خلجات الإنسان بين الحب والعداوة -
يتشكل الإطار الأكبر في صورة الإنسان بسلوكيات العدائية منذ حادثة قتل ابن ادم الأول، فأصبح يتجمل بوجه يخفي نوازع الغدر والتسلط, مستكيناً مسالماً حتى يتمكن من أدوات الجريمة الأولى , التي لم تنقطع شرايينها الممتدة على جسد هذا الكوكب, يقول الله تعالى (فإذا فرغت فانصب), أي إذا فرغت من أمور الدنيا وأشغالها فجد في العبادة كما جاء في تفسير بن كثير, ولكن هذا المخلوق غالباً ما يقع ضحية حساباته الخاطئة, فانصب في معاداة الإنسان وإقصائه, وأصبحت تيارات العداوة وسمومها هي القاعدة, وتفرع منها استثناءات الحب والتسامح كسياقات ضيقة.
إن مسار الإنسان في هذه الحياة, يجب أن يتوسط بين خلقين ذميمين, كالظلم والهوان, والقسوة والضعف, على منهج الوسطية التي برزت في حقب زمنية متقطعة, وأكمل تلك الفترات وأتمها أتى في عهد سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم, وعهد الخلفاء الراشدين، الذي ساد فيه العدل الإلهي, وأرسى دولة مؤسسة على أصول الحرية, والعدل والمساواة, والقسط والإخاء, وجعلت ركائز حكومتها بشورى العقول لا بقرع الطبول.
ولكن جنوح الإنسان وجناياته الغالبة على مسيرته التاريخية, عادتاً ما تأتي به على خلط الصحيح بالباطل, فتلذذ قولا وعملا في هدر حقوق غيره, معتقداً إنه النصر وكمال المكانة, حتى يصور للمتأمل في واقع البشرية أن السلام ضيف غريب, والحرب فيها الأصل.
يقول المؤرخ أرنولد تويبي, إن البشرية عرفت 4552 سنة قتال, بينما لم تعرف إلا 243 سنة سلام أو وقف إطلاق للنار.
وعليه نستطيع القول إن عصور الظلم في الحياة البشرية تغلبت على عصور العدل والمحبة, وأصبح هذا الكائن الحي مجبول على عداء الآخر, وإقصاءه حبا للتملك وميلاً للسيطرة.
ولمسايرة تحولات العصر والمكان, تبدلت الجريمة الصارخة, إلى ما يسمى بالجريمة الخلاقة, التي تقل عن الأولى استفزازاً للجوارح, وتزيد عنها تأثيراً.
ومع ذلك حري بعناصر المجتمع الفعالة في ظل هذا الواقع المتردي للامة ان تعمل على احياء بواعث الامل المتوفرة، جازمين أن الصبح قريب فالمحن هي منح المؤمن وميدان سباق المنتصرين.
طالب فداع الشريم
التعليقات (0)