تواصل إيلاف نشر مختارات من مدوناتها.. هنا مختارات هذا الأسبوع؛ وهي متنوعة الاهتمامات؛ من مناقشة مسألة الحجاب، إلى عرض فيلم حديث، إلى الكتابة عن عالم التدوين..
انتفت العلة التي فرضت الحجاب فلم يعد ملزما
رد على رد الطبيبة هدى طحلاوي..
ابراهيم علاء الدين
طرحت الطبيبة هدى برهان طحلاوي قضية الحجاب في مقالتين كان الثاني ردا على سيدة أو انسه علقت على مقالة لها تحت اسم مجرد مواطنه،وجاء الرد (المقال الثاني- دنيا الوطن) تحت عنوان (إما أن تقنعيني أو أقنعك يا مجرد مواطنه). واستسمح نفسي عذرا للرد على الدكتورة للتوضيح فقط وليس لمحاولة إقناعها، وكل هدفي ينحصر تبيان اللغط المستشري في التعامل مع الدين دون وعيا أو إدراك أو تبصر.
قالت الدكتورة في مقدمة مقالها انها قررت الرد على (مجرد مواطنه) (أرد عليك إذ ألمس فيك بعض الوعي ولعلك تريدين المناقشة للوصول إلى الحل الأفضل).
ونفت الدكتورة: اتهامها بان غير المحجبات لا أخلاق لديهن وقالت: أنا كنت غير محجبة وكان عندي أخلاق وهناك الكثيرات مثلي بعضهن وضعن الحجاب وبعضهن لم يضعه بعد وطبعاً الحجاب ليس هو الإسلام وكم من محجبة كما ذكرت ترتكب المحرمات"لكن الدكتورة تؤكد ( لا يكتمل إسلام المرأة إلا به لأن اكتمال الإسلام هو أن نطيع كل أوامر الله وذكر الحجاب في آيتين في القرآن الكريم هما:
الآية الأولى:" يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا " سورة الأحزاب: 59ا
لآية الثانية:" وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " سورة النور: 30-31
وفسرت الدكتورة الآيتان بقولها: وخمر الشيء في اللغة العربية ستره واختمرت المرأة بالخمار لبسته وخمار المرأة هو الثوب الذي تغطي به رأسها وجيب القميص ما يدخل منه الرأس عند لبسه وجمعه جيوب وأجياب.وبهذا يغطي الخمار حرف الجلباب العلوي فلا تظهر الرقبة أو أعلى الصدر.
ويبدو من تفسيرها هذا ما يلي:
أولا: ان الدكتورة لم تذكر سبب نزول الآيتان، ولا تدرك انه بزوال العلة ينتفي الإلزام
.ثانيا: يبدو أن الدكتورة لم تطلع بما فيه الكفاية على أراء (علماء المسلمين القدماء والمعاصرين ) عن الحجاب.
ثالثا: يبدو من صورة الدكتورة المنشورة إلى جانب مقالها انها لا تلتزم بالحجاب "الشرعي" كما ورد في كتب التفسير لبعض علماء المسلمين.
رابعا: لم يتضح من خلال قراءة المقالتين إن كانت الدكتورة تمارس دورا مرسوما في الدعوة للإسلام السياسي بترويج الحجاب، أم مجرد انها سيدة فاضلة تسعى لنشر الفضيلة بالمجتمع؟.
خامسا: لم تأخذ الدكتورة بعين الاعتبارالاسباب الاجتماعية والاقتصادية لارتداء الحجاب اختلاف أراء الفقهاء.
وقبل أن استرسل في هذا الحوار مع الدكتورة الفاضلة أجد من الضروري التنويه إلى ان كتب التفسير احتوت على الكثير من الاختلافات والتباينات في تفسير الآيات القرآنية الكريمة كما اختلفت في تفسير الأحاديث النبوية الشريفة، فقد نجد تفسير آية في أحد كتب التفسير، ثم نقرأ تفسيرا مغايرا في كتاب تفسير آخر. وذلك لاختلاف مناهج التفسير، فهناك مفسر بياني وآخر إخباري، وثالث وجودي. مما يؤدي إلى غياب المقاييس لقبول هذا التفسير أم ذاك بشكل دقيق لا مجازي كما يقال حسب رأي السنة والجماعة؟
وأنا اتفق مع (مجرد مواطنه) بان الأصل بالدين هي حرية الإنسان، لأنه سيعرض بين يدي الله عز وجل يوم القيامه وسيلقى جزاؤه عما فعلت يديه ان خيرا فخيرا وان شرا فشر.والدليل على ذلك ان حجاب الدكتورة حسب الصورة المنشورة إلى جانب مقالها ليس له صلة بالحجاب (الذي اجمع عليه بعض علماء السنة) ومواصفاته: (ان يكون الحجاب ساترا لجميع البدن (اي يغطي المرأة من رأسها إلى أخمص قدميها بما في ذلك الوجه والكفين)، وغير محدد لمعالمه، وفضفاضا سابغا، ولا يكون ثوب زينة أو شهرة، ولا يكون ضيقا ولا يشف ولا يبين ما تحته، ولا يكون معطرا)
وإذا أخذنا بهذا الرأي فان الأمر يتطلب من الدكتورة ان تلتزم بهذه المواصفات للحجاب، مع أنني لا انصحها.لان الرسول (صلعم) قال بكشف الوجه والكفين كما سنبين لاحقا.
أسباب النزول لـ الآية 59 من سورة الأحزاب كما ورد "في الصحيحين أن عمر بن الخطاب قال: يا رسول الله، احجب نساءك. قالت عائشة: فأنزل الله آية الحجاب. وفيهما أيضاً: قال عمر: يا رسول الله، لو أمرتَ أمهات المؤمنين بالحجاب.فأنزل الله آية الحجاب.ثم نزلت الآية 30 من سورة النور بعدها بعام تقريبا والوارد نصها آنفا.
واستنادا إلى ما قاله جمهرة فقهاء التفسير ان سبب نزول الآية هو للتمييز بين نساء الإسلام ونساء الجاهلية حيث أن العادة السائدة عند النساء العربيات ( وقت تنزيل القران الكريم ) كانت التبرج، فكن يكشفن وجوههن كما يفعل الإماء (الجواري) ويبدين اهتماما زائدا بلباسهم وزينتهن وعطرهن. وإذ كن يتبرزن في الصحراء قبل أن تتخذ الكُنف )دورات المياه ) في البيوت، فقد كان بعض الفجار من الرجال يتعرضون للمؤمنات على مظنة أنهن من الجواري أو من غير العفيفات، وقد شكون ذلك للنبي ومن ثم نزلت الآية لتضع فارقًا وتمييزًا بين " الحرائر" من المؤمنات وبين الإماء وغير العفيفات.
وروى ابن سعد في طبقاته [8/176،177] عن محمد بن كعب القرظي قال: "كان رجل من المنافقين يتعرض لنساء المسلمين ويؤذيهن، فإذا قيل له، قال: (كنت أحسبها أمة)، فأمرهن الله أن يخالفن زي الإماء، ويدنين عليهن من جلابيبهن، تخمر وجهها إلا إحدى عينيها، يقول: "ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين" (2)
.ابن جرير [19/181] قال: "يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين، لا يتشبهن بالإماء في لباسهن، إذا هن خرجن من بيوتهن لحاجتهن، فكشفن شعورهن ووجوههن، ولكن ليدنين عليهن من جلابيبهن، لئلا يعرضن لهن فاسق، إذا علم أنهن حرائر، بأذى من القول".
قال الزمخشري في تفسيره الكشاف [3/274]: " ومعنى: "يدنين عليهن من جلابيبهن"، يرخينها عليهن، ويغطين بها وجوههن وأعطافهن. وذلك أن النساء كن في أول الإسلام على هجيراهن في الجاهلية، متبذلات، تبرز المرأة في درع وخمار، لافصل بين الحرة والأمة (الجارية)، وكان الفتيان وأهل الشطارة يتعرضون لهن إذا خرجن بالليل، إلى مقاضي حوائجهن في النخيل والغيطان، للإماء، وربما تعرضوا للحرة، بعلة الأمة، يقولون: حسبناها أمة. فأمرن أن يخالفن بزيهن عن زي الإماء، بلبس الأردية والملاحف، وستر الرؤوس والوجوه، ليحتشمن، ويهبن، فلا يطمع فيهن طامع، وذلك قوله: "ذلك أدنى أن يعرفن"؛ أي أولى وأجدر بأن يعرفن، فلا يتعرض لهن، ولايلقين ما يكرهن.
وهذا المعنى تتابع المفسرون على حكايته في تفسير هذه الآية، فكلهم ذهبوا في قوله تعالى: "ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين"؛ أي يعرفن أنهن حرائر، بتغطية وجوههن وأجسادهن بالجلباب، حتى يتميزن عن الإماء، وبهذا يعرف أن الأمة لا يجب عليها حجاب وجهها، فالفرق بينهما ثابت بهذه الآية، وتظاهر المفسرين، من الصحابة والتابعين، على هذا التفريق، كما أنه قد ثبت في قصة زواج النبي صلى الله عليه وسلم بصفية بنت حيي بن أخطب، قال الصحابة: "إن حجبها فهي امرأته، وإلا فأم ولد". رواه البخاري ومسلم (3).
قال القرطبي في تفسيره [14/243]: "لما كانت عادة العربيات التبذل، وكن يكشفن وجوههن، كما يفعل الإماء، وكان ذلك داعية إلى نظر الرجال إليهن، وتشعب الفكرة فيهن، أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يأمرهن بإرخاء الجلابيب عليهن، إذا أردن الخروج إلى حوائجهن".
وهذا ما قاله ابن جزي الكلبي في تفسيره التسهيل لعلوم التنزيل [534].
بذلك يكون الهدف من تشريع الحجاب في الإسلام هو منع الغواية أو إغراء الرجال ويحوطهم بالمناعة ويحول دون جنوح الشهوة وهياج الغريزة، باعتبار ان الغريزة الجنسية غريزة فطرية جامحة لا يمكن كبتها أو الحيلولة دون الاستجابة إليها وبذلك فالحجاب يمنع من وقوع الرجال في فتنتهن، و يحفظهن من الأذى المترتب على ذلك، وبمعنى أخر جاء الحجاب لسد ذريعة الفساد. يقول الشيخ محمد زين العابدين: إنما فرض الحجاب على المرأة تحقيقاً لمعنى العفو وقطعاً لدابر الفساد والفتنة اللذين هما نتيجة طبيعية للتبرج والاختلاط وعلى ضوء ما تتقدم يستنتج ان الهدف النهائي من الحجاب هو:
أولا: تقنين الزنا ومحاربته ومنع انتشاره، وهذا الهدف وجد في جميع الديانات السماوية والوثنية غير السماوية.
ثانيا: حماية حرائر المسلمين من التحرش الجنسي.
ثالثا: تمييز نساء المسلمين عن نساء الجاهلية وعن الجواري ونساء أهل الذمة المسيحية واليهودية. وهنا تبرز مجموعة من الأسئلة منها:
أولا: لماذا على المرأة ان تقوم بهذه المسؤولية، أليس الرجل هو الطرف الثاني بالزنا أم هناك زنا بدون رجل؟
ثانيا: الم يكن رسولنا الكريم على خلق عظيم (وانك على خلق عظيم) ؟ وان على المسلمين ان يقتدوا برسولهم الكريم؟ وإذا كان المسلمين كرسولهم على خلق فكيف يمكن ان تغويهم سيدة ظهر شعرها ووجهها وكفيها؟؟
ثالثا: إذا كان مجتمع المسلمين الأوائل هو المجتمع الفاضل المؤمن المتعبد المجاهد التقي الورع ، فكيف يمكن لرجال هذه صفاتهم ان تفتنهم سيدة مكشوفة الرأس سافرة الوجه؟؟
رابعا: وإذا كانت أمهات المؤمنين ومنهن سيدة سيدات العالم ان يستجبن لافتان رجل بها مهما كان وأي كان؟
خامسا: أليست المرأة كالرجل أيضا تعتبر رسول الله قدوتها وانه على خلق عظيم فكيف لها ان تفتن الرجال؟
سادسا: لماذا يفتن الرجل بالمرأة الحرة وعنده الجواري والسبايا والأسيرات والإماء وأعطاه الله (ما ملكت يمينه) وله الحق بالزواج من أربعة ويحتفظ بعن في نفس الوقت وله ان يطلق منهن من يريد ليتزوج غيرها حتى لو وصل عدد زيجاته ألفا.
سابعا: فرض الحجاب على الحرائر (المرأة الحرة) من المسلمين ولم يفرض على أهل الذمة من أتباع المسيحية أو اليهودية ولم يفرض على الجواري والعبيد (الخادمات) إلا يعتبر ذلك ان الآيتان جاءتا لتمييز الحرائر (المرأة الحرة) عن غير الحرة؟ وفي ذلك اخطر من الإغواء كونه يخلق نوعا من التمييز الطبقي والاجتماعي، فمعاكسة الجارية والسماح لها بإغواء الرجال لا يتعارض مع العفة وكان العفة قاصرة على المرأة ولا تشمل الرجل!!!
ثامنا: ان المرأة الحرة وخصوصا نساء الطبقات العليا في المجتمع كانت تخفي وجهها إذا خرجت إلى خارج منزلها في كافة المجتمعات السابقة على الإسلام (الإغريق والرومان واليهود والمسيحيين وحتى في مجتمع الفراعنة والسومريين والبابليين) وكذلك في مجتمع الجاهلية أيضا كانت عادة تغطية الوجه دارجة في الغالب.تاسعا: طالما ان شعر المرأة ووجهها فتنة، فحجب الوجه والشعر عند نساء المسلمين الحرائر فهل هذا يقضي على مظاهر الفتنة طالما ان السيدات المسيحيات واليهوديات والجواري يعشن وسط المجتمع المسلم، وطالما ان تدفق السبايا كان جاريا كالسيل بحت امتلكت السيدة الحرة (نساء الصحابة والقادة العسكريين وتجار قريش والمدينة) امتلكن من الإماء (الجواري) إعدادا كبيره، ففي رواية أكدها الكثير من كتاب سيرة السلف الصالح ان ابن عباس (عم الرسول) والذي لقب بحبر الأمة لدوره في نقل أحاديث رسول الله اعتق 70 جارية قبل وفاته بقليل.
ألا يكشف ذلك ان الحجاب لم يكن ليمنع الفتنة إلا عن الحرائر وسيدات المجتمع الجديد، بينما الإماء ونساء "المشركين يرتعن يفتن من يشأن؟؟.
عاشرا: ان السيدة التي تفتن الرجال لا بد وان كون جميلة وفاتنة فعلا حتى تفتن الرجل، لان القبيحة والذميمة لا يمكنها فتنة احد. إذا ما فائدة فرض الحجاب على السيدة الذميمة، لماذا فرض على نساء المؤمنين إلا إذا كان المؤمنين لا يتزوجن إلا الفاتنات !! وهذا ممكن بحكم السطوة والمكانة، لكن هل من الممكن ان يكن جميع النساء المسلمات جميلات وفاتنات ؟؟
أظن ان القيام بجولة في احد الشوارع في عواصم كل العرب لمدة نصف ساعة فقط كاف للتعرف على مستوى الجمال في وسط النساء العربيات وهذا بعد التطور الذي لحق بجمال شكل الإنسان بصفة عامة فما بالنا قبل ألف وأربعمائة سنة فكيف كانت أشكال النساء في ذاك الزمن خصوصا في جزيرة صحراوية قاحلة لا ماء فيها ولا كلأ؟
احد عشر: مع كل الاحترام والتقدير للمرأة العربية بشكل عام مسلمة ومسيحية، كيف يمكن لرجل ان تفتنه امرأة سمراء شاحبة شعرها خشنا وعيناها سوداوان غائرتان في محجريهما لولا الكحل في وقت لديه مما ملكت يمينه شقراوات رومية وحسناوات فارس وممشوقات شاميات.
ان الأجوبة على الأسئلة الأحد عشرة السابقة لا تخرج عن كون فرض الحجاب اقتصر على زوجات النبي بالدرجة الأولى ثم شمل نساء أكابر المسلمين من الحرائر، ليس خوفا من فتنتهن وجمالهن ولكن لتمييزهن عن باقي النساء من الجواري وغير المسلمات، وبذلك تنتفي منه الصفة الدينية التي تحاول الدكتورة هدى ومعها الأحزاب الدينية وجماعات السلف والماضوية ان تؤكد عليه.
ويبرز السبب الاجتماعي والطبقي والديني والذي قد يذهب لإبعاد عنصرية في بعض الحالات. وبالتالي فان هناك علة (سبب) ل " إدناء المؤمنات لجلابيبهن" وهو حتى يُعرفن فلا يؤذين بالقول من فاجر يتتبع النساء دون أن يستطيع التمييز بين الحرة والجارية أو غير العفيفة. وإذا كانت القاعدة في علم أصول الفقه "أن الحكم يدور مع العلة وجودًا وعدمًا، فإن وُجِد الحكم وُجِدَت العلة، وإذا انتفت العلة انتفى ( أي رُفِع ) الحكم".إذ كانت القاعدة كذلك، فإن علة الحكم المذكور في الآية ـ وهى التمييز بين الحرائر والإماء ـ قد انتفت لعدم وجود إماء " جواري" في العصر الحالي، وانتفاء ضرورة قيام تمييز بينهما.
كما ان المؤمنات لا يخرجن في الوقت الحالي إلى الخلاء للتبرز وإيذاء الرجال لهن.
كما ان القوانين الوضعية في كل بلاد الدنيا تحرم الزنا وتعاقب من يرتكب فعل التحرش الجنسي حتى في اكثر الدول حضارة وتحضرا (فسادا وفجورا بلغة الإخوان وأهل السلف)
.إلى جانب ان المرأة المثقفة المتعلمة تمتلك من الوعي والذكاء والخبرة بحيث تمنع اي إنسان مهما كان ان يمس شعرة من رأسها حتى لو أمضت أياما بين ألف رجل.
ونتيجة لانتفاء علة الحكم فإن الحكم نفسه ينتفي ( أي يرتفع) فلا يكون واجب التطبيق شرعًا.
أما إذا كانت غيرة الرجل هي السبب وانه ولا يثق بزوجته أو أخته أو والدته، ولا يثق برجال المسلمين الذين يعيش وسطهم فذلك شان أخر، فهو حر ان يفرض نسائه وقريباته ما يشاء من اللباس وله ان يمنع زوجته من العمل أو حتى الخروج من المنزل وله ان يفرض على ابنته اللباس الذي يراه مناسبا.
أراء العلماء بشكل الحجاب
سأكتفي تحت هذا العنوان بإيراد بعض النصوص لأبرز من اشتغل بالتفسير لأبين درجة الاختلاف بينهم في تفسير وتحديد شكل الحجاب الذي فرض على نساء الرسول الكريم وعلى المؤمنات. مع العلم انه لم يرد في القران الكريم سوى هاتين الآيتين التي سبق ذكرهما ذات صلة بالحجاب، والجدير بالذكر أيضا ان رجال العرب كانوا يلبسون البراقع وليس النساء (ذكر اليعقوبي في تاريخه [2/315]: "وكانت العرب تحضر سوق عكاظ وعلى وجوهها البراقع، فيقال: إن أول عربي كشف قناعه ظريف بن غنم العنبري".) ورجال العرب مستمرون حتى الآن بلبس البرقع أو القناع (الكوفية يلفون فيها وجوههم).
وتنقسم أراء المفسرين لشكل الحجاب إلى ثلاثة أقسام على النحو التالي:
أولا: أراء تقول ان الحجاب الذي فرض على المؤمنة لا يتضمن إخفاء الوجه والكفين."عن أبو داود عن عائشة رضي اللّه عنها ان أسماء بنت أبي بكر دخلت على النبي صلى اللّه عليه وسلم وعليها ثياب رقاق، فاعرض عنها وقال: (يا أسماء ان المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح ان يرى منها إلا هذا، وأشار إلى وجهه وكفيه)
وقال الشيخ الشنقيطي في تفسيره أضواء البيان 6/586: "فإن قيل: لفظ الآية الكريمة، وهو قوله تعالى: "يدنين عليهن من جلابيبهن" لا يستلزم معناه ستر الوجه لغة، ولم يرد نص من كتاب، ولا سنة، ولا إجماع على استلزامه، وقول بعض المفسرين: إنه يستلزمه. معارض بقول بعضهم: إنه لا يستلزمه. وبهذا يسقط الاستدلال بالآية على وجوب ستر الوجه.
ويقول الشيخ الدكتور حسن الترابي – شيخ تيار التجديد "الحجاب خاص بنساء النبي صلى الله عليه وسلم، لأن حكمهن ليس كحكم أحد من النساء، ولا يجوز زواجهن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ثم فإن آية الحجاب نزلت في السنة الخامسة للهجرة، ولم يتأثر بها وضع سائر المسلمات".
الشيخ الألباني نفى ان تكون الآيتان فيهما دلالة على تغطية الوجه، وذهب إلى أنها دليل على الكشف، واستدل بأمور:(1) أن الإدناء في اللغة هو التقريب، وليس تغطية الوجه. [الرد المفحم ص7](2) الآية وحدها ليست نصا صريحا في التغطية، بل لا بد من مرجح. [الرد المفحم ص7](3) الاستدلال بأثر لابن عباس – رضي الله عنهما - فيه: "تدني جلبابها إلى وجهها، ولا تضرب به". [الرد المفحم ص8](4) الاستدلال ببعض الآثار عن قتادة ومجاهد وسعيد بن جبير. [الرد المفحم ص51](5) رد وتضعيف أثر ابن أبي طلحة عن ابن عباس – رضي الله عنهما - وأثر عبيدة السلماني. [جلباب المرأة المسلمة ص88]
ثانيا – أراء تقول ان الحجاب هو غطاء لجميع الجسم إلا عين واحدة.فقد ورد في تفسير الجلالين: { يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن } جمع جلباب وهي الملاءة التي تشتمل بها المرأة، أي يرخين بعضها على الوجوه إذا خرجن لحاجتهن إلا عيناً واحدة { ذلك أدنى } أقرب إلى { أن يعرفن } بأنهن حرائر { فلا يؤذين } بالتعرض لهن بخلاف الإماء فلا يغطين وجوههن، فكان المنافقون يتعرضون لهم { وكان الله غفوراً } لما سلف منهن من ترك الستر {رحيماً } بهن إذ سترهن .(الجلالين).
روى الطبري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في هذه الآية: أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عينا واحدة.
قال الصابوني: هذا النص عن ابن عباس صريح في وجوب ستر الوجه وكذا رواية ابن كثير عن ابن سيرين وغيرهما من الروايات الصحيحة الصريحة بوجوب ستر المرأة وجهها )
وبهذا المعنى جاءت الأقوال عن السلف، ومنهم ابن جرير في تفسيره [19/181]، فقال: - "حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثنى معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: "يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن": أمر الله نساء المؤمنين، إذا خرجن من بيوتهن في حاجة، أن يغطين وجوههن، من فوق رؤوسهن بالجلابيب، ويبدين عينا واحدة".- وروى أيضا فقال: "حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن ابن عون، عن محمد، عن عبيدة في قوله: "يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن". فلبسها عندنا ابن عون، قال: ولبسها عندنا محمد، قال محمد: ولبسها عندي عبيدة. قال ابن عون: بردائه، فتقنع، فغطى أنفه وعينه اليسرى، وأخرج عينه اليمنى، وأدنى رداءه من فوق حتى جعله قريبا من حاجبه، أو على الحاجب".وروى أيضا فقال: "حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن ابن عون، عن محمد، عن عبيدة في قوله: "يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن". فلبسها عندنا ابن عون، قال: ولبسها عندنا محمد، قال محمد: ولبسها عندي عبيدة. قال ابن عون: بردائه، فتقنع، فغطى أنفه وعينه اليسرى، وأخرج عينه اليمنى، وأدنى رداءه من فوق حتى جعله قريبا من حاجبه، أو على الحاجب". - وساق الأثر نفسه من طريق يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا هشام، عن ابن سيرين، قال سألت عبيدة عن قوله: الآية. قال: "فقال بثوبه، فغطى رأسه ووجهه، وأبرز ثوبه عن إحدى عينيه".[التفسير 19/181-182]-
وفي الدر المنثور [5/415]: "وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن محمد بن سيرين رضي الله عنه قال: سألت عبيدة رضي الله عنه عن هذه الآية: "يدنين عليهن من جلابيبهن" فرفع ملحفة كانت عليه، فقنع بها، وغطى رأسه كله، حتى بلغ الحاجبين، وغطى وجهه، وأخرج عينه اليسرى من شق وجهه الأيسر، مما يلي العين".وسار على دربهم البغوي في تفسيره [3/469] و أبو حيان في تفسيره [7/240] و الألوسي في روح المعاني [11/264] كما ورد نفس المعنى في تفسير الجلالين [560]
ثالثا: الرأي القائل بتغطية جميع الجسم والرأس والوجه وتتلخص الشروط وفق هذه الرؤية كما وضعها عدد من العلماء (السلف على وجه الخصوص) تحت عنوان الشروط الشرعية الواجب توفرها بالحجاب بما يلي: "ستر جميع بدن المرأة على الراجح. أن لا يكون الحجاب في نفسه زينة. أن يكون صفيقاً ثخيناً لا يشف. أن يكون فضفاضاً واسعاً غير ضيق. أن لا يكون مبخراً مطيباً.أن لا يشبه ملابس الكافرات. أن لا يشبه ملابس الرجال. أن لا يقصد به الشهرة بين الناس".
تقول أم سلمة رضي الله عنها لما نزل قوله تعالى: ( يدنين عليهن من جلابيبهن ) خرجت نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من الأكسية.
وهذا ما قال به الإمام النسفي في تفسيره مدارك التنزيل [3/315]
وسار نفس الاتجاه أبو بكر الجصاص في أحكام القرآن في تفسير الآية [5/245]،
والبيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل [4/386]،
وابن تيمية[الفتاوى 22/110] وأبو السعود في تفسيره إرشاد العقل السليم 7/115] والسيوطي: [عون المعبود شرح سنن أبي داود 12/158،"]والشوكاني في فتح القدير [4/304]، والقاسمي في تفسيره محاسن التأويل.
ومن المعاصرين قال الشيخ محمد العثيمين (.. ولا ريب أن كشف وجه المرأة سبب للفتنة ويدعو للافتتان بها ولأنه محل الرغبة والطلب لأن الناس إنما ينفرون من المرأة لقبح وجهها إذا كانوا يقصدون الجمال الظاهر ).ثالثا: حجاب الدكتورة مما تقدم يتضح التباين في وجهات النظر وأراء المفسرين للآيتين الكريمتين، و يبدو ان الدكتورة تلتزم بقول الرسول الذي لا يتضمن تغطية الوجه. الذي ورد في البند الأول، وبالتالي فهي بنظر الفريق الثاني تعتبر عاصية أما من وجهة نظر الفريق الثالث فهي كافرة سيكون مصيرها جهنم وبئس المصير. (لان كل فريق يرى الحق جانبه ويجافي الآخر)
.رابعا: لا نعلم ما إذا كانت الدكتورة تنطلق في دعوتها إلى ارتداء الحجاب من إيمان منزه عن الأغراض وإنها فقط تمارس دورا دعويا إيمانيا، أم انها تنتمي لأحد الأحزاب الإسلامية وبالتالي يصبح هدف دعوتها سياسي وليس منزها، فالأحزاب الإسلامية بلا استثناء تستخدم الدعوة لارتداء الحجاب كأحد الأساليب الرئيسية في نشاطها السياسي. وتعتبر ان انتشار الحجاب يدلل على مدى انتشار الصحوة التي تقودها الأحزاب (المباركة) من إخوان وسلف وتحريريين الخ.
خامسا: الأسباب الاقتصادية والاجتماعية لارتداء الحجاب لو تجولت في شوارع القاهرة على سبيل المثال لوجدت اللافتات على واجهات المحلات تقول: "الحجاب عفة وطهارة" و كأن غير المحجبات ليس لهن في العفاف أو الطهارة... لافتة أخرى تقول "الحجاب قبل الحساب" وثالثة تقول "أختاه... حجابك سلاحك"!!.ومثلها أو بمفردات أخرى توجد لافتات في الأردن أو سوريا أو الدار البيضاء ودول الخليج وغيرها من الدول مما يدلل على استغلال البعض لموضوع الحجاب تجاريا.
ويشمل الجانب الاقتصادي غالبية نساء العرب حيث ان الحجاب قد وفر عليهن تكاليف باهظة كن سيجبرن على إنفاقها على تزيين شعورهن كلما خرجن من منازلهن، وبالذات السيدات الموظفات اللواتي، ولولا الحجاب لاستهلكت الجزء الأكبر من راتبها في صالونات التجميل. وهذا الدافع الاقتصادي يشكل السبب الرئيسي في انتشار الحجاب حسب العديد من الدراسات والأبحاث.
أما على الصعيد الاجتماعي فنجد ان الفئة العمرية المتقدمة بالسن هي اكثر الفئات ارتداءا للحجاب مما يشير إلى ان الهدف من ارتدائه ليس إخفاء الفتنة بقدر إخفاء العيوب، كما ان الحجاب ينتشر في أوساط الطبقة الوسطى (نظرا لوجود أعداد كبيرة منها تعمل في مهن مختلفة) اكثر من الطبقة الثرية، أما في الريف فان لبس الحجاب اقرب منه إلى العادة والعرف الاجتماعي منه إلى التدين.ففي أوساط أبناء المدن ولفترة قريبة جدا كان سكان المدينة يميزون بين المرأة الريفية من الحضرية بان الأولى ترتدي غطاء على رأسها فيما بنت المدينة لا تتردي على رأسها.
وفي وقتنا الراهن أصبح الحجاب مـصـطـلـحـاً فضفاضاً، وهناك بونا شاسعا بين المفاهيم الثلاث التي ذكرناها للحجاب و بين مدلول كلمة الحجاب في الواقع المعاش والذي نراه ونشاهده في كل عواصم الدول الإسلامية فقد أصبح الحجاب الشائع مجرد غطاء للرأس مع كشف بعض الشعر والـرقبة وجزء من الصدر والساقين، وقد تكون الملابس ضيقة أو متشبهة بالرجال، أو ملابس طويلة ولكنها زينة في نفسها، وقد تكون ضيقة تصف الجسم، أو معطرة، والعباءة (الإسلامية) كما تصفها محلات الأزياء التي تظهر كل مفاتن الجسد ومطرزة بأشكال وألوان جذابة تضاهي في أناقتها وأسعار بعضها أجمل الأزياء الباريسية (جولة قصيرة في احد الشوارع الرئيسية في الكويت أو الإمارات أو قطر تفي بتأكيد ما نقول.
وهذا يشير إلى غير ما تحاول الأحزاب والتيارات الإسلامية ودعاتها ومشايخها بان الصحوة ما شاء الله تحقق نجاحات كبرى، لا يا سادة إنكم واهمون فالمجتمع لا يمكن ان يعود القهقرى، والحجا ب بمفهومكم لن يعود ليسود مجتمعات تتصل بالحضارة والعلم في كل دقيقة من عمرها.
وأخيرا أؤمن إيمانا مطلقا بان الحجاب لا يمنع المرأة عن القيام بما حرمه الله وعدم ارتدائه لا يعني القيام بما حرمه الله.الأساس في السلوك الاجتماعي هو الأخلاق والتربية، فمن تربت في بيت كريم ومن ربتها معلماتها والمحيط الذي تعيش فيه لا يمكن لها ان تقترب من الزنا في اي مجتمع كانت في مكة أو في نيويورك.
فالفضيلة والشرف والعفة والعزة والكرامة والعلم والتطور والتقدم والإبداع في كل الميادين لا يحدده زي المرأة بل عقلها ووعيها وتربيتها وأخلاقها.
فأي امرأة مهما كان عمرها أو جنسيتها تستطيع ان تكون فاضلة في الخلق والتعامل ويكون سلوكها هو الحكم وليس قطعة قماش تغطي رأسها.
كما ان الرجل الذي يفتتن لرؤية شعر ووجه امرأة هذا رجل تافه لا أخلاق عنده ولا دين، وهناك قوانين تردعه وتحاسبه وتحافظ على بنات الناس.
التدوين كأفق جديد للتنفيس وإثبات الوجود...!!
عبد اللطف المصدق
ليس الواقع الافتراضي إلا نسخة ثانية حديثة لواقع إنساني حقيقي راسخ على الأرض رغم إنكار المنكرين وجحود الجاحدين الذين لازال بعضهم يتوجس خيفة من محتوى ومضمون العوالم الافتراضية إلى درجة قد تجعله أحيانا لا يطيق الاقتراب من الحواسيب الإلكترونية التي تعتبر لوحة المفاتيح منها بمثابة منصة التحكم والقيادة في حركة السيارة عند الانعطاف أو المناورة، كما أوضحنا ذلك في إدراج قديم تحت عنوان الجَفْوَةُ الرقمية.
وعليه فإن العوالم الافتراضية، وإن كان موقعها في الأثير المعلق بين السماء والأرض، فهي ليست معزولة عن الأرض كما قد يتوهم البعض؛ فكل ما في العوالم الافتراضية من مواقع ومدونات ومنتديات يعمل في الحقيقة تبعا لحركة أصحابها في حياتهم الخاصة المتقلبة بين صبح ومساء، وبين صحو ونوم، ووفق أمزجتهم ونواياهم، وحسب تكوينهم الحسي والجسمي والعقلي والنفسي.
وقد بلغت العوالم الافتراضية في هذه الأيام حدا هائلا من الكثافة والتكدس والامتلاء رغم أن بداية رحلة الناس إلى هذه العوالم الأثيرية كأفراد طبيعيين أو معنويين ممثلين في شركات ومؤسسات وهيئات خاصة أو عامة، حديثة العهد. إذ لم تمهد سبلها الإلكترونية المعقدة ولم يتح استخدامها للخاصة والعامة على نطاق واسع عبر شبكات الاتصال الأرضي والفضائي إلا مع بداية هذه الألفية الثالثة.
ومن يلج العوالم الافتراضية اليوم يشعر كأنها قد بلغت من العمر عتيا، أو كأنها قد تكونت مع بداية تكوين الأرض في زمنها الجيولوجي الأول. فكل ما يخطر على بالك من هواجس وصور وأفكار تجده مطويا بين ثنايا ها وأكثر.
غير أن ما يميز العوالم الافتراضية عدم وجود حد فاصل بين الأمكنة والأزمنة فيها، لأن وسائلها عند السفر أو الإبحار في أعماقها أشبه ما تكون بسفينة الزمن التي تمكن من اختراق حاجز الحقب التاريخية صعودا ونزولا، كما في أفلام الكارتون الحالمة وسينما الفانتاستيك الخيالية الجامحة.
وبما أن وجود الناس على الأرض محدود بضيق المكان وبضيق الأفق وذات اليد وقهر الزمن والسلطة، فقد أصبحت العوالم الافتراضية ملاذا مثاليا للبوح والتعبير في عالمنا العربي كما في العالم أجمع، سواء بالرمز أو بالصوت أو بالصورة المتحركة أو الثابتة، وسواء باللغة العادية المباشرة أو باللغة المجازية الشاعرة.
وعليه، فإن ما يميز العوالم الافتراضية أكثر أنها صارت الأفق الأرحب المتاح اليوم للتنفيس أكثر من قصيدة أو لوحة أو فصول مسرحية أو مثل أو حكمة أو خرافة رمزية.
وقد لا يهم اليوم أن تبحث عن خل وَفِـيٍّْْ عز وجوده في هذا العصر لتفرغ على مسامعه همك وحزنك، أو عمود جريدة لتلقي لديها ببعض عجرك وبجرك بعد التمحيص والتنقيح لكل ما من شأنه أن...
يكفي أن تفتح موقعا صغيرا أو مدونة أو تنشئ هوامش افتراضية مفتوحة أو مرموزة تثبت أو تمحي فيها في كل يوم ما تشاء.
ومن تابع معي مخاض كتابة هذا الإدراج من أوله إلى نهايته عرف كم عدد الخربشات التي حذفتها والتعديلات التي أضفتها حتى استوى على هذا الشكل النهائي الذي أرسلته على الشبكة العنكبوتية.
وأنا بعدما مارست التدوين واختبرت خباياه ومشاقه لا أنكر على نفسي ما أستشعره في كل يوم من متعة خاصة عندما أتمكن من إضافة إدراج جديد، ولو كآخر إشارة مني على آخر وجود لي موثق أسفل آخر إدراج باليوم والساعة والدقيقة والثانية.
أشعر كأن عقارب الوقت هي التي تكتبنا وتدوننا لا نحن، أوكأن أناملنا الصغيرة هي وسائلها في ذلك. ولو توقفت أناملنا عن النقر وعيوننا عن مصافحة شاشة الحاسوب لانتفى جزء مهم من حقيقة وجودنا في هذا العصر الذي كلما اتسع وتعولم إلا وضاق وازدحم.
فيلم الريس عمر حرب: الحياة داخل كازينو
أحمد الرمحي
الريس عمر حرب... أول مرة سمعت بهذا الاسم كان من خلال إعلان تلفزيوني على أحد المحطات الفضائية... وقتها ذهبت للانترنت وبحثت عن بعض المواقع المختصة بمتابعة الأفلام ، وجدت هناك انتقادات كثيرة للفيلم لاحتوائه على مقاطع جنسية ووجدت من يتكلم عن الرمزية فيه.
لم أعر الأمر اهتماما، و بعد بضع أيام سمعت بعض الزملاء يتناقشون عن الفيلم بين مؤيد ومعارض وعرفت منهم ان الفيلم مصنف للبالغين فقط ولقد قاموا بوصف بعض المشاهد ، فلما سألتهم ان كانوا شاهدوا الفيلم أجابوا بلا !! ولكن هكذا قال لهم بعض أصدقائهم الذين شاهدوا الفيلم بالقاهرة؟... هنا "لعب الفار بعبي" وقررت أن أذهب لأشاهد الفيلم من مبدأ كل ممنوع مرغوب.
أجريت اتصالاتي مع بعض الأصدقاء فرفضوا جميعا مشاهدة الفيلم لا لشيء ولكن لأنه فيلم عربي ؟
لم أجد سوى صديقي محمد الذي شاركني رغبتي بمشاهدة الفيلم، بدأنا نبحث من خلال الانترنت على السينما التي تقوم بعرضه بمدينتنا ، وجدنا أن هناك سينما وحيدة فقط يتواجد بها الفيلم، ذهبنا هناك... حجزنا مقعدين لحفلة الساعة 12 ليلا.
دخلنا قاعة السينما التي كانت ممتلئة بالمشاهدين والغريب بالأمر انه بالرغم من تصنيف الفيلم للبالغين فقط إلا انه كان من بين الحضور عدد لا باس به من المراهقين والشباب.
انطفأت الإضاءة... بدأ الفيلم وعم السكون المكان... ابتدأ الفيلم بمشهد " خالد صالح" أو الريس عمر حرب وهو يلقي تعليماته لمجموعة من الشباب المتوقع منهم ان يعملوا " كديلر " ويكون من بين المتقدمين لشغل هذه الوظيفة " هاني سلامة" وهو إلي قام بتمثيل دور خالد... يصف الريس عمر حرب الناس القادمين للعب بالكازينو بأبشع الأوصاف كغياب الضمير والحثالة وغيرها ومن ثم تبدأ أحداث الفيلم.
مدة الفيلم حوالي ساعتين وشارك في بطولة الفيلم هاني سلامة، خالد صالح، سمية الخشاب، غادة عبدا لرازق والممثل العراقي بهجت الجبوري
يتنقل الفيلم بنا داخل الكازينو هذا المحيط الغريب على معظمنا والذي يقع في احد فنادق الخمس نجوم في مصر ويمنع دخوله على المصريين إلا إذا كانوا يحملون جوازات سفر دول أخرى حتى لو كانت دولا افريقية. يصور لنا الفيلم حياة الزبائن الدائمين فهناك الأمير الخليجي وهناك رجل الأعمال اللبناني وهناك الممثل المصري وهناك رجل الأعمال العراقي وهناك الخواجة الذي يقرض اللاعبين بالربا بشيكات أو بضمان السيارة أو المشغولات الذهبية بالإضافة لتركيز الفيلم على تفاصيل الكازينو من أدوات لعب وراقصات ونادلات وديلرز ويتطرق الفيلم إلى دور النساء في الكازينو فهناك prostitute (هكذا تقال في الفيلم) بنات الليل التي وظيفتهن جعل الزبون يخسر قدر الإمكان ويركز لنا الفيلم على اثنتان هما " غادة عبد الرزاق" في دور زينة فتاة المتعة والليل التي تأتي بالزبائن وتقضي معهم السهرات الحمراء و"سمية الخشاب" في دور حبيبة
والتي يدخل معهما خالد بعلاقة جنسية اللافت في الانتباه أن مشهد سمية الخشاب وهاني سلامة وهم يمارسون الجنس بالسيارة تم قطعه ونحن نشاهد كما وان هناك مشهد أخر بين غادة عبدا لرزاق وهاني تم قطعه أيضا وبعيدا عن هذين المشهدين الذين أقاما الدنيا على المخرج خالد يوسف كنت راضيا عن الفيلم. أنت لست بناقد ولكني مشاهد عادي ولقد أعجبني موضوع الفيلم ونهايته المفاجئة التي لو كنا تتبعنا كلمات الأبطال لكنا عرفنا انها النهاية الحتمية لهكذا فيلم.
http://www.elaph.com/ElaphWeb/AsdaElaph/2008/7/347053.htm