مواضيع اليوم

الدكتور عبد الهادي بوطالب ,من أعلام الفكر والسياسة

مبارك الرقيبي

2009-12-18 23:11:41

0

 برحيله فقد المغرب أحد أبرز الرجال الذين استطاعوا أن يجمعوا بين الدين والأدب والسياسة وساهموا في تشكيل تاريخ المغرب المعاصر، سواء خلال مرحلة الكفاح الوطني ضد الاستعمار الفرنسي، أو بعد الاستقلال، حيث استطاع أن يترك بصمة خاصة حافظت لـ"جامع الدين والسياسة" على علاقات مقبولة مع الجميع، حتى معارضي النظام السياسي الذي كان أحد مستشاريه.

إنه عبد الهادي بوطالب، السياسي المخضرم والأديب والمفكر المغربي الذي وافته المنية مساء الأربعاء 16-12-2009 بالرباط عن عمر يناهز 86 عاما بعد صراع طويل مع المرض، مخلفا صدى طيبا لدى الكثير من المثقفين والمفكرين والسياسيين المغاربة، الذين يعترفون للراحل بنزاهته وصدقه، وتشبثه بمبادئه، حتى في أصعب الفترات من تاريخ المغرب.

ولد بوطالب بمدينة فاس المغربية عام 1923 لعائلة عريقة نشأ فيها على النضال والمقاومة، وتخرج عام 1943 من جامعة القرويين، وحصل على الدكتوراه في الشريعة وأصول الفقه، كما حصل على الدكتوراه في الحقوق تخصص القانون الدستوري.

تشبع الفقيد بالفكر الديني الإسلامي في المرحلة الأولى من عمره، إذ حفظ القرآن الكريم ودرس الشريعة وأصول الفقه والعلوم الدينية الأخرى في أروقة جامع القرويين، وعام 1948 كان من بين المؤسسين لحزب الشورى والاستقلال، وعضوا للمكتب السياسي لهذا الحزب منذ تأسيسه إلى سنة 1959، وخلال هذه المدة عمل رئيسا لتحرير جريدة "الرأي العام".

وفي عام 1951 شارك الراحل في الوفد المغربي الذي عرض قضية استقلال المغرب في إطار اجتماع الأمم المتحدة المنعقد في باريس، كما كان أحد الذين تزعموا مقاومة الاستعمار الفرنسي إثر نفي ملك المغرب آنذاك "محمد الخامس" إلى مدغشقر وكورسيكا، وأمام نشاطه وضعته سلطات الحماية الفرنسية تحت الإقامة الإجبارية في الدار البيضاء من أغسطس 1953 إلى فبراير 1954.

"رجل السياسة"

ثقافة بوطالب وتفوقه العلمي إلى جانب نضاله السياسي أهلوه إلى أن ينتقل من قاعات الجامعات وساحات النضال إلى دواليب الدولة ومراكز القرار السياسي ليصبح مستشارا للملك الراحل الحسن الثاني خلال الفترة ما بين 1976-1978 ثم ما بين 1992 - 1996، وذلك بعد أن عمل سابقا أستاذا له ولابنه الملك الحالي محمد السادس بالمعهد الملكي بالرباط.

وتقلد الراحل عدة مناصب وزارية، كوزارة الإعلام والشباب والرياضة والعدل والتربية والتعليم والخارجية، وعمل سفيرا للمغرب في بيروت ودمشق واشنطن والمكسيك، كما ترأس البرلمان المغربي عام 1970.

وتميزت علاقة بوطالب بالملك الحسن الثاني -بحسب المتتبعين- بالشد والجذب تحكم فيها مزاجهما الصعب، ورغم ذلك جعله الملك ضمن الدائرة المقربة إليه، وأسند إليه أدوارا سياسية دقيقة ودبلوماسية، سواء في الداخل والخارج، دون أن ينجو من فترات غضب ملكي، كانت تطول أحيانا ثم تنتهي بالصفح عنه وإعادته إلى واجهة الأحداث، كما صرح هو نفسه لفضائية الجزيرة في برنامج "شاهد على العصر".

وكان الرجل شاهدا على لحظات من أصعب الفترات السياسية التي عرفها المغرب الحديث، بدءا من الاستقلال ومشاركاته في مفاوضات "إكس ليبان" التي انتهى بموجبها الاستعمار الفرنسي للمغرب مقابل استقلال رآه البعض منقوصا، أو من خلال مشاركته في أول حكومة مغربية بعد الاستقلال كوزير للشغل والشئون الاجتماعية، أو شهادته على الصراع بين المعارضة والنظام على طبيعة مغرب ما بعد الاستقلال، أو معاصرته لمحاولات الانقلابات العسكرية بداية السبعينيات من القرن الماضي، وغيرها من الأحداث المهمة التي عاصرها الرجل وكان طرفا فاعلا فيها أو شاهدا ومراقبا لها.

مناصب دولية

وبحسب المتتبعين للصراعات داخل دواليب السلطة خلال العقود الأربعة التي تلت الاستقلال فإن بوطالب رفض الكثير من الإملاءات والأوامر، وشكل نموذجا متميزا لعلاقة المثقف بالسلطة، حيث لم يتنازل عن أفكاره ومبادئه، فقد اعتذر مرات عن المشاركة في مناصب سياسية مختلفة، كرفضه مناصب في: مجلس الدستور والحكومة التي خلفت حكومة عبد الله إبراهيم إبان الاستقلال، ورفض ترشيح نفسه لولاية جديدة على رأس برلمان 1970.

أما عن علاقته بالملك الحالي للمغرب محمد السادس فإن عبد الهادي بوطالب أكد في تصريحاته أنه (الملك) عرض عليه العمل مستشارا لكنه رفض، مفضلا الخلو للتأليف والكتابة والثقافة والفكر، رغم أن المراقبين أكدوا لجوء صناع القرار إليه للاستشارة في كثير من قضايا مغرب "العهد الجديد".

وبالإضافة إلى تقلده العديد من المناصب في الدولة المغربية أصبح في مايو 1982 مديرا عاما للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، وحصل في نفس العام على العضوية في المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية (مؤسسة آل البيت) بالمملكة الأردنية، وعلى العضوية بأكاديمية المملكة المغربية، وفي نوفمبر 1983 أصبح الراحل نائبا لرئيس اللجنة الدولية للحفاظ على التراث الحضاري الإسلامي.

كما ترشح لعدد من الأوسمة ونال عددا من الجوائز، من بينها جائزة الاستحقاق الكبرى للمملكة المغربية (مارس 1990) وتوشيحه سنة 2002 بوسام الاستقلال الأردني.

وبعد خروج بوطالب من دواليب السلطة استعاد دوره ومكانته في الجامعة المغربية والمنتديات الثقافية، إذ ألقى مجموعة من المحاضرات والدروس الافتتاحية في العديد من الجامعات، كما كان ضيفا على العديد من البرامج الحوارية في القنوات الأجنبية والعربية، وهي البرامج، التي كشف فيها عن الكثير من الحقائق والأحداث التي عاصرها.

"بوطالب المفكر"

بوطالب السياسي لم يطغ على بوطالب المفكر والأديب، إذ استطاع الفقيد أن يجمع بينهما ويحافظ على المفكر في داخله، فاستمر في التأليف والكتابة، وعرف بالمثقف والمفكر في أوساط المثقفين والأدباء بقدر ما عرف بالسياسي ورجل الدولة في أوساط السياسيين والمناضلين.

وأصدر بوطالب العديد من المؤلفات التي ناهزت الستين كتابا، في مختلف المجالات، في السياسة والفكر الإسلامي والقانون والأدب، باللغتين العربية والفرنسية، وترجم بعضها إلى اللغتين الإنجليزية والإسبانية.

ومن بين مؤلفاته التي بلغت نحو 58:

في الرواية التاريخية والمرأة:

- وزير غرناطة لسان الدين ابن الخطيب.

- حقوق الأسرة وتحرير المرأة.

في السياسة والقانون:

- بين القومية العربية والتضامن الإسلامي.

- المرجع في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية (جزءان).

- نظرات في القضية العربية (باللغتين العربية والفرنسية).

- بين القومية العربية والجامعة الإسلامية.

- النظم السياسية المعاصرة (باللغتين العربية والفرنسية).

- النظم السياسية في العالم الثالث.

- ملامح الدبلوماسية العالمية في القرن الواحد والعشرين (باللغتين العربية والفرنسية).

- الحكم والسلطة والدولة في الإسلام (باللغتين العربية والفرنسية).

- مسار الدبلوماسية العالمية ودبلوماسية القرن الواحد والعشرين (2004)

في اللغة

- معجم تصحيح لغة الإعلام العربي (2002).

- الحقوق اللغوية - حق اللغة في الوجود والبقاء، والتطور والنماء، والوحدة (2003)

في الفكر الإسلامي

- الصحوة الإسلامية.

- العالم الإسلامي والنظام العالمي الجديد (باللغتين العربية والفرنسية).

- بين الشريعة والفقه والقانون.

- بين الشورى والديمقراطية.

- حقيقة الإسلام.

- لكي نفهم الإسلام أحسن.

- "Pour mieux comprendre lIslam" (باللغة الفرنسية 2001).

- من قضايا الإسلام المعاصر- الكتاب الأول (2003)

- من قضايا الإسلام المعاصر - الكتاب الثاني (2004)

في العولمة

- في نقد العولمة: العالم ليس سلعة (2001).

- نحو عولمة أخرى أكثر عدلا وإنسانية (2004)

- لا لأمركة العالم (2005).

ومن المتفرقات:

- ذكريات وشهادات ووجوه (حلقات من مذكراته).

- نصف قرن في السياسة (2001).
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات