مواضيع اليوم

"بوييتيكا الميتوس" في ديوان ألواح كنعانية

Selma Bel Haj Mabrouk

2009-08-26 09:10:03

0

 


"بوييتيكا الميتوس" في ديوان ألواح كنعانية

GMT 15:00:00 2009 الثلائاء 25 أغسطس

إيلاف

 

--------------------------------------------------------------------------------
 

 

 

أ.سلمى بالحاج مبروك

– إيلاف: حين ينتابنا الشعور بالغثيان من واقع تبرعم بالإثم والخطيئة الجلل وحين تغمرنا عقدة الشعور بالذنب تجاه أنفسنا وتجاه الآخر وتجاه العالم الذي انفرط عقد إنسانيته من جراء إفراطنا في اللاإنسانية فإنه لن يبقى لنا من حل سوى التوجه إلى عالم عذري مقدس كاستراحة الأبدية ذلك العالم الذي ننشده هو عالم "فصل من إنجيل الشعر" بما هو "صور في الذاكرة" من "كتاب الحب والشعر" و " آلام الشاعر " تراتيله ديوان قد من "ألواح كنعانية" تبشر "بانسحاب المريع وظهور الرائع" و كلنا أمل أن يسري بنا وينتزعنا من عالم أطبقت عليه شفاه العدم إلى عالم يكتض بالمعنى وإرادة الحب والحياة، من عالم واقعي مريع تتوالد وتتناسل منه صور الشر لينقلنا إلى عالم ما وراء الخير والشر عالم فسيح يبشر" بانفتاح الموجود على وجوده" . عبر فعل صلاة استسقاء القيم "تصلي .../ تردد دوما يا الله .../ آما آن لهذا التنين أن يتقيأ الشمس ؟/ دعاء يتبعه سؤال إنكاري يعبر عن القلق والضجر من عتمة الليل الطويل الممدد منذ أمد طويل في أحشاء كينونة الوجود والموجود . يتبعها تبصر متفائل بأن الغد لناظره قريب" الشمس آتية/ لا ضير أن ننتظر قليلا /... إنه حلم الشاعر حين يكبر ويتمدد ليجرف العتمة ولو بعد حين لذلك ما دام الوعد حقا فلا ضير...

من تحمل الظلمة ما دامت تبشر بولادة الصبح القريب. تلك هي حقيقة القصة الثاوية في ديوان
منير مزيد "ألواح كنعانية" الذي ينقسم إلى أربع مجموعات شعرية تتكون من قصائد قصيرة وطبيعتها القصيرة تعطيها شكل الفكرة الوميض التي تأخذ أسلوب الحكمة أو الحكم و الأمثال
و نحن نعرف أن ميزة الحكم و الأمثال هي الإيجاز في العبارة مع التكثيف في الدلالة و هي بمثابة الحكمة العملية التي تلخص تجارب الواقع و تقدمها في شكل إيتيقا لسلوك البشري تعينهم على فن الحياة والعيش مع... و الطريقة المثلى لسكن في العالم ولننظر في هذا المقطع "كأس نبيذ معتق /قليل من الرومنسية/ ورقصة غجرية ملتهبة / تصنع أعظم الأكاسير . فالشاعر هنا يرسم من خلال كتابة رغائبية نزق النص بوصفه جسد كلمات قدمن لذة "أليس آداء النص هو لذته" كما يرى بارت إيتيكا لذية تعبر عن إيروتيكية الجسدية الشعرية في أسلوب مكثف منفلت من رقابة الواقع ورقابة الوعي ومن يتجول في ثنايا الديوان سيجد أنه يطفح بأشعار مغناجة وكلمات منفلقة من ضوء الرغبة وإيحاءاتها المختلفة ...فردوس كلمات تمارس السماء وتتعاطى الأرض ولسان شعره سؤال حارق : هل الشعر يسبق الحب ويشترطه أم الحب يسبق الشعر ويشترطه؟ أم الشعر حب والحب شعر؟

وكيف لنا أن لا نطرح هذا السؤال والشاعر يعلن في ألواحه المستمدة من "كتاب الحب والشعر" أنه "لم يجد أقوى من لغة الحب تأثيرا وسحرا لأنها لغة الله" من هنا نفهم التوجه العام لفضاء القصيدة عند منير مزيد إنها قصيدة حب من حب لغرض الحب فالحب هو البداية والنهاية هو الغاية والوسيلة مهما اختلفت أنواع هذا الحب سواء كان حب الوطن أو حب الله أو حب الحبيبة أو حب الشاعر لشعر أو حب العالم الآخر المختلف "أليست الذات بلا قلب وامرأة/ كومة خراب ". فإذا كان العالم خراب وانحطاط ولا معنى دون حب وإذا كان في البدء كان الحب فإن السؤال الذي يطرح من أين ومتى بدأ الحب قصته؟

إذا انطلقنا من عنوان الديوان "ألواح كنعانية" وهو كما يبدو عنوان مركب من كلمتين "ألواح" وهي جمع لوح حيث به يحفظ كلام الله المقدس أما الأصل الإيتومولوجي لكلمة "كنعانية"المثقلة بالدلالات التاريخية فهي نسبة لكلمة كنعان ومنها أيضا كلمة كنعانيين وهي "كنع" أو "خنع" وهم من العموريين من القبائل العربية هاجرت من شبه الجزيرة العربية إلى بلاد الشام وفلسطين وتعني شعب الجبارين ويعتبر الكنعانيون أول من سكنوا بيت المقدس منذ حوالي 3500 ق م وسميت أرضهم كنعان وهي فلسطين حاليا وعرفوا بكونهم شعب مسالم ومبدع وقد استولوا العبرانيون على تراثهم كما ورد في كتاب "ألف سؤال وجواب" للباحث أحمد محمود قاسم. نستطيع إذن من خلال هذه العودة التاريخية التي فرضها عنوان الديوان أن نتبين أن
" ألواح كنعانية" هي بمعنى آخر ألواح فلسطينية مقدسة وكأن شيفرة الديوان لا يمكن فكها إلا بالعودة إلى الجذر التاريخي وحكاية الأصل التي تستند على الكون الميثولوجي بما هو إطار تخيلي لحركة الكلمة الشعرية المتجذرة في اللغة المقدسة والحكايا التيولوجية وكأن بالشاعر بهذه العودة التاريخية للأصل يريد أن يؤسس لكيانه الأنطولوجي وكيانه الشعري "عصفوران عاشقان ما زالا يبحثان عن عش لم يجداه" إن هذا التشخيص لحالة التيه والفقدان لمكان يحتوي زمانيته وديمومته هو الذي دفع الشاعر بالترحال في سفر التاريخ عسى أن يجد فيه مستقرا لمغامرته الوجودية ف "أليس البحث عن الأصول والجذور وعن منطقة للانتماء هي من أولويات الأدب الذي يشكل نص الشعر الدرامي المثخن برحلات البحث فهو إما بحثا مرهقا عن إله خالق أو بحثا عن الانتماء وعن الأرض والوطن مثلما يبحث أوديب عن ذاته في لحظة فجائية . لذلك ينفتح الديوان بمقطع يبدو كأنه حكمة بل إنه الحكمة وهو يذكرنا بنمط التفكير الفلسفي الذي يعتبر أن الفيلسوف هو مجرد محب للحكمة وحبه للحكمة يدفعه للبحث عنها دون تحصيلها لأن الحكمة في المطلق صفة إلهية يصعب على البشر تملكها حتى وإن كانوا فلاسفة "من يدعي /إنه يعرف الحقيقة كاملة/ يكذب/ وهو ما يحيل على نسبية الأشياء والقيم وخاصة تلك المرتبطة بتزييف حقيقة أرض فلسطين إذ يقول في مقطع آخر من قصيدة وهي في طريقة ترتيلها تحاكي النص القرآني " والكلمة وما يسطرون / إنهم لكاذبون/ ولدوا من سم الأفاعي أساطيرهم /خرافاتهم/دم ودخان/ وهنا نلاحظ الجهد المأساوي الذي يبذله الشاعر من أجل مكافحة الزيف وتحرير التاريخ من الأساطير الخرافية "ما جئت إلا لأحرر /عصافير الشعر / من أقفاص المشعوذين والدجالين"
وكلما تجولنا وتغلغلنا أكثر في ألواح كنعانية إلا واشتدت وحميت لغة التحدي عند الشاعر ورغبته الشديدة في نسف الظلم الذي أحكم قبضته على وجه الإنسانية وكأنه نبي نذر نفسه لخلاصها ولننظر في هذا المقطع المتناص مع سورة يوسف " يا أبتي إني رايت في منامي /أرى النجوم /وإذا سمعت صوتا في السماء /قائلا/ تعالى أعلمك طهو الآيات /إني منزلك إلى الأرض شاعرا" غير أن الشاعر لا يواجه العالم الأعمى بالحقد والظلم واللاانسانية بنفس سلاح الحقد بل يحقد على كل أسلحة الكراهية ويستبدلها بسلاح الحب و الشعر و شعلة حب الإنسانية إذ ينشد أمشي حاملا صليبي على كتفي ومعي شعلتي /قيتارتي /مفتاح بيتي في القدس ... أغني على الرغم من كل هذا النزيف بل أكثر من ذلك يردفها بأبيات أخرى "شيدوا ...شيدوا معابد الحب /وليكن الحب مذهبا/يؤاخي بين الماء والنار/" وكأنه من عمق التناقض تولد الحياة وكأننا أمام جدل هيقلي يحل فيه التناقض في الروح والفكر ليحل المطلق في الحياة .

إن بهذا المعنى يصبح الشاعر هو محور حل مسألة المصير بالنسبة للإنسان وبيده الحل والعقد وهو الذي ينشئ العوالم الجديدة ويخلق أرواحا جديدة للبشر مخلصا إياها من أحقادها الحاضرة فالديوان يرتكز على ثلاث أقانيم رئيسية هي : الله- الكلمة /الشعر والحب/المرأة وهي مواد الشاعر في خلق عالمه الجديد "من فم الشاعر/ تولد اللغة /ومن اللغة تولد كل الأشياء / إن هذا القول بمثابة القياس المنطقي وهو يوصلنا إلى النتيجة التالية "إذا كانت اللغة أصلها الشاعر وإذا كانت أصل الأشياء لغة فإن أصل أصل الأشياء هو الشاعر فتظهر عملية الخلق كما يلي الشاعر يخلق اللغة التي تخلق الأشياء فالشاعر هنا رب اللغة ورب الأشياء وكأن العالم ينبثق من فم الشاعر وهو ما ينبهنا إلى أن حقيقة وجودنا هو وجود رمزي فنحن نقيم في عالم الأسماء لا الأشياء واللغة بهذا المعنى هي صانعتنا لا نحن الذي نصنعها وهو تصور للغة يقربنا من التصور الهيدغيري الذي يرى في اللغة مأوى الوجود فنحن كائنات باللغة نقيم في اللغة واللغة الشعرية في قصائد منير مزيد على امتداد كامل الديوان ليست مجرد تعبير عن الوجود بل هي التجلي الوجودي للعالم ولهذا عندما نقرأ شعره نشعر أننا نقرأ الوجود وننصت إليه لينكشف الوجود نفسه حفاظا على نداء الحقيقة المنثور في ثنايا قصائد الديوان التي تتحول بفعل طاقتها اللغوية المرمزة بالأساطير ولغة النص المقدس إلى فعل لغوي توليدي قادر على خلق عوالم ممكنة تستمدها من العلامات والرموز المودعة في الذاكرة والخيال من هنا جاء القسم الثاني معنونا "صور في الذاكرة" لأن الذاكرة تمثل الهوية السردية للشاعر والذات كما يقول بول ريكور تتعرف لذاتها من خلال سرد هويتها فالسرد القصصي المتضمن في أشعار الديوان والذي يعطي انطباعا كون هذه القصائد القصيرة بمثابة القصص القصيرة التي تروي أحداثا فيتشاكل الشعري مع القصصي ويتقاطع السردي مع النثري ليشكل وعيا بالزمن فالرمز يمثل شكلا لوعينا الميتافيزيقي أما حكايته في الشعري فهو يمثل شكلا لوعينا بالزمن فعبر حكينا لقصصنا الخاصة شعرا نعطي أنفسنا هوية كما يقول ريكور وهذا ما يفعله الكون الشعري عند منير مزيد الذي يحمل لنا في ديوانه هذا استذكار نسيان الموجود تاريخا لأن الحدث التاريخي لا نعيشه بل نتذكره فقوة شعر منير مزيد أنه يحضر التاريخ والوجود عبر القول الشعري.

لذلك انطلاقا من إيمانه بالقوة السحرية الهائلة التي يلعبها الشعر ووظيفته في إصلاح ما أفسدته التقنية وما آل إليه الوجود الإنساني من تشويه قيمي وعذابات "يتألم / يتوجع من شدة الآلام / وهي أفعال مبنية للمجهول في ضمير الغائب "هو" قد يقصد الشاعر ذاته هو كما يمكن أن يقصد هو آخر لأنه لا يرى في الآخر إلا جزء من ذاته فهو يتوحد في الإنسانية ولا يعيش مشكل "الآخرون هم الجحيم " كما يراها سارتر بل الآخر هو وجهه "المرأة وجهي الآخر/ حين أريد أن أظهر/ مفاتن ذاتي" وهذا دلالة على انفتاح الأنا الشاعر على الذوات الأخرى وهو انفتاح حبي "دعيني ألخص الأحلام / وهذا الجنون ... في عبارة واحدة أحبك ...أي قول أبلغ من هذا؟
من هنا نفهم سبب اختياره عنوان مجموعته "كتاب الحب والشعر" في دلالة على اقتران رسالة الشعر بالحب فهي رسالة عشق المطلق /الله وعشق المرأة/رمز الخصوبة والولادة واستمرارية الحياة/ وعشق الأرض/رمز الأصل والنشأة الأولى والبعث والتكوين. وفي حين "الكل تائه /في ضباب الزمن / وأنا تائه بين الشرنقات /أجمع قصائد تسقط سهوا من الملائكة" إيمان من الشاعر بقوة رسالة الشعر فهي كائن نوراني لها القدرة على بعث العالم في نظام أخلاقي جديد يستند لشريعة الحب حتى أن سحر القصيدة يمس الشاعر ذاته"ما إن تكتبني القصيدة/ أصير عاشقا لله / المرأة والأرض/" وكأننا إزاء عملية قلب نيتشوية عوضا أن يكتب الشاعر القصيدة القصيدة تكتب الشاعر وكأن القصيدة هي وحي ينزل من السماء إلى الأرض على الشاعر النبي أو النبي الشاعر ليبلغ ما فيها من حكمة حبية يتداخل فيها المقدس بالدنيوي واللاهوتي بالإنساني والرغبة بالحلم ليس بالعثور على شيء جديد بل إستذكار شيء منسي هذا "الشيء الخفيف المجنح المقدس " يسكن "ألواحا كنعانية".

ولعل دور الشاعر الإصلاحي يتجلى أكثر في القسم الرابع والأخير من الديوان والذي يحمل عنوان "آلام الشاعر" قياسا على آلام المسيح وهذه المجموعة من القصائد بمثابة إنجيل أخلاقي يحوي بين دفتيه "الوصايا العشر " الإنجيلي أو هو أكثر من ذلك إنها بمثابة فلسفة أخلاقية إيتيقية تذكرنا بإيتيقا السعادة عند الفارابي وأرسطو حيث تعتبر أن الغاية من الفعل الإنساني هو تحقيق السعادة بما هي الخير والأسمى والغاية التي ليست بعدها غاية لأن كل الفضائل تدرك لغاية إلا السعادة فهي تدرك لذاتها وإذا حققها الإنسان فقد وصل إلى مرتبة النبيين لهذا يخاطب منير مزيد شعبه بنبرة الحكماء والفلاسفة والأنبياء والإيتيقيين للانتباه إلى المنحدر الخطر التي انتهت إليه قضيتهم أحبوا بعضكم بعضاً...وإن أخطأ أحدكم للآخر فليغفر له ليس سبع مرات بل سبعين مرة
فإن لم تفعلوا -ولن تفعلوا- فافترسوا بعضكم بعضاً
واتركوني وحيداً مع أحزاني في محراب الصمت المقدس
أتأمل رؤيا الأنبياء ...

وهل يوجد أبلغ من هذه النصائح يقدمها نبي مسكون بهاجس آلام القضية ليبلغ ما فيها من حكمة حبية يتداخل فيها المقدس بالدنيوي واللاهوتي بالإنساني والرغبة بالحلم ليس بالعثور على شيء جديد بل إستذكار شيء منسي هذا "الشيء الخفيف المجنح المقدس " يسكن "ألواحا كنعانية" أو بلغة عصرنا تلك القصيدة الحبية القادمة من ارض فلسطين أرض الحب والسلام التي لم تنعم به منذ أزمان وأرض أعياد الميلاد التي لم تحتفل به. وكيف لآلام الشاعر أن لا تبلغ هذا الحد من العذاب إذا كان أصحاب القضية قد افتقدوا بوصلتهم وتاهوا عن مدارات القضية الأم وكيف لهذا الشاعر أن لا يحرك به لسانه عجلا لقول القصيدة التي تمثل قانونا أخلاقيا وصراطا مستقيما من اتبعه قد ركب سفينة منير مزيد ونجا من الطوفان وبلغ السعادة القصوى ومن ألقى بعرض إيتيقاه الشعرية إبتلعه المد وغمره الطوفان ولم يعد شيئا مذكورا..

فهل سيأتي ذلك اليوم الذي ستنشغل به حبيبة الشاعر "طوال اليوم بالقبل لتمحو ذاكرة آلام الشاعر" المثخنة بالصلب والتهجير وظلم ذوي القربى وتحل محلها "تنهيدة حب محترقة/ تزأر دوما بالرغبة" ؟..

 

منقول عن مجلة إيلاف : رابط المقال 
http://www.elaph.com/Web/Knowledge/2009/8/475631.htm




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !