قامت جريدة "الأحداث المغربية"، المعروفة بمناصرتها لثقافة الخلاعة والعري الفاضح (1)، ولأول مرة، بنشر مقال لأحد مراسليها يذكر رأي "التنسيقية المحلية لمحاربة الفساد بعين اللوح"- في عددها رقم 4760 بتاريخ الأربعاء 05 شتنبر 2012 – وهو ما لم يكن منتظرا منها، خاصة وأنها دأبت في أعداد سابقة على كيل الاتهامات تلو الاتهامات لشباب التنسيقية تحت نعوت كثيرة لاداعي لذكرها. ومما جاء في المقال شهادات لبعض أبناء المنطقة في حق أعضاء التنسيقية وحول الممارسات الحاطة بكرامة المرأة بسبب الدعارة، وذلك من قبيل:
-اعتبار أن التنسيقية "يقودها خيرة شباب المنطقة ممن يتحلون بروح المسؤولية والانضباط"، وأن عناصرها "عمدت إلى اتخاذ الحيطة والحذر مخافة عودة ورجوع الباغيات اللواتي غادرن المنطقة منذ مدة" (2).
-قول أحد أفراد التنسيقية: "لم نعترض سبيل أحد، ولم نلعب دور الشرطة، واكتفينا بإخبار الباحثين عن اللذة من زوار المنطقة بأن منطقة عين اللوح لم تعد كسابق عهدها، وأن زمن الفاحشة والدعارة قد ولى، مرحبين في نفس الآن بضيوف المنطقة ممن يعشقون السياحة الجبلية وجاءوا ليتمتعوا بسحر وجمال عين اللوح الخلاب..." (3).
-التأكيد على أن التنسيقية "لقيت دعما جماهيريا كبيرا باستثناء ممتهنات الجنس والمستفيدين من ريعه" (4).
-بيان أن انطلاقة شباب المنطقة لمحاربة الدعارة في قريتهم "كانت بتنسيق مع السلطات المحلية والقضائية التي باركت الخطوة، وقدمت الدعم للمجموعة وفق ما تقتضيه القوانين الجاري بها العمل، وذلك بإخطار السلطة المحلية والدرك الملكي الذين تمكنوا من خلال عمليات المداهمة والإنزال من إيقاف العديد من الأشخاص تم ضبطهم في حالة تلبس..." (5).
-ذكر بعض الفظاعات التي فضحتها "أولى عمليات المداهمة التي همت بعض المواخير" و"أسفرت عن إيجاد العديد من الفتيات القاصرات اللواتي كن محتجزات لدى بعض الوسيطات اللئي كن يجبرنهن كرها على ممارسة الجنس، حيث كانت الواحدة منهن تضاجع ما يزيد على ثلاثين شخصا بالتناوب خلال اليوم الواحد، حتى إن إحداهن أصيبت مرة بالإغماء بعدما ضاجعت ما يقارب 40 شخصا قبل أن تلفظ أنفاسها" (6).
وعلى الرغم مما سبق ذكره، فقد نال شباب المنطقة، الرافضون لتوطين الدعارة في قريتهم، الكثير من السباب والشتم والاتهامات الباطلة، ومن بعض دعاة "الحداثة" الذين لم يجدوا لها من مرادف سوى "نشر الصور العارية"، و"الدعوة إلى الحرية الجنسية" كما سموها. والنماذج لهذا النوع من "الحداثيين" تنضح بها جريدة "الأحدلث المغربية".
من هذه النماذج من كتب مرة – وتحت عنوان "عين اللوح" - يقول:
"قبل موعد انتخابات الخامس والعشرين من شهر نونبر 2011 بحوالي ثلاثة أشهر، تجندت مجموعة من الأصوليين المتشددين بمدينة عين اللوح، للقيام بدوريات على شكل ميليشيات منظمة، شاهرة لحاها في وجه النساء البسيطات، اللواتي اضطرتهن ظروف الحياة إلى امتهان أقدم مهنة في التاريخ، ولم يتوان هؤلاء في مطاردة كل امرأة يشتبه في تعاطيها للدعارة، داخل وخارج البيوت المعدة لذلك، حافزهم الرئيس هو تطبيق شرع الله، ومحاربة الفساد الأخلاقي نيابة عن المجتمع المسلم، وكأن هؤلاء الملتحين هم أولى بالإسلام من غيرهم، وأنهم بحكم توجههم الأصولي هم مؤتمنون على التطبيق الحرفي للشريعة نيابة عن كل الناس، وحتى عن الدولة، التي وقفت مع الأسف موقف المتفرج مما يجري من خرق للقانون، في تلكم المدينة الجبلية، التي يعلم العام والخاص أنها مدينة مهملة، تعاني من الهشاشة والتهميش، يتناسل فيها الفقر بشتى أصنافه، الشئ الذي حولها إلى وكر مفتوح للسياحة الجنسية الرخيصة، تؤم إليها الفتيات المقهورات الساعيات إلى كسب قوتهن وقوت عيالهن وعائلاتهن، عبر بيع أجسادهن للراغبين في إشباع كبتهم الجنسي، مقابل دريهمات معدودة" (7).
وما "الدوريات" التي هي " على شكل ميليشيات منظمة" ؟
هي مظاهرة سلمية لسكان القرية احتجاجا على انتشار الدعارة على نطاق واسع بها ! واستنكارا للتستر المخزي على هذه الظاهرة ! وهو تستر – بل تشجيع – ممن يستفيد منها: أصواتا انتخابية، كما كان يحصل سابقا في مدينة قريبة من العاصمة، أو دريهمات كانت تُجبَى من كل زائر للقرية لأجل الزنا!
والقرية من أغنى القرى في البلد، بثروتها الغابوية الهائلة، لكن مردودها يستفيد منه غير سكان المنطقة، والذين حق لهم أن يرددوا، كما ردد الشاعر أحمد مطر قبلهم، وبعد أن هُدِر "قوت عيالهم":
"ياشرفاء:
هذه الأرض لنا
النفط تحتها لنا
والزرع فوقها لنا
فما لنا
في الجوع لانأكل إلا جوعنا؟
وما لنا
في العري لانلبس إلا عرينا؟
كي نصوغ من فقرنا،
دفئا وزادا وغنى
من أجل أبناء الزنا؟".
وصاحب المقال الذي يبدو أنه غير مهتم بالناهب الحقيقي لثروات المنطقة، المتسبب في " الهشاشة والتهميش، وتناسل فيها الفقر بشتى أصنافه" في القرية ، إلى الدرجة التي يقدم فيها الأب أبناءه لقمة سائغة لخَدَمة الاستكبار العالمي من محترفي التنصير، وإنما يهمه، بل يغيظه، عودة أبناء القرية إلى دينهم، ومطالبتهم –وهذا حقهم- بالقضاء على الاستغلال الجنسي الممارس ضد فئة من المواطنات. فيلجأ إلى قاموس الشتائم والتعابير المحفوظة من كل حقود –حقدا أسود- على الشباب المتدين: "الأصوليون المتشددون"، " شاهرة لحاها في وجه النساء البسيطات"، "شرذمة الملتحين...بعين اللوح"...وغير ذلك من الشتائم التي يحفل بها المقال، محيلا على ممارسات تافهة وشاذة –إن ثبتت- لاتشكل عشر معشار القاعدة لدى المسلمين، ومطلقا العنان لخياله الذي أمرضه الموقف العدائي للإسلاميين –وربما للإسلام كما سيأتي- وذلك في خضوع تام لقاعدة من قواعد الاستئصال التي أنتجتها قنوات الاختطاف ودهاليز التعذيب وأقبية الاستنطاقات...فكانت مع مثيلاتها من القواعد "الخلفية العقدية" لقهر عدد كبير من المواطنين، ألا وهي قاعدة "ليس في القنافذ أملس"، وعبر عنها بقوله: "...فالأصوليون ملة واحدة، يتملكهم وهم الإمساك بخيوط الحقيقة، ويعتقدون أن دأبهم على الرجوع إلى العصور القديمة هو الاختيار الصائب، وأن بإمكانهم إصلاح حال المجتمع بقراءة الفاتحة، وكتابة التعاويذ بمداد السلف الصالح..."(8).
وما سبب كل هذه الجعجعة لدى الرجل؟
لعله يفصح عن ذلك السبب في قوله:
"ولسنا ندري هل سيجد هؤلاء –ويقصد شباب عين اللوح- من رادع الآن، بعد فوز حزب العدالة والتنمية بانتخابات 25 نونبر 2011؟".
ولابد من التأكيد على أن فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية، وهو فوز قد نختلف في تقييمه باعتبار الظروف والملابسات التي أحاطت به، قد صدم الكثيرين من أمثال صاحب المقال. لكن لاأعتقد أنه السبب الحقيقي لجعجعته.
إن من حق الرجل أن يكون رأيا أو موقفا من أي تيار أو حزب أو توجه...لكن من حق غيره عليه أيضا أن يكون صادقا مع نفسه أولا، ثم مع ذلك الغير ثانيا، وأن يحدد بصراحة لالتواء فيها عدوه أو خصمه الحقيقي. لكن صاحبنا يؤثر التخفي وراء التهجم على شباب عين اللوح للتهجم عما يمكن أن يكون مشتركا بينه وبين أولئك الشباب: دين الأمة جمعاء. فالقارئ للمقال قد يشعر وكأن صاحبه ودين الأمة على طرفي نقيض. وإلا فأين يمكن أن نضع مثلا كلامه عما سماه بـِ"المقاصل المنصوبة" التي كانت –حسب قوله دائما- "ذات زمان فزاعات قائمة، ترهب الحرية والمساواة، وتجعل الرجال قوامين على النساء" (9)؟
أو ليس في هذا هجوم صريح على آية في كتاب الله سبحانه: (الرجال قوامون على النساء...) (النساء: 34)؟
وهل الآية فزاعة من "الفزاعات القائمة"؟
أن يكون للرجل موقف رافض للدين، فذلك شأنه. لكن ليتحل بالشجاعة، وليذكر خصمه بدون لف ولا دوران !
ويتابع تحذيره من الإسلاميين، ومن حزب العدالة والتنمية، مؤكدا أنه إنما يفعل ذلك حرصا " على المكتسبات التي راكمها شعبنا لأزيد من خمسة عقود، والتي لايحق لأي كان أن يتراجع عنها قيد أنملة، تحت أي ذريعة مهما بلغت درجة قداستها من غلو" (10).
ومعنى ذلك، باعتبار مناسبة المقال وسياقه، أن الدعارة ومختلف أشكال الاستغلال الجنسي للمرأة كما يمارس في عين اللوح، ومن ذلك احتجاز الفتيات القاصرات وإجبار الواحدة منهن على مضاجعة " ما يزيد على ثلاثين شخصا بالتناوب خلال اليوم الواحد"، أو أربعين فاجرا إلى درجة الإغماء فالموت...كل ذلك من " المكتسبات التي راكمها شعبنا لأزيد من خمسة عقود..."!! والتي لايمكن التخلي عنها –في نظر صاحب المقال- " تحت أي ذريعة مهما بلغت درجة قداستها من غلو" كما قال.
فماذا يقصد "بالذريعة المقدسة": الإسلام؟ القيم والأخلاق؟ كرامة المرأة؟...
علم ذلك عند ربي سبحانه، ثم عند صاحب المقال !
وبعد:
فإن ما سبق نموذج لمقالات تنشرها جريدة ببلدنا، وعندما تبعد الشقة الزمنية، تنشر أخرى، وفي بعض الأحيان لنفس كاتب الأولى، ترد عليها، ناسية أن للشعب ذاكرة.
الهوامش:
1-تخصص الجريدة المذكورة مثلا صفحة أسبوعية، تسميها "الساخنة"، تنشر فيها صورا لنساء من المشاهير وغيرهن عاريات تماما تقريبا، مما يطرح سؤالا عريضا عن الهدف أو الأهداف من وراء تلك الصفحة. كما يطرح أسئلة أخرى عن إحجام الجهة المسؤولة عن تطبيق القانون في بلدنا عن تطبيقه في حق من ينشر "الصور المنافية للأخلاق والآداب العامة"، علما بأن قانون الصحافة والنشر ببلدنا ينص، في الفصل التاسع والخمسين منه على ما يلي :
"يعاقب بحبس تتراوح مدته بين شهر واحد وسنة واحدة، وبغرامة يتراوح قدرها بين 1200 و 6000 درهم كل من :
-صنع او حاز قصد الاتجار أو التوزيع او الإيجار أو التعليق أو العرض
-أورد أو استورد، أصدر أو سعى في الإصدار، أو نقل أو سعى في النقل عمدا لغرض
-قدم لأنظار العموم بالإلصاق أو العرض على الشاشة
-قدم ولو مجانا، ولو بشكل غير عاني، وبأي وجه من الوجوه مباشرة أو بطريقة ملتوية
-وزع أو سلم قصد التوزيع كيفما كانت الوسيلة، وذلك ما يأتي:
جميع المطبوعات أو المكتوبات أو الرسوم أو المنقوشات أو الأفلام الخليعة أو الصور المنافية للأخلاق والآداب العامة".
كما ينص الفصل الستون منه على ما يلي:
"يعاقب بحبس أقصاه شهر واحد، وبغرامة تتراوح بين 1200 و 6000 درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، كل من يسمع الناس بسوء نية علانية أغاني أو خطبا تتنافى والأخلاق والآداب العامة، أو يحرض على الفساد، أو كل من يقوم بنشر إعلان أو مراسلة من هذا القبيل كيفما كانت عباراتها".
وفي الفصل الواحد والستين نقرأ ما يلي:
"إذا ما ارتكبت الجنح المنصوص عليها في الفصلين 59 أو 60 أعلاه عن طريق الصحافة، فإن مدير النشر أو الناشرين تطبق عليهم من جراء النشر وحده، وبصفتهم متهمين رئيسيين. وتتم متابعة مرتكبي الفعل والشركاء طبقا للقانون".
من "قانون الصحافة والنشر" ، الظهير رقم 1-02-207، الصادر في 25 من رجب 1423 (3 أكتوبر 2002).
2و3و4و5و6-جريدة "الأحداث المغربية، عدد 4760 المذكور.
7و8و9و10-مقال "عين اللوح" لبوطيب الحانون، جريدة "الأحداث المغربية، عدد 4535 بتاريخ الجمعة 10 دجنبر 2011.
التعليقات (0)