بقلم/ محمد أبو علان:
في اليوم الذي عقدت فيه حركة فتح مؤتمرها السادس في بيت لحم جاءت الرسالة من الجانب الإسرائيلي للمؤتمرين هناك، الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" أعلنها بصراحة إن الشعب الفلسطيني يسعى لتحقيق السلام مع إسرائيل، مقابل إعلانه أن للشعب الفلسطيني حق في المقاومة بكافة أشكالها لتحقيق حقوقه الوطنية.
الرسالة الإسرائيلية جاءت متزامنة مع إعلان الرئيس الفلسطيني لسعيه لتحقيق السلام وعلى لسان رئيس دولة الاحتلال الإسرائيلي "شمعون بيرس" ، رسالة جاءت بروح تهديدات مباشرة من قرارات "متطرفة " قد يتخذها مؤتمر فتح السادس على حد تعبيره، وبروح التهديد بالتفوق العسكري الإسرائيلي غير التقليدي لفرض السلام وفق مفهوم الاحتلال للسلام، وكان هذا الموقف الإسرائيلي جلي وواضح من طرح موضوع التسلح النووي في الشرق الأوسط بقوة من خلال ثلاثة أمور كانت في يوم افتتاح المؤتمر الفتحاوي.
أولها زيارة رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي لمفاعل ديمونه، زيارة لها معانيها ودلالاتها السياسية والأمنية، خلال هذه الزيارة شكر "نتنياهو"العاملين في المفاعل النووي الإسرائيلي على دورهم في الحفاظ على أمن الدولة وحمايتها.
والأمر الثاني كان تصريحات رئيس دولة الاحتلال الإسرائيلي "شمعون بيرس" خلال اجتماعه مع وفد الكونغرس الأمريكي الذي جاء لزيارة دولة الاحتلال الإسرائيلي وللتضامن معها، بيرس صرح "إذا فوتنا فرصة تحقيق السلام الشرق الأوسط سيصبح منطقة تسلح نووي، وهنا سنكون وصلنا لنقطة اللاعودة".
أما الأمر الثالث فكان ما كشفته صحيفة "التايمز" اللندنية حول مشروع التسلح النووي الإيراني استناداً لمصادر مخابراتية، الصحيفة نقلت "إيران استطاعت وضع يدها على تكنولوجيا تركيب وإنتاج رؤوس نووية، وهي بانتظار قرار وتوجيها المرشد الروحي "خامنئي" للبدء بعملية التركيب والإنتاج"
الصحيفة اللندنية تابعت القول "في العام 2003 استكملت إيران الأبحاث التي تؤهلها لإنتاج رأس نووي، وهي مستعدة لإنجاز القنبلة النووية خلال عام، وفي حال أرسل المرشد الروحي توجيهاته لإنجاز القنبلة الذرية تحتاج إيران لستة أشهر لتخصيب الكمية الكافية من اليورانيوم، وستة شهور أخرى لتركيب الرؤوس النووية"، هذا الوضع النووي الإيراني كان نتاج جهود مئات الخبراء والباحثين، ومئات مليارات الدولارات لتطوير تكنولوجيا عسكرية إلى جانب تكنولوجيا مدنية في هذا المجال.
"شمعون بيرس" يحاول كعادته ممارسة لعبته الدعائية الزائفة في تسويق نفسه كرجل طامح لتحقيق السلام في الشرق الأوسط، والسلام الذي يؤمن به رئيس دولة الاحتلال الإسرائيلي سلام من نوع خاص يتوافق مع اللعبة الإسرائيلية في هذا المجال والقائم على ضمان التفوق العسكري لدولة الاحتلال الإسرائيلي من خلال عدم خضوعها لأية مسائلة أو تفتيش دولي في المجال النووي، أو أية محاسبة على استخدامها الأسلحة المحرمة دولياً، وهذا من يتضح جلياً من خلاله قوله لوفد الكونغرس الأمريكي " العالم ملزم بمنع إيران من التسلح النووي"، بمعنى آخر دولة الاحتلال الإسرائيلي خارج هذه اللعبة ومسموح لها التسلح النووي وبالشكل الذي تريد.
وعلى الرغم من وضوح معالم عملية السلام المطلوب تحقيقها في الشرق الأوسط وفق القرارات الدولية والقائمة على أساس دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس على حدود الرابع من حزيران1967، وحق العودة للاجئين الفلسطينيين لوطنهم، وانسحاب دولة الاحتلال الإسرائيلي كذلك من كافة الأراضي العربية المحتلة في لبنان وهضبة الجولان السورية يخرج علينا "بيرس" بتساؤلات عن فحوى وطبيعة السلام المنشود وكأن الحديث بدء عن موضوع السلام من يوم أمس فقط، وتساؤله الأول كان " أي نوع من السلام نستطيع أن نحقق؟"، "وماذا سيجري إن لم نحقق السلام؟"، وفي اعتقاد "بيرس" إن تفويت فرصة تحقيق السلام ستحول الشرق الأوسط لمنطقة نووية وخارج السيطرة.
وهذه المواقف تشير بوضوح لتوجه رئيس دولة الاحتلال الإسرائيلي لمبدأ التفوق العسكري الإسرائيلي في مختلف المجالات ومنها التسلح النووي كأسلوب لبقاء وديمومة الاحتلال الإسرائيلي ودولته بعد فشل مشروعة السابق الذي قاده سابقاً تحت عنوان الشرق الأوسط الجديد، وما الحديث عن السلام إلا لذرو الرماد في العيون.
كما أن هذه التصريحات تشكل رسالة إسرائيلية للإدارة الأمريكية في إن دولة الاحتلال سائرة في مشروعها الرافض للسلام الحقيقي في المنطقة على الرغم من محاولات الإدارة الأمريكية إعطاء انطباع للعرب بأنها شيء مختلف عن سابقتها من الإدارات الأمريكية، وما يدعم هذه المواقف الإسرائيلية وجود جزء من المؤسسة السياسية الأمريكية رافضه لتوجهات الرئيس الأمريكي تجاه دولة الاحتلال الإسرائيلي، هذا ما صرح به رئيس وفد الكونغرس الأمريكي بقوله لرئيس دولة الاحتلال الإسرائيلي " نحن أكبر وفد تضامني في تاريخ الكونغرس الأمريكي يأتي للتضامن مع إسرائيل، والهدف من الزيارة تقوية وتوثيق العلاقة بين الطرفين".
وإن أردنا إجمال أقوال رئيس دولة الاحتلال الإسرائيلي ووضعها في سياقها الحقيقي، وتوضيحها لمن على عيونهم غشاوة فيما يتعلق بعملية السلام المزعومة، نقول دولة الاحتلال تسعى لضمان توفقها العسكري من خلال سعيها لتصفية المشروع النووي الإيراني، وتكريسها لفكرة زائفة بأن الخطر على الشرق الأوسط يأتي من إيران وليس من دولة الاحتلال الإسرائيلي.
ومن يريد السلام مع دولة الاحتلال عليه القبول بما تطرحه دولة الاحتلال من مفهوم عن هذا السلام والقائم على يهودية دولة الاحتلال، وتهجير الفلسطينيين في المناطق المحتلة في العام 1948، والمستوطنات القائمة في المناطق المحتلة هي جزء من دولة الاحتلال، والقدس هي العاصمة الأبدية لدولة الاحتلال.
فهل سيلتقط العرب بشكل عام والمؤتمرين في بيت لحم بشكل خاص رسالة دولة الاحتلال الإسرائيلي بالشكل الصحيح لبلورة الرد المناسب عليها والذي يجب أن يتوافق مع روح القضية الفلسطينية، وحقوق الشعب الفلسطيني، وإن الحديث عن مقاومة شعبية في ظل احتلال يتسلح نووياً لن يكون قرار وخطوة في الاتجاه الصحيح، ولن يفهم الحديث عن المقاومة الشعبية فقط إلا خضوع وقبول بالتهديدات الإسرائيلية.
moh-abuallan@hotmail.com
التعليقات (0)