كنت منذ أيام في زيارة لجدتي التي عادت للتو من بريطانيا في رحلة علاجية استمرت أشهر .. وقد وجدتها بصحة جيدة ولله الحمد , ولسانها رطب بشكر الله و الثناء عليه .. وبعد ان قبلت يدها الطاهرة أخذت اسألها عن حالها وأيامها التي قضتها في مدينة الضباب " لندن " وبعد ان أخذت كعادتها تثني على الله وتشكره على نعمه التي لا تحصى قالت : يا ولدي لقد انعم الله سبحانه عليهم بأرض خصبة وأجواء رائعة و حضارة متقدمة .. ثم قالت بكل عفوية , واني والله لا استغرب ما انعم الله به عليهم , ان هذا يا ولدي جزائهم في الدنيا , أنهم مخلصون في أعمالهم , لا تفارق وجوههم ابتسامة دائمة , يحبون الخير ويأسفون على تألم الغير .. سبحان الله .. لقد قالت هذه المرأة الحكيمة بعفوية ما يجهله كثير منا , أو لعلي أقول ما غاب عن عقولنا , لقد قال الله تعالى في محكم التنزيل في سورة هود ( من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون ) أي ان الله سبحانه لا يبخس العمل الصالح حتى وان كان من كافر , بل يجازيه في الدنيا على عمله , لقد أخر الله سبحانه العذاب عن فرعون أربعين سنه قيل ان ذلك بسبب معاملته الحسنة مع والدته , وهذا يفسر لنا النعم التي يعيش بها الغرب ألان , فأخلاقهم حسنه و راقيه , بل هي ما حث عليه الإسلام , وان هم خسروا الآخرة فقد عجل الله لهم أجرهم في الدنيا , قال سبحانه (من كان يرد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يرد حرث الدنيا نؤته منها .. الآية ) " الشورى" وقال جل من قائل (من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ) ان هذه الآيات تبين ان ما يعيشه الغرب ألان من نعم هو بسبب أخلاقهم الحسنة وحسن تدبيرهم لأمور الدنيا , وتبين أيضا بعد الفجوة بين مجتمعنا الزاخر بالمظالم و الحسد .. وأؤكد هنا على "الحسد" , و مجتمعات الغرب الحافلة بآثار العدالة والاستقامة – وهي – كما يقال – لا إسلام فيها ولا إيمان !. فعندنا نحن ديار الإسلام وباسم النبي العظيم صلى الله عليه وسلم الذي عاش متواضعا , لين الجانب ,و الذي عاش فقيرا , ومات فقيرا , أقول باسم هذا النبي حكم جبابرة , وقام قياصرة , وجمعت الثروات , وخزنت الكنوز , واستمتع أفراد , ومات جماعات , وقتل إرهابي قليل الفهم عشرات بل مئات من المسلمين !! .. سبحان الله
ان الدين الإسلامي لم يعلق أتباعه بالدار الآخرة فقط ! ولم يصرف أفكارهم إلي النواح الغيبية المبهمة على حساب علاقتهم بالأرض وما فيها ومن فيها , والأخلاق الحميدة التي تحقق لهم رغد العيش عليها ! فضيقنا بالحياة واستيحاشنا منها ويأسنا لما يفوتنا من التقدم فيها , وظننا أننا نحرز أنصبتنا من الكمال النفسي ومن التقدم الأخروي على أنقاض هذه الدنيا التي نتجهم لها و نجهل الأساليب الصحيحة للعيش فيها وأخلاقيات هذا التعيش .. كل هذا ليس من الإسلام في شيء .
ان الإسلام يضعنا في هذه الدنيا بشكل تكاملي بديع , فنحن أمام الله عبيد نخضع له ونتلقى منه الأوامر , وفي هذا الكون الذي نعيش فيه نحن أسياد نتنقل فيها ونسخر كل شي , ونقترح ونبدع , ونلتزم الأخلاق التي أمرنا بها ديننا الحنيف , لان الله سبحانه كلما انعم على إنسان جعل التمكين مرادفا لهذه النعمة قال تعالى ( ولقد مكاناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش قليلا ما تشكرون ) " الأعراف " ,, والله من وراء القصد
عبدالعزيز بن عبدالله الرشيد
التعليقات (0)