ترددت في الأيام القليلة الماضية كلمة "بلطجية" في مانشيتات الصحف ووسائل الاعلام المتلفزة للأخبار ذات الصلة بالأردن خاصة في الأخبار التي تغطي أحداث النشطاء الذين يطالبون في المؤتمرات المنعقدة بالإصلاح ومكافحة الفساد، وبما أن المملكة ليست بمنأى عن موضة وصرعة الربيعات العربية وياسمينها فقد شهدت الأردن منذ مطلع العام الحالي تظاهرات واحتجاجات للمطالبة بالاصلاح السياسي والاقتصادي ومكافحة الفساد... حالها كحال جميع شعوب الأوطان العربية التي فقدت بوصلة طاعة ولي الأمر وتذكرت في غفلة من الزمن مطالبات الحرية والعدل والمساواة تحت سقف الديمقراطية المستوردة. ناسين أن تلك الديمقراطية المنادى بها لا يمكن تطبيقها بأفلاطونية مطلقة في المجتمعات العربية لأسباب عدة ولكن أهمها: لا تلتئم الديمقراطية (المفهوم الغربي) مع الدين الإسلامي، ولا تختمر الديمقراطية كتطبيق في مجتمعات لا زالت تتمسك بالعادات والتقاليد، ولا تهضم الديمقراطية كمفهوم مع مجتمعات لا تزال القبلية والتعصب هما سمة غالبة على جميع الأعراف الديمقراطية في الغرب.
وللتصحيح وإقراراً للحق ولحفظ مسميات المفردات ذات الصفة الدالة على شيئ معين ومتعلقة بثورات الربيع الضائع، أقف قليلاً أمام مفردتين تفردتا فيهما كل من سورية ومصر، الشبيحة والبلطجية، لاسيما أن الأردن لا ينقصه شيئ كي يتفرد بمفردة شائعة في المجتمع الأردني وهي مرادفة بالمعنى والصفة لتلك الكلمتين وهي "الزعران" ومفردها "أزعر" ومساوية تماماً وحرفيا للبلطجية والشبيحة. فالأمانة الصحفية تحتم علي ككاتب أن ألفت نظر الأخوة الصحافيين والكتاب لضرورة إدراج كلمة "الزعران" عند تناول أي خبر أو تعليق له صلة بـ"ربيع الأردن". حيث أسجل هنا براءة التصحيح للآخرين بتلك المفردة الصفة، عند الغمز اللمز لاعتداءات تحصل على المتظاهرين أو المعتصمين المطالبين بالإصلاح ومكافحة الفساد في المملكة الأردنية الهاشمية.
ولتوضيح معنى الأزعر في القاموس الشوارعي الأردني، وقد عجبني هذا التوصيف من موقع ضيدانا الاكتروني: هو كائن شبه حي يتكاثر في بيئة "اللي مش فارقة معاهم أي شي", ولا يحكمهم الحلال والحرام ولا العُرْف، وهو عادة يكون من الفصيلة التي تفضل المغامرة, طبعاً للمظاهر فقط، ويمتاز هذا الشاب بالشجاعة والتجربة والبعد النسبي عن التدين. وفي أغلب الحالات "المتزعرنة" يكون الأزعر أو الأهوج أو الحفرتلي إن صح التعبير ظريب (يضرب) مواس (موس أو سكين) أو حتى قد يكون مرسوم خرائط من الجروح على وجهه جراء التشطيب الذاتي أو "الطوش" (المعارك التي يخوضها). ومعروف عن "الأزعر" حرية اللسان سلاطته التي لا يملكها المواطن الأردني العادي، ويكون في كثير من الحالات ذو مواقف سياسية ممتازة موالية بشكل كبير، وهزيز ذنب (متزلف ومسيح جوخ) من الطراز الرفيع، ودائماً جلالة سيدنا على باله وكل مرة يذكر فيها يقول على رأسي. و"الأزعر" ليس غريباً على المخافر والشرطة فأقسام البوليس بيته الأول وليس الثاني، واقوى نوعية من "الزعران" هم من ينشؤون ويترعرعون في الشوارع... فيمتهنوا الشحاذة ومعانقة الأرصفة.
وفي بلاد الشام بشكل عام تطلق كلمة "الزعران" على الأشخاص الصايعين الضايعين، حيث تقرأ بوجوههم الشقاوة والزعرنة، ويحملون على الدوام أشياء مؤذية متل الأمواس والسكاكين، وعندهم الاستطاعة لعمل كل شيئ دون الاكتراث لأي مبادئ وقيم أو ضوابط قانونية. أما في لبنان بشكل خاص فـ"الزعران" أطلقت على بعض الشباب المسيحيين أيام الحرب الأهلية اللبنانية... فقد كان هؤلاء الشباب يطلقون الرصاص مع الصراخ طوال الليل على صوت زمامير سياراتهم (كلكس، هيرن السيارة)، وقد أطلق عليهم كبار السن (الختايرة) من اللبنانيين في الضيع والقرى كلمة "زعران". وفي المغرب تطلق على الشخص أشقر الشعر فيقال له "أزعر" أو لها "زعراء". وفي توصيف لشاب له صفحة على الفيس بوك وصف نفسه بالأزعر فيقول: مواطن... طموني (قرية فلسطينية) أزعر... وبحط واكس (جل للشعر)... مربي فيها خاوة (بالغصب)... معطيها فياعة (صياعة) 24 ساعة. عقلي خزق... شايف حالي، وبصراحة بيطلعلي... جِعان (جوعان) عطشان... معيش كرت ومعيش أحلق (بمعنى الطفر)... طنش تنتعش ولغير ربك ما تركعش.
وفي معاجم اللغة أخذت كلمة "أزعر" عدة معاني منها: زعر : أَزْعرُ، زَعْراءُ، وجمعها زُعْر (للذكر)، وزَعْراوات (للمؤنث) وزُعْر: 1 - صفة مشبَّهة تدلّ على الثبوت من زعِرَ. 2 - موضع قليل النبات. 3 - أبتر، مقطوع الذّنب "كلب أَزْعرُ". 4 - سيِّئ الخُلُق. كما يقال زَعِر الشَّعرُ : قلَّ وتفرَّق حتى كاد الجلد يبدو "زعِر ريشُ الطائر". ويقال "رَجُلٌ أَزْعَرُ" : قَلِيلُ الشَّعَرِ مُتَفَرِّقُهُ. ولكن المتعارف عليه بالصفة الشعبية لكلمة الأَزْعَرُ : السيِّىءُ الخلُق. والجمع : زُعْر وأردفناها في المنطوق الشعبي بجمعها تحت كلمة "الزعران". وقد أعجبت لمقولة أحدهم على الفيس بوك حيث قال في تعريف صفحته تحت اسم "النشمي الأزعر" "سنعيش صقوراً طائرين ... وسنموت أسوداً شامخين ... وكلنا للوطن... فكلنا أردنيين".
التعليقات (0)