"الأندلس السليبة وفلسطين الحبيبة"
وصل المسلمون إلى شمال أفريقيا في عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك، الذي وكّل موسى بن نصير بهذه المهمة. وقد دخلت القبائل الوثنية في الإسلام، ومن بينها قبيلة طارق بن زياد، وهو بربري من قبيلة الصدف. وكانت مضارب خيام هذه القبيلة في جبال المغرب العالية. أعجب موسى بن نصير بشجاعة طارق وقوته، ولهذا عهد إليه بفتح شمال أفريقيا وعينه واليا على طنجة. ثم قاد طارق بن زياد جيش المسلمين واجتاز المضيق داخلا بلاد القوط فانتصر عليهم وبعد هذه المعركة صارت الطريق ممهدة أمام المسلمين لفتح البلاد. وفتح طارق المدن الأسبانية واحدة تلو الأخرى ودانت لهم بعد هذا النصر الأندلس كلها. فماذا كان مصير هذا الفارس الشجاع؟ كل هذا لم يشفع لطارق عند موسى بن نصير الذي توجه للأندلس عام 712 لا ليقدّم المساعدات لطارق بن زياد بعد رسالته إليه، وإنما لينسب فتح الأندلس لنفسه! لقد كان موسى بن نصير حاقداً على طارق لأنه تقدّم أكثر مما أراد! وبدلاً من تهنئته قام بإهانته وتوبيخه ثم عزله وسجنه ولم يطلق سراحه إلا بعد تدخّل الخليفة الوليد! وعندما تولّى سليمان الخلافة، عزل موسى وأولاده، وقتل ابنه عبد العزيز الذي شارك في فتح الأندلس! أما طارق بن زياد جالب النصر والغنائم فأهمِلَ وبقي بدون شأن ومات فقيراً سنة 720 م..مات طارق بن زياد معدماً وقيل انه شوهد في آخر أيامه يتسوّل أمام المسجد! وقد حكم المسلمون الأندلس أكثر من ثمانية قرون، حيث تم فتحها عام 710 م وخرجوا منها عام 1492م. وفي عهد ملوك الطوائف قسمت بلاد الأندلس إلى سبع مناطق رئيسة: بنو عَبَّاد: وهم من أهل الأندلس الأصليين الذين كان يطلق عليهم اسم المولدين، وقد أخذوا منطقة إشبيلية. وبنو زيري: وهم من البربر، وقد أخذوا منطقة غرناطة، وكانت إشبيلية وغرناطة في جنوب الأندلس. وبنو جهور: وهم الذين كان منهم أبو الحزم بن جهور زعيم مجلس الشورى، وقد أخذوا منطقة قرطبة وسط الأندلس. وبنو الأفطس: وكانوا أيضا من البربر، وقد استوطنوا غرب الأندلس، وأسسوا هناك إمارة بطليوس الواقعة في الثغر الأدنى. وبنو ذي النون: كانوا أيضا من البربر، واستوطنوا المنطقة الشمالية والتي فيها طليطلة وما فوقها. وبنو عامر: وهم أولاد بني عامر والذين يعود أصلهم إلى اليمن، استوطنوا شرق الأندلس، وكانت عاصمتهم بلنسية. وبنو هود: وهؤلاء أخذوا منطقة "سَرْقُسْطَة تلك التي تقع في الشمال الشرقي. وهكذا قسمت بلاد الأندلس إلى سبعة أقسام شبه متساوية، كل قسم يضم إما عنصرا من العناصر، أو قبيلة من البربر، أو قبيلة من العرب، أو أهل الأندلس الأصليين، بل إن كل قسم أو منطقة من هذه المناطق كانت مقسمة إلى تقسيمات أخرى داخلية، حتى وصل تعداد الدويلات الإسلامية داخل أراضي الأندلس عامة إلى اثنتين وعشرين دويلة، وذلك رغم وجود ما يقرب من 25% من مساحة الأندلس في المناطق الشمالية في أيدي النصارى. وقد سادت الأندلس - بعد سقوط الخلافة - حالة من الارتباك والحيرة تبينت بقيام ما عُرف بدول الطوائف كان بعضها يتربص ليحوز ما بيد غيره من الأمراء، مثلما كانت سلطات أسبانيا النصرانية تتربص بهم جميعًا،وكان لكل دويلة أمير وجيش خاص بها، وسياج من حولها وسفراء وأعلام، وهي لا تملك من مقوّمات الدولة شيء.إلا أنه ورغم هذا بدأ كل منهم بافتعال الصراعات بسبب الحدود، وأصبحت المدن الإسلامية وحواضر الإسلام في الأندلس تحارب بعضها بعضًا، وهناك أيضا تحكُّم وضغط شديدين من قِبل الجيوش التي تتبع الحكام على الشعوب، فكانوا يحكمونهم بالحديد والنار؛ فلا يستطيعون أن ينبثوا بمخالفة أو اعتراض أمام الطواغيت. كان هناك أيضا ظاهرة استجداء النصارى والاستقواء بهم، فأصبح أمراء المؤمنين يدفعون الجزية لألفونسو السادس حتى يحفظ لهم أماكنهم وبقاءهم على الحكم في بلادهم، كانوا يدفعون له الجزية وهو يسبّهم في وجوههم فما يزيدون على أن يقولوا له: ما نحن إلا جباة أموال لك في بلادنا على أن تحافظ لنا على مكاننا في هذه البلاد حاكمين. ثم دخل النصارى مملكة سرقسطة وفي اليوم الأول من دخولهم قتلوا من المسلمين مائة ألفًا! وسبوا سبعة آلاف فتاة بكر منتخبة! وأعطين هدية لملك القسطنطينية، وأحدثوا من المآسي ما تقشعر منه الأبدان إذ كانوا يعتدون على البكر أمام أبيها وعلى الثيًب أمام زوجها، والمسلمون في غمرة ساهون. ومثلها أيضًا كانت مأساة بَلَنْسِيَّة في سنة 1064 م حيث قتل ستون ألف مسلم! في هجوم للنصارى عليها. ولم يتحرك من المسلمين أحد! ثم يسقط الثغر الإسلامي الأعلى في بلاد الأندلس تلك المدينة العظيمة التي كانت عاصمة للقوط قبل دخول المسلمين "طُلَيْطِلَة" المدينة الحصينة ..وبسقوط طُلَيْطِلَة اهتزّ العالم الإسلامي في الشرق والغرب، وحدث إحباط شديد في كل بلاد الأندلس، فأجمع ملوك الطوائف على ضرورة الاستغاثة بأمير دولة المرابطين المغربية وكانت دولة قوية بسطت نفوذها بالمغرب، فعبر المرابطون الى الأندلس وهزموا النصارى وكتبت للأندلس حياة جديدة، امتدت إلى أربعة قرون أخرى. وفي عام 1130 م هاجم الموحدون مراكش عاصمة المرابطين ووقعت معركة سُحق فيها حوالي 40 ألف جندي من جيش الموحدين! ثم عاود الموحدون الكرة فطاردوا المرابطين وأحرقوا مدينة وهران وقتلوا من كان بها من المرابطين. ولم يكن حال فاس ومراكش والمدن الأخرى باحسن من هذا حتى قتل آخر أمراء المرابطين وبذلك سقطت دولة المرابطين، وقامت دولة الموحدين، وفي هذا الوقت انتفض أمراء الاندلس ونفضوا عنهم حكم المرابطين وعادوا يتنازعون ويحارب بعضهم بعضا حتى بسط الموحدون سيطرتهم على الأندلس.. وفي معركة العقاب عام 1212 م انهزم الموحدون بعد هجوم كاسح شنته الجيوش الاوروبية وسقط عشرات الالاف من المقاتلين العرب وانحسر ملكهم في مملكة غرناطة، وطرد العرب نهائيا من غرناطة عام 1492 م وأسدل الستار على الحقبة الاسلامية في الأندلس التي دامت ثمانية قرون.. ومثلما حدث في الأندلس حدث ايضا في فلسطين فقد تعاقبت عليها الممالك العربية وغير العربية منذ احتل المسلمون ارض اسرائيل وتعرّب إسمها ليصبح فلسطين، فدخلها العرب المسلمون قادمين من الجزيرة العربية في العصر الراشدي، وخلفهم الأمويون، ثم قضى العباسيون على بني أمية وبسطوا سيطرتهم على فلسطين، وخضعت فلسطين للاخشيديين وهم سلالة تركية، ثم قام الفاطميون وهم سلالة شيعية حكمت في تونس، بالقضاء على الاخشيديين وفرضوا سيطرتهم على فلسطين، وقام السلاجقة وهم سلالة تركية باحتلال فلسطين حتى قضى عليهم الخوارزميون، وقضى الأيوبيون على الفاطميين واستولوا على فلسطين، وانتصر المماليك وهم سلالات غير عربية على الأيوبيين وبسطوا سيطرتهم على فلسطين لفترة امتدت الى ثلاثة قرون حتى هزمهم العثمانيون وقضوا على حكمهم لتخضع فلسطين للاحتلال التركي لفترة امتدت الى أربعة قرون، ومع اقتراب نهاية الحكم التركي قام اليهود بتنظيم صفوفهم مع قيام الحركة الصهيونية، وخضعت فلسطين للانتداب البريطاني التي قامت بترسيم حدودها لتضم الى جانب السكان اليهود سلالات عربية وأخرى مستعربة، وهؤلاء العرب الذين كانوا في فلسطين عشية قيام دولة اسرائيل هم إما يهود استعربوا واعتنقوا الاسلام واما عرب من الجزيرة العربية او عرب مستعربة من أحفاد هؤلاء الأقوام الذين تعاقبوا على احتلال فلسطين، ومع جلاء القوات البريطانية أعلن اليهود عن قيام دولة اسرائيل.. والخلاصة، ان بلاد الفاندال التي عرّب العرب اسمها لتصبح الأندلس عادت الى سكانها الأصليين بعد مرور ثمانية قرون على الاحتلال العربي، ولم يبق فيها عربيا واحدا بعد معارك دامية مع النصارى الذين قاموا بطرد آخر عربي من الأندلس في القرن ال – 15 للميلاد. واما فلسطين (ارض اسرائيل) فلم يتمكن اليهود سكانها الأصليون من استعادة ملكهم فيها الا بعد مرور 14 قرن من الاحتلال العربي والتركي وغيره، لكن بخلاف ما حدث في الأندلس، لم يطرد اليهود السكان العرب الذين دخلوا البلاد بداية من الغزو العربي لأرض اسرائيل، وما زال يعيش حتى اليوم حوالي خمسة ملايين عربي! في أرض اسرائيل يتوزعون في الضفة الغربية وقطاع غزة ودولة اسرائيل، فيما يزعم هؤلاء العرب على اختلاف سلالاتهم انهم شعب واحد هو الشعب الفلسطيني! وان أرض اسرائيل هي فلسطين التاريخية!
التعليقات (0)