ما وراء موقف أردوغان في "دافوس"
فصل مثير من تاريخ "دولة التنظيم السري": "أرجينكون" الحكومة التركية الخفية في قفص الاتهام
بقلم/ ممدوح الشيخ
سكتت المدافع في الحرب الإسرائيلية الهمجية على غزة وبقيت دروس وعبر وتحولات كشفت عنها الحرب، ولعل أهم هذه الدروس هذا الحضور التركي غير المسبوق إقليميا، فحاضرة الخلافة التي أراد مصطفى كمال أتاتورك أن تتجه بوصلتها غربا صوب أوروبا وجاهد الإسلاميون الأتراك لأعادتها إلى هويتها الحقيقية وإلى محيطها الإسلامي، أعادت بناء صورتها بشكل جديد، ولكن الحرب كانت مجرد "ظرف"، أما سبب التحول فيوجد في ملف آخر.
من أربكان لأردوغان
ورغم أن الرغبة في التوجه صوب العالم الإسلامي كانت موجودة منذ فوز رئيس الوزراء السابق نجم الدين أربكان رئيس حزب الرفاه بالأغلبية في انتخابات عام 1996 ليترأس حكومة ائتلافية. وخلال أقل من عام قضاه رئيسا للحكومة التركية، سعى أربكان للانفتاح بقوة على العالم الإسلامي، حتى بدا كأنه يريد استعادة دور تركيا الإسلامي القيادي، فبدأ ولايته بزيارة ليبيا وإيران، وأعلن تشكيل مجموعة "الثماني الإسلامية" التي تضم إلى جانب تركيا أكبر سبع دول إسلامية: إيران وباكستان وإندونيسيا ومصر ونيجيريا وبنغلاديش وماليزيا.
ولم يكتف أربكان – آنذاك – بذلك، بل نشط عبر العالم الإسلامي، وحدد موعدا لمؤتمر عالمي يضم قيادات العمل الإسلامي، وباتت تركيا تتدخل بثقلها لحل مشكلات داخلية في دول إسلامية كما حدث حينما أرسل وفودا لحل خلافات المجاهدين في أفغانستان. لكن أربكان حرص رغم ذلك على عدم استفزاز الجيش، وحاول تكريس انطباع بأنه لا يريد المساس بالنظام العلماني، فنفذ الاتفاقيات السابقة مع إسرائيل دون تردد، وزاد بأن زار إسرائيل لدعم التعاون العسكري، وسمح للطيارين الإسرائيليين بالتدرب في الأجواء التركية. ولم يكن هذا التقارب مع إسرائيل كافيا لإقناع الجيش بالقبول، فقام الجنرالات بانقلاب من نوع جديد إذ قدموا لأربكان مجموعة طلبات لتنفيذها على الفور تتضمن ما وصفوه بـ "مكافحة الرجعية"، وكانت تستهدف وقف كل مظاهر النشاط الإسلامي في البلاد سياسيا كان أم تعليميا أم متعلقا بالعبادات، فكان أن اضطر أربكان للاستقالة من منصبه لمنع تطور الأحداث إلى انقلاب عسكري فعلي. وفي عام 1998 تم حظر حزب الرفاه وأحيل أربكان للقضاء بتهم مختلفة منها انتهاك مواثيق علمانية الدولة، ومنع من مزاولة النشاط السياسي لخمس سنوات، لكن أربكان لم يغادر الساحة السياسية فلجأ إلى المخرج التركي التقليدي ليؤسس حزبا جديدا باسم الفضيلة بزعامة أحد معاونيه وبدأ يديره من خلف الكواليس، لكن هذا الحزب تعرض للحظر أيضا عام 2000.
وعندما تكرر النجاح عام 2003 على يد رجب طيب أردوغان كانت القيود التي تفرضها المؤسسة العسكرية بتحريض مما يسمى "دولة التنظيم السري" التركية أو (Deep state)، تجعل قدرته محدودة على الحركة في اتجاه دور تركي يستعيد ولو جزئيا البعد الإسلامي في هويتها، لكن الموقف التركي الذي كان بغير شك أكثر إيجابية في الحرب على غزة، لم يكن سببه شراسة الهجوم أو عدالة الموقف الفلسطيني، بل كانت التحولات الداخلية في تركيا التي سبقت الحرب السبب الحقيقي في قدرة أردوغان على إعادة توجيه بوصلة السياسة التركية صوب أمتها الإسلامية.
أرجنكون في القفص
وقد كانت الصفحة الأخيرة من هذا التحول القبض في الثاني والعشرين من يناير 2009 على عدد كبير من المشتبه فيهم في مخطط للإطاحة بحكومة حزب العدالة والتنمية الإسلامي والتي يترأسها رجب طيب اردوجان، وهي محاولة انقلابية كان يدبرها قوميون علمانيون متشددون.
وقد شملت قائمة المتهمين ضباطا في الجيش والشرطة كما قامت الشرطة بتفتيش مقر شبكة (افراسيا) التلفزيونية الخاصة المعارضة. وبالقبض على هؤلاء وصل عدد المقبوض عليهم لأكثر من 100 شخص في نطاق التحقيقات في شبكة (ارجنكون) القومية المتطرفة. وقد كان الكشف عن هذا التنظيم السري زلزالا كبيرا بكل المعايير هز تركيا وعلى الأرجح سيحدث تغييرات نوعية في الرؤية السياسية لبنية لدولة في العالم الإسلامي، وبخاصة فيما يتصل بالدول ذات النظام الجمهوري التي شهدت صدامات بين الأنظمة الحاكمة فيها والحركات الإسلامية. وفي بعدها المكاني "تركيا" تعد قضية أرجنكون أكبر دليل عملي على وجود "الدولة العميقة" (Deep state) وهو مفهوم تحليلي صكه محللون وأكاديميون أتراك لفهم بنية الدولة التركية وموقفها من الإسلام، وهو ما ظل – حتى القبض على أعضاء هذه الجماعة السرية – مجرد فرض تحليلي.
وإذا كانت البشرية قد عرفت خلال تاريخها أشكالا متعددة من الاستبداد السياسي والاستئثار بالسلطة فإن اقتران هذا الاستئثار بوجود بنية للسلطة تتسم بالازدواجية والسرية هو أخطر أشكال الاستبداد على الإطلاق، فالاستبداد أي كان شكله هو انحطاط أما استبداد التنظيم السري فوباء لا يدع مجالا للإصلاح إلا بالاستئصال!!!
تحالف العسكر والمافيا
ومن بين المفاجآت التي كشفت عنها التحقيقات أنه خلال الأعوام القليلة الماضية كانت الشبكة تمارس نشاطاتها بعيدا عن سلطة الدولة والقضاء مستهدفة النشطاء الأكراد والمثقفين والكتاب الأتراك المعارضين لسياسة الدولة التركية، وحتى الشخصيات العلمانية التركية التي كانت تبحث عميقا في الصلة ما بين المؤسسة العسكرية والأمنية التركية والمافيا. وقد سلطت وسائل الإعلام على أول نشاط لهذه المنظمات عام 2006 خلال حادثة تسمى "شمدينلي" تم فيها إلقاء قنبلة على مكتبة يملكها أحد المتعاطفين مع حزب العمال الكردستاني في مدينة شمدينلي جنوب شرقي تركيا. وقتل في الهجوم صاحب المكتبة وعندما ألقى الأهالي القبض على المهاجمين تبين أنهما ضابطان في الجيش التركي يرافقهما عضو سابق في حزب العمال الكردستاني لعب دور المرشد لهما. وقد طالب المدعي العام حينها بمحاكمة قائد القوات البرية ورئيس الأركان الحالي الجنرال يشار بويوكانيت لعلاقته بالهجوم، لكن بعد فترة قصيرة تم طرد المدعي العام الذي تولى التحقيق في القضية من وظيفته في فضيحة.
والمنشور حتى الآن عن "أرجينكون" أنها شبكة يتزعمها عدد من جنرالات الجيش السابقين خططوا التخطيط للإطاحة بحكومة حزب العدالة والتنمية ذات التوجه الإسلامي (حقق حزب العدالة فوزا كاسحا في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، بحصوله على 46.7% من أصوات الناخبين مما أهله لشغل 340 مقعدًا (من 550 من أصل) في البرلمان وتشكيل الحكومة بمفرده).
وتوجه سلطات الادعاء 30 اتهاما لأعضاء أرجينكون بينها حمل السلاح دون رخصة قانونية، مرورا بالانتماء إلى منظمة إرهابية، وصولا إلى تهمة التخطيط لانقلاب مسلح ضد الحكومة في عام 2009. وكانت أرجينكون تخطط لتنفيذ ذلك من خلال جو من الفوضى والعنف يستدعي تدخل الجيش لعزل الحكومة، وذلك بعد نجاحه في عزل أربع حكومات سابقة بانقلابات عسكرية منذ عام 1960. وقد قرأت المحكمة 2455 صفحة من الادعاء. وإلى جانب المتهمين المقبوض عليهم جلبت المحكمة محكوما آخر وهو سيدات بيكر من المحتمل أن تكون له صلة مع الشبكة. وذكرت شبكة (ان تي في) الإخبارية في موقعها على شبكة الانترنت أن الفوضى سادت بعض الجلسات بسبب العدد الكبير من محامي الدفاع والمتهمين.
وتجري المحاكمة في ظل إجراءات أمن مشددة نظرا لأهمية موقع بعض المتهمين في الحياة العامة التركية ومن بينهم الجنرال المتقاعد شينير ارويغور قائد الدرك السابق ويرأس جمعية "فكر (أتاتورك)". وتضم لائحة المتهمين أيضا خورشيد تولون المسئول العسكري السابق وضباطا متقاعدين ورئيس حزب العمل اليساري ومالك صحيفة "جمهوريت" العلمانية التركية وعميدا سابقا لجامعة اسطنبول وصحافيين ومسؤولين متقاعدين. وكانت الشرطة قد بدأت التحقيق في نشاط شبكة (أرجينكون) في يونيو 2007 بعد العثور على متفجرات بأحد المنازل في اسطنبول. وقيل إن هناك 5 ملايين وثيقة تؤيد الادعاءات والجرائم المنسوبة إليهم.
خيوط الحكومة الخفية
ويرى الكاتب المصري فهمي هويدي أن تركيا تسجل بهذه المحاكمة صفحة جديدة في تاريخها، بعدما أمسكت بأهم خيوط الحكومة الخفية، التي ظلت تتحكم في مصير البلد طوال نصف القرن الأخير علي الأقل. بل لا يزال كثيرون غير مصدقين أن كابوس الحكومة الخفية الممثلة في منظمة أرجنكون بصدد الزوال. وهي التي ظلت تتربص بالحياة السياسية منذ منتصف القرن الماضي، محركة عددا من الأحداث الكبيرة أو الغامضة، التي ظلت تهز البلاد وتصدم الرأي العام بين الحين والآخر: انقلابات عسكرية، واغتيالات، تصفيات، مرورا بزرع متفجرات وإطلاق مظاهرات. وأشارت التحقيقات مع 33 عضوا في الشبكة ممن ألقي القبض عليهم إلى علاقتها بالهجوم على إحدى المحاكم عام 2006 قتل فيه أحد القضاة وكذلك بالتهديدات والهجمات على أشخاص "غير وطنيين" بنظر المنظمة. وبسبب هذا المنطق المتشدد في إدانة المخالفين في الرأي تظاهر مئات من المحتجين ضد المحاكمة ملوحين بأعلام تركية وهم يهتفون "الخائنون في البرلمان والوطنيون في السجن".!!
ويتصف القبض علي الجنرالات ومحاكمتهم بأهمية كبيرة ذلك أن الجيش هناك محاط بهالة من القداسة، وجنرالاته يعتبرون أنفسهم ورثة أتاتورك وحماة العلمانية والأوصياء علي الجمهورية. لكن دولة الجيش لم تستمر وسلطانهم تراجع بمضي الوقت، وخصوصا بعدما اشترط الاتحاد الأوروبي تقليص دور الجيش في الحياة السياسية، حتى أصبحت الأغلبية في مجلس الأمن القومي للسياسيين المدنيين، وحين غلت يد العسكر عن القرار السياسي، صار المجتمع أكثر جرأة في التعامل معهم.
الوادي والذئب الأغبر
ترجع التسمية إلى أسطورة تقول إن الصينيين حين هاجموا القبائل التركية أثناء وجودها في وسط آسيا، موطنها الأصلي، فإنهم سحقوهم وقضوا عليهم، بحيث لم يبق من الجنس التركي إلا عدد قليل من الناس، احتموا بواد عميق باسم ارجنكون وهناك ظلوا مختفين ومتحصنين سنوات، تكاثروا خلالها حتى ضاق بهم المكان، ولم يعرفوا كيف يخرجون منه، حتى ظهر في حياتهم الذئب الأغبر الذي دلهم علي طريق الخروج، ومن ثم أمكنهم الانفتاح علي العالم وإقامة دولتهم الكبرى. وإذ أصبح الذئب الأغبر رمزا عن القوميين الأتراك فان كلمة ارجنكون أصبحت رمزا للحفاظ علي الهوية وبقاء الجنس إذ لولاه لاندثر الأتراك ولم يعد لهم وجود.
وقد بدأت بصمات أرجينكون على الحياة التركية تظهر بوضوح مع صعود القوي ذات التوجهات الإسلامية في الحياة السياسية التركية فاستنفر العلمانيون المتطرفون قواهم وأصبح شغلهم الشاغل كيفية قطع الطريق عليهم وإفشال تجربتهم، باعتبارهم يمثلون تهديدا مباشرا للعلمانية والتراث الكمالي. وأصبحت هذه المهمة أحد أهداف منظمة ارجنكون، التي تتعدد الأقوال في منشئها، فمن قائل إنها امتداد لجماعة الاتحاد والترقي التي خلعت السلطان عبد الحميد وقضت علي الخلافة الإسلامية، وقائل إنها كانت ذراعا لحلف الناتو الذي انضمت إليه تركيا في بداية الخمسينيات، وأنها كانت ضمن المنظمات التي شكلتها المخابرات المركزية في أوروبا لمكافحة الشيوعيين في مرحلة الحرب الباردة، لكن الذي لا يختلف عليه احد أن أصابعها كانت هناك في أغلب القلاقل والاضطرابات التي شهدتها تركيا. وأنها انتشرت في مختلف مفاصل الدولة حتى قدر أحد الخبراء أعضاءها بنحو40 ألف شخص.
وثمة حادث وقع في نوفمبر من 1996 يسلط الضوء علي مدي قوة وانتشار تلك المجموعة الخطيرة، ذلك أن سيارة مرسيدس سوداء كانت تسير مسرعة علي طريق في غرب تركيا، فخرجت عليها سيارة شحن كبيرة صدمتها وقتلت ثلاثة من ركابها، أحدهم كان مدير الأمن السابق لمدينة استنبول، والثاني أحد زعماء المافيا الخطرين والمطلوبين محليا ودوليا، والثالثة ملكة جمال سابقة لتركيا كانت عشيقة الثاني. أما الرابع الذي جرح فقط فقد كان شيخ عشيرة كرديا يتمتع بالحصانة البرلمانية، في التحقيق تبين أن المجموعة كانت قادمة من أزمير، عقب اجتماع عقدته مع وزير الداخلية في الحكومة، وأن السيارة كانت تحمل سلاحا، وحيث قدمت الاستخبارات تسجيلاتها التي تتبعت بها بعض ركاب السيارة، تبين أن السيدة تانسو شيللر نائبة رئيس الوزراء في الحكومة كانت علي اتصال مع واحد منهم، هي وزوجها. وما لا يقل أهمية عن ذلك أن القضية تمت لفلفتها حيث اختفت البصمات من ملف القضية، وصدرت أحكام مخففة لحق الذين اتهموا فيها وأفلتت إحدى خلايا منظمة ارجنكون من العدالة. وكان أحد الأسباب التي أدت إلي ذلك ضعف الحكومة في مواجهة الجيش.
"جريمة" تطبيق الشريعة!!!
هذه المرة وقعت المصادفة في ظل وضع اختلفت فيه موازين القوة في تركيا. فقد دأبت بعض الأبواق الإعلامية علي اتهام الحكومة بأنها "تسعي لتطبيق الشريعة في البلاد"، وهو هدف يجرمه الكماليون الأتراك وكان ذلك مبررا لتنظيم بعض مظاهرات الاحتجاج باسم الدفاع عن العلمانية. في هذه الأجواء ألقيت قنبلتان علي فناء صحيفة الجمهورية المتطرفة (مدير تحريرها متهم في القضية)، للإيحاء بأن الإسلاميين يريدون تخويفها. وبعد ذلك قتل أحد المحامين قاضيا في المحكمة العليا، وقال القاتل في التحقيق إنه أقدم علي فعلته لأن الرجل من معارضي السماح للمحجبات بالدراسة في الجامعة، وبطبيعة الحال فان الأبواق العلمانية استشهدت بما جري، وراحت تحذر من مغبة السياسة التي تتبعها الحكومة.
الحادثان وقعا عام 2007، عندما كانت أجهزة الأمن تراقب شقة في استنبول، يملكها ضابط متقاعد، وباقتحامها عثر على قنابل تعود للجيش التركي ومخزن للأسلحة وعدة وثائق بالغة الأهمية، وكانت القنابل المكتشفة من نفس الطراز الذي ألقي علي صحيفة الجمهورية، وعثرت علي صورة لقاتل القاضي مع أحد الجنرالات المتقاعدين، وصورة أخري لقائد الشرطة العسكرية السابق، الذي يعد أحد أهم خمسة قيادات عسكرية في البلاد، وصورة لجنرال ثالث مع مؤسس جمعية الدفاع عن الأفكار الاتاتوركية وكانت تلك الوثائق الخيوط الأولي التي تتبعتها أجهزة الأمن والتحقيق التي كشفت عن حلقات أخري في التنظيم الجهنمي، وأشارت إلى علاقة لارجنكون بحزب العمال الكردستاني الانفصالي الداخل في صراع مع حكومة أنقرة. ولاحقا تم العثور على أكثر من 700 كيلوجرام متفجرات في شاحنة أخرى يعتقد للشبكة علاقة بها. وهناك شكوك يرددها البعض عن علاقة لعبد الله أوجلان بالتنظيم (حماه كان مسئولا كبيرا في الاستخبارات) وحتى الآن لا أحد يعرف بالضبط حجم الجزء الغاطس من أرجينكون.
أحد الخبراء قال إنهم لا يستبعدون أن يرد التنظيم بتوجيه ضربة من أي نوع للحكومة التي دخلت معهم في مواجهة مكشوفة لأول مرة في التاريخ التركي المعاصر. وقد تأتي الضربة من حركة مفاجئة داخل الجيش، ولا يستبعد أن يتعرض الرئيس التركي عبد الله جول أو رئيس الوزراء رجب طيب أردوجان للاغتيال، بحيث يتكرر معه ما جري مع الرئيس الأسبق توركوت اوزال، الذي تتواتر الروايات عن أن تنظيم ارجنكون قام بتسميمه عام 1993.
اختلاق العنف الأصولي
الأكثر خطورة كما أشارت صحيفة "حريت" التركية الواسعة الانتشار أن أفرادا من الشبكة كانوا أعضاء في "حزب الله" التركي الذي اتهم بالقيام بعدد من عمليات الاغتيال خلال تسعينيات القرن الماضي، ما يعني أن إنشاء تنظيمات سرية مسلحة تنسب أفعالها للحركة الإسلامية وسيلة استخدمها العلمانيون المتشددون للقضاء على الحركة الإسلامية، وهو مسلك تآمري شيطاني ربما كان من الصعب تصديقه لولا ما كشفت عنه التحقيقات من حقائق، وكأنهم دون أن يشعروا يصدقون بسلوكهم الإجرامي قول الله تعالى ""وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا" (سورة النساء: 112)
والقبض على الشبكة كان ضربة قاصمة حتى أن رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان قال في وقت سابق إن قضية إغلاق الحزب كانت ردا على تصميم الحكومة في قضية ارجنكون. ويرى الدكتور إبراهيم البيومي غانم الخبير في الشأن التركي أن ما يدور الآن في تركيا – والذي كشف عنه رفع الجيش الغطاء عن التنظيم الإرهابي العلماني المسمى أرجينيكون من خلال تنسيقه مع العدالة والتنمية في القبض على أعضائه – هو صراع "المعركة الأخيرة". وأوضح بقوله: "المعركة الأخيرة أقصد بها المعركة بين الجيل القديم في تركيا، الذي تربى على ثقافة الانقلابات المسلحة.. وبين الجيل الجديد.. الذي يميل ويعمل بقوة على استقرار تركيا، وهذا الجيل موجود في السياسيين كما في أردوغان وجول، وموجود في الجيش أيضا، كما الحال في قائد القوات البرية، وعدد آخر من الجنرالات الذين يعارضون الانقلاب على العدالة والتنمية، وموجود أيضا في قادة مختلف الأجهزة الأمنية". واعتبر غانم أن "الجيل الجديد في تركيا جيل يعلي من مصلحة المجتمع على حساب الدولة، عكس الطبقة السياسية القديمة التي تجعل من المجتمع خادما للدولة، وبالتالي ينحاز هذا الجيل إلى استقرار تركيا وتطلعها إلى الانفتاح على العالم وظهورها كقوة كبرى في الشرق الأوسط والعالم دون النظر إلى الثقافة الانقلابية التي لا تخدم إلا أشخاصا بأعينهم".
والقضية بشكل عام تلقي الضوء على التوترات بين حزب العدالة والتنمية والنخبة العلمانية التي تحارب من خلال "الدولة الخفية"، وطالما بقي نظام الدولة الخفية يعمل ولا يقر الجميع بأنه موجود أصلا فلن يحالف الإصلاحات الليبرالية على صعيد حقوق الإنسان والحريات نجاح يذكر. وقد أصبحت جماعة أرجينيكون بالنسبة لكثيرين رمزا لتلك "الدولة الخفية". وحسب جنكيز اكتر الأستاذ بجامعة باهجشير باسطنبول فإن أرجينكون "فرصة لتركيا للتصالح مع ماضيها واكتشاف حقيقة المذنبين الأشرار في جهاز الدولة" وبخاصة أن كيانات "الدولة الخفية" غير مقبولة في عالم اليوم.
وتحرك أردوغان الأخير، وكذلك زيارة الرئيس التركي عبد الله غول التاريخية للسعودية ليست وليدة مشاعر جياشة عقب حرب غزة بل نتاج تخلص تركيا من قيد خفي اسمه أرجنكون.
التعليقات (0)