"الدمقرطة...فخ منصوب للمعارضة"
« La démocratisation…piège tendue à l’opposition »
عادل حشاد
ترجمة وتقديم:حسن لمعنقش
ملحوظة:
نُشِرت ترجمة هذا المقال في جريدة "النبإ" المغربية التي كانت تصدر عن "الحركة من أجل الأمة"، وهي الحركة التي يقبع رئيسها الأستاذ محمد المرواني حفظه الله في السجن بتهم ثقيلة وباطلة شكلت فضيحة مجلجلة للقضاء المغربي كما ظهر من خلال المحاكمة نفسها، أكدت على ذلك البطلان مختلف المنظمات الحقوقية . وفي نفس القضية التي حوكم فيها الأخ محمد المرواني، وهي ما عرف بقضية بليرج، حوكم أيضا الأخ عبدالحفيظ السريتي الذي كان مديرا مسؤولا للجريدة المذكورة، كما حوكم معهما "ثلة كريمة من المؤمنين " كما قال الأستاذ أحمد الريسوني حفظه الله.
والعدد الذي نشرت فيه ترجمة المقال هو العدد السادس، بتاريخ ذي القعدة 1418 الموافق مارس 1998.
إن مناسبة إعادة نشر المقال مايجري في تونس الحبيبة، وما ينعق به بعض الغربان الآن، من دعاة الاستئصال، ضد حركة النهضة بتونس لإقصائها من المشهد السياسي التونسي، كما سيأتي في مقال لاحق.
وأشير إلى أن مقدمة المقال المترجَم هي للمترجِم، وكذلك الهوامش المذيلة له، وبالله التوفيق.
تقديم:
عمل نظام الجنرال بنعلي في تونس على التنكيل بمعارضيه، وكان نصيب المعارضة الإسلامية –حركة النهضة- من ذلك التنكيل رهيبا. فقد تفنن النظام التونسي في ابتكار وسائل قمعية جديدة لم يسبق إليها، لدرجة أننا أصبحنا نسمع عن "النموذج التونسي" في التعاطي مع الحركة الإسلامية، ومن تلك الوسائل:
-حشر مجموعة من المعتقلين الإسلاميين الشباب في زنازين ضيقة مع مجموعة من الفتيات المسلمات المعتقلات عرايا.
- حقن بعض المعتقلين بحقن تتسبب في الهلوسة والجنون.
- فبركة أفلام للإسلاميين في مشاهد داعرة ونشرها بين الناس كما حدث لعبدالفتاح مورو وعلي العريض والحبيب اللوز الذي أخذوا له مشاهد مع عاهرة وهو مغمى عليه بسبب التعذيب.
- اختطاف زوجات "النهضويين" وتصويرهن بالفيديو بعد تجريدهن من ملابسهن كما حدث مع زوجة الأستاذ العريض...
- طرد الإسلاميين العاملين من المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، ومعاقبة كل من قدم إليهم أو إلى عائلاتهم يد العون...
هذا القليل من الكثير يصوره السيد راشد الغنوشي حفظه الله بقوله: "لقد كنت قبل قليل أقرأ مذكرات نلسون مانديلا فلم أستطع أن أمنع نفسي من مقارنة ما كان مسلطا على الأغلبية السوداء على يد الأقلية البيضاء العنصرية من ضروب قهر وتنكيل. لقد قادتني المقارنة إلى أن أغبطهم، ولو كان الحسد جائزا لحسدتهم على حجم معاناتهم القليل بالقياس مع معاناة شعب تونس"(1).
ولم يقف نظام بنعلي عند حد مواجهته لخصم سياسي يرى فيه بديلا محتملا لنظامه العفن، بل سعى إلى مواجهة جذور الحركة الإسلامية المتمثلة في الإسلام، فيما اصطلح عليه بسياسة تجفيف المنابع، اعتقادا منه أن الدين الإسلامي يمد الحركة بأسس البقاء والاستمرار والتجدد، ولذلك عمل على:
- منع الدروس الدينية في المساجد.
- إغلاق الكتايتب القرآنية.
- إلغاء البرامج الدينية في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة.
- تكوين لجنة في وزارة الثقافة برئاسة أحد الشيوعيين (أنس الشابي) تقوم بتتبع الكتاب الديني في المكتبات العامة لمصادرته...
أما أحزاب المعارضة العلمانية في تونس، فقد سلكت طريق التواطؤ مع السلطة، مبتكرة "نموذجا تونسيا" آخر في تعاطي المعارضة مع السلطة، وهو تعاطي أقرب إلى التوافق منه إلى أية صيغة من صيغ المعارضة الحقيقية.
على أنه ليس غريبا أن تلجأ المعارضة إلى التوافق أحيانا مع السلطة أو "الأغلبية" حول قضايا معينة في أوقات محددة، لكن الغريب هو أن تنساق كلية وراء سلطة غاشمة تساندها في الحق والباطل، وفي الافتئات على حريات وحقوق فئة معينة...
المقال الآتي –والذي نشرته جريدة (Temps présent) الأسبوعية المغربية في عددها 25 الصادر بتاريخ 06 فبراير 1998- يوضح لنا هذا التلون الذي سلكته المعارضة التونسية، والتي نعتقد أنها كانت من أجل تصفية التيار الإسلامي في هذا البلد الجريح، وهو سلوك لانعتقد أن أحدا من المعارضة في بلاد الدنيا سبق أن تبناه في مواجهة خصومه السياسيين، إلا إذا تعلق الأمر بالخصوم الإسلاميين، كما هي مواقف بعض الأحزاب الطائفية في الجزائر مثلا (التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية)، أو في تركيا من بعض الأحزاب العلمانية .
(ويمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين)
صدق الله العظيم.
النص المترجَم:
[إن تونس، بخضرتها ونقاوتها وجمال صحرائها "دوز" (Douge) –إذا ما ذكرنا فقط هذا الجزء بالجنوب- وبجربة الشهيرة بنخيلها في الشمال، إن هذا البلد الأخضر لئن استطاع أن يفوز بالجائزة الدولية للبيئة، فإنه الآن عرضة لانتقادات كثيرة حول مسألة حقوق الإنسان في الداخل والخارج. أما المعارضة فهي في طور إعادة التكوين، بعد أن فضحت النوايا السيئة للحزب الحاكم.
في هذا المقال، مندوبنا الخاص يرسم لنا لوحة حول الشّرَكِ الذي نصبه النظام الجديد –القائم سنة 1987- للمعارضة، والحالة التي توجد عليها أحزابها.
إن "الانقلاب الطبي" (كما كتبت جريدة "لوموند") الذي قام به زين العابدين بنعلي ضد لحبيب بورقيبة، يوم 7 نوفمبر 1987، زرع الأمل في إزالة التوتر من الحياة السياسية في تونس. كثير من السياسيين رأوا في بيان 7 نوفمبر ردا إيجابيا على مجموعة كبيرة من انشغالاتهم، مما حذا بهم إلى تأييد النظام الجديد في رغبته في "التغيير". إلا أن هذا التحول الذي يفتخر النظام بالاحتفال به كل سنة اتخذ شكلا آخر بارتكازه على النيل من الحريات وحقوق الإنسان، والقمع، ورفض الرأي الآخر، والتعصب. وكل الذين كانوا ينتظرون ديمقراطية حقيقية سيقوا إلى شفير الهاوية. أما أغلبية أحزاب المعارضة القانونية، فإنها شاركت في إجراءات قمعية بتطوير نظرية جديدة حول دور المعارضة في مجتمع في طور التحول نحو الديمقراطية. هذه النظرية الجديدة حولت دور أحزاب المعارضة إلى دور عميل للسلطة وليس إلى معارض لها.
إن الكثير من المقالات الافتتاحية التي ظهرت، خاصة في جريدتي "المستقبل" و"الطريق الجديد"، بينت هذا الدور الجديد المسند للمعارضة الذي هو دعم السلطة وحزبها. وبالمناسبة برزت مفاهيم جديدة، مثل مفهوم "تكميل السلطة"(Para-pouvoir) الذي أبدعه "خميس الشماري" (2)، وهو الذي دعا المعارضين إلى الوقوف في صف السلطة للاضطلاع بنفس دورها. وبذلك لايمكن لأحد أن ينكر أن الطبقة السياسية التونسية قد وقعت في الفخ بهذه النتيجة، وكانت الأحزاب التي ساندت السلطة أول من وقع في ذلك الفخ بطبيعة الحال.
إن أول اختبار حقيقي لنوايا السلطة كانت انتخابات أبريل 1989 التشريعية، التي تم تنظيمها سنة ونصف بعد دعم للسلطة، وهو دعم على الرغم من أنه محرج، فإنه اعتبر آنذاك حقيقيا.
لقد كان هذا الحادث مناسبة لرؤية انبعاث الارتكاسات القديمة للحزب الوحيد. وقد وجد التونسيون أنفسهم أمام مجلس نواب ذي لون واحد.
غداة هذه الانتخابات التي اعتبرت فشلا لكل الذين راهنوا على إقامة شكل أصيل للتعددية، وعلى تحول ديمقراطي سلمي، استقال السيد أحمد المستيري، رئيس حركة الديمقراطيين الاشتراكيين، من منصب الكاتب العام للحزب احتجاجا –على طريقته- ضد الشروط التي مرت فيها الانتخابات.
سارت حركة الديمقراطيين الاشتراكيين، بقيادة مواعدة بعد ذلك، في اندفاعها، وفي نيتها أن تكون حزبا ديمقراطيا معتدلا في مطالبته بدمقرطة النظام السياسي شكلا، لكنها في العمق بقيت متشبثة بمواقفها المبدئية. آخر عدد من جريدة "المستقبل" أثبت تلك الحقيقة بنشره في الصفحة الأولى، وبعنوان عريض:"ماذا بقي من السابع من نوفمبر؟". ثم توقفت هذه الجريدة عن الظهور بفعل طوعي من مواعدة، وكأن ذلك تم بالصدفة، حيث بدأنا نشهد منذئذ انعطافا حقيقيا يتضمن دعما يزداد سفورا وصراحة للنظام الحاكم (3). ونشأت نظرية لانتهازية جديدة ستذيع بسرعة، وستمس بآثارها أغلب المكونات الأخرى للمعارضة التونسية، بل المجتمع المدني الذي تمثله رابطة حقوق الإنسان. "إننا سنشهد –طيلة سنوات قادمة- تطهيرا حقيقيا لكل هذه البنيات سيكون من أهدافه تصفية الحركات السياسية من عناصرها الأكثر نضالية والأكثر التصاقا بالدور الحقيقي للمعارضة، وستشهد هذه الأحزاب انحيازا كليا تقريبا لمواقف الحزب الحاكم"، كما ذكر ذلك ل(Temps présent) السيد مصطفى بن جعفر، الكاتب العام لحركة الديمقراطيين الاشتراكيين، والذي حُرِم من منصبه في الحزب وتم حجز جواز سفره.
ونذَكّر بأن انتخابات 1994 مكنت السلطة من الحصول على 98% من الأصوات، في حين تقاسمت أحزاب المعارضة نسبة 02% الباقية.
حسب السيدة سهام بنسدرين - التي استقالت من المكتب السياسي للتجمع الاشتراكي التقدمي (RSP)، والتي حُكِم عليها بستة أشهر سجنا لمساندتها لجمعية غير قانونية (RSP) وحُجِز منها جواز سفرها - تؤكد هذه الحالة أن الاقتراب الكلي من النظام له مبدأ الهبة، أي أن المعارضة التي ليس لها أي حق لايمكنها الاستفادة إلا من جميل السلطة !! وفي المقابل تقدم هذه المعارضة للسلطة مساندة مطلقة. في هذا الجو الملوث بقي التجمع الاشتراكي التقدمي (RSP) وحده بعيدا عن هذه السياسة القمعية، فكان جزاؤه أن تم حرمانه من أي مقعد في البرلمان ضمن المعارضين. لكن حتى اختيار السكوت غير مرخص له، إذ يُنظَر إليه من جانب النظام كمعارضة حادة، نقيضة ومعادية له. هذا الأخير –تتابع السيدة سهام بنسدرين- يلجأ إلى ممارسات قمعية تصدر عن انحراف الدولة التونسية، وأنا أستعمل غالبا هذه الكلمة (انحراف) لوصف ممارسات الدولة التي تقتضي معاملة خصومها بطريقة غير سياسية، ولكن باستعمال أساليب المنحرفين...(4).
إن اختيار السكوت أثار غضب سهام وفرض عليها الاستقالة من (RSP): "اعتبرت أن استقالتي هي الطريقة الأسلم للتحرك ضد هذه المعاملة السيئة من جانب السلطة التي لاتقبل إلا بالانحياز غير المشروط، حيث الشريك يتحطم كليا. وهذا هو السبب الذي من أجله نواجه معارضة قانونية لكنها واقعة كليا في فخ السلطة على الرغم من أنه يمكن أن توجد في جهة ما بقايا صدق عند البعض. إلا أن السياسة المتبعة عملت على خلق وضعية تتم فيها إما تصفية هذه البقايا من العناصر الصادقة الموجودة في تلك الأحزاب بالقوة، أو إرْغامها على المغادرة بنفسها".
بالنسبة للدكتور مصطفى بن جعفر الذي أنشأ حزبا جديدا للمعارضة، والذي لازال لم يرخص له بعد من طرف السلطة، هذه النخبة توجد في المشهد السياسي غير المنظم. ويتابع: "وهكذا نجد أنفسنا أمام معارضة قانونية ليست معارضة في الحقيقة، ومعارضة حقيقية ليس لها أي حق في النشاط العام وفي الحصول على جرائد تعبر فيها بحرية، ولا أي حق في التظاهر أو استعمال الأماكن العامة لعقد التجمعات الجماهيرية، ولا أي حق –في بعض الأحيان- لممارسة أنشطتها بطريقة ملائمة في مراكزها، إن كان لها مراكز. لذلك فإن المعارضة في تونس هي في طور إعادة البناء خارج الإطارات القانونية، ونحن نأمل النجاح في إعادة تنظيمها...".
مقالنا القادم سيعكف على العوائق التي صادفها د. مصطفى بن جعفر للحصول على الترخيص لحزبه الجديد المسمى "التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات"].
_________
1-مجلة فلسطين المسلمة، حوار المرحلة مع الشيخ راشد الغنوشي، عدد ربيع الأول 1417/غشت 1996.
2- وعلى الرغم من ذلك أقدم نظام الجنرال بنعلي، يوم 27/10/1995،على منع خميس الشماري –وهو عضو في المكتب السياسي لحركة الديمقراطيين الاشتراكيين- وزوجته من السفر إلى مالطة لتمثيل المعهد العربي لحقوق الإنسان في المؤتمر المتوسطي لحقوق الإنسان، كما رفع عنه البرلمان التونسي الحصانة البرلمانية يوم 02/11/1995 لاتهامه بإذاعة أسرار متعلقة بالتحقيق مع محمد مواعدة، وتم اعتقاله يوم 18 ماي 1996، وحكم عليه بخمس سنوات نافذة (المترجم).
3- مع ذلك أقدم النظام التونسي على اعتقال مواعدة في أكتوبر 1995، وحكم عليه بالسجن لمدة 11 سنة بتهمة التخابر مع دولة أجنبية (هي ليبيا)، ثم فُرِضت عليه الإقامة الجبرية وتم حجز جواز سفره. واعتقل بعد ذلك وأحيل على التحقيق بتهمة وجود علاقة له ب"الإرهاب الأصولي" بعد أن أعطى تصريحات لقناة "المستقلة" اللندنية. أطلق سراحه –وكذلك سراح الشماري- بعد ضغوطات مارستها المجموعة الأوربية، خاصة فرنسا، ومنظمات إنسانية دولية.
والأستاذ محمد مواعدة قدم خدمات لاتنكر للنظام الحاكم، ومن أمثلة مواقفه التي خدمت النظام آنذاك:
- تصريحاته ضد حركة النهضة التي تمارس –في نظره- " العنف والتطرف المادي" وترفض الديمقراطية، ولذا من حق الشعب حماية نفسه منها.
- مفهومه الخاص للمعارضة، إذ "إن لفظ المعارضة –حسب قوله- مشتق من فعل عرض، أي قدم وأعطى، وإن مضمون كلمة المعارضة مستورد وهو دخيل علينا..." (المترجم).
4- في العدد الموالي لجريدة (Temps présent)، أي العدد 26، نشرت تصحيحا لهذا الكلام ورد عليها من السيدة بنسدرين، وفيما يلي ترجمته:
(تبعا للمقال المنشور في عددنا الأخير بعنوان " الدمقرطة...فخ منصوب للمعارضة" في تونس، زميلتنا السيدة سهام بنسدرين أرسلت إلينا بالتصحيح التالي المتعلق بتصريحاتها لمندوبنا الخاص في تونس:
"حدث سوء تأويل لبعض التصريحات التي أدليت بها . أنا لم أقل بأن الدولة منحرفة، لكنني صرحت بأن المعارضين يعامَلون مثل المنحرفين، وأن الأساليب المستعملة ضدهم تستقي من الانحراف، مثلا: ليس هناك محاكمة سياسية متعلقة بالمعارضة، لكن هناك محاكمة الحق العام. ليس هناك معتقلون سياسيون في تونس، لكن هناك سجناء الحق العام !").
عن (Temps présent)، عدد 26 الصادر بتاريخ الجمعة 13 فبراير 1998(المترجم).
التعليقات (0)