"إذا كان هذا قدر الشعب الفلسطيني، فإن هذا عار علينا، ليس فقط في الغرب لأننا خلقنا هذا الواقع، بل هو عار على العالم وعلى العرب أيضا"! هذه الكلمات هي لمنتج الفيلم " تيريا كريستيانسن".
أما مخرجة الفيلم " فيبيكا لوكّيبرغ"، فقد أضافت" إننا نعتبر أنفسنا جسرا لتراجيديا الفلسطينيين، ونحاول نقلها الى الغرب".
" دموع غزة" فيلم وثائقي، بصناعة غربية وموجه للمشاهد الغربي من خلال عرضه لتراجيديا الحرب والدمار، والخسائر البشرية، ومحاولة سبر أغوار الأشخاص الذين قابلتهم، كي تستطيع معرفة تأثير الدمار على نفوس البشر، ومن هنا كانت دعوة المخرجة، للطفلة أميرة، لزيارة النرويج وقضاء بعض الوقت معها. إذ طرحت في الفيلم الأسئلة التي تشبع فضولها حول: كيف يمكن للإنسان أن يحيا بعد أن يدمر بيته، ووسط ذلك الدمار والخراب المحيط به، والتأثير النفسي الذي يتركه سيما على الأطفال.
بداية الفيلم كانت، حفل زفاف فلسطينيّ تقليدي. ولكن فرح الفلسطيني دائما مجترح من رحم معاناته، ويقنص لحظات فرح ممزوجة بمرارة واقعه. فالعريس لم يسعد بحضور والديه وافراد أسرته لحفل زفافه، والسبب تقطع أوصال المناطق الفلسطينية، وصعوبة تنقلاتهم. وربما من هنا كان تصريح المنتج تيريا في مقابلتي معه، بأنهم أرادوا: أن ينقلوا للعالم الغربي، بأن الشعب الفلسطيني شعب وأناس كالآخرين لهم حيواتهم وافراحهم واحزانهم. كما أبدى اعجابهم كفريق عمل، بالروح المرحة للإنسان الفلسطيني وكرمه وتعاونه، رغم كل ما يكابده من آلام وأحزان، وانهم سعدوا بالحياة في احضان الثقافة العربية.
بعد الحفل، يفتح الجحيم أبوابه على غزة. فيقلب حياة الغزيين الغير مثالية بالأساس الى أتون ومحارق، لا تميز بين الحجر والبشر، ولا ترحم مسنّا أو طفلا أوشابا. هول القنابل الفوسفورية وانتشارها كالأشباح في سماء غزة، رعب الاطفال، تراكض الناس لأماكن يعتقدون انها اكثر أمنا، فينتظرهم الموت، المتربص بهم في كل الأنحاء حاصدا أرواحهم، أفرادا وجماعات.
وقد أجادت الفنانة، فيبيكا، بنقل تعابير وجوه أبطالها سيما الأطفال منهم، وهم الغالبية. وقد تمّ التركيز على عنصر الأطفال، ومن هنا كانت تتلمس نقاط ضعف المشاهد الأوروبي حيال الأطفال. قدم الفيلم وثيقة قتل الاطفال المتعمّد بإطلاق الرصاص عليهم من مسافة قريبة، مستهدفين القلب والرأس، وهو ما حاولت وسائل الاعلام الغربية وبعض الاعلام العربي التعتيم عليه.
ولعل العلامة الفارقة للفيلم كما أوضحتها المخرجة فيبيكا هو " ان الفيلم يعرض تراجيديا الحرب والدمار، وهو ما تحاول أمريكا اخفاؤه، بعدم عرض صور دمار الحرب والخسائر البشرية ونتائجها الكارثية على الانسان والمستقبل". لأنه يخلق تضامنا قويا مع الفلسطينيين من ناحية، ويحرج الطرف الاسرائيلي من ناحية أخرى.
الفيلم ليس بالسياسي، ولم يظهر فيه أي أثر للأطياف السياسية. أو لمسلحين أو بذلات عسكرية. كما استبعدت الأعلام الفصائلية، وارتفع العلم الفلسطيني وحده. ولم تعرض صور مطلقي كل الاسلحة المحرمة والفوسفورية الحارقة. فالضحايا البريئة هي مادة الفيلم، وتصويرعذابات الناس هي الهدف لحشد تعاطف العالم الذي تخلى عن أخلاقياته وضميره الانساني.. معاناة صيادي السمك في بحر غزة، وما يواجهونه من مخاطر، كان لها نصيبها ايضا في الفيلم، حيث تطارد سفن الصيادين طرّادات، تمنع عنهم صيد سمك بحرهم.
أبدعت المخرجة، فيبيبكا، في قراءة تعابير وجوه أبطالها سيما الاطفال منهم. ولا غرابة في ذلك، فهي ومنتج الفيلم تيريا، لم يعملا بطريقة تقليدية، كأن يسألوا الناس بالميكرفون ثم يختفون، بل كانوا يتابعون ابطالهم ويلتقون بهم، ويقومون بتصويرهم. وبعد الانتهاء من تصوير الفيلم، قاموا بجمعهم وتم التعارف فيما بينهم.
" دموع غزة" عمل رائع بكل المقاييس. أضفت عليه الموسيقى المنتقاة بعناية، لتتناسب مع مهابة المواقف الدرامية. وقد نجح الفيلم في حشد تعاطف المشاهدين، من أمريكا، اوروبا، أمريكا اللاتينية، اندونيسيا، والشرق الأقصى. أما رد الفعل العربي فجاء على لسان المنتج تيريا كريستيانسن قال لي." الذي أثار دهشتي، كم أن العرب خاملين وساكنين بما يتعلق بنشر واستخدام الفيلم، والغريب جدا أن اليهود الأمريكيين هم الذين استخدموا الفيلم وقاموا بتوزيعه وليس العرب، وعلى عكس العرب فإن مسلمي الشرق الأقصى كانوا الأكثر تفاعلا بدعمهم للفلسطينيين"
النقاد الامريكيون، أكدوا على ضرورة عرض هذا الفيلم في أمريكا، رغم الرقابة الشديدة على دور السينما والأقنية التلفزيونية، بشكل عام وعلى هذا الفيلم بالذات. ويضيف المنتج تيريا" اننا لا نستطيع القول ان الأمر لا يهم الامريكيين، لكنهم يجهلون ما جرى في غزة. وان مشاهدي الفيلم، قالوا بأنهم لم يسبق لهم أن رأوا في التلفزيون ما شاهدوه في الفيلم، وانهم لن يشاهدوها أبدا بسبب الرقابة، واذا ما حاولت دار معينة للسينما أن تعرض الفيلم، فإنها ستخاطر بفقدان الدعم من اللوبي اليهودي في امريكا. والبعض أبدى استغرابه قائلين" لا نعرف سبب دعم امريكا لإسرائيل التي تمارس القتل بهذا الشكل".. وقد تهافت بعض المشاهدين على صنّاع الفيلم يسألونهم" كيف نستطيع مساعدة هؤلاء، والى من نستطيع ان نرسل المال"..
أما ردّ الفعل العربي فكان الصمت! فقد عرض الفيلم على جامعة الدول العربية، ليجري الاستفادة منه، كونه وثيقة إدانة للعديد من الجرائم. فماذا قال المنتج في ذلك " ... خرجنا بنتيجة هي اننا نتساءل: هل يهتم العرب بالقضية الفلسطينية، وهل يقلقهم ما يجري للفلسطينيين، فالفيلم قدم لهم وثيقةغربية رسمية، لدعم فلسطين ولكن لحد الان لم يستخدم العالم العربي هذه الفرصة.. لذلك أنا اطرح سؤال: هل ان القضية الفلسطينية يدعمها العرب بالكلام الفارغ والادعاءات!! يبدو الامر كذلك!!"
قدمت نسخ من الفيلم للعديد من السفارات العربية في الغرب، ولم يلق أي تجاوب. كما قدم العديد من النسخ الى احدى السفارات الفلسطينية ليتم توزيعها على مختلف السفارات الفلسطينية، وبحدود علمي المتواضع، لم تصل النسخ الى بعض السفارات التي اعرفها، بل انهم لم يسمعوا بالفيلم اساسا!!!
ترجم الفيلم الى اللغات الانكليزية والفرنسية والاسبانية، كما أثار العديد من النقاشات على شاشات التلفزة وصفحات الفيس بوك. في الفترة التي عرض فيها الفيلم في بيروت، قرأنا في جريدة " ذا ديلي ستار" المؤرخة بتارخ الثالث من نيسان أبريل 2012، أن قرارا امريكيا قد صدر ويقضي بإعتقال كل من ينشر أو يدعم نشر صور قتل المدنيين في غزة!
فيبيكا لوكّيبرغ.. كاتبة وروائية نرويجية. بدأت حياتها الفنية ممثلة مسرح ثم مخرجة أفلام. تهتم بالقضايا السجالية. هي نصيرة المضطهدين والمقموعين شعوبا وافرادا، ومن هنا كان اهتمامها بموضوع المرأة والطفل.
تيريا كريستيانسن.. أكاديمي ومخرج أفلام تعاون مع فيبيكا لمدة اربعين سنة.
تم عرض الفيلم في بيروت في مسرح المدينة ضمن فعاليات الاسبوع الثقافي النرويجي اللبناني ، الذي ترعاه المؤسسة الشبابية " نحن"، بدعم من السفارة النرويجية في لبنان ومؤسسة نورلا النرويجية وبرعاية وزير الثقافة اللبناني كابي ليون، وسفيرة النرويج في لبنان.
التعليقات (0)