مواضيع اليوم

"إسرائيل" وعقدة شمشون في غزة

RADWAN HAMDAN

2009-01-01 08:58:06

0

إسرائيل وعقدة شمشون في غزة  

 

  بقلم / توفيق أبو شومر

 

"لولا دير ياسين ما قامت إسرائيل" أحفظ هذا القول لبن غريون منذ أن درستُ التاريخ ، وظللتُ أعتبر هذا القول إحدى أهم سمات دولة إسرائيل ، فهي قد اعتمدتْ المجازر كأهم أسس بنائها وقيامها ، ومن هنا ظل قادة إسرائيل من أحفاد بن غريون يسيرون على هدي هذا القول وينفذونه.

لذلك فقد اعتمد قادة الجيش الإسرائيليون هذا المبدأ كأساس لبروزهم الشخصي ، لبثِّ الرعب في نفوس المحيطين بهم ، وأصبحت إسرائيل كالغول في نظر العالم العربي المحيط بها.

وقام عدد من المؤرخين الجدد بإبراز هذا الوجه الإسرائيلي باعتباره مرضا ، وأقدم المكارثيون من كتاب اليمين الإسرائيلي المأجورين إلى نبذ هؤلاء من صفوف الإسرائيليين وطردهم ، باعتبارهم أعداء لليهود والصهيونية ودولة إسرائيل.

 ولعل أبرز الكُتَّاب الذين أدركوا مرض إسرائيل الخطير هو الكاتب اليساري من تيار المؤرخين الجدد إيلان بابه الذي كتب قبل عام كتابا يشير إلى مرض إسرائيل الخطير وهو أنها تظل تسعى إلى نفي الآخرين وإقصائهم وتصفيتهم كأسلوب لبقائها على قيد الحياة ، وكان عنوان كتابه " التطهير العرقي" !

ولعلّ أبرز ما ورد في الكتاب الذي لم يحظ بكثير من الاهتمام ليس في إسرائيل وحدها ، بل في العالم العربي أيضا قوله :

"إن ما جرى للفلسطينيين في إسرائيل من تطهير عرقي ، لم يكن عفويا ، بل كان مخططا أرسى قواعده بن غريون نفسه ، فالعرب عام 1948لم يهربوا كما زعمت الرواية الإسرائيلية، بل إنهم طُردوا بخطة مدروسة ، وكان الكاتب الإسرائيلي اليساري توم سيغف قد أشار أيضا إلى ذلك أيضا، في كتابه الإسرائيليون الأوائل عام 1949، وذكره بني موريس في كتابه مشكلة اللاجئين ، غير أنه تراجع بعد ذلك بفعل ضغط الموالين للتيار الحكومي السائد وتراجع عن آرائه .

وأشار إيلان بابه الذي طُرد من جامعة حيفا إلى بريطانيا بسبب آرائه المنصفة تلك،  إلى أن التطهير العرقي ضد الفلسطينيين قد نفذ بوسيلتين ؛ الأولى هي استخدام المدافع والقتل والمجازر ، أما الثانية فهي إعدام الشباب وإثارة الرعب لهدف ترحيل الفلسطينيين من مدنهم وقراهم، ودلَّل على ذلك بحيفا ، فقد كان مركز مدينة حيفا يحوي اثنين وستين قرية ، محيت كلها من الوجود ، ولم يبق في حيفا سوى قريتي الفريديس وجسر الزرقا ، ويُرجع السبب  في بقاء القريتين إلى مطالبة اليهود الجدد بإبقائهما ليعمل سكانهما خدما في مستوطناتهم الجديدة .

وفي الكتاب نفسه فإن الكاتب يرى بأن إسرائيل مستمرة في سياسة التطهير العرقي في كل سياساتها ، وهو يستغرب حينما تنعتها دول العالم بأنها دولة ديموقراطية !

وهو يقترح أن يُعامل العالمُ إسرائيلَ كدولة أبارتهايد ، بالضبط مثل جنوب إفريقية .

ومن يرجع إلى مسلسل المجازر التي ارتكبتها إسرائيل أثناء قيامها وبعد قيامها فإنه سيصل إلى عدد كبير من المجازر يُجاوز خمسة وسبعين مجزرة .

وقد ذكر الكاتب اليساري دان ياهف أيضا من واقع السجلات الإسرائيلية عددا كبيرا من المجازر التي لم تذكرها كتب التاريخ  في كتابه " طهارة السلاح "  وهذا الكتاب أيضا لم يظفر بعناية ودراسة كثيرين ،وقد خلص الكاتب إلى النتيجة التي توصَّل إليها إيلان بابه ، وهي أن  الطرد والقتل ، هي الضمانة الوحيدة لإقامة إسرائيل .

وما تزال أسماء المذابح المشهورة ماثلة أمامنا بدءا بمذبحة دير ياسين ، وقبيه  والطنطورة والصفصاف وعيلوط وصولا إلى تواطؤ إسرائيل وتمهيدها وإعدادها لإنجاز مذبحة صبرا وشاتيلا ، وما يزال كثيرٌ من الأحياء شاهدي إثبات على ما جرى في مذبحة كفر قاسم ومن بينهم يهودٌ يساريون ، وعلى رأسهم الكاتب المنصف لطيف دروري  الذي وثَّق تفاصيل مجزرة كفر قاسم 1956

أما عن المذابح الأخرى التي ارتكبتها إسرائيل  في العالم العربي لهدف إحداث صدمة الرعب في نفوس العرب من إسرائيل ، وتأكيد قوة الردع الإسرائيلية ،فأهمها مجزرة مدرسة بحر البقر ، وأبو زعبل  في مصر، أما في لبنان فالمذابح كثيرة ، كان أكثرها بشاعة مذبحة قانا 1996 حيث قتل أكثر من مائة بريء معظمهم من النساء والأطفال.

ومن يدرس إسرائيل وفسيفسائها الطبقية والعرقية يؤكد بأن غالبية مكونات المجتمع الإسرائيلي ما تزال مصابة بمرض التطهير العرقي ، الذي يعتمد المجازر كأهم أسس بقاء إسرائيل.

فإسرائيل عندما تمرُّ بضائقة سياسية أو اقتصادية ، فإنها تعمدُ دائما إلى تفجير حربٍ جديدة لهدف تجميع قواها  وتخطي عقباتها ومآزقها العديدة ، وهي وإن أسستْ نظاما حزبيا أوهمت العالم بأنه نظامٌ ديموقراطي ، إلا أن من يدرس نظامها الحزبي عن قرب يُصاب بالدهشة لأن كل السياسيين في إسرائيل من اليمين واليسار لا يمكنهم أن ينجحوا في الاستفتاءات إلا إذا كانوا ضباط جيش ، أو مشاركين في المذابح والمجازر ، فالسجل الانتخابي المعتمد في إسرائيل سيظل هو سجل المجازر والمذابح ضد الأغيار والغوييم .

ما تعرَّضت له غزة صباح يوم السبت 28/12/2008 يعتبر امتدادا لمرض الاستشفاء المستوطن في إسرائيل ، وقد تابعتُ عن قرب كيف أن الطائرات ظلَّتْ تتعمد إصابة الأبرياء ، وتنتظرهم عندما يهبون لنجدة المصابين، فإنها تقوم بضربة ثانية لتصفيتهم ، وهذه الشهية المفتوحة للدم الفلسطيني هي أخطر أمراض إسرائيل،  وهي المصابة بأخطر الأمراض المستوطنة ، مرض شهية التطهير العرقي  ضد الأبرياء.

كما أن إسرائيل عندما تودُّ أن تحسِّن من شروط مفاوضاتها أو إملاءاتها السياسية ، فإنها دائما تسعى إلى توظيف مرضها الخطير ، مرض التطهير العرقي، لإحداث صدمة على المفاوضين بحربٍ أو مجزرة جديدة ، مما يدفعهم إلى قبول إملاءاتها وشروطها.

وقد أدرك كبار كتاب إسرائيل بأن دولتهم مصابة بعقدة الشمشونية  ، إشارة إلى انتقام شمشون من الفلسطينيين حينما أشعل في ذيول الثعالب النارَ لكي توزعها الثعالبُ على بيوت الفلسطينيين وحقولهم كما أشارت التوراة في قصة شمشون ، وقد أقدم شمشون على إحراق الفلسطينيين  انتقاما  من دليلتهم الفلسطينية التي عثرت على نقطة ضعفه ، فقصَّت شعره كما يشير إلى ذلك الكاتب الإسرائيلي دافيد غروسمان ، الذي أشار بأن إسرائيل لن تنجو من واقعها المرير إلا بإشفاء نفسها من سلسلة أمراضها الخطيرة ، وعلى رأسها مرض الانتقامية الشمشونية .

1/1/2009

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !