مواضيع اليوم

"أهل العقول في راحة"

ختام البرقاوي

2009-06-18 09:00:09

0

"أهل العقول في راحة"

 

نصحني صديق مجنون ذات مرّة لكي لا أخاف بأن أواجه ما أو من يخيفني.
عجزتُ عن مواجهتي نفسي لأنها أقصى ما يُخيفني.
ضَحكَ منّي و قال: أنا إن خفتُ أحدا نظرتُ في عينيه فرأيتُه يخشاني و ما إن أرى ذلك حتى يتبـدّد خوفي.
سَألتُه و هل لنفسي عيون؟
قال: نـعم ما عليك إلا أن تقفي أمام المرآة و سترينها.
حدّقـتُ في المرآة طويلا حتى وَجدتُني.
استغربتُ وجهي الجديد بعد المواجهة. فقد وجدتُه أليفا على غير العادة و كنت قد أضعتُه مند زمن في سوق الوُجوه حيث تُباع الغلال و الخضرُ و الأقنعة.
لم اُقلع بعد عن الخوف. و لم يُقلع صديقي عن الجنون.
أصبحتُ اكتب قصصا و أصبح هو يصنعُ الأفلام.
كان كلانا يبيع الأحلام في سوق الوجوه. و كنا نعزف للنّـاس و كان الكل أصما لا يَفقهون عزفا.
كانوا يَرقُصونَ على تلك الأنغام و كانوا بلا وجوه. وزّعنا عليهم الأقنعة. لكلّ قناع كُتبَ عليه اسم صاحبه و اسم أمه.
كنتُ أنادي فلاْن بن فلانة إليكَ قناعك صُنع على مقاسك.
كان صديقي يَصنع الأقنعة. صَنع لنفسه قناعا شفافا و صَنع لي قناعا ورديا برائحة الزهر.
يومَ الكرنفال لم يَتخلّفْ أحد. كلّ كان يَحمل قناعه و يرقص على موسيقى لا يسمعها.
و بَقي قناع الصداقة على الرفّ حيث لم يقبل أحد أن يَضعه عوضا عن قناعه و لم نجد صاحبه الذي صُنع على مقاسه.
في الصّـباح شَيّـعنا قناع الصداقة في جنازة فلم يَظهر له صاحب حتى الآن و لم يقبل به أحد كما أسلفنا. كان ذنب صديقي صانع الأقنعة فلشدّة ما تفنّـن في إبداع قناع الصداقة غدا القناع ثقيل الحمل.
حين عدنا أدراجنا و جدنا رجلا بلا وجه و لا قناع انّـه صاحب القناع المدفون يطلبه بعد فوات الأوان.
نبـشـنا التّراب و كان الدّود قد عبث بالقناع فما كان منّا إلا أن شيّعنا جنازة صاحب القناع و هكذا ارتحنا من الرّجل صَديق بن صَديقة و من قناع الصّداقة الثـّقيل.
صديقي اعتزل صناعة الأقنعة و أصبح يصنع الوجوه أنا اعتزلتُ الكتابة و امتهنتُ بيع الغلال و الخضر.

 

اهل العقول في راحة" هو مثل شعبي تونسي يقوله التونسيون خاصة اذا ما صادفوا أحدا غريب الاطوار و خاصة الذين ينعتونهم بالجنون.

 

 

تونس في الأوّل من ماي 2009
ختام البرڤاوي




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !