مواضيع اليوم

هل يدحض التاريخ شبهات المستشرقين في قضية حرق المصاحف؟

مدونة علوم

2018-03-15 15:24:06

0

 

هناك الكثر من الأسئلة التي تطرح في أوروبا والدول الغربية حول الإسلام خصوصا مع موجة الهجرة الأخيرة ونوعية الأسئلة والقضايا المطروحة للنقاش حول الإسلام أصبحت متكررة وتقليدية: هل إنتشر الإسلام بالسيف؟, قضية الميراث في الإسلام, شهادة المرأة في الإسلام وحتى قضية حرق سيدنا عثمان رضي الله عنه للمصاحف هي مسائل يتم نقاشها بإستمرار. أسباب ذالك قد تنقسم إلى قسمين: الأول هو أن المسلمين وقياداتهم في الدول الغربية والأوروبية لم يقدموا إجابات مقنعة لأنهم إستندوا على النصوص الدينية والتراثية بدون أي خلفية تاريخية, والسبب الثاني هو الطرف الأخر لايريد ان يسمع ولا يريد أن يتحاور. المسألة هي برأي الشخصي تعود للسبب الأول أكثر منها للثاني لأن المسلمين وقياداتهم ورموزهم في الدول الغربية لم يكونوا قدوة أمام الإعلام الغربي بأي شكل من الأشكال وتكرار التصرفات الفردية من قبل أفراد مسلمين وقيادات إسلامية يجعل تلك التصرفات تخرج من دائرة الفردية إلى دائرة العمومية وتكون صورة نمطية من الصعب تغييرها بعد ذالك.

بالنسبة للنصوص الدينية عند المسلمين فبعد القرآن الكريم وهو منزل من الوحي ومتكفل بحفظه من الله تعالى, هناك كتب الأحاديث وعلى رأسها الستة الصحاح خصوصا البخاري ومسلم والتي تحتل مكانة رفيعة عند الأصولية الإسلامية التي لا تقبل نقدا أو تشكيكا في أي نص ورد في الكتابين وتعتبر ذالك يرتقي لمرتبة الكفر-الخروج من الملة لأنه إنكار للوحي. الله تكفل بحفظ كتابه "القرآن" ولم يتكفل بحفظ كتب الأحاديث التي هي نتاج مجهود بشري بحت تم تدوينها سنين طويلة بعد وفاة الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام ولذالك فالمزاعم بأنها لاتقبل التشكيك أو النقد مغالطة كلفتنا الكثير. فكتب الحديث في النهاية نصوص معرضة لأهواء البشر المتقلبة وقابلة للنقد والتشكيك خصوصا إذا ما تعارضت من النصوص القرأنية. وعند البحث عن النسخ الأصلية لكتاب البخاري ومسلم, لا نجد مخطوطة واحدة أصلية أو نسخة كاملة بخط يد الكاتب حيث من الممكن مقارنتها مع النسخ التي تباع في الأسواق ولا يتم طباعتها من جهة محددة كالقرأن الكريم حيث لايوجد نسخة من القرأن أو طبعة منه لا تتم مراجعتها على الأقل من قبل الهيئات الدينية في السعودية ومصر وسوريا والدولة التي تقوم بالطباعة إن لم تكن من ضمن البلدان الثلاثة السابقة. كما ان وجود مجرد خطأ مطبعي في أي نسخة من القرأن تعرض المسؤولين عن طباعتها للمسائلة والإتهام بالإهمال ويتم سحب جميع النسخ وفورا من الأسواق والمساجد ويتم إصدار تعميم بتسليم تلك النسخة للهيئة الدينية أو دور النشر التي قامت بطباعتها. وفي النهاية نجد أنفسنا في موقف ضعيف من الناحية التاريخية للدفاع عن مصداقية كتب الأحاديث وهالة القدسية التي أحيطت بها وذالك عند البحث في تاريخ المخطوطات المسيحية التي تألف منها الكتاب المقدس. فأحدث المخطوطات التي يتكون منها الكتاب المقدس تعود إلى فترة 300ب.م - 400ب.م وهي المخطوطة السينائية(Codex Sinaiticus) والمخطوطة الفاتيكانية(Codex Vaticanus). أقدم نسخ البخاري ومسلم تعود إلى 300-400 سنة بعد كتابة النسخة الأصلية لكل منهما بما يجعل التشكيك في المصداقية التاريخة للكتابين عملية ليست مستحيلة.

التخلص من العاطفة في دفاعنا عن مصداقية النصوص الدينية أمر لا بد منه حتى نتمكن من إفساح المجال أمام التاريخ لتقديم حججه وبراهينه. قضية حرق سيدنا عثمان رضي الله عنه للمصاحف هي أحد تلك القضايا التي تعرضت لسوء الفهم بسبب تغليب العاطفة الدينية وقدسية النص القرأني وهو أمر لا تفهمه الأطراف الأخرى في النقاش والتي تغلب عليها عاطفتها الدينية الخاصة بها سواء كانت مسيحية أو يهودية أو حتى الإلحاد والذي تحول في الفترة الأخيرة إلى نوع من الدين أو المذهب(Cult). هناك فرق شاسع من الناحية التاريخية بين القرأن الكريم والكتاب المقدس خصوصا فترة التنزيل والتي كانت بالتأكيد أقصر في الحالة الأولى منها في الثانية التي إمتدت لألاف السنين بالإضافة إلى عدم وجود مرجعية موحدة في الحالة الثانية كما هو القرأن الكريم حيث كان الرسول عليه الصلاة والسلام هو المرجعية في حياته بالإضافة إلى وجود من كان يحفظ القرأن عن ظهر قلب من ألاف الصحابة ووجود مخطوطات أصلية كتبت وحفظت من أيام الرسول عليه الصلاة والسلام. وهناك فرق أخر مهم وهو أن القرأن لا يقبل التعبد به باللهجات المحلية أو الأجنبية كما هو الحال مع الكتاب المقدس الذي يقرأ في الكنائس باللهجات المحلية كالإنجليزية بلهجاتها المختلفة والفرنسية والألمانية ووجود عدد من الطبعات المختلفة من الكتاب المقدس والتي تباع في الأسواق مع وجود إختلافات جذرية وأساسية في بعض النصوص. القرأن الكريم تنزل على الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام بلهجة أهل قريش ويكتب بلهجتهم ويقرأ بلسانهم ولا يقبل التعبد به أو قرأئته في الصلاة إلا بتلك الشروط, فلن تجد باكستانيا يقرأن القرأن بلغة الأوردو أو أفغانيا بلغة البتشون بل يحاولون قرائته ويبذلون جهدهم في ذالك باللغة العربية التي كتب بها. بل وإشترط بعض المشايخ والعلماء لتأهيل رجل الدين المسلم أن يكون ليس فقط حافظا للقرأن وأحكامه بل ملما باللغة العربية وقواعدها وذالك من فرط الإهتمام باللغة التي تنزل بها القرآن الكريم. الخليفة عثمان إبن عفان رضي الله عنه أحرق نسخ القرأن التي كانت تكتب باللهجات المحلية وليس بلسان قريش كما تنزل به الوحي خصوصا بعد دخول الإسلام الكثير من البلدان التي في لسان أهلها عجمة فكان ينسخون القرأن على حال لسان عجمتهم فظهرت الأخطاء اللحن في النسخ فجمعت وحرقت وكذالك كان هناك نسخ من القرأن خاصة بكبار الصحابة فجمعوها وحرقت بحضورهم وتم كتابة نسخة واحدة وهي كانت النسخة المعتمدة.

المثير للدهشة أنه عند نقاش تلك المسألة مع مواطن أوروبي قد يكون معتنقا للمسيحية, يتمسك بأن عثمان رضي الله عنه قد حرق نسخ القرأن الكريم لإخفاء التحريف في أصل النص وتلك مغالطة تاريخية وكذب مفضوح. وفي هذه الحالة علينا أن نقوم بتذكير ذالك الشخص أن الإمبراطور الروماني قسطنطين الأول وإثر القرارات التي تم إتخاذها في مجمع نيقية 325م, قد أمر بحرق جميع نسخ الكتاب المقدس والكتابات التي تخالف ماتم الإتفاق عليه من قرارات المجمع المسكوني الأول في تاريخ الديانة المسيحية. كما علينا تذكيره بما كان يلي المجامع المسكونية من قرارات يتم إتخاذها بحرق كتاب الجماعات المسيحية المخالفة التي تدينها تلك المجامع وتتهمها بالهرطقة. كما أن التاريخ يحكي تاريخ الإضطرابات التي رافقت صعود الديانة المسيحية خصوصا مع الوثنيين حيث كان أتباع الديانة المسيحية يسارعون إلى طمس معالم كل ماهو وثني خصوصا الكتب والمخطوطات التي كانت تحرق والمكتبات يتم هدمها. حتى ان الكنيسة خلال فترة مظلمة من تاريخ أوروبا كانت تعاقب بالقتل حرقا كل من يمتلك نسخة من الكتاب المقدس من غير رجال الكهنوت ومن تسمح له الكنيسة بذالك, فلم يكن مسموحا إمتلاك الكتاب المقدس من قبل عامة الشعب.

مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

رابط الموضوع على مدونة علوم وثقافة ومعرفة

https://science-culture-knowledge.blogspot.com/2018/03/blog-post_15.html

الرجاء التكرم بالضغط على رابط الموضوع بعد الإنتهاء من قرائته لتسجيل زيارة للمدونة

النهاية


  




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !