مواضيع اليوم

هل "ستتأسلم" أجهزة الأمن المصرية في ظل الإخوان؟

وليد حلاق

2011-12-09 21:33:12

0

كتب مهيار حسن

 

إن اكتساح الإسلاميين لأغلب النتائج في البلدان التي جرت فيها الثورات واكبه مخاوف حقيقية مشروعة، خاصة أن تجربة الحكم الإسلامي أو (التعامل مع الإسلاميين) في العالم العربي على الأقل لم تكن جيدة أبدا( السودان – حماس- الجزائر..)، وهو ما يجعل فئات كثيرة تخشى من فرضهم نموذجا طالبانيا على الحياة العامة، عبر العمل على أسلمة الدولة تدريجيا، بدءا من تغيير الدستور الذي سيجعل من النص الديني حاضرا أساسيا في كل تفاصيل التشريع والحياة العامة، وهو ما ينعكس سلبا على علاقة الإخوان والإسلاميين عموما بتيارات المجتمع الليبرالية واليسارية، عدا عن مشاكلها المزمنة مع الأقليات.

ولعل اتخاذنا نموذج الإخوان المسلمين في مصر في هذا البحث كنموذج لدراسة كيفية تعامل الإسلاميين مع نظم الحكم، قد يشكل مدخلا لرصد التحولات الحالية والقادمة في المنطقة.

ويأتي اختيار نموذج الإخوان المصريين، لإدراكنا موقع مصر المهم في العالم العربي، وليقيننا بأن تجربة الأخوان في مصر لها تأثير كبير على كل الحركات الإخوانية في العالم العربي من مستويات متعددة، أبرزها العامل الرمزي الذي يحتله الأخوان المصريون كونهم بلد تأسيس الأخوان الذي انطلق مع حسن البنا و سيد قطب، وكونهم حالة وسطى من حالات الأخوان المتعددة، فهم ليسوا بتحرر حزب "النهضة التونسية" الذي تجاوز الكثير من الأدلجة الحرفية للنص القرآني، بفعل طبيعة المجتمع التونسي الذي فعلت به علمانية بورقيبة تحديثا بحيث يصبح من المتعذر الرجوع عن هذه التحديثات، وكذلك هم أقل تعصبا من حركات القاعدة المنتشرة في العالم العربي، والتي قد تنتصر في ليبيا وفق المؤشرات القادمة من هناك حتى اللحظة، وهم عليهم داخليا أن يحدوا من تطرف السلفيين الذين أثبتت الانتخابات الأخيرة، أنهم أصحاب قوة انتخابية لا يستهان بها، عبر منافستهم للإخوان على أكثر المقاعد، ومن جهة ثانية عليهم مواجهة التيار الديني الصوفي الذي ذهب نحو التحالف مع الليبراليين، رافضا التحالف مع الأخوان والسلفيين، مما يعني أن ثمة إسلامات متعددة في مصر، وعلى الأخوان مواجهتها بطريقة غير تلك التي ستواجه فيها خصومها الليبراليين، لأن أي خلاف يصل حله إلى مستوى العنف بين التيارات السياسية الإسلامية، سيجعل الإسلاميين كلهم يخسرون.

هل يحول الإسلاميون مصر إلى دولة إسلامية؟

يبقى الهاجس الأهم لدى الجميع، هو خشيتهم من تحويل مصر إلى دولة طالبانية، أو إلى الاكتفاء بالحد من الحريات العامة، وفق بعض التوقعات المتفائلة.

بالنظر إلى الخطاب الإسلامي في مصر بكافة أطيافه، سواء عبر تاريخه الطويل، أو عبر خطابه الأخير منذ اندلاع الثورة المصرية، سنجد أن النتائج لا تبشر بخير، لأن الخطاب الإخواني الفكري كعقيدة، يقوم فكرة المسلم وليس على فكرة المواطن، مما يعني انتهاكا ( على الأقل رمزيا) لحقوق غير المسلمين، وهو يقوم أيضا على فكرة النص/ الكتاب المنزل، وفق قراءتهم هم، مما يعني مصادرة حق الآخرين في فهم النص، وفي نقد ما يتوصلون إليه من قرارات أو فتاوي كونها صادرة عن مكان مقدس، ليغدو الدستور معطلا بفعل "دستورهم"، الذي لا يأتيه الباطل من أي جهة كانت، ويضاف لذلك خطابهم الدوني تجاه المرأة وحريتها وعملها، ولعل وضع صور لأزواج المرشحات لحزب النور السلفي أو صورة وردة مكان وجه المرشحة، يشي بمدى احتقار هذا الخطاب للمرأة، والنظر إليها، خاصة في عصر أصبح فيه عمل المرأة ركنا أساسيا من بناء المجتمع والاقتصاد.

إذن نحن أمام بنية ذهنية، تصادر مسبقا كل خيارات الحرية التي نادى بها ثوار التحرير الأوائل، ولكن يبقى السؤال: هل يقدر الإخوان على تنفيذ " دستورهم" هذا على المجتمع؟ وهل يقبل المجتمع بذلك؟ وثمة من يقول أن الأخوان تغيروا كثيرا وهم أنفسهم لم يعودا يطالبون بتطبيق نصوصهم لأنهم أدركوا استحالة تحقيقها بعد تجارب مريرة في العالم العربي؟

رغم أن الأخوان أعطوا الكثير من الوعود في بداية الثورة المصرية، إلى أن الحريات مصانة، وأنهم ينادون بالدولة المدنية (التي هي بالمناسبة اختراع إسلامي بحت، انساق خلفه الليبراليون واليساريون دون أن ينتبهوا إلى أفخاخه الكثيرة)، وأن حقوق المرأة مصانة وكذلك الحريات، وقد رأينا كيف صارت الدولة المدنية بقدرة قادر وفق رأي بعض قياداتهم هي الدولة التي لا يحكمها العسكر، وليست هي دولة القانون والحريات، مما يعني أن الدولة الإسلامية قد تكون مدنية أيضا، وهو ما أثار لغطا كبيرا في حينها، مما جعلهم يتراجعون مبدئيا عن أقوالهم، دون أن يتوقفوا عن العمل على ترسيخها فعليا.

ومن جهة ثانية، رأينا كيف تحالف الأخوان مع العسكر في البداية ظنا منهم أنهم قادرون على ابتلاع العسكر، وحين اكتشفوا أن العسكر يسعون لجعلهم واجهة حكم لهم فقط، تراجعوا وعادوا إلى الميدان. هنا نلحظ أن ثمة براغماتية لا تتوقف عند المبادئ التي تطرحها الحركة بقدر ما يعنيها المكاسب، فهم رغم رفضهم حكم العسكر، ورغم قولهم أن الدولة المدنية تعني حكم اللاعسكر، إلا أنهم وافقوا على التحالف معهم ضمنا، ضد كل قوى الثورة الأخرى، وحين اكتشفوا مدى عقم العسكر ومدى خسارتهم في الشارع الذي تجلى في الجمع التي لم يشارك فيها الأخوان والسلفيين، تراجعوا عن الأمر.

وكذلك الأمر نلحظ مدى الهجوم الذي شنه الإخوان على أردوغان حين قال في القاهرة أن علمانية الدولة لا تتناقض مع الدين، مما يدل أنهم لم يتعلموا بعد من تجارب الآخرين بما يكفي، إضافة إلى تحالفهم مع الغرب الذي بات واضحا من خلال ترحيب حكومات واشنطن والاتحاد الأوربي بفوز الإسلاميين، وهو ما يشير إلى وجود تحالفات ضمنية بين الطرفين، خاصة بعد الإعلان عن حوارات ولقاءات بين الأخوان والأمريكان في كل المنطقة وليس في مصر فحسب.

هذه التحالفات تجعل العديد من ثوار التحرير يخشون من التفريط بمكتسباتهم التي ناضلوا لأجلها، خاصة أن الإخوان لم يقولوا حتى اللحظة شيئا عن اتفاقية كامب ديفيد، ولم يشاركوا في المظاهرات أمام السفارة الإسرائيلية، مما يعني أن ثمة توجها لنيل الرضا الأمريكي إن لم يكن ثمة اتفاق بين الأخوان والأمريكان.

ولعل أهم دليل هنا ما قاله، نائب المرشد العام لجماعة "الإخوان المسلمين" الدكتور رشاد البيومي، بعد فوز حزبه بالانتخابات من أن "الإخوان المسلمين يتحدثون عن تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية التي تحفظ الحقوق والحريات"، والملفت أنه قال هذا الكلام في معرض رده على التخوفات من فوز الإسلاميين في الانتخابات النيابية، ليصبح كلامه دليل إدانة، ويزيد التخوفات بدل تهدئتها، وذلك رغم قوله أن الدستور "يجب أن يعبر عن الخليط المجتمعي لا عن الإسلاميين فقط"، وهو ما يعتبر أكبر دليل عن براغماتية الإخوان، التي تقول أشياء كثيرة بينما تعني شيئا آخر تماما، ولعل ما قاله نائب النهضة في تونس" الجبالي" من أن الخلافة السادسة قادمة، بعد تأمين فوزه في الانتخابات يشي بهذا الأمر.

فيما سبق وسقناه من أمثلة، نلحظ مدى براغماتية الإخوان، ومدى سعيهم للتمكن من السلطة بأي شكل، عبر التحالف مع العسكر في بداية الثورة وحين فشلوا في احتواء العسكر اتجهوا نحو الغرب، تمهيدا للوصول إلى سلطة أصبحت قاب قوسين أو أدنى، فماذا سيفعلون، خاصة أن امتلاك السلطة يعني التعامل بمنطق الدولة.

وثمة إشكال كبير يطرح منذ الآن، وهو يتعلق بكيفية تعامل الأخوان حال وصلوا السلطة، مع الأجهزة الأمنية المشكلة التي كانت طيلة عقود تعمل على ملاحقتهم وسجنهم وقتلهم؟

بني جهازي الأمن الداخلي والخارجي في مصر، طيلة سنوات الاستبداد على التركيز على ملاحقة الإسلاميين وسجنهم ومنعهم من العمل السياسي، بالتعاون مع أجهزة استخبارات المنطقة التي لم تنسق فيما بينها بقدر ما نسقت في مواجهة "الإرهاب" التي لم تكن ترى مصدرا له إلا هذه الحركات، كذلك عبر التعاون مع أجهزة الاستخبارات الغربية التي جعلت من الإسلاميين طيلة عقود هدفا لها.

نظرا لإيديولوجية الإسلاميين المعروفة التي تسعى براغماتيا بكافة السبل للوصول إلى السلطة، فإنهم سيسعون أولا إلى تشكيل أجهزتهم الأمنية الموثوق بها، لتغدو الجهاز الأمني الأول، ولتتبع له بقية الأجهزة، مستدلين بذلك على تجربة حماس في غزة، التي عمدت إلى تشكيل أجهزتها الأمنية، تمهيدا لاحتلال باقي المواقع وتنظيفها، وتحويل مهمتها من ملاحقة الإسلاميين إلى ملاحقة خصومهم الجدد، ولا نستبعد هنا أن يتعرض بعض عناصر وضباط هذه الأجهزة لانتقامات قد تكون فردية، ولكن من المؤكد أنه ستستبعد كل القيادات التي كان لها علاقة مباشرة، بملاحقة الإسلاميين، لتصبح مهمتها ملاحقة العلمانيين واليساريين، في مرحلة أولى، وقد تتحول مع الزمن حال تمكن الإخوان أو السلفيين من فرض نموذجهم على المجتمع، إلى شرطة سرية وأخرى علنية، بحيث تتولى السرية ملاحقة الناشطين ضد هيمنة الإسلاميين، وتعمل العلنية على مراقبة المجتمع وضبطه ضمن أصول الشريعة عبر إغلاق محال الخمور أو منع الاختلاط وما شابه وهذا مابدأت تباشيره تهل عبر اعتبار أحد قادة الأخوان أن أدب نجيب محفوظ أدبا منحلا!

ومن هنا فإن قدرة الإسلاميين على تحقيق ذلك، يتوقف على مدى قوة المجتمع المصري وصلابته في مواجهة هذه التحديات، خاصة أن ثمة تيارا صوفيا إسلاميا يرفض هذا الشيء علنا، وثمة مشكلة كبرى لا تني تطل برأسها تتعلق بحقوق الأقليات الدينية وعلى رأسها الأقباط، الذين باتوا يرون أنفسهم خارج المعادلة الوطنية منذ اللحظة، ولعل عكوف العديد منهم عن الذهاب إلى صناديق الاقتراع في المرحلة الثانية من الانتخابات، لعدم وجود مرشحين ليبراليين في مناطقهم، إذ انحصرت المنافسة بين السلفيين والأخوان، يدل على حجم التهميش الذي باتوا يتعرضون له.

ونظرا لبراغماتية الإخوان التي عرفوا بها، يتوقع أن لا يقدم الإخوان على فرض هيمنتهم دفعة واحدة على المجتمع، لأن استراتيجيتهم تقوم على أسلمة المجتمع تدريجيا، حيث من المتوقع أن يعملوا على الهيمنة على المدارس والإعلام والجامعات، بالتوازي مع عملهم على الأجهزة الأمنية سرا، ليغدو مشروعهم ناهضا من تحت، من القواعد التي يكون قد تم غسل وعيها عبر إعلام موجه يجعلهم حاكمين باسم الله والشريعة، وحين يتمكنوا من أسلمة المجتمع سيغدو هذا المجتمع هو المدافع عن قوانينهم، التي ستتجه في هذه اللحظة نحو المطالبة بتطبيق قوانين الشريعة، بحيث يغدو الإخوان مجرد منفذين لإرادة الشعب، ولعل ما قاله النائب البيومي في هذا الصدد" فنحن نعتنق الإسلام الوسطي المعتدل ولا نفرض شيئاً بالقوة" يدل فعلا على عمق استرايجتهم، لأن المجتمع حين يطالب بذلك بعد أسلمته، لم يكون في الأمر فرضا بالقوة!

و يساعد الأخوان في ذلك تواطؤ غربي، يبدو أنه يتجه لمنحهم كل ما يشاؤون داخليا مقابل منحهم أبواب الاقتصاد وحماية المكتسبات الغربية وعلى رأسها الإبقاء على اتفاقية كامب ديفيد، طمعا بمساعدات الأمريكان التي مازالت تفعل فعلها حتى اللحظة.

ولكن رغم ذلك، فإن الغرب والأمريكان يعملون على محاصرة الإخوان وتطويقهم ليبقوا ضمن لعبة هم يحددون مفاتيحها، ولعل اتجاه الغرب والأمريكان لدعم مؤسسات المجتمع المدني وحقوق الإنسان في مصر بكثافة تحير المراقبين، تصب في هذا الاتجاه، إذ ستغدو هذه المؤسسات رقيبا على عمل الإسلاميين، ليس لأنهم ينوون منعها من أسلمة المجتمع، بل لأنهم يريدون الهيمنة عليها، من خلال تحريض هذه المؤسسات عليها حين تحاول الانفكاك من أسر المصالح الغربية، ليغدو عملها تماما كعمل مؤسسات حقوق الإنسان في أزمنة الاستبداد، إذ لم يكن الغرب معنيا بملفات حقوق الإنسان آنذاك بقدر اعتنائه باستخدامها وسيلة ضغط على السلطات لانتزاع مكاسب سياسية أو اقتصادية.

وثمة نقطة سيستفاد منها الأخوان كثيرا في المنطقة، هي وصول الإسلاميين إلى السلطة في الدول المجاورة لمصر، ففي تونس تمكنت النهضة من حسم أمورها، وفي المغرب وصلت حكومة إسلامية، وفي الأردن ثمة اتجاه لاحتواء الإسلاميين عبر دعوتهم للانضمام إلى الحكومة، وفي ليبيا أعلن عبد الجليل في خطاب التحرير أن ليبيا ستطبق الشريعة، وفي السودان ثمة حكومة إسلامية كانت تعاني ما تعاني من خطر السقوط، قبل أن يأتي هذا الربيع الذي قد يمدها بأسباب البقاء بعد وصول حلفائها العرب إلى السلطة، وفي سورية ثمة ضغط ما إما لاحتواء الإسلاميين بتقاسم السلطة مع النظام الحالي، أو سقوط النظام الذي سيحصد ثمنه الإسلاميين حتما، ويضاف لذلك كله اتجاه المصالحة الفلسطينية نحو خواتيمها وهو ما ستحصد الحركات الإسلامية نتائجه كاملة.

أمام هذا الواقع، يبدو أن العلمانيين والليبراليين وخصوم الحركات الإسلامية، سيغدون بين فكي السلطة الإسلامية بقوانينها التي تحرم عليهم العمل، وبين محيط عربي يرفضهم ولا يقبلهم، وبين خارج وضع كافة بيضه في السلة الإسلامية، مما يعني عدم وجود بلدان يلجؤون إليها حال وصل خصامهم مع الإسلاميين إلى نقطة اللاعودة، ليصبحوا محاصرين بين فكي الصمت أو السجن والقتل.

أمام هذا الواقع، قد تنشأ مصلحة بين العلمانيين واليسار والمجلس العسكري الذي سيعمل جاهدا على عدم التخلي عن مكتسباته لصالح المد الإسلامي، مما قد ينذر باحتمال الوصول إلى مواجهة ستبقى صامتة بفعل التوازن الأمريكي الذي يضع الأخوان والعسكر بين جناحيه، ليغدو العلمانيين مجرد ضحية بين الطرفين، إلا إن كان المجتمع المصري يختزن قوى تنويرية قادرة على رفض وجودها، خاصة أن قوى الثورة الأساسية تعمل للملمة قواها، وهذا ما قد تثبته تطورات الأعوام القادمة.

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !