مواضيع اليوم

"خرجو علينا .. الله ياخذ فيهم الحق"

إدريس ولد القابلة

2012-12-06 20:51:04

0

 اللهم قد بلغت

"خرجو علينا .. الله ياخذ فيهم الحق"

 

 

 

" ويل لأمة عاقلها أبكم وقوّيها أعمى"

جبران خليل جبران

أكبر المعضلات المستعصية الحل الآن، هي نتيجة عادية ومنتظرة لتأخر المغرب الاهتمام بها، علما أن أغلب ما كان يُسمى بدول العالم الثالث واجهت معضلاتها وتصدت إليها، شكل أو بآخر، في حين ظل القيّمون على أمورنا لا يعيرون الاهتمام اللازم لمشاكلنا، وذلك بفعل اهتمامهم بمراكمة ثرواتهم وتأمين مواقعهم واستمرارهم في مراكز المشاركة في صناعة القرار في ظل استشراء الفساد والرشوة والمحسوبية وإذلال المغاربة – ليس بالقوّة والاستبداد فحسب – وإنما كذلك باستدامة انتشار الفقر و"التجويع السياسي والاجتماعي والاقتصادي" وهدم كل متطلبات التنمية الحق. ولحد الآن مازال القيّمون على أمورنا يؤخرون الاهتمام بتلك المعضلات المستعصية الحل في وقت تحدث فيه مخاض في أغلب دول "العالم الثالث"، لا محالة أنه سيجعل شعوبها تبني غدا أفضل من يومها. في حين أن مخاض الإصلاح الفعلي بالمغرب ظلت تُجهض أو تُأجّل المرة تلو الأخرى، هذه هي مصيبتنا ومعضلتنا – الأم.

فمنذ الحصول على الاستقلال، اهتمّ القيّمون على أمورنا، بالدرجة الأولى، بقضية واحدة فقط، وظلوا يُرجئون الاهتمام بالمعضلات القائمة، وهذه القضية التي استحوذت باهتمامهم – في السراء والضراء -  حسب تعبير المفكر المغربي الكبير الراحل محمد عابد الجابري، هي "العمل على قولبة المغاربة وتعليب وعيهم وتعويدهم الطاعة والخضوع والاستسلام".

ظل القيّمون على أمورنا يسجلون التأخر تلو التأخر في تعاطيهم مع المعضلات المطروحة  منذ الاستقلال، مكرسين مقولة: "كم من حاجة قضيناها بتركها". في حين كان من الأولى في السنوات الأولى من الاستقلال، عندما كانت الروح الوطنية لازالت قوية وصادقة وإمكانية التحمل وقبول التضحية عفوية من أجل غد أفضل واستعداد كبير للتعاون وانخراط منقطع النظير لكافة المغاربة في ورش مغرب الغد دون حسابات ودون يأس وبحماس صادق، أقول كان من الأولى في ظل هذه الأجواء أن يعتمد القيّمون على أمور البلاد والعباد نهج التحرك في كل الاتجاهات وأن يتجرؤوا على اعتماد إصلاحات فعلية تحت طائلة إمكانية الخطأ وتصحيح المسار كل ما تطلب الأمر ذلك. وكان هذا أفضل وأحسن من التهافت على أكبر مصلحة واستفادة أو أضخم حصة ممكنة من كعكة "الاستقلال الأعرج" في عيون الكثيرين. إن هذا النهج كان سيضمن على الأقل للبلاد سبل السير إلى الأمام، عوض المكوث بمكانها ثم التراجع القهقري كما حدث على امتداد تاريخ  المغرب الحديث.

إن مغرب اليوم هو في واقع الأمر ثمرة جملة من منظومات غُرست بذرتها في خمسينات وستينات القرن الماضي. على سبيل المثال، إن منظومتنا الاجتماعية الحالية خليط (بمفهوم "الروينة" باللسان المغربي الدارج) لإرث قرون من الأعراف والعادات، و4 عقود من الاحتلال الاستعماري ومخلفاته في نمط العيش والتدبير، وأكثر من 5 عقود من الاستقلال ظل خلالها المغاربة يتوقون لغد أفضل حتى كادوا ييأسوا من حدوث تغيير واقع الحال، وعندما استيقظوا من سباتهم وجدوا أن كل المعضلات أضحت مستعصية الحل إلى حد أضحت بلادنا – كما يقول المثل الشعبي – "مثل الأقرع حيث ما أصبته يسيل دمه"، كما تبيّن لهم أن كمشة  - لا تكاد تبين – هي التي استفادت، لوحدها على امتداد هذه العقود الخمسة، وهي التي تقود حاليا لوبيات مناهضة  كليا لأي تغيير فعلي ببلادنا، بعد أن ضمنت شروط عيش أحسن من كريم بالخارج مهما حدث بالمغرب مستقبلا، إذ سوف لن يكونوا خاسرين لأن ما تمكّنوا  من تهريبه إلى الخارج يكفيهم – وزيادة- للعيش الكريم، هم وطويهم.

حتى لا نكون جاحدين، فعلا حققت البلاد بعض التقدم بفعل سياسة السدود أو الطرق السيّارة مثلا، لكن مجمل هذا  التقدم المحقق، يبدو الآن أن أغلب السياسات المعتمدة أملتها مصالح  وحسابات مستترة خاصة مما جعل انعكاسه (أي التقدم المحقق) محدودا على عرمرم المغاربة، بل هناك من السياسات التي تم الإقرار بها – دون استشارة المغاربة – لغرض واحد لا ثاني له وهو تمكين تلك الكمشة من الاستمرار في الاستحواذ على خيرات البلاد ومقدوراتها ومراكمة الثروات. ومن هذه السياسات، على سبيل الاستئناس، سياسة المغربة والخوصصة وجملة من القوانين المالية والصريبية والجمركية وغيرها. إن سياسة السوق المخطط له، ليبرالية اقتصادية مع تدخل مدروس، لم تراع البعد الاجتماعي ولم تهتم بإشكالية التوازن بين الاقتصادي والاجتماعي. وقد أدت هذه السياسة الاقتصادية المعتمدة في نهاية المطاف إلى الاعتماد على المساعدات والقروض الخارجية كسبيل وحيد الاستمرار، هذا ما رهن مستقبل الأرض والإنسان بالمغرب.  وكان كل من تجرأ على كشف أمر تلك الكمشة المستحوذة على كل شيء ورهنها لمستقبل البلاد وأجيالها يعرض نفسه لما لا يحمد عقباه، خصوصا عندما  يتجرأ مواجهة القيّمون على الأمور بسؤال: "من أين لكم هذا؟". علما أنه من المفروض أن من خاض غمار السياسة أو تحمّل مسؤولية سامية يظل مستهدفا بالنقد والتتبع والمساءلة. خصوصا ببلادنا، من نزل في هذا النطاق يكون عرضة للمطاعن وللتشهير والتقول والقدح والمدح والتعظيم والهجو، ما دام له خصوم وأنصار، وما دام التحزب – بمعناه العام وليس الحصري - عندنا سبيل مضمون  لتحقيق المصالح وإن دون استحقاق أو دون وجه حق، وليس سبيلا لخدمة الصالح العام كما يتم التبجح بذلك خطابا ولغوا. وهذا طبيعي، لأنه لن يقبل سؤال "من أين لك هذا؟" إلا من لا تبن في بطنه لأنه لا يخشى نارا.

لقد انكشفت الأمور وتجلى تأخرنا الآن بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ الأمم بالرغم من كل ما يُقال، ولعل من أبرز معالم هذا التأخر –أراد من أراد وكره من كره – انتخاب حميد شباط أمينا عاما لحزب الاستقلال، وربما قد يتكرر المشهد بالنسبة لغريم هذا الحزب في المسار النضالي والكفاحي، الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. فعلا، سياسيا وصلنا إلى الباب المسدود وضاعت المصداقية من العديد ممن كانوا يُعتبرون بالأمس القريب رموزا، وشعر المواطن – بشكل لم يسبق له نظير- أن كان مُعوّل عليهم هم في حقيقة الأمر مجرد كراكيز ليس إلا، منهم من انكشف أمره ولم يعد يشعر بأي حرج في تحركه بهذه الصفة، ومنهم من يظهر في الصورة كعملاق لكن يتحرك ككركوز خلف الستار. وهذه كذلك علامة قوية من علامات تأخر المغرب وغموض مستقبله.

فقد لاحظنا أن أغلب الشعوب العربية شرعت في إعادة تشييد مستقبلها، في حين أن بلادنا مازال مستقبلها في خبر كان، هذا رغم أن الدستور الجديد أخرج المغرب من نطاق "تسونامي الربيع العربي" بأقل خسائر ممكنة، سيما وأن الظرفية تزامنت مع تسلم الإسلاميين سلطة تدبير الشأن العام بهامش نسبي من الحرية لم يسبق له مثيل بالمغرب، وذلك بفضل انتخابات تُعتبر أنظف الانتخابات التي عرفتها بلادنا إلى حد الآن.

ومهما يكن من أمر، إن خلاصة الكلام هي أن مجتمعنا يعاين اليوم مؤشرات نمو تُعدّ من بين الأسوء في العالم في أجواء مطبوعة بتنويم مسار وعملية التحول الديمقراطي الحق. سيما وأن ميزان القوى مازالت في صالح  القوى المناهضة للتغيير الفعلي والراغبة في إبقاء دار لقمان على حالها. هذه القوى لا ترغب فعلا في أن يكون العدل أساس الملك، وأن يسود العدل على الظلم، وأن يكون المغاربة، كل المغاربة، سواسية كأسنان المشط، وأن تكون مساواة في الحقوق والواجبات، وأن تتقوى الفرص ضد التمييز والإكراميات، وأن يكون الشعب مصدر السيادة دون سواه، وأن تنتصر الديمقراطية على الاستبداد والمصادرة في جميع المجالات والميادين.          




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات