تقديـــــم:
يحكى أنه كان في غابر الأزمان، وسالف العصر والأوان، حاكم عسكري تسلط على شعب مسالم، في دولة تدعى "لوبيا"، باسم "ثورة صفراء" و"نظرية عالمية" جعلها ثالثة. ولشدة عسفه وظلمه، قام مجموعة من الشباب ، من قبيلة تدعى "قبيلة الفايسبوك"، بتوزيع مناشير كتب عليها أن ذلك الحاكم "حمار". تم اعتقالهم وتوجيه التهمة لهم بإفشاء سر خطير من أسرار الدولة !
لهذا الحاكم "الثوري"، ويقال "العجلي"، رتبة عسكرية قيل أنها رتبة عقيد. وكان مجموعة من الفتيات "وهبن" أنفسهن "للثورة"، فاستحققن بذلك لقب "راهبات الثورة". غير أن هناك من اعتبرهن "راهبات للعقيد" لا "للثورة"، إذ لاتحتاج البقرة، وهي "الثورة" أنثى "الثور"، كما أفاد بذلك العقيد نفسه، لرهبان ولا راهبات.
حدث مرة، في ذلك العصر وفي تلك الدولة، أن مجموعة من "رهبان وراهبات العقيد" خشيت أن يموت العقيد، ولايخلف وراءه شخصا من طينته، فيفتقدون بموته حاكما يرفع رأسه إلى السماء، و"يطلع" على الشعب "بخرجاته" و"تخريجاته" العجيبة الغريبة التي قلما يجود الزمان بها عليهم: "الكتاب الأخضر أو الأسود" (شك الراوي)، و"النظرية العالمية الثالثة أو الصفر"(شك الراوي هنا أيضا)، والدعوة إلى تكوين دولة "إسراطين" بنكهة إسرائيلية فلسطينية، وترجمة اسم "شكسبير" إلى الشيخ زبير...وغير ذلك.
فكر "رهبان وراهبات العقيد" عما يمكن أن يفعلوه لضمان استمرار نسل ذلك الحاكم، وكان يلقب أيضا ب"مجنون لوبيا"، في مثل جنونه و"خرجاته" و"تخريجاته"."..فاهتدوا إلى ضرورة "استنساخه". اقتنعوا بهذا الحل الذي اعتبروه رائعا، خاصة وأن عملية "الاستنساخ" التي تكلف الملايين من الدولارات –وهي عملة ثمينة كانت لقوم من الروم الذين طغوا واستكبروا في ذلك العصر- لن تعجزهم بثمنها. فصنبور "الأخ العقيد" يسيل ذهبا أحمر لمن "ترهبن" له و"لثورته الصفراء الفاقع لونها". والذهب الأحمر مصدره "ذهب أسود" كان يُستَخرَج –في لوبيا وبعض الدول الأخرى- من آبار مخصوصة. وقد ذكر أحد الشعراء آنذاك، ويُدعى أحمد مطر يُقال أن أصله كان من البصرة، حق العقيد وحق أمثاله من حكام الدول المذكورة بذلك الذهب الأسود فقال:
" وكل حقه به
أن بعير جده
قد مر قبل غيره
بتلك الآبار".
قصد "رهبان وراهبات العقيد" –لأجل الاستنساخ- دولة إفرنجية كانت تُدعى "فرنسة". قصدوها جماعة، حسب فهمهم "للنظرية العالمية الصفر" (هنا تأكد الراوي)، ولم يقتصروا على بعث ممثل أو اثنين لهم فقط، لأن تمثيل الأقلية للأغلبية لاينسجم مع تلك النظرية. واقترحوا أمر "الاستنساخ" على العلماء الفرنجة في دولة "فرنسة".
استجاب علماء الفرنساوية لطلب "الرهبان والراهبات"، بشرط مدهم بما كان يسمى آنذاك "الحامض النووي"، ورمزه بالإفرنجية (ADN)، لعقيدهم، وتقديم جزء من المال المتفق عليه، طبعا.
قبل "الرهبان والراهبات". ولماذا لايقبلون، وقد سبق للأخ العقيد أن فَتَحَ "فرنسة" بخيمته وجَمَله في معركة الجمل الثالثة؟!
توضيح:
حدثت أربع معارك سميت بمعركة الجمل:
-الأولى والثانية على عهد علي رضي الله عنه.
- الثالثة بعدهما بقرون، وكان بطلها العقيد لما زار "فرنسة" بخيمته وجمله.
- والرابعة حدثت هذه الأيام، على عهد الفرعون الصغير (حُسنيس مباركيس الأول، ابن خالة رمسيس الثاني، ويطلق عليه العرب حسني مبارك) (1) بمصر، لما هجمت "قبيلة البلطجية" بخيلها وجملها على متظاهرين في ساحة لها علاقة بالحرية، كما أفاد بذلك أخونا عبدالرزاق التابعي. ولذا فالمرجو من السادة المؤرخين أن يأخذوا هذه المعارك بعين الاعتبار، وخاصة "فتح" فرنسة بالجمل من طرف العقيد، بعدما فشل في ذلك الشهيد عبدالرحمن الغافقي رحمه الله!
انتهى التوضيح. ولنعد إلى قصتنا حول الاستنساخ.
بعد شهرين أو يزيد، عاد "الرهبان والراهبات" لزيارة علماء فرنسة. قال العلماء:
-اعذرونا، فإننا لم نستطع استنساخ عقيدكم. فقد كنا كلما قمنا بالعملية نفاجأ بحمار يخرج لنا ! وكلما أعدنا الكرة خرج لنا الحمار بأنكر صوت: النهيق ثم النهيق ! ولانعرف سبب ذلك !
موجة غضب سرت بين "الرهبان والراهبات". صاح أحدهم:
-كيف، الأخ العقيد حمـ....؟
قطع كلامه فجأة. تذكّر أن تهمة " إفشاء سر خطير من أسرار الدولة" في انتظاره في آخر كلامه !
-أمبرياليون...لصوص...صاح آخر.
- أعطونا حامض رئيسنا النووي الجماهيري الثوري الاشتراكي...يا أبناء الـ...! صاح ثالث، منهيا كلامه بألفاظ بذيئة.
- ...والأموال التي أعطيناكم أيضا...أرجعوها لنا يا...!
كاد اللغط والجلبة يتحولان إلى مظاهرة، خاصة وأن محترفي "رهبنة العقيد" جلبوا معهم –كما هي عادتهم- صورا "لقائد الثورة" (= أنثى الثور، كي لاننسى)، ونسخا من "الكتاب الأسود"(هنا أيضا تحقق الراوي من وصف الأسود). غير أن الفرنجة سارعوا إلى إرجاع المال والحامض النووي - الجماهيري الثوري الاشتراكي الوحدوي...- لهم، خاصة بعد أن تدخل أحد وزراء الفرنجة حرصا على "مصالح" بلده الذي كان يحصل جراءها على الملايير من بلد العقيد. فلا يهم فرنسة وحاكميها أن يكون حاكم "لوبيا"، ومن كان من فصيلته في الدول المجاورة له، "عجلا" يُحلَب –و"عجول" الدول على شاكلة "لوبيا" تدر الحليب في منظور الفرنجة- أو "كلبا" ينهش حقوق رعاياه، كحق طفلة في خمار، أو يتيم في لقمة عيش، أو معطل في وظيفة... !
على أي، أخذ "الرهبان والراهبات" أموالهم وحامض عقيدهم النووي، ويمموا وجوههم شطر "أمريكة"، دولة رومية طاغية وصاحبة عملة الدولار المذكورة من قبل. علماء "أمريكة" سخروا من الفرنسيس لما أ ُخبِروا الخبر، ولاموا "الرهبان والراهبات" على عدم التوجه رأسا نحوهم ونحو بيتهم الأبيض . فهم أصحاب الاختصاص في "الاستنساخ" والعارفون بشؤونه، "استنسخوا" حكاما كثيرين على مقاسهم "اليانكي" لشعوب طالما استعصت عليهم، لكنهم "طوعوها" في الأخير بأولئك الحكام "المستنسَخين". وقد تفْطِن الشعوب إلى تلك العملية فتثور، كما حدث مرارا في مجموعة دول، لكن علماء "أمريكة" يتداركون الأمر إما بعملية "قيصرية" يعيدون فيها "المستنسَخ" إلى مكانه، في صورته المعروفة أوفي صورة أخرى، وإما بعملية "ادخار" الثورة الشعبية لبعض "الطيبين" الذين يقتسمون خيراتها فيما بينهم حتى لاتحدث الفوضى والفتنة والاضطراب...، وهو ما تسميه تلك الشعوب خطأ ً بِ "سرقة الثورة".
وقد أعفى علماء "أمريكة" "الرهبان والراهبات" من دفع مال أو غيره لقاء عملية "الاستنساخ". يكفيهم أن يكون العقيد "المستنسَخ" ابنا شرعيا أو غير شرعي لهم، صنع بأيديهم وتحت أعينهم. ف"العجل اللوبي" ومن يشبهه، في منظور روم "أمريكة"، لايدر الحليب فقط كما ذهب إلى ذلك الفرنجة، بل يدر أيضا الألبان ومشتقاتها، وقد يُحلَب ويُحلب ويُحلب مرات عديدة من طرف رعاة بقر أمريكة حتى يدر دما وقيحا. وذلك الدم وذلك القيح "هبة" تتركها أمريكة مشكورة للشعوب!
بعد مدة عاد "الرهبان والراهبات" إلى الدولة الرومية. وكانت المفاجأة في انتظارهم مرة أخرى. فقد "طلع" حمار، بعد الاستنساخ، عوض آدمي !
وبدأ الشتم واللغط مرة أخرى:
-امبرياليون، همج...!
- كلاب صيد "اللوبي الصهيوني" الحقود على بلدنا !
- جملة واحدة من "الكتاب الأسود" قادرة على حرق أمريكة عديمة القيم !
- والله ما تصلحون إلا لرعي إبل قائدنا الفذ...!
وتتابعت الشتائم كالسيل.
في طريق العودة، تذَكّر أحد "الرهبان" أن هناك منطقة معناها قريب من فعلي "دَرّب" و"غَلّف"، في مدينة يقال أنها دار بيضاء، غير أنها عند التحقيق ديار كثيرة وهائلة، فيها الأبيض والأحمر والأسود...جميع الألوان والأطياف والأصوات والأدخنة ...بالإضافة إلى الناس وغيرهم من المخلوقات، والكل "من كل حدب ينسلون". وتوجد تلك المدينة العظيمة في بلد "جميل" و"مضياف" غرب "لوبيا" عند مجمع بحرين. تذكر "الراهب اللوبي" كل هذا، وتذكر معه أن في تلك المنطقة دكاكين لإصلاح أدوات تسمى "الهواتف النقالة"-وفي يده نموذج منها يهتف مرة بعد أخرى- ويقوم أصحاب الدكاكين بتشفير تلك الأدوات أو حل شفرتها.
في المنطقة التي يقرب معنى اسمها من الفعلين المذكورين، طلب صاحب دكان للتشفير، ولنسمه الأبيض مادام من مدينة موصوفة بذلك اللون، من "الرهبان والراهبات" مبلغا اعتقد أنه باهض جدا. وفي المقابل سيقوم بما طلبوه منه، أي إيجاد "عُقَيّد ٍ" مثل "عقيدهم". قدموا له المبلغ بسرعة، مع زيادة. فهو ثمن لايساوي شيئا بالنسبة لهم، وبالمقارنة مع ماطلبه علماء الفرنجة من قبل. رجاهم الأبيض أن يعودوا في الغد. ولما عادوا وجدوا شابا أملس الكتفين، عريض المنكبين، جلس القرفصاء أمام الدكان وهو ينظر إلى أعلى. أما صاحب الدكان، فقد بدت عليه علامات الغضب الشديد، إذ كان يحدث الشاب عن ثورة مظفرة حدثت ضد الفرعون الصغير (حُسنيس مباركيس الأول السابق ذكره) في مصر، لكن الشاب كان يسأله بفظاظة عن المقصود بالثورة، وهل هي أنثى الثور. وكان الشاب يشبه كثيرا "الزعيم" الذي "ترهبن" "الرهبان والراهبات " له،وكأنه نسخة طبق الأصل منه! كلموه فرد عليهم كما لو كان زعيمهم منذ أجيال!
صعق "الرهبان والراهبات " من هول المفاجأة، على الرغم من أنهم كانوا يرغبون في هذه النتيجة. سألوا الأبيض:
-كيف فعلت؟
أجاب:
-والله لن أقول لكم شيئا حتى تعطوني زيادة على الثمن!
أعطوه ماطلب، بل أكثر، فقال:
-لقد قمت بعملية تشفير ما أعطيتموني، فخرج لي حمار! أعدت المحاولة، فظهر لي الحمار بنهيق مزعج هذه المرة! فقلت مع نفسي: ربما يكون من يُراد استنساخه ذا طبع "حماري" "كمثل الحمار يحمل" أوزارا، قد تكون أوزار شعب أو أمة ! مثلما هناك ذو الطبع "الكلبي" "مثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث"، ومثلما هناك ذو الطبع "القردي" (2)...
وتابع الأبيض، بعدما أرسل زفرات حرى:
-فكرت وقدرت، فتذكرت أن لجدي حمارا عنيدا بلغ من العناد والحمق المنتهى. أخذت عينة من حامضه النووي، وقمت بتشفيرها، فخرج هذا الشاب ابنا لحمار جدي!
ثم التفت إلى "الرهبان والراهبات " وصاح وهو يرتعد، كأنه يخشى أن تسري إليه، من الشاب، "حمارية" الحمار:
-هيا خذوه عني، وبسرعة...! ولاتضعوا أقدامكم في دكاني مرة أخرى !!
__________
1-يقال أن هذا الفرعون كان زاهدا في الدنيا لايملك حتى ثمن كسوته، حسبما ذكر زعيم "الثورة الصفراء".
2- قال الراوي: هذا خلافا لما كان يذهب إليه "شارِلُ داروينُ"، عالم من علماء الروم الأنقليز –وهم غير فرنجة فرنسة- من أن الأصل ، وليس الطبع، قِردي.
التعليقات (0)