مواضيع اليوم

"إصلاح" و"حوار"

د.هايل نصر

2011-06-28 08:57:45

0

خلال نصف قرن لم يسمع المواطن العربي كلمة اسمها إصلاح و أخرى اسمها حوار,  ولم ينطق بهما وكانّ لفظهما كان عصي على اللسان العربي. فجأة وفي الشهرين الأخيرين من عامنا الحالي, وتزامنا مع الاحتجاجات  والثورات الشعبية على الطغاة والمتلاعبين بالكلمات, أصبحت الكلمتان على كل لسان تنزلقان انزلاقا, وبسهولة التزلج على الجليد, وكأنهما حلتا محل العبارة المستهلكة بعمرها الأربعيني "بالروح بالدم". كلمتان ترددهما المحطات الفضائية والأرضية, وكل وسائل الإعلام,  بتواتر يشبه التوتر العالي, وباتساع يتعدى الوطن ليصل إلى خارجه ـ وهما أساسا موجهتان للخارج كتعويذة وقاية من الضغوط والتشهير والتلويح بالحصار والأمور الكبار, خاصة وان الخارج هو من يُعمّد ويمدد ويُنصّب ويخلع ــ.
وبات السؤال, إذا كان الحكام قبل المحكومين يرددون صباحا مساء: إصلاح اصلاح. حوار حوار. فلماذا لا يرى أحد على ارض الواقع لا إصلاحا ولا حوارا؟. ولماذا حين يُطالب المواطنون بتحويل الأقوال إلى أفعال تُدمر البيوت وتقتلع الأشجار؟. ولماذا يستعمل الرصاص الحي ويقتل الآلاف وتلاحق الدبابات المواطنين "العصابات" حتى إلى خارج الديار؟. هل لأنهم غير إصلاحيين أو اصلاحيين زيادة؟. أم هي طريقة حضارية في التعامل لدعوتهم مكرمين إلى طاولات الحوار, أم لجزائهم على ابتكارهم أو تقليدهم الآخرين من العرب , جزاء سنمار؟.
ضرورة الإصلاح لا يختلف عليها اثنان. الخلاف كل الخلاف على المعاني والمقاصد التي يراد لهذه الكلمة أن تحملها أو تعبر عنها. قبلها أو تظاهر بقبولها الكثير من الطغاة في زنقتهم الأخيرة, التي لم يسبق أن زنقوا مثلها طيلة تاريخهم الثقيل بالمآسي. القبول هنا لم يكن اعترفا بوجوب إصلاح في بنية الطغيان والاستبداد, ولا في أسباب  ورموز الفساد, ولا في وسائل رد الكرامة والحرية للإنسان ولا في إخراجه من التابعية إلى المواطنة وحقوق المواطنية. إصلاح في مثل هذه الأمور يُخرج النظام عن طبيعته ويطيح نهائيا بأسسه. إصلاح لا يجوز استدعاؤه من قبل “العصابات" والمندسين, والخارجين على القانون, "قانونهم بطبيعة الحال" والمخربين, والعملاء, والمرتبطين بالخارج, والسلفيين, ومتعاطي ومروجي المخدرات, والمهربين ( كان ابلغ من صنفهم هو عميد الزعماء العرب, فهم جرذان سيجري في كل مكان لشدهم).
كلمة الإصلاح زاودت بطرحها وسائل الإعلام الكاذبة الموضوعة تحت تصرف الحكام, فوصفوا هؤلاء بأنهم اصطلاحيون حقيقيون وسادة الإصلاح. فكروا به وعملوا سرا له منذ زمن بعيد, ولكن الظروف والتآمر والاستهداف طيلة 50 عاما لم تترك لهم فرصة إخراجه من النوايا إلى الأفعال !!!. (استهداف دام نصف قرن ولم يستطع إسقاط أو حتى إيذاء مُستهدف واحد من المستهدفين !!!. يا لعظمة  ومناعة المستهدفين !!!. ويا لغرابة وهزال المؤامرات والمتآمرين !!!. ويا للقلق المزمن والدائم للأمريكيين والغربيين !!!.)
إذن لا حاجة للشعوب أن تطالب بإصلاح وتستعجله فالحكام أكثر منهم حرصا وإصرارا عليه. المشكلة مشكلة استهداف بثياب إصلاح, والمسالة مسالة وقت. هل نصف قرن في عمر الشعوب يعني شيئا؟.. يا لروعة الإعلام في "زنقة" الحكام !!!.
تُعقد للإصلاح الندوات البينية  بين السلطة وحزبها وأعوانها وجبهتها,( ويُستجلب للتنظير له كوادر من الإخوة اللبنانيين الذي فرغوا لتوهم من كل الإصلاحات عندهم, ولم تقعد بهم الهمة وتمنعهم من نقل  تجاربهم لنا !!!. ومع ذلك, ومن باب العتب, لا ندري بأي حق يُخونون السوريين ويسفهون مطالبهم, وكيف يسمح لهم بذلك دعاة الوطنية السورية وعلى أجهزتهم الإعلامية !!!, قد يكون لهم "مونة" حتى ولو أنهم الأخ الأصغر, أو لأننا أبناء أمة عربية واحدة) ولا يتم الاكتفاء بهذا ولزيادة إثبات المصداقية وسلامة الطوية الإصلاحية, يتم الاستشهاد بكلمات وشهادات قيلت ـ بعد إخراجها من سياقها ــ  في صحف أجنبية, وبشكل خاص روسية, أو صينية, أو إيرانية , عالية الموضوعية والمهنية والمصداقية, وخاصة إذا تعلق الأمر بالإصلاح في مجال الإنسان وحقوق الإنسان.
الإصلاح لا يكون إصلاحا إذا كان تنزيلا واصطفاء, أو كان مجرد نوايا وتسويفا, هدفه الوحيد إخراج النظام من أزمته ثم العودة إلى نقطة البداية. لعب  ورقة مثل هذا الإصلاح, في الوقت الضائع, كل من بن علي ومبارك وما زال يلعبها القذافي ويناور بها سيد الإصلاحيين ورجل المبادرات اليومية عبد الله صالح, فكانت النتائج المنافي أو السجون أو ملاحقات المحكمة الجنائية الدولية بتهم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية. أو المستشفيات أو الاختباء حتى عن عيون من كانوا بالأمس من الأصدقاء.
كيف يمكن بناء إصلاح حقيقي وجذري قادر على نقل الدولة من الاستبداد إلى الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان, بعقول رجال أدمنوا الاستبداد فدخل في تركيبتهم الفسيولوجية والذهنية؟. كيف يمكن الإصلاح باليات عفا عليها الزمن وأصبحت عبئا على الحضارة والتطور والحداثة؟. كيف يمكن الإصلاح إن لم تُنزع القدسية عن الزعيم ويرجع إلى مواطنيه إنسانا عاديا قابل للانتخاب أو الرفض أو العزل. قابل للمساءلة وتحمل تبعات الإخلال بالمسؤولية؟. الرئيس الإنسان الذي لا يختلف عن غيره إلا بشغله للوظيفة المنتخب لشغلها.
الحوار كالإصلاح لا يرفضه احد إن لم يكن:
ـ  حوار الذئب مع الحمل.
ـ حوار القوي مع من لا حول له ولا قوة.
ـ حوار بين سلطة غاشمة وأفراد من الرعية لم يجلسوا يوما لحوار, ومن نطق به سابقا دفع الثمن غال من حريته وكرامته ومعيشته.
ـ  حوار وفي كل شارع دبابة وقناص, وتحليل سفك الدماء.
ـ  حوار بين مواطنين وطنيين بامتياز, وأنصاف مواطنين بوطنية منقوصة,  مجرد رعايا في إمبراطوريات الرعب.
ـ  حوار أصحاب السلطة والجاه والثروة مع من لا سلطة لهم أو ثروة أو اعتبار وجاه.
ـ حوار تديره أجهزة الأمن من خلف الستار.
ـ حوار مموه وباسم مستعار.
ـ حوار لا يغير من طبيعته دعوة مناضلين لم تنل السجون والمعتقلات من شكيمتهم, بهدف فعل ما لم تفعله السجون بهم من إفقاد للمصداقية وشق للمعارضة الوطنية والثورة الشعبية, حوار يتم الإشادة الكاذبة برعايا الداخل وشيطنة إخوانهم في الخارج.
الحوار الحقيق هو الحوار بين متساوين, أو حوار راع لراع, كما يقول الفرنسيين. الحوار الهادف والصريح, الذي تُطرح فيه الأمور بكل صدق ووضوح. حوار بين من يمتلكون الحس الديمقراطي ويقبلون بالغير وبالندية.
قد يقول أحدهم أن مثل هذا ليس حوار في السياسة ولا فيه فن الممكن, انه من المثاليات, ويدخل في باب علم الأخلاق والآداب والعظات. قد يكون هذا صحيحا إن كان موضوع الحوار تسوية قضية عادية, أو وضع حل لمسألة بسيطة خلافية. أو لإسناد بطولة مسلسل لممثل دون غيره ــ باعتبار غالبية المدعوين للحوار وعصبه فنانون ممثلون ومنتجون ــ. أما الحوار في إعادة بناء الدولة فهو غير ذلك, ولا بد أن يكون الشعب نفسه هو سيد الحوار وراعيه ومديره دون منازع, فهو المعني أولا وأخيرا, وان دخلته السلطة لا تدخله بامتيازات السلطة, إلى حين الاتفاق على طبيعة الدولة ومهامها واختصاصات كل سلطة. الحوار أيها السادة لا يستقيم إلا إذا كان بين متساوين في السيادة والمواطنة والحقوق والواجبات.
الحوار الذي يثار الكلام عنه هذه الأيام, المنادى به والمنادى عليه بلغة فوقية متعالية وعقلية استبدادية حتى قبل الإعداد والترتيب له, ليس فيه أية صفة من صفات الحوار الجدي والفعال, لا يُرى فيه ولا يُشتمّ منه إلا حوارا للخروج من "الأزمة", خداع وتهدئة لإعادة الأمور لنصابها وإعادة "هيبة" السلطة الممرغة إلى هيبتها. ونسيان الدماء المسفوحة والكرامات المهانة والمدن المستباحة, ومحاولات لإسكات الداخل والخارج عن الأهوال والفظائع. أي لا يهدف إلا إلى استرداد للقوة القمعية وإعادة إخضاع من تحرر من الخوف إلى الرعب المستديم.
مثل هذا, وإن سُمّي حوارا, لا يمكنه أن  ينهي الاستبداد والقهر والفساد, ولا يمكن لعقلية شمولية تحكمية سادت نصف قرن أن تنقلب فجأة إلى حضارية حوارية. ولا لثقافة شمولية أن تتحول إلى ثقافة الإصلاح والحداثة والحوار. وعليه ليس مستغرب من رجالات سلطة يطلبون نسيان قارة كاملة, حتى ولو كانت القارة العجوز, بأنها موجودة على الخريطة, بان يطلبوا من المتحاورين حين تلاءم الظروف إن ينسوا بان كان هناك حوار ومتحاورين ونتائج للحوار.
هل عرف التاريخ طغاة تحولوا يوما إلى دعاة لمفاهيم الحرية, والى احترام الكرامة الإنسانية, والى تبني الديمقراطية, والى السعي لخراب دولتهم لبناء دولة القانون والمساواة والعدالة والمؤسسات, وكل ذلك بالحوار الحضاري وحده, الحوار في الوقت الضائع, وبعد ارتكاب الفظائع.
د.هايل نصر

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات