مواضيع اليوم

لهذا لا أستشهد كثيرًا بالقرآن الكريم!

لهذا لا أستشهد كثيرًا بالقرآن الكريم!

كثيرون يتوقعون مني العثورَ على آياتٍ بيناتٍ لتأكيد رؤيتي، ووضع بصمات القداسة على محاوراتي، وتخييط شفاه مُحدّثي إذا جادلني!

ما أسهل أنْ تعثر على صورتِك في مرآة كتابــِك المُقَدّس، وهنا يتساوى الجاهلُ والعالــِـم، الصغيرُ والكبير، المتطرف و.. المعتدل.

عني أنا شخصيا فمؤمن إيمانا عميقــًا بإسلامي، وبالقرآنِ الكريم، وقد ظللت على هذا الإيمان لأكثر من ستين عاما؛ لكن هذا لا يمنع طرحَ كل التساؤلات على نفسي حتى لو تصادمتْ مع كتابي المقدس دون إخلال بجوهر الإيمان.
الإنسانُ الطبيعي لابد أنْ يمر بمراحل الصعود والهبوط، التقدم والتاخر، الحيرة والثقة ومن هنا يتجذر النضوح، ويبتعد الخوف عن القداسة الدينية، حتى لو بدأ الآخرون في التشكيك بإيمانك وفكرك و.. رؤيتك.

يستخرجون من القرآن الكريم ما في أنفسهم فيظن المُستشْهــِد بالتنزيل الحكيم أنه اصطاد الحُجّة، فإذا خاطبك مخالفُك الطالباني، والاخواني، والسلفي، والداعشي، والآياتي، والشيعي، والسُنّي، والزيدي، والإباضي، والاسماعيلي، والعلوي، والعثماني حتى القادياني(الأحمدي)والأزهري، والوهابي و ... وعشرات من المنتمين لأحزاب وتيارات ومدارس وتفسيرات سيجد كل واحد نفسه في تفسير باطني ذاتي قبل أن تقع عيناه على الآية الكريمة التي تعضد وجهة نظره.

هل هذه شكوك؟ معاذ الله فأنا في مرحلة اليقين؛ لكنني لا ألجأ للقرآن الكريم لدحض رأي مُخالفي، إنما أسرع إلى العقل والثقافة والمعلومات والفلسفة والعلوم الإنسانية والعالــَـم الذي أعيش فيه وخبراتي طوال عُمري، ولا مانع من اللجوء للقرآن الكريم ليس لصبغ القداسة على الحجة، إنما ليستريح محاوري الخائف من القرآن الكريم وليس الواثق بإيمانه وعقله ورؤيته.

بعدة آيات والإنصات لبعض الخُطب الدينية وقراءة مُسلـمّات توارثها الناس لمئات الأعوام يستطيع نصفُ الجاهل أن يُردي أعتى، وأمهر، وأذكى، وأعلم الناس أرضــًا، ومواقع التواصل الاجتماعي مكتظة بالتراشق بالمقدس، فيغلب الجاهلُ العالمَ، وينتصر الحافظُ على المُفكــّـر، وتصمت الجماهيرُ؛ فالسماء تنزل، كما يظن، لتقف مع الذي يردد آيات قرآنية حتى لو لم يفهمها.
ربما لهذا يظن الكثيرون أنني أصطدم مع ما وجدوا آباءَهم عليه، وثبــَّـتَه في عقولهم شيوخ كل مرحلة.

الثقافة العامة والخاصة والفلسفة والعلوم الإنسانية والنقد والرواية والشعر واللغات والموسوعات وعلوم الحياة ينبغي أن تكون طريقَ المرء لكتابه المقدس وليس العكس، فأنت لا تتعلم عن النظام الشمسي والغلاف الجوي والجاذبية الأرضية والمجرات والبقعة السوداء والمسافات بين الكواكب ودرجة حرارة الشمس ونوعية الأرض في كوكب المشتري من القرآن الكريم؛ لكنك تقرأ، وتتثقف، وتتعلم، ثم تمنح للفضاء روحــًا، وتربط الكونَ بذاتــِك، وتعانق المعرفةُ الإنسانيةُ التوجيهاتِ الربانية.

لو أنَّ أمّيــّــــًا، جاهلا خرج من خطبة الجمعة وقال لمن حوله بأن الخطيبَ أخطأ في معرفة المعنى الحقيقي لآية قرآنية أو سبب النزول، فعلى الأقل ستجد رُبْعَ المستمعين إليه متفقين معه لأن الحوار قائم على أحكام هلامية لا يمكن التحقق من صحتها.

إذا تخاصم، أو تلاكم، أو تصارع التكفيرُ والتفكير؛ فإنَّ الأولَ يخرشم وجهَ الثاني بضربة قاضية، فالأول أعمى والثاني أربك عقلــُه عينيه عن الرؤية الثاقبة!

ضع كل جهابذة وعباقرة المدارس والمذاهب الإسلامية أمام آية قرآنية سامية وحقيقية ومعجزة، واطلب منهم تفسيرا لها فنصفُهم سيلجأ إلى تفسيرات ماضوية، والنصف الثاني ستشغله الانتصارات الوهمية عن خبايا النص المقدس.

تفسير وفهم وروح القرآن الكريم لي أنا وحدي، أما مع الآخرين، ما لم يكن الموضوع عاجلا وفي حوار جدّي، فأنا لا ألجأ للقرآن الكريم الذي قرأت تفسيرات كثيرة له من نعومة أظفاري.

إذا أردت أنْ تخسر قضية فاجعل القداسة تقودها، وإذا أردت أن تربحها فضع العلوم الإنسانية أمامها ولا تقلل من شأن النص المقدس فالثقافة والعلوم الحديثة وعشرات من فروع النظريات في شتى المجالات تفتح لك مغاليق ما خفىَ عليك من جمال وروعة وتسامح وسلام وروحانيات كتابك الذي يصلك بالسماء قبل أن تنتقل إليها من تراب الأرض.

محمد عبد المجيد
طائر الشمال
عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين
أوسلو في 21 مايو 2021



التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات