مواضيع اليوم

الخِلّ الوفي

يوسف رشيد

2018-11-03 12:08:03

0

 الخِلُّ الوفيُّ .. 

صحيح أنه كان أحد المستحيلات الثلاثة عند العرب ، لكن ، ولله الحمد ، فقد عوّضَنا اللهُ عنه ، بما يقوم مقامه ويسد فراغه على أكمل وجه .. 
إنه الهاتف الذكي الذي يلازمنا بلا تذمر ولا تردد ، ويسهر على راحتنا بكل طواعية وأريحية .. 
نأمره فيستجيب حالا ، ونطالبه فيلبي ، حتى صار ألصق بنا من جلودنا ، وأقرب لنا من حبل الوريد .. 
وهو الأثير والمُحببٌ لنا ، والأغلى من أغلى الأشياء .. 
إنه مخزن أسرارنا وهواياتنا وعواطفنا وذكرياتنا ، وهو وسيلتنا الأسرع من الصوت والضوء في التواصل مع العالم كله .. 
ولولا أن فيه ما فينا من العلل والأمراض ، لتفوَّق على ذاك المستحيل ، بكثير من الميزات .. 
إذ قد يُصاب ، مثلنا ، بالصداع أو بالكريب أو بالسكتة أو بالجلطة أو بالهستيريا أو بالجنون أو بارتفاع درجة الحرارة وضغط الدم ، وقد ينكسر عظمه إذا وقع ، أو إذا ما قذفنا به أحدا أو جدارا .. 
كما قد يُصاب بالتخمة أو بالإسهال أو بفقدان الشهية .. 
وقد ينتابه الخجل والتوتر والغثيان والقرَف والامتعاض والحَرَد والانزعاج والتناحة .. 
وليست أمراضُ الشيخوخة ببعيدة عنه .. 
ومع كل ذلك ، فقد تساوى فيه الذكر والأنثى لأنه أُحِلَّ لنا منه مَثنى وثُلاث ورُباع ، وما زاد فإحسان نزجيه قربانا أو هدية مرموقة في المناسبات العامة والخاصة .. 
وكما أن للإنسان روحا لا تفارقه ، كحدٍّ فاصل بين الحياة والموت ، فإن لهذا الخل الوفي روحا عنكبوتية لا تقل أهمية وشأنا عن روح كل الكائنات الحية ، لكنه يتميز ويتفوق علينا ، بأنه إذا انزهقت روحه ، يبقى محافظا على كينونته بين أيدينا ، ولا نسارع إلى مواراته الثرى ، كما نفعل بأحبائنا وأعزائنا ، بينما يبقى لمصاحبة الخِل الوفي شأنٌ وقيمةٌ واعتبار ، من خلال ما تقدمه لنا تطبيقاته وبرامجه التي لا غنى لنا عنها ، وأهمها : استخدامنا له كهاتف نقال ، إضافة إلى تطبيقات كثيرة ، كالساعة المتعددة المهام ، والتوقيت اليومي ، والمذكرة ، والكاميرا بأنواعها ، وبرامج الصوت وعرض الفيديو والآلة الحاسبة والألعاب للكبار والصغار ، وووو ، حتى يكاد يكون 20×1 .. 
وهذا كله باق ولو بعد انقطاع الأنفاس ، أو انزهاق روحه ، فلا يفقد شيئا من ثمنه ، ولا نسارع ونتسابق إلى دفنه .. 
أ ليس هذا الخِل وفيًّا لنا أكثر من الخل المستحيل ؟! 
هل مازلنا نعدُّه من المستحيلات ؟!..



التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !