"حنا لي نختارو"
(نحن الذين نختار)
فعلا، لقد اختار المغاربة، ولكن المعني بهذا الإختيار ليست الأقلية، وإنما الأغلبية، 55 بالمائة من المغاربة الراشدين الذين أعلنوا أنهم خارج اللعبة ولا يزكون أي حزب من الأحزاب السياسية المغربية الراقصة على الركح السياسي رغم إقحام بعض الحركات التعبيرية الجديدة في رقصاتها وبعض "النوتات" و "المقامات" غير المعهودة عندها ضمن سمفونياتها التي ظلت تؤرق مسامع الأغلبية الصامتة للشعب المغربي، لكن ممن تتكون وتتشكل هذه الأغلبية التي فضلت، عن عزم ووعي، عدم تزكية اللعبة السياسية رغم الضمانات غير المسبوقة المقدمة بخصوص احترام قواعدها؟
هل هذه الأغلبية الصامتة مشكلة في أغلبيتها من أميين وغير ذوي وعي سياسي وشعور بخطورة ودقة المرحلة؟ إنه أمر يستوجب الإهتمام به على أكثر من صعيد لأنه يدعو فعلا للقلق على المستقبل القريب وليس "التطبيل والتغييط" على التقدم الحاصل في نسبة المشاركة مقارنة بآخر الإستحقاقات كما هو ملاحظ إلى حد الآن، وذلك لأن المرحلة تفرض الدقة والوضوح التام مهما يكن من أمر أكثر من أي وقت مضى في تاريخ المغرب المعاصر.
من هذه الأغلبية النسبية التي لم ترد أن تجود بتزكيتها للعبة السياسة رغم وقوعها في ظل الدستور الجديد الذي تم تثمينه بنسبة عالية جدا حسب النتائج المعلنة وتقدير جميع الأطياف السياسية والحزبية؟
إنه سؤال مركزي وجوهري وجبت الإجابة عليه بكل جرأة وشجاعة ومسؤولية، مباشرة دون لف ولا دوران،
رغم أن نسبة المشاركة (4،45%) سجلت ارتفاعا ملحوظا عن نسبة 37 % المسجلة في استحقاقات 2007، إلاّ أن كلاهما لم تصلا إلى نسبة 6،51 بالمائة المسجلة في 2002، علما أنه بعد أقل من يومين عن إعلان نتائج انتخابات 25 نونبر 2011 دعت تنسيقيات حركة 20 فبراير للخروج فيما يفوق 50 مسيرة لتأكيدها على مواصلة الإحتجاج وقد شملت هذه المسيرات العديد من المدن الكبرى والمراكز الصغيرة والقرى.
ومن المعلوم أن المشاركة المكثفة في اللعبة السياسية هي التي يمكنها أن تعزز حكومة في مستوى متطلبات المرحلة، لكن 4،45 بالمائة لا تعتبر مشاركة مكثفة، وإنما هي نسبة تنقد دم الوجه ليس إلاّ، وهذه ما زالت تشكل معضلة في انتظار تحقيق نسبة تطمئن أكثر، خصوصا وأنها نسبة لا تعبر بجلاء عن استرجاع الثقة في العمل السياسي ببلادنا، وإنما قد تكون بداية أمل، علما أنها نسبة تفيد أن موقف المقاطعة غير الغريب عن الإستحقاقات المغربية منذ زمن بعيد، أضحى يعتبر اليوم، أكثر من أي وقت مضى، موقفا يتم التعبير عنه بوضوح في واضحة النهار وليس خلسة أو بالمرموز أو من وراء حجاب.
فبالرغم أن الكثير من الأحزاب السياسية وعدت بخفض الفقر إلى النصف وزيادة الحد الأدنى للدخل بنسبة 50 بالمائة وخلق آلاف مناصب الشغل لم تتجاوز نسبة المشاركة في ظل الدستور الجديد 4،45 بالمائة، لكن ما دام المغرب اختار طريق الديمقراطية، فإن الإنتخابات مهما كانت نتائجها، ليست غاية في حد ذاتها وإنما هي في العرف الديمقراطي بداية لمرحلة أخرى من الحياة السياسية، والمرحلة التي ولجتها بلادنا منذ يوم الجمعة 25 نونبر 2011 مرحلة صعبة حقا، سننتظر كيف سيديرها "المصباح"ويدبّر معضلاتها الشائكة.
مرزوق الحلالي
التعليقات (0)