لقد أودع الله تعالى صفة "النسيان" في النفس البشرية، ويقال أن تسميته إنسان تعود لكثرة نسيانه، ولهذه الصفة وجهان أحدهما نعمة والآخر نقمة، ومن هنا نجد أن الجماعات الإنسانية لم تتمكن من حفظ التجارب والدروس عبر الحقب الزمنية، والعصور المتلاحقة, وبالتالي أصبح العامل المشترك في عدم الاستقرار السياسي للدول المتعاقبة حاضراً في محطات التاريخ المتصلة بالتجربة الإنسانية، نتيجة سيطرة الجانب المظلم على هذه النعمة, وتقديم الرغبات الخاصة على العامة, وقصور الرؤية في السياسات التي يجب أن تكفل تحقيق كرامة الإنسان العربي التي يستحقها دون منّة من إنسان مثله, وكأن الناس لا يتعظون بالتاريخ, ولا الأمم فهمت ما جرى للسابقين, فوقعت في نفس الأخطاء المرة تتلوها الأخرى.
فمنذ عهد الدولة الأموية (٤١-١٣٢هـ / 661-750م)، مروراً بالدولة العباسية، ثم حكم المماليك بعد الأيوبيين، التي استمرت دولتهم تحكم باسم العباسيين حتى عام ١٥١٧م، ولكن الحكم الفعلي كان بأيديهم، وخرجت الأندلس من العالم الإسلامي نهائياً عام ١٤٩٢م، وبدأت دولة العثمانيين في تركيا (٦٩٩-١٣٤٣هـ)، وورثت العالم الإسلامي بعدما قضت على دولة المماليك، والنهايات تتكرر, وأسباب السقوط حتمية كلما تم الابتعاد عن التشريع الرباني.
أما في العالم الإسلامي المعاصر فقد تنوعت أنظمة الحكم في الأقطار الإسلامية وتفاوتت في مدى التزامها بالعقيدة الإسلامية والشريعة السمحة كمصدر وحيد أو أساسي للحكم والتشريع، مما أضعفت منعتها وصمودها، وبالتالي أصبحت كيانات هلامية هشة، كـ قاعات محكمة الإغلاق تتوسط كل منها حاويات غاز ضخمة كساها الصدأ من كل جانب، لأدنى هزه تكون أقرب للانفجار منها للاستقرار.
وما يحدث على المسرح السياسي العربي هذه الأيام من سقوط حكومات، واضطرابات، وأعمال شغب، في تونس، والجزائر، واليمن، ومصر، والاحتلال المرير والمفجع لدولة عظيمة كالعراق في بدايات هذا القرن، هي نذر شؤم على الأمة العربية والإسلامية، وتكرار تاريخي لإنجازات السقوط المدوية.
إن هرولة الأمم العربية في إدارة شؤونها كـ الفراشات التي تتسابق إلى السقوط في حضن النار وهي تحسبه نور.
فالحدود الموضوعية، والبشرية، والمكانية، والزمانية، هي نفسها، فأخطاء الساسة مستمر، والإنسان لم يتعظ، والمسرح أرضنا العربية، والزمان متصل, فقلي بربك ألا يستحق التاريخ أن يكون عظة لمن لا يتعظ ؟.
طالب فداع الشريم
التعليقات (0)