جزءا يسيرا مما توفر عندي من مقالات تلك الفترة وبعض ما كتبته في فترة لصيقة بها بعيد خروجنا من بيروت الى تونس، لأنشئ لاحقا مقالات تناولت نتاجا جديدا لأسماء عرفناها في بيروت كما أشرت أعلاه ولأخرى لمعت في مسار النضال الثقافي والسياسي الفلسطيني داخل الأرض المحتلة.

ولئن كان أول ما قد يؤخد على هذا الكتاب -وأقر به- انتقائيته غير المنهجية،فانني أذكر بأنه حهد شخصي يبقى قاصرا على مستوى الاحاطة بالمشهد الابداعي داخل فلسطين وخارجها.

وهنا لا أقدم عملا ببلوغرافيا،ولا دراسة شاملة، بل محاولة اقتراب من نتاجات أسماء قريبة الى شخصي المتواضع، لكن أحدا لا يمكنه التنكر لقيمتها الابداعية الفاعلة في المشهد الثقافي الفلسطيني.

وقد سعيت الى أن يكون هذا الكتاب مؤثثا بقراءات جادة تنهض على ملاحظات نقدية صدرت عن تضافر الحرص والمحبة في أن،وتكتنز قناعتها بأن تسهم بهذا القدر أو ذاك في اعادة طرح أسئلة الابداع الفلسطيني المتعلقة بالمعنى والمبنى، فكثيرة هي الأسماء التي ستكون حاضرة بغيابها، كما يقال، وهذا بالتأكيد لا ينقص من قيمتها،بل قد يحدو أخرين الى بذل جهدا مماثل أو أهم من هذا الجهد يفيها حقها.

وهذا الكتاب في جانب منه استجابة لأبرز مكونات ذاتي الابداعية والانسانية، فلم أتكاسل عن التقدم خطوة واحدة على طريق الألف ميلنلايفاء الثقافة الفلسطينية بعض حقها، وهي عندي كانت ولاتزال وأرنو الى أن تبقى الأخصب في المشهد الثقافي العربي العام.

ان الاضافات النوعية التي ما فتئ يقدمها متقفوا ومبدعوا الشعب الفلسطيني الجبار معاناة وصمودا،في مجالات وأجناس وأشكال الثقافة والفكر والابداع كافة،تؤهل العاصمة العتيدة لدولة فلسطين الحرة المستقلة ذات السيادة الوطنية،ليس فقط لأن تكون عاصمة الثقافة العربية لسنة 2009، انما تجعلها، وهي قمينة بذلك، عاصمة للثقافة العربية الان ومستقبلا لان القدس رمز الوجود العربي محتلة ومحررة."

ان القراءات النقدية المقدمة في كتاب "فلسطين المبدعة" تتجاوز قيمتها البعد الثوثيقي التأريخي،لتجلو وتعبر عن ذاكرة شعب وذاكرة أمة اختصرنها المسافة الابداعية بين ابراهم طوقان أول شعراء الانتفاضة ومحمود درويش أخر الشعراء الرواد المغادرين.وفضلا عن ذلك يكشف لنا الكتاب عن قامات ابداعية فلسطينية لا تعرفها أجيال اليوم مثل الشاعر والناقد حنا أبو حنا الذي حاول هو بدوره تسليط الضوء على بعض التجارب الابداعية الفلسطينية التي عاصرها من خلال عدة كتب على غرار كتابه "ثلاثة شعراء: ابراهيم طوقان، عبد الرحيم محمود، عبد الكريم الكرمي-أبوسلمى".

وفيه يرصد حنا أبوحنا حيوات شعراء فلسطين الثلاثة الاوائل وتجاربهم الشعرية وتموقعها العضوي في أفق النضال الفلسطيني،طامحا بذلك "الى اثراء الهوية الثقافية" الفلسطينية على حد تعبيره".كما لا يفوتنا أن نشير الى أهمية القراءة النقدية التي تعرضت الى الاجتياح الاسرائيلي لبيروت سنة 1982 عبر كتاب معين بسيسو "88 يوما خلف متاريس بيروت" وقد كان حدت الاجتياح مناسبة سجل فيها العديد من المبدعين "انطباعاتهم وأصدروها في كتب تباينت نصوصها أجناسيا وعلى مستوى التحقق الابداعي" ولكن كتاب معين بسيسو قد جاء مختلفا عن بقية الأثار الابداعية لأنه "ضم بين دفتيه المقالات التحريضية واليوميات والقصائد" فنقرأ في فصله الأول بنبرة معين بسيسو التحريضية الساخرة هذا المقطع المعبر"اشربوا حبركم/وابتلعوا الورق/وعلقوا على حبل الغسيل/برقياتكم/وعلقوا الخطب/وقولوا/أي شيء لنا/أكتبوا أي شيء لنا/ادهنوا أصواتكم/بدخان الغضب/ضعوا على وجوهكم/أقنعة اللهب/ولاتقولوا شيئا واحدا/لا تقولوا/اننا عرب..".

وفي محطة ابداعية فلسطينية أخرى نقف عند تجربة متميزة هي للشاعرة فدوى طوقان، ومن خلال كتابها "رحلة جبلية رحلة صعبة" نتعرف على أصداء من سيرتها الذاتية والشخصيات المحيطة بها والتي طبعت حياتها وقد أكد الشاعر سميح القاسم في مقدمته لهذا الكتاب على "أننا لسنا هنا ازاء مجرد سيرة ذاتية أخرى بقدر ما نحن ازاء شهادة ثقة على الانشطار الهائل بين الحلم الجامح من حهة والواقع المعقد من حهة أخرى" ويضيف الكاتب هادي دانيال في تفصيل وقائع هذا الأثر "ولم يجانب القاسم الصواب عندما عد هذا النص "مزيجا رائعا من وقائع التاريخ ونوازع الروح،برشاقة وشفافية وبوح أليف" بل كان قوله "حين يكشف الانسان عن ذاته فانه يكتشف هذه الذات" لأن" مثل هذه الكتابة تأخذ بأيدي الأخرين على طريق النور، طريق الكسف والتخطي،على المستويين الفردي والجمعي" يلامس نبض كل صفحة من هذا الكتاب".

فعلا هي سيرة حياة مليئة بالمتناقضات والمنعرجات لكاتبة عصامية التكوين "كانت تحلم بامتلاك جناحين طليقين ولكن صفعات الواقع كانت تهوي "عليها وتردها" مستلبة الأحلام ضائعة الأمنيات".

ولأننا لا يمكن أن نذكر الابداع الفلسطيني دون التعرض الى "أيقونة فلسطين الثقافية" محمود درويش فان الناقد هادي دانيال قد أفرد له تلاث مقالات تعرضت الى زيارة درويش الى تونس ومن خلالها استرجع كاتبنا ذكرياته وعلاقته بهذا المبدع المتفرد الذي وصفه ب"مطر الدافئ في خريف قريب".

وحملت المقالة الثانية رسالة خفية أكد عليها العنوان الذي جاء في شكل صرخة "الى المطبوعين بالجهالة من سلالة حنون".

وحاولت المقالة الثالثة توديع محمود درويش وتأبينه بنص جميل يقترب من الشعر جاء بعنوان "برحيله وجدان العالم يفقد توازنه...محمود درويش يتفقد أرواحنا ويغيب"
ونقتطف منه بعض الكلمات حيث يقول "هكذا اكتملت "لعبة النرد"؟... من شاء أن تفيض روح عراب الفراشة في سماء هذه الولايات المتحدة الأمريكية؟، التي على أرضها كان "سرحان يشرب قهوته.. ويضيع"، وعلى سلالم هوائها حرنت روح راشد حسين قبل واحد وثلاثين عاما مصرة أن للسماء معراجا واحدا يقصده الأنبياء والشعراء،فما أطول اسراء روح الشاعر الفلسطيني الى أرض المعراج،أرض فلسطين،وما أشد وعورتها؟ أبلهب الحياة احترقت فراشة محمود درويش أم ببقايا حريق التهم بيت صديقة وزميلة ومواطنه راشد حسين في نيويورك؟ ياللصدف التي تسربل تراجيديا "شعب الجبارين" ولكن ليس صدفة أن يكون لرحيل الشاعر بين قلوبنا وأرواحنا كل هذا الأثر.

كأنه منذ اعترضته صدفة "عصافير بلا أجنحة" أخد على عاتقه أن يحول الزغب ريشا ملونا ويرسم للأجنحة أفاقا واسعة وأن يربي وجدان العالم المحاصر باليتم والرمال".

ويضيف "برحيله يهتز وجدان العالم ويفقد توازنه،ذلك أن شعر محمود درويش ورمزيته كانا غذاء أساسيا لهذا الوجدان الكوني الذي يتهدده خطر التصحر في ظل سيادة القيم الاستهلاكية والتشيء العولمي لكل ماهو انساني.وهذه الحقيقة تفسر صدى الحدث الجلل وردود الفعل التي لم تقتصر على النخب الثقافية والسياسية، بل جاوزتها الى عامة الشعب في مختلف البلدان، فكل كائن بشري انتابه احساس مفاجئ بأنه يفقد عزيزا كان يحسبه أكبر من الغياب، وبأن عالمنا يجرد من أحد عناصره الخيرة والجميلة.ولكننا نحن الذين ترك لنا الشعر وفلسطين راية الحرية وساريتها لا نزال في لحظة ذهول،بينما محمود درويش يتفقد أرواحنا..ويغيب".

ومثلما أٌقر الكاتب هادي دانيال الى أن هذا الكتاب لا يمكن أن يأتي على كل التجارب الابداعية الفلسطينية لذلك فهو انتقائي بالأساس، فإننا في الأخير لابد أن نقر كذلك الى أن القراءة السريعة المتواضعة وهذه الورقات البسيطة لا يمكن أن تأتي على كل ما ورد في هذا الكتاب.

ومع ذلك لا أحد يستطيع أن يمر بين سطور هذا الأثر دون أن تشده أحداث وشخصيات روايتي يحي يخلف "بحيرة وراء الريح" و"ماء السماء".

وكذلك لا يفوته أن يكتشف بكل لذة تجربة المبدع والقاص الفلسطيني أكرم هنية الذي لا يعرفه الكثيرون رغم أن في رصيده "ست مجموعات قصصية وكتاب في الشأن السياسي هو "أوراق كامب ديفيد"".

كتاب "فلسطين المبدعة" يستحق أكثر من قراءة وأكثر من تأويل وهو ببساطة مرجع مهم لكل من يريد التعرف على تاريخ المشهد الابداعي الفلسطيني بكل مراحله. وسيرة شعب جعل من الكلمة متراس

  للنضال ضد القوى الظالمة.

المصدر

Alarab Online. © All rights reserved




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !