مواضيع اليوم

قصتي معها .. رابح التيجاني

التيجاني رابح رابح

2019-04-04 20:39:25

0



قصتي معها -1 -.. رابح التيجاني


أعترف ، أمام الملأ ، وأنا في تمام وعيي وكامل قواي العقلية ومن غير

خضوع لأي تأثير أو ضغط أو إكراه وبدون قصد ولا غاية أو مصلحة أو

طمع في قضاء غرض أو تلبية نزوة بأني أعشقها ،أعشقها منسابة رشيقة

مموسقة منغومة شفافة لماحة عذبة رائقة طيعة معبرة مؤثرة جذابة خلابة

كاملة جامعة مانعة فاتنة بكل أوصافها وحالاتها أعشقها ، تركيبتها عجب

عجاب ، معادلة رياضية صحيحة تمام الصحة والعافية ، بنية كيماوية

فيزيائية مضبوطة بمنتهى الدقة والروعة والإنسجام ، سمفونية موزارية

بدون أدنى نقرة نشاز، وكيف لا أعشقها ، لست أدري كيف اكتسحت ودكت

حصوني وآليات دفاعي ومناعتي وغروري وحطت وبسطت هيمنتها

ونفوذها وأسلمتني إلى الرضى والاستسلام إزاء تراكم آيات الإعجاب

المتوالي عبر السنين و خضوعي إلى توالي تأثيثها لكل كياني ببهائها حتى لم

أعد أحتمل الفكاك من أسرها أو غض البصر وصرف الذهن عن غنجها

ودلالها، أعشقها ولا مفر من الإقرار بهذه الحالة التي لا أدري أنصر هي أم

هزيمة ، أعشقها ولا مناص من كشف هذا العشق المكشوف العصي عن

الكتمان والتستر ، ومتى كانت الأسرار أسرارا ، مايطبخ ليلا يفضخه النهار

وماتخفيه الجوانح ينفلت عبر اللسان ويشع من الأعين

.

أذكر بشغف وانتشاء أول لقاء لي معها وإن كان في الواقع ليس أول لقاء بل

أبقاه في ذاكرتي ، فلقاءاتي بها كانت منذ أمد بعيد ، كانت تسكن وجداني قبل

أن أسمع هسيسها وأتلمس حروفها ، كانت تتسرب عبر مسمعي نغيماتها

وإيقاعات نبضها قبل أن أكون مدركا لماهية الموسيقى ، أذكر وأنا بالفصل

المتشكل من جميلات المدرسة وأتقيائها ممن لا يمكن أن يشك في براءتهم و

وداعتهم وغفلتهم وعيونهم المغمضة وربما بلادتهم ، نستمع بإمعان لأستاذ

الفرنسية ، معشوقتي وساحرتي ، وكنت أكثر التلاميذ إصاخة للسمع وحملقة

في الأستاذ أود أن أتعلم مايعلمه عنها في أقل مايمكن من الوقت والجهد

والمعاناة ، وأمامنا بعد عامين امتحان الباكالوريا ، والمعشوقة لا تتحمل

الانتظار ، علي أن أبطر بها وأدخلها فاتحا قبل فوات الأوان، لابد من نصب

خطة محكمة ومدروسة لأتأبطها و أضعها في الجيب ، كذلك كنا نقول ،،

والأستاذ بعيونه الزرق وشوقه وإصراره على أن نهتم ولو قليلا بالمعشوقة

ينظر إلي فاتنات القسم ناصحا وموجها أما نحن فرؤوسنا صلدة كالحجر

ونظراتنا بلهاء لا يمكنه أن يفهم مغازيها ، وهل كان البله إلا وليد العشق يا

أستاذ ، الله يجيب اللي يفهمنا ومايعلمناش ومايعطيناش

،

قال لنا فيما قال ، من أراد منكم ، أراد ، فمناط العمل الارادة ، من أراد أن

يمتلك المعشوقة عليه أولا وقبل كل شيء أن يخلص لها ويهتم بها ويسبح

باسمها قبل نومه وأن يفتح عينيه على صورتها ويفطر بها على الريق وأن

لايدع فضاء تواجدت به إلا واقتحمه ولا قصة اختبأت بين سطورها إلا

وورقها ورقة ورقة بأناة وتمعن ، ولا يتركها إلا بعد أن يقضي وطره ويحقق

الفائدة والمتعة معا، كنا ننظر إلى بعضنا البعض وكأننا نقيس درجات فهم كل

واحد منا لبلاغته وإدراكنا لمقاصده ، ونعود لنظراتنا البلهاء وبلادتنا الجامدة

التي لا تحيد قيد أنملة عن مواقعها ولا تتزحزح إلا لترديد نعم نعم كلما جاءنا

السؤال المباغث ، هل فهمتم ، نعم نعم ، تعدينا الفهامة لهيه غير رخف علينا

، وتنتهي الحصة لنخرج بسلام إلى الزنقة .

لم تكن المعشوقة تغيب عن خيالي حتى خارج الفصل فإذا سألتني مثلا إلى

أين أنت ذاهب سأجيبك بسرعة شي موا ، أو هل فهمت ماقرأت سأرد بيان

سور كانت المعشوقة تقطر كالشهد من لساني بل تنبثق كالسحر عبر كل

كياني ، كم أنت رائعة أيتها الحبيبة ، وكم أنشغل في طريق عودتي وأنا أعبر

الشارع مخمورا بتعابيرها وأتلذذ بعناق أنوارها بعيني مرسومة على

واجهات المقاهي والمتاجر والمحلات وهي في تجلياتها لا تريك إلا أحلى

الأسماء وأبهى الأوصاف والمعاني وتنسيك أسماء الأحياء والدروب المفزعة

والمرعبة ، أسماء لا ترتبط إلا بما ينفرك ويوقظك ويقتلعك بوحشية من

 نشوة الرومانسية والأحلام

قال لنا أستاذنا إذا شئتم وصلا بليلى الفرنسية ، أدلكم لله وفي سبيل الله على

وصفة مجربة من أخذ بها أفلح ومن استهان بها فلا يلومن إلا نفسه ، هات

مالديك يا أستاذ ، عودوا إلى المعجم واحفظوا عشر كلمات كل يوم مثلا

وعشرة أفعال وعشرة نعوت وأوصاف وقليلا من أدوات الربط وما إليها من

المفردات الضرورية لربط الجمل والتراكيب ، ووظفوا هذه المختارات في

جما ذات معنى وهاتوا ماكتبتم لأصححه وأنقحه وستجدون أنفسكم بعد شهر

أو شهرين في مستوى المعشوقة وعلى قدر هائل من الاستعداد لمحادثتها

ومخاطبتها بل ومناجاتها و مغازلتها


قلت مع نفسي صدق الأستاذ والله إنها لحيلة نتحايل بها حتى ننالها فإذا اجتزنا

الامتحان تركناها وتركنا عذابها وتعذيبها


أكرم بها من فتوى مؤقتة بلا ضرر و نفعها ظاهر ، تأبطت القاموس

وخبطته على الطاولة وفتحته اعتباطا ، صادفت وصادفتني فجأة كلمة "

غرام " يا ألله ، فأل حسن ، بداية اقتحامنا للمعشوقة غرام ، ياسبحان الله ،

القلوب عند بعضها


grammeوبالمقابل الكلمة الفرنسية

 

عبرت القاموس طولا وعرضا أنتقي أليق الكلمات بالغرام من ورود

وموسيقى وطبيعة جميلة وشرعت في الكتابة بها وإليها


le gramme est le bourgeon de notre existence , la vie

sans gramme n'a pas de sens ,je me demande

comment comment peut-on vivre en l'absence de

gramme...

دخلت مزهوا للقسم ، ممتلئا بالخيلاء والعجرفة كالطاووس ، سأحصد

التصفيق من رفيقاتي ورفقائي وسأنال برافو وشابو وطري بيان وبون

كوراج من الأستاذ، القسم ثلاثة صفوف متراصة وبكل طاولة شخصان 

صفان لهن وصف لنا ، الخير كل الخير تبارك الله أحسن الخالقين ، ما

اشتكينا من ظلم أو طلبنا عدالة أو مساواة ، لم نكن نشعر بالغبن إطلاقا ، بل

على العكس كنا محظوظين ومحط معاملة تفضيلية مميزة ، لكن كان عليهم

أن يجعلوا الصف الأوسط للذكور حتى نحلق بأجنحتهن في سماوات الخيال

والهروب من رتابة الدرس الثقيل ،كيف ارتأوا أن يركنوا شرذمتنا بمحاذاة

الجدار الأيسرمتيمنين بأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال، بيني وبين

جارتي من اليمين برزخ أو بوغاز كالذي بين طنجة والجزيرة الخضراء لا

نعبره إلا سباحة في الهواء نتبادل الأوراق والإبتسام والأسئلة الكثيرة

والفارغة دائما ، الفتيات كن أنضج منا بأشواط ومراحل وأمهر في كل

الأمور في المواظبة والاهتمام والهندام والكلام والسلام وفي الغرام ، لله

درهن لاسيما وقد كنا جميعا ذكورا وإناثا في مأزق المراهقة الرهيب 

فيسروا لنا العبور وسهلوا أمورنا يسر الله أمورهم ، باختيارهم سياسة القرب

وحسن الجوار والاختلاط والتفاعل دون عقد ولا مركبات نقص ولا سوء

نيات وكنا والحمد لله قمة في الانسجام رغم الحروب الساخنة والباردة ، هذه

الحروب التي كنا دائما نحن مهزومين فيها قبل أن نخوض غمارها ، وكمثال

بسيط اندحارنا ونحن نردد أمام أستاذنا نصا من نصوص المعشوقة إذ يبدو

علينا الارتباك وتعترينا اللعثمة والتأتأة في حين كانت الواحدة منهن تنزل

كالرحمة على القلوب أو كالخمر في العروق وهي تكتفي بختم قراءتها بقولها

ميغسي

مالي وهذه السوداوية مادمت قد أنجزت ما أنجزت؟ قرأ الأستاذ ما كتبت

حدق في الورقة وفي عيني بدقة وفي كوكبة الفاتنات الشاخصات بأبصارهن

ولم بنبس ببنت شفة فقلت لنفسي لعلي أتيت منكرا أو تجاوزت حدود الحياء 

أو لعل الظنون لعبت برأسة فراح يكتشف من المقصودة بغرامي


بوف
boufمطط شفتيه

بوف
وألقى بالورقة على مكتبه ثم حملها من جديد كأنما تخوف من شيء ما

وقصدنى ببطء وهو يتملاني وأعاد بوفه دون أن يقدم لي رأيا أو يتكرم

بملاحظة أو استهزاء وسخرية فيتحرك القسم بفتيانه وفتياته نشاطا وحماسا

خارجين من صمتهم ودهشتهم وانتظارهم ، ترك الورقة أمامي وانصرف

معرضا عني ، ضحكت في قرارة نفسي مطمئنا بأن ماكتبته جميل وبأسلوب

شاعري ومعاني سامية ، هو لم يفهم وأنى له ذلك ، أنا أشد حبا للمعشوقة منه

بالرغم عنه ، وهو من أفتى علينا بما أفتى ، فماله يصدمني وكأنني أتيت

منكرا ، لعله يغار ، بعض الأساتذة لا يقبلون أن يتفوق تلامذتهم عليهم 

وتركنا الفصل ، جاء التلاميذ والتلميذات زرافى ووحدانا وفي مقدمتهم

جارتي وعار الجار على جاره ، لاستطلاع الأمر واكتشاف ما جعل الأستاذ

يقف أمامي كالأخرس مشدوها مبهورا ، التهموا الورقة بعيونهم ومافهموا

شيئا كأستاذهم ، وأيقنت بأنني أنا الوحيد الذي أفهم المعشوقة وأنها الوحيدة

التي تفهمني ، فاللهم أدم نعمة التفاهم بيننا وأبعد عنا شرور الحاسدين

الغيارى والحاقدين الجهلاء ومن في قلوبهم مرض



 مرت الأعوام والحكاية ببالي إلى أن اكتشفت بأن الغرام هو وحدة قياس 

ولا صلة له بالحب والمحبة والغرام والهيام ، وحق للأستاذ أن يعجب كيف

لا تكون الحياة بدون غرام ، أنا الآن أفهمه وأعتذر للمعشوقة إن كنت

أخطأت في حقها ، فتغزلي بها لم يكن أبدا من اللائق أن أقرنه بالكيلو

وصروفه ، ولكنه الحب ، والحب أعمى، حاولت أن أبرر ماكتبت وأجد له

معنى وتأويلا يجعله مستقيما وصحيحا ، وقلت اليس القياس ضرورة من

ضرورات الوجود أولم يؤسس أينشتاين أمبراطوريته العلمية على الذرة وهي

أقل من الغرام ،ألم يبن مجده على انشطارها إمعانا في التصغير إلى مادون

غرامي بكثير ، إذن فقد كانت كتابتي مصيبة ولكن بعض الناس لايفهمون 

للأسف الشديد

.
( للقصة بقية)






التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات