مواضيع اليوم

"سالي" .. رويال .. IT .. مع التحية!

محمد غنيم

2009-04-08 08:36:57

0

بينما ترتفع عالياً، أبراج وفنادق تجارية ضخمة، وتنشر المطاعم والنوادي والمولات الكبيرة المفتوحة، ويصبح الإنترنت وسيلة يومية يقوم باستخدامها نسبة كبيرة من أبناء المجتمع في الأردن، بين هذه الارتفاعات، تستطيع أن ترى في قاع العاصمة عمّان، أمور وشؤون تكاد تكون لا تصدقـ في زمن باتت تظهر فيه بعض الحكايات كأنها ضرب من ضروب التذكير بواقع الحال الذي يعيشه أهل القاع في العاصمة عمّان.

الإسم الذي تحب أن تنادى به هو "سالي"، نسبة إلى المسلسل الكرتوني القديم للأطفال "سالي"، والذي تتحدث قصته عن مأساة طفلة يتيمة تدعى "سالي"، واجهت صنوفاً متعددة من التعذيب الجسدي والمعنوي، حتى أن تأثر بقصتها الكرتونية الكبار.

"سال"، شابة تبلغ من العمر 25 عاماً، وهي من عائلة أردنية معروفة، موطنها مدينة السلط المعروفة بقدمها، وتعيش في أحد الأحياء الموصوف على أنه أكثر الأحياء وأشدها فقراً وبؤساً في عمّان، ويسكن الحي عمال وافدون مصريون، وسكنه لفترة طويلة نسبة كبيرة من العائلات والأفراد العراقيين، الذين عادوا إلى ديارهم فيما بعد لعدم تمكنهم من دفع أموال الإقامة، ولسوء أوضاعهم المعيشية بعد احتلال العراق.

ذاك الحي، الذي تسكن فيه "سالي" ضمن أسرة مطقعة في الفقر والبؤس، فالأسرة التي يتكون أفرادها من خمسة عشر فرداً، غالبيتهم من الصبية والشباب، في الوقت الذي لا يتسع به المنزل لمثل هذا العدد من الأفراد الذين ورث بعضهم أمراضاً أهمها "لوكيميا الدم".

ذاك الحي كما أخبرتني "سالي" ذاتها عن بعض حكاياه، والتي باتت لغالبيتنا، بما أننا نطالع الإنترنت، أشبه ما يكون بالغرابة في زمن العولمة في هذا العصر الذي نعيش فيه، فتخبرني "سالي" كيف أن فتى لم يبلغ من العمر الثامنة عشرة من العمر قام بقتل والدته من أجل الحصول على أموال لشراء كمية من الحبوب المهدئة، وكيف كانتا، أمه وأخته التي هربت بعد الحادثة يشقيان ليل نهار من أجل الحصول على قوت اليوم، في ظل غياب الأب الذي توفاه الله قبل ذلك بسبب المرض.

تحدثني "سالي" كيف أن تلك المرأة الأم ذات الأصل السوداني، اضطرت للاستجداء هي وأطفالها الصغار من أجل رغيف خبز وشربة ماء، وقد تم طرد تلك الأم هي وأطفالها من المسكن الذي يتلائم وأبسط ظروف الحياة الإنسانية، وطردت بالطبع لأنها عجزت عن دفع الإيجار الشهري للمنزل، ولا أحد يعرف أين يقيمون وكيف يقيمون؟!.

تحدثني "سالي" عن هؤلاء المهمشين من السكان في حيها، وعن بيتها الذي تخترقه أشعة الشمس صيفاً من جميع الاتجاهات والزوايا، كما يدخل عليهم الشتاءوالبرد باقي شهور السنة، بحيث تلونت "سالي" البيضاء بالسمرة نتيجة حروق الشمس وطرطشة الزيت من المقلاة المعتادة، ولو كان ذاك الزيت مكرراً كثيراً من المرات، وهي لا تزال تسمع سعال والدها وإخوتها من دخان الحطب المقصود للتدفئة في الشتاء.

تحدثني "سالي" عن إخوتها الشباب، الذين فقدت الأمل بهم، والذين يعتدون في بعض المرات على أبسط محتويات المنزل لبيعها كلما استعدت حاجة أحدهم، ويدخلون للمنزل فقط من أجل مصلحة ما، حتى وإن رأوها جائعة هي وإخوتها الإناث اللاتي لا يخرجن من منزلهن إلا محض مصادفات، أو أنهن يخفن من الخروج إلى العالم الخارجي، وهن لا يعرفن عن باقي المدينة سوى الحي الذي يسكنون فيه.

تسألني "سالي" عن شيء ما يدعى "الإيميل"، وعن أمر ما موجود هي لا تعرف مسماه "التشات"، والذي يمكن من خلاله التعرف على آخرين، فهي سمعت من صديقتها بائعة الثياب النسائية القابعة ناحية الجهة الغربية للحي، أو "فوق"، كما تحب سالي تسميته.

وتسألني عن الذي تسميه "هنبنغر" مما يتكون، وعن نوع آخر من الصابون الذي لا يآذي الوجه، فاستعملت مؤخراً صابون "Lux" الشعبي المعروف لرخص ثمنه.

هي لا تميز تماماً ما هو ألـ"Budy" أو غيره من مسميات عصر الموضة الحديث، بينما توفت أختها الصغرى رحمها الله قبل سنوات، عن خمسة أعوام، بسبب انسداد مجرى التنفس لديها أثناء نومها حينما سدّت "دودة" مجرى التنفس لديها، وهي التي كانت تعاني صغيرة من "لحم زائد" في الأنف، يضيق عليها التنفس، لقد ماتت أخت "سالي" بسب "دودة"!!.

"سالي"، تلك الفتاة مرحة الروح، رغم معاناتها من آلام في جسدها وترفض الذهاب إلى المشفى لشفقتها على والدها الذي أنهكه التعب ويكاد في بعض الأيام ينجح في جلب الطعام أو بعض النقود لأجله، وهو يقود بناته وطفله الذي يعاني طفولته ولا يزال من "لوكيميا الدم" إلى السوق مرة واحدة كل عام، حينما يأتي موعد عيد الفطر السعيد، فيشتري لهم بعض الملابس الجديدة، رخيصة الأثمان، فيتمنون بعد ارتدائها أن يراها الآخرون، أي آخرون، لكنهم بالكاد يسعدون برؤية أقربائهم الذين يبدون بأحسن حال منهم، فيخجلون من مظهرهم الذي بات غريباً على الناس، فهوجروا، واستبعدوا من الاندماج الاجتماعي، فيما ينبذون حيهم الذي يسكنون فيه رغم أنوفهم.

ذاك الحي الذي تسكن فيه "سالي" يبعد مسير ما لا يتجاوز ربع الساعة على الأقدام، للوصول إلى فندق الرويال، أفخم فنادق العاصمة، وبيتهم يبعد عشر دقائق مسير ناحية الشرق حيث المبنة الرئيسي لأمانة عمان الكبرى، وحيهم يتوسط فعلياً الاتجاهين الشرقي والغربي في العاصمة عمان، حيث الرفاه عادةً غرباً، والشقاء عادة شرقاً هناك، هو حي يقبع في منطقة رمادية مؤهلة في أن تكون إحدى المكونات الغريبة التي تراها في المشهد العام للعاصمة عمّان.

هؤلاء الذين يتمنون أي شيء مقابل إحساس حب ودفء ويميزون بكبريائهم العفوي وغضبهم منك في حال شعروا بأنك تتعامل معهم كمشفق لا كمحب عفوي لهم، ولعفويتهم وسذاجتهم التي أصبحت فعلاً مفقودة في هذا الزمن، تراهم كأنهم قدماء عاطفوين حقيقيون بمشاعرهم وتصرفاتهم وأحاسيسهم.

ترى، أين هؤلاء من الدولة والمجتمع؟، وأين هؤلاء من المبادرات التي تشمل فئات اجتماعية أخرى تملك قدرة التواصل والاندماج المجتمعي، وهؤلاء الجيلون والجميلون جداً في زماننا هذا، من يحتضنهم، من ينظر لهم بعدالة، وبعين المساواة، لا بعين الشفقة والتعاطف، ويأخذ بيدهم لتمكينهم من الاندماج والانصهار غي المجتمع.

هؤلاء مسجونون فعليون في أماكنهم، ويحتاجون إلى من يحررهم من ذاك السجن الموجودين فيه، لا لشيء، بل لأنهم غير قادرين على الخروج منه، فلا نقود تكفي لذلك رغم وعود الأب التي قد تكون وهمية، أو تسييراً لمشاعر البقية، الفيتات، والطفل الصغير الذي تظهر عليه ملامح الكبر بشكل مبكر جداً.

أريد تقديم الاعتذار الشديد الشديد إلى "سالي"، تلك التي لا تعرف شيئاً عن الإنترنت، حتى تشاهد مدونتي هذه، أعتذر الاعتذار الشديد الشديد لها، بغيابها عن عالمنا الرقمي المفتوح، لكنه المغلق في وجهها ووجه إخوتها.

وتحية لفندق رويال عمّان، وفندق حياى عمان، وأمانة عمان، ومشروع العبدلي التجاري الضخم على هذا الإنجاز العظيم، وتحية لمن سيكتب لهم الفوز بجائزة "أهل الهمة" التي يجب أن تتعاظم العام المقبل لتستوعب هؤلاء المخفيين عن أعين الناس، هؤلاء الذين قد يتحولون إلى عالم من الإجرام الحقيقي، رغم برائتهم، إجرام يكون من حقهم لأنهم هناك في القاع "منسيون"، ولأننا نبحث عن جدوى نستطيع خلالها استيعاب كيف يمكننا الحصول على المزيد من "التواصل".

أرجوكم وجهوا تحياتكم لـ"سالي" ...
mgnaim@yahoo.com




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات