تسعون بالمائة من السياسيين..يعطوا للعشر بالمائة المتبقين السمعة السيئة
هنري فورد
لأنها تقلّد بعضها، الصحف الجزائرية تكتب هذه الأيام عن ما يمكن وصفه بالجمودية الحزبية ، فتتحدث عن غياب معظم الأحزاب في الساحة - إن بقيت لها و لنا ساحة- و تتساءل عن الأسباب التي تحول دون اعتماد وزارة الداخلية لأحزاب سياسية جديدة ، و تبدي انشغالها بمصير التعددية الحزبية و السياسية في الجزائر.
هذه الصحف و إن لا تقولها صراحة - لأنها تخشى ردة الفعل و العقاب و لو بعد حين- تتهم ضمنيا بوتفليقة بتجميد التعددية الحزبية و السياسية و النقابية و المدنية، و تحّمله مسؤولية le chaos général الذي يضرب الجزائر.
الحقيقة برأيي أن بوتفليقة لم يقتل التعددية كما يقول البعض و لم يجمّدها كما يدّعي البعض الآخر، بل هو تجاهلها، تماما كما تجاهل الصحف الجزائرية التي لا يقرأها، و يفضل عليها الصحف الأجنبية أو هذا ما أعرفه أنا شخصيا و قد أكون مخطئا، لكني أريدكم أن تصدقوني.
ليس هناك حزب سياسي واحد في الجزائر، يقيم له بوتفليقة وزنا... و لا واحد، بما في ذلك الأحزاب التي يتوهم أصحابها بأنهم أوزان ثقيلة مثل حزب جبهة التحرير الوطني و الآرندي .
لماذا بوتفليقة يحتقر الأحزاب السياسية و لا يقيم لها أي اعتبار ؟ لأنها ليست هي التي أتت به إلى الحكم و ليست هي التي تبقيه فيه و لا هي التي قد تزيحه منه. و لأنها ليست هي التي تقرّر و لا هي التي تمنع. و لا هي التي توافق و لا هي التي تعترض، و لا هي التي تقترح و لا هي التي تسحب... و أخيرا لأنها لا تدفع شيئا، بل هي التي تأخذ، تقبض، تلحس... تتسوّل.
بصراحة، ألا ترون معي أن أحزابا سياسية من هذه الماركة لا تستحق أن يسأل الواحد منا عن حالها، و لا أن يتساءل لماذا لا تعتمد السلطة نماذجا جديدة منها، و لا أن ينشغل بمصيرها، بل بالعكس أنا شخصيا أتضرّع لله سبحانه و تعالى كي يبقيها جامدة كما أراد لها أن تخلق.
Cest fini ... لا مجال للإيمان مستقبلا بشيء اسمه أحزاب سياسية، و لا تعددية حزبية أو سياسية أو نقابية.
إن الحديث عن الأحزاب و التعددية، يُعدُّ اليوم، حكاية من حكايات القرن الأخير.. كان يا مكان بلد اسمه الجزائر يرأسه رجل اسمه الشادلي بن جديد، و يقود حكومته شخص يدعى مولود حمروش قرّرا و صنعا و أدارا تعددية حزبية و نقابية و إعلامية حقيقية لكنها لم تعمّر لأكثر من عامين و نصف العام. و منذ ذلك الوقت، لا شيء... و منذ ذلك الوقت.. انه العدم.
داء " القوادة" هو الذي قتل التعددية الجزائرية. السلطة الحالية لديها مخزونان ممتلئان و الحمد لله.. مخزون احتياطي الصرف من الدولار و اليورو، و مخزون " القوادة".
"القوادّون" من كثرتهم أصبحت السلطة بحاجة إلى إحصائهم و ترتيب أسمائهم في قوائم أبجدية. و من كثرتهم أيضا، لو يحدث لكم أن تمرّوا بالقرب من بناية رسمية مهيبة بالعاصمة، و ترون طابورا طويلا من الرجال و النساء، فاعلموا أنه طابور المحتاجين لقفة القوادة ، حتى أن بعض هؤلاء الذين يسمون أنفسهم سياسيين أحيانا و ناطقين باسم المجتمع المدني الجزائري " المشوم"، يقضون الليالي في العراء، حفاظا على دورهم في الطابور، تماما كما يحدث في طوابير طالبي " الفيزا" أمام مقر سفارة فرنسا بعاصمتنا البيضاء الجميلة النظيفة.
الذين يديرون أحزابا سياسية شبه حقيقية مثل الآفلان،" الآرندي"، " حمس" ، " حزب حنون" ، منتفعون بطريقة أو بأخرى، في الجهر أو في السر ، بل أصبحوا يستفيدون جهرا و سرّا.
الذين يسيّرون أحزابا سياسية ذات المهمة المحدودة و ذات الشخص الوحيد، من شاكلة تلك التي نتذكرها مرة كل خمس سنوات، هم أيضا منتفعون و قفتهم مضمونة إن شاء الله.
أنا و أنت و حمه لفرودور نوجد خارج الدائرة، لا ننتفع و حتى لو نقوّد فان قوادتنا لا تصل و بالتالي فهي لا تأتينا بأي قفة، فلماذا يريدنا بعض "القلامجية" (صحفيين) أن ننشغل بمصير المنتفعين و المنتفخين باسم مستقبل التعددية السياسية في الجزائر و كلام فارغ آخر لا حصر له... فلتذهب كل هذه الأحزاب و تلك إلى الجحيم... الأحزاب و قادة الأحزاب و الذين يفكرون في تأسيس حزب أو ينتظرون قرارات اعتماد أحزاب، و كل من يؤمن بالأحزاب... فليذهبوا كلهم إلى حيث يرقد الأشقياء.
قبل مظاهرات 5 أكتوبر 1988 كانت تصدر في الجزائر صحيفة أسبوعية ناطقة بالفرنسية اسمها Algérie Actualité. هذه الصحيفة وحدها أسّست للديمقراطية و ثقافة التعددية و كرّست التعددية السياسية و الإعلامية و الثقافية و الاختلاف في الرأي أكثر مما فعلت كل الأحزاب السياسية التي ظهرت في الجزائر منذ إقرار التعددية الحزبية و السياسية إلى يومنا هذا!
نعم صحيفة Algérie Actualité قدمت قبل التعددية للجزائريين ، مواطنين بسطاء، و مثقفين و إطارات و معارضين و جامعيين و فنانين و حقوقيين و سينمائيين و مسرحيين و مرضى و أطباء، ما لم يقدمه أي واحد من كل هذه " الشكارة" من الأحزاب التي ظهرت بعد إعلان التعددية.
Algérie Actualité و على الرغم من أنها كانت تابعة للدولة، ناقشت المحظورات و تحدّت الرقابة و الممنوع بذكاء، و فتحت الباب للمعارضة عندما كانت قليلة و ثمينة،و كوّنت جيلا من المثقفين و حتى من الصحفيين، من الصعب أن نعثر اليوم على أقران لهم في كل هذا الكم الهائل من الصحف الجزائرية التي تعتبر نفسها "مستقلّة" و هي حقيقة مستقلّة عن كل شيء إلا عن قسّام الإشهار".
الأحزاب الجزائرية القديمة منها و الجديدة و التي ستأتي بما فيها حزب السعيد شقيق القائد الأعلى لهذا البلد. كلها أحزاب لم و لن تقدم شيئا لأحد عدا المساهمين في رأسمالها لأنها عبارة عن شركات تجارية معفاة من دفع الضرائب، و لا سجلاّت تجارية لها.. لا أكثر و لا أقل.
هيئة مثل رابطة الدفاع عن حقوق الإنسان،أنفع مليون مرة للجزائريين من كل الأحزاب السياسية الجزائرية مجتمعة و مختلطة و معصورة.
تنظيم مثل جمعية الدفاع عن المستهلكين الجزائريين ( أنا لا أتحدث بالضرورة عن الجمعية الحالية إن هي وُجدت)، أفيد 10 ملايين مرة من كل تلك التي لم أعد أرغب في تسميتها، و التي يحمل البعض همّ مستقبلها و كأن الأمر يتعلق بقمح و لوبيا و عدس. فلتذهب كل هذه الأحزاب و تلك، إلى الزبّالة و ليس إلى المتحف كما يطالب البعض.
باستثناء الأحزاب السياسية التي ناضلت من أجل تحرير الوطن، لا أعتقد أن الجزائر عرفت حزبا بالمفهوم الصحيح و الثقافي و الإيديولوجي و النضالي ، عدا حزب الطليعة الاشتراكية ( PAGS سابقا ). هذا الحزب مثله مثل أسبوعية Algérie Actualité أسّس للديمقراطية و المعارضة و لثقافة الانتماء الحزبي و ضحّى رجاله و نساؤه من أجل أفكارهم، و حوكموا من قبل المحاكم العسكرية و زُجّ بهم في السجون خلال السبعينات و الثمانينات. و هم في السجن خلال فترة السبعينات مثلا، كانوا يصدرون التعليمات ليس لإقامة الحواجز المزيّفة و ذبح الأبرياء و تفجير و تخريب و حرق الممتلكات العمومية، و إنما للمشاركة في الحملات التطوعية لمساعدة الفلاحين على جمع محاصيلهم الزراعية ! لكن و لأن كل من يرتدي قميصا يمكنه أن يخطب فينا و يقودنا كالقطيع، فقد سمعنا و آمنا بأن حزب الطليعة الاشتراكي حزب كافر لا ينتمي إليه إلا الكفار... ألم يكن حزبا شيوعيا و الشيوعية الحاد ؟!!
المهم أن الناس آمنوا بما قيل لهم عن هذا الحزب، و الذين قالوا لهم هذا الكلام، هم نفسهم الذين أقنعوهم بأن الفيس حزب ملائكة، و الانتماء إليه يعادل فيزا للجنّة... و حدث ما حدث و كان ما كان، و لأن المقام لا يسمح بالرجوع طويلا إلى الماضي، فان ما أردت أن أقوله فقط، هو أن السلعة المتوفرة من أحزاب لا تستحق إلا الإزالة النهائية و تطهير البلد من بقاياها ، بدلا من أن ننشغل بمصيرها و مستقبلها، لأننا لا ننتظر منها أي خير.. إنها كيانات قائمة من أجل "القفة" و في قفتها يمكنننا أن نجد مقاعد برلمانية، حقائب وزارية،مناصب سفراء، مقاعد في مجالس شعبية بلدية و ولائية، مقاعد في مجلس الأمة... أو " حنانة" مقابل " قوادة" خماسية بمناسبة الانتخابات الرئاسية.
فعن مصير أي تعددية حزبية يحكي البعض ... فليذهبوا كلهم أطباقا للفئران. السلام عليكم.
منشور في أسبوعية " أسرار" الجزائرية/ العدد 257
التعليقات (0)