بقلم/ ممدوح الشيخ
mmshikh@hotmail.com
فيلمان وثائقيان يعرضان في الجزائر فتحا جرحا عميقا في الذاكرة الجزائرية وكشفا عن جريمة رهيبة ارتكبها الفرنسيون على أرضها، الفيلمان هما: "ريح الرمال" للمخرج العربي بن شيحة و"اليربوع الأزرق" للمخرج جمال وهاب، وأحدث فيلمه ضجة كبيرة عند عرضه بباريس. والفيلمان يوثقان جريمة التفجيرات النووية الفرنسية في الجزائر، وتعود قصتها إلى إجراء أول تجربة لقنبلة ذرية في 13 فبراير 1960 بـمنطقة "رقان"، وهي العملية التي أطلق عليها "اليربوع الأزرق". وتضمن الفيلمان شهادات لأشخاص كانوا معنيين مباشرة بالتجربة: جنود قدامى كانوا بالمكان وسكان المنطقة، ومختصين. وقد أجمعوا على غياب الإعلام من قبل قيادة الجيش الفرنسي حول التجربة وعدم توفير الحماية للجنود والسكان المجاورين، فضلا عن اللامبالاة التي أظهرها وزير الدفاع الفرنسي آنذاك، وما زال هناك إصرار فرنسي على عدم الاعتراف بالعواقب الوخيمة للتجارب على السكان والبيئة.
أحد الخبراء أكد أن "اليربوع الأزرق" كانت قنبلة سياسية، حيث أراد "ديغول" إدخال فرنسا النادي النووي بأي ثمن فتم إجراء التجارب على عجلة وكان الأمر مجرد ترقيع لا غير، ولإعادة تركيب صورة التجربة اعتمد مخرج "ريح الرمال" على صور من الأرشيف ووثائق شخصية، ويروي عدد من قدامى الجنود أنهم لم يحاطوا علما بالأخطار التي كانوا عرضة لها، واستعاد بعضهم كيف تم توجيههم لموقع التفجير "نقطة الصفر" لاسترجاع عتاد تعرض للإشعاع النووي وهم يرتدون بذلات من الصوف وكيف تعرضوا للإشعاعات، وعرض الفيلم شهادات سكان مدينة "رقان" الذين عايشوا الجحيم في تلك المرحلة....أحد الجنود القدامى قال بمرارة "لقد عوملنا مثل فئران التجارب".
وقد سمح النقاش الذي نشطه المخرج ورئيس جمعية ضحايا التجارب النووية ميشال فيرجي بتقييم الكفاح القائم حاليا لحمل فرنسا على الاعتراف بالضحايا وتعويضهم، وتطرق ميشال فيرجي للقانون الذي اقترحته وزارة الدفاع الفرنسية، مشيرا إلى أنه تم تعديل مشروع النص 4 مرات بحيث يصبح الوزير هو الذي يقرر شخصيا تعويض الضحايا. وقد اقترح نائب فرنسي عرض الفيلمين في الجمعية الوطنية الفرنسية قصد إعلام النواب بالحقيقة البشعة للجريمة.
والتفاصيل التي كشفت عنها المناقشات تبعث على الرعب فأول تجربة تمت بمشاركة خبراء إسرائيليين وكانت طاقتها تعادل 3 أضعاف قنبلة هيروشيما اليابان. وبعض التجارب جرى سطحيا ووصلت طاقة كل قنبلة ما بين 10 إلى 70 كيلوطن. وأتبع "اليربوع الأزرق" تفجير "اليربوع الأبيض" (1 أبريل 1960)، ثم "اليربوع الأحمر" في نفس السنة، و"اليربوع الأخضر" (25 أبريل 1961). أما التجارب النووية الباطنية فوقعت في منطقة جبل "إينكر"، وبلغ عددها 13. وهناك أيضا تفجير فاشل (22 مارس 1965)، وكلها وقعت في أنفاق حفرها جزائريون معتقلون داخل الجبل. ومن أبرز التفجيرات الباطنية واحد أطلق عليه "مونيك" (18 مارس 1963)، وبلغت طاقة تفجيره 120 كيلو طن.
ويحكي سكان المنطقة كيف أن المكلفين بالتجارب كانوا يميزون السكان الذين استعملوهم كفئران تجارب بقلادات معدنية تحمل أرقاما تسلسلية لمعرفة تأثير الإشعاعات عليهم. كما أصيبت الصحراء جراء تلك التفجيرات بأنواع غير مسبوقة من الأوبئة والأمراض، حتى أصبح السكان يؤرخون بها فيقولون: "عام الموت" و"عام السعال" و"عام الجدري". وكشف الباحث الفرنسي المتخصص في التجارب النووية الفرنسية برينو باريلو، أخيرا، فإن السلطات الفرنسية استخدمت 42 ألف جزائري "فئران تجارب" في التفجيرات. وعرض باريلو صوراً لمجاهدين جزائريين مصلوبين يلبسون أزياء عسكرية مختلفة، وصوراً أخرى عن حجم الدمار الذي أحدثته القنبلة على البيئة، وما آلت إليه معدات عسكرية (طائرات ومدرّعات) كانت رابضة على بعد كيلومتر من مركز التفجير. وأوضح أنّ الفرنسيين تعمّدوا الإكثار من ضحايا التجريب وتنويع الألبسة، للوقوف على مستوى مقاومة البشر للإشعاعات النووية على مسافات مختلفة. معتبرا أنّ فرنسا مَدينة للجزائر بسبب هذه التجارب.
الجريمة تطرح الكثير من الأسئلة أولها سبب غياب هذه الحقائق عن إعلامنا الذي لا يفوته أن ينقل كل ما هو تافه شرقا وغربا؟ وهل تغير هذه الحقائق "الصورة الوردية" لديجول الديجوليين في الوعي العربي؟ وما دلالة هذا السلوك البربري من فرنسا التي يحرص كثيرون على تلميع صورتها سياسيا وثقافيا؟ أم ترى: "غفر لها التنوير ما تقدم من ذنبها وما تأخر"!!
وأخيرا ماذا لو كانت هذه جريمة أمريكية؟
التعليقات (0)