مواضيع اليوم

وفاة حسين بازرعة .. ملعون أبوكي بلد

مصـعـب المشـرّف

2017-06-14 11:18:57

0

 وفاة حسين بازرعة .. ملعون أبوكي بلد

 

مصعب المشرّف

14 يونيو 2017م


قلت لها والحزن يلفني:

-       مات الشاعر حسين بازرعة.

قالت لي:

-       رحمه الله رحمة واسعة في هذا الشهر الفضيل وأسكنه فسيح جناته..

قلت معقباً:

-       آآميـــن وألهم آله وذويه وكل سوداني شريف الصبر والسلوان.

لفنا الصمت برهة ثم قالت:

-       أين توفى ؟ في لندن أم رويال كير؟

أجبتها :

-   لا هذا ولا ذاك ..... توفي داخل عنبر مظلم ؛ رطب متهالك الجدران والنوافذ والأبواب ، في مستشفى أمدرمان.

قفزت من مقعدها كأنما لدغتها حية من هول الصدمة وقالت مستنكرة:

-       حسين بازرعة الشاعر ؟ .... داخل عنبر متهالك ؟ ...... في مستشفى أمدرمان؟

قلت لها وقد أصابني الحزن والأسى ببرود إستثنائي:

-   هكذا يموت الشعراء والمبدعين في بلادنا .... سبقه إلى جوار ربه بذات الحال التجاني يوسف بشير و جماع وغيرهم كثر.

إنه الإهمال في هذا البلد العجيب ، الذي لايحتفي سوى بالسماسرة ولصوص المال العام والزكاة والصدقات والأوقاف وصناديق النذور . والمهربين وتجار السلاح وغاسلي الأموال ... والمتاجرين بالدولار والمرابين بإسم الدين...... وفي معيتهم المنافقين والجرذان والثعالب ؛ والغربان والأذناب .... وكل من أفسد في الأرض وجاس خلال الديار ......... ملعون أبوكي بلــد.


في برنامج إستثنائي قدمته (مشكورة) فضائية سودانية 24 . جاء ملفتاً مثير للإنتباه . أحرزت به القناة قصب السبق رغم أنه جرى الإعداد له على عجل .... حاول البرنامج المشار إليه المرور سريعاً على جوانب رئيسية بارزة للسطح من سيرة الشاعر السوداني الراحل حسين سعيد بازرعة .....

ولم يكن هناك مناص من أن يتصل البرنامح بحفيد للشاعر كي يتقبل من القناة العزاء ... وحين كان البرنامج يتلقى تعقيب الحفيد على الهواء فقد إتضح من ثنايا حديثه التالي:


1)أن المرحوم حسين بازرعة أصيب منذ سبع سنوات بجلطة في الدماغ ، أقعدته عن الحركة والنطق .


2)   أن المرحوم حسين بازرعة لم يجد حوله طوال هذه المدة سوى أقاربه.


3)أن المرحوم حسين بازرعة لم يكن يمتلك من الأموال ما يغطي مصاريف وتكاليف علاجه على النحو المطلوب . وبذلك فقد طاله الإهمال داخل مستشفى أمدرمان الحكومي ؛ الذي يفتقر لأدنى متطلبات مستشفى في دولة أفريقية فاشلة ... وفي ظل قناعات وزير صحة ولائي لا يؤمن بمسئولية الدولة عن علاج مواطنيها... ويعتبر الأوبئة رفاهية.


4)أن عائلة المرحوم حسين بازرعة قد طرقت أبواب المسئولين عامة ؛ ومكتب رئاسة الجمهورية خاصة ؛ فلم تجد سوى مواعيد عرقوب المعسولة.

 

5)لم يتطرق الحفيد للحديث عن إتحاد الموسيقيين والفنانين وروابط الشعراء . فأمثال هؤلاء هم أنفسهم طافحون الكوتة ، ويعانون الأمرّين من إهمال الدولة ... أو أن الدولة تعطي أموالاً نقدية رمزية  لأفراد بعينهم في إدارة هذه المؤسسات . ولا تحاسبهم أين وضعوها أو أنفقوها أو ما إذا كانوا قد  إبتلعوها.


وتلقى البرنامج إتصالاً هاتفياً من الشاعر إسحق الحلنقي متعه الله بالعافية .. وقد كان حديث الحلنقي يقطر حزناً وألماً على الحال الذي كان عليه المرحوم حسين بازرعة في أيام مرضه وطريحاً لفراش العنابر في مستشفى أمدرمان الحكومي ؛ الذي لا تحتفي به سوى القطط والهوام والجعارين والزواحف .... وقد أكد الحلنقي أن الشاعر بازرعه قد تعرض لإهمال شديد .. وأنه لم يتلقى الرعاية الكافية لضيق ذات اليد ... وأنه لم يجد من يذهب معه لزيارته في المستشفى .... وكيف يجد أو يتوقع الحلنقي أن يرافقه أحد من الشعراء وأهل الثقافة والفنون لزيارة مريض في عنبر داخل مستشفى أمدرمان .. مستشفى الأشباح والموت المحقق!


واقع الأمر فإن رئاسة الجمهورية على نحو خاص لايمكنها الإدعاء بنقص الأموال وعدم الإمكانيات ... فقد عرف عنها أنها تمنح المظاريف المتخمة بالأموال لكثير ممن لا يستحق على مدى 27 عام ....

ففي تاريخ سابق منحت رئاسة الجمهوية 40 سيارة يابانية الصنع ؛ وملايين نقداً حلالاً بلالاً لفريق منتخب مصر التي ما لبثت أن أرسلت لنا مدرعات ودبابات لقتلنا في شرق وشمال وجنوب دارفور .. وحرضت على عدم رفع العقوبات الأمريكية عن البلاد .... ولا تزال تكيد وتقدح ذهنها للإنفراد بالسودان ، وتعطيل التنمية فيه ، ومنع الإستثمارات عنه... وتواصل التهديد بالحرب وتخريب منجزات التنمية في البلاد على طريقة "يا فيها يا أطفيها".


ثم أن رئاسة الجمهورية مررت نصابة أوروبية شمطاء تحمل قميص مزور للاعب الكرة الأرجنتيني ميسي ، وأدخلتها إلى مكتب رئيس الجمهورية . وأهدته القميص بزعم تضامن ميسي معه في مواجهة مذكرة الجنائية الدولية .. وقبضت الشمطاء نظير ذلك أكثر من مليون دولار ..... وهاج ميسي في برشلونة وماج وجاء حديثه سلباً وخصماً على رئيس الجمهورية .. ولكننا رأيناه سكت وتناسى .. ولا ندري هل ملأت له هذه النصابة فمه بحفنة من أموال الخرطوم .. أم أنه صرف نظر عن موضوع رأى أنه لا يستحق أن يرهق نفسه لأجله؟


كذلك لا تستطيع خزينة الدولة أن تدعي الإفلاس والشعب يسمع ليل نهار عن فضائح بإختلاسات وتجاوزات ونهب لعشرات الملايين من الدولارات بدون خوف ملاحقات أو محسابة.


وكذلك نرى الدولة تختلق الوظائف والعضوية للعائدين من خصومها حملة السلاح شاملاً كافة الإمتيازات ...  


ونرى الدولة اليوم والناس من حولها يضجون من حجم الأموال التي تنفقها لعلاج الدستوريين وعائلاتهم خارج السودان ... وأن أحدهم إذا إشتكى من الشخير سارعوا به إلى رويال كير.


وطالما كان الأمر كذلك مع من كان معظمهم نكرات لا يعرفهم المواطن ولم يسمع بهم أو يسعد وجدانه بإنتاجهم ....  أفلا يهم الدولة عامة ورئاسة الجمهورية خاصة أن تقبل بوجهها نحو الإهتمام والرعاية بمبدعين جعلوا من أنفسهم ثراءاً حضارياً للأمة .... وإضاءات وساحات لإسعاد الآخرين . فأحبهم الناس وملأت شهرتهم الآفاق؟


الطريف أنك تلاحظ أن العديد من ناشطي الشبكة العنكبوتية يظنون أن المرحوم الشاعر حسين بازرعة كان من الأثرياء والميسورين ..... ورحم الله من قال (الصيت ولا الغنى) .. ويبدو أن ذلك "الصيت" والأضواء والنجومية التي تتحقق للشعراء  والمبدعين تعطي الآخرين الإنطباع بأنهم أثرياء ومرتاحين .....

وربما كان الجاهل والأمي والبسيط معذورا في هذا المذهب .. ولكن لا مبرر للمثقف أن يجنح ويشطح في إنطباعاته عن الشعراء والأدباء على هذا النحو الخطأ .... و99% من السيرة الذاتية لهؤلاء تؤكد إصابتهم بما يعرف بـ "حُـرفة الأدب" ؛ حتى لتكاد تلتصق بهم كإلتصاق الجلد بالهيكل العظمي.

المرحوم حسين بازرعة من خلال الصور القديمة التي كانت تملأ الصحف والمجلات في عصره الذهبي ، وثنائيته مع المطرب الراحل عثمان حسين . كانت تلك الصور تعكس وجها مشرقا وسيما صبوحاً ؛ جمع ما بين الحضرمي والسوداني .... وتميز بأناقة متأصلة في المزاج الشخصي ..... وجميع هذه المظاهر تعطيك بالفعل الإنطباعً بأنه كان من ضمن أثرى أثرياء السودان.

ولكن واقع حسين بازرعة المالي كان على العكس مما يظنه هؤلاء البعض الذين قالوا عنه أنه كان ثريا ميسور الحال .... فهو لأسباب نشاطه السياسي لم يستطع إكمال دراسته الثانوية .. وقد كان عدم حصوله على هذه الشهادة أثره في إغلاق أبواب الوظيفة التي تدر راتباً محترما أمامه (في ذلك الزمان) ... ولم يجد سوى العودة من مدرسة وادي سيدنا للعمل في مكتب تخليص متواضع في ميناء بورتسودان ... ولم يتمكن حتى من تدبير أموال للزواج من الفتاة التي أحبها وأرادها شريكة لحياته .. ثم هاجر بعد أن ضاقت به تكاليف الحياة للعمل في مدينة جدة بالسعودية .. وظل بها حتى أدرك سن المعاش ؛ ووهن منه العظم وإشتعل الرأس شيبا .. فما وجد من بد سوى العودة إلى رحاب الوطن حيث أصيب بالجلطة التي أقعدته ؛ وحالت بينه وبين الكلام .. ولكنه ظل في رعاية وكفالة عائلته التي لم تبخل عليه . وظل أحفاده أبناء شقيقاته من حوله حتى وفاته ؛ مما يدل على أنه كان خلوقا طيب المعشر. حنيناً باراً بأهله في صغره وأيام عافيته .....

اللهم أرحمه وأحسن إليه .. وقد كان لوفاته في هذا الشهر المبارك العزاء والسلوى لمحبيه ومعجبيه . ولجميع الحادبين على ثقافة وحضارة السودان التي ستبقى عبر العصور كما بقيت سيرة بعانخي وترهاقا .. وأما الزبد من السماسرة ولصوص المال العام .. وغيرهم من اللصوص ورواد المال الحرام فيذهب جفاء.

اللهم أرحم شاعرنا حسين بازرعة وقد إخترته إلى جوارك الكريم في هذا الشهر المبارك الكريم .... شهر المغفرة والتوبة والرحمة ... والنجاة من الدجال وعذاب القبر ... والعتق من النار.     




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات