مواضيع اليوم

على رصيف (كاوست) : مناحة الخوف في السعودية !

تركي الأكلبي

2009-10-22 18:33:36

0

 

على رصيف (كاوست) : مناحة الخوف في السعودية !

بقلم / أحمد عدنان – ص الوئام
 

• رفع لواء حرية الرأي والتعبير للمرة الأولى من قبل الإسلامويين السعوديين حدث يستحق الانتباه والتأمل

• قضية الشيخ (الشثري) مناسبة ليتعرف الإسلامويون إلى معاناة المواطن السعودي من الإقصاء والتخوين والتكفير

أقال خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الشيخ سعد الشثري من هيئة كبار العلماء في 4 أكتوبر 2009 بسبب تصريحه في قناة المجد بتاريخ 27 سبتمبر ببرنامج (الجواب الكافي) حيث طالب مسئولي جامعة الملك عبد الله (كاوست) بالتحرك لوقف الاختلاط وفصل الجنسين في كل مرافق الجامعة؛ لأنه مدعاة لما هو أكبر من ذلك، ويترتب عليه مساوئ متعددة، ويجر إلى السفور والذنوب، وأن الملك عبد الله لا يمكن أن يقبل به، وانتهت تصريحاته بالمطالبة بلجنة شرعية لتفقد ما يدرس في الجامعة من علوم.

بعد تصريحات الشيخ، كتب جمال خاشقجي في صحيفة (الوطن) التي يرأس تحريرها بتاريخ 29 سبتمبر مقالا بعنوان : " لم التشويش ونحن في خير من ديننا ودنيانا" كان بداية الحملة الصحافية على تصريحات (الشثري) والتي شاركت فيها أغلب الصحف السعودية مستبقة إقالته المعبرة عن استياء خادم الحرمين نفسه من تلك التصريحات وفقا لصحيفة (إيلاف) في الخامس من أكتوبر.

وليس الحديث هنا، من أجل إثبات صحة " الاختلاط" من عدمه في الجامعة، كما أنها ليست قراءة في الحملة الصحافية التي تراوحت بين نفي الاختلاط "المزعوم"، أو إدانة استخدام الاختلاط كـ "فزاعة" لتعطيل مسيرة التقدم، أو تلك المقالات التي تحدثت صراحة عن ضرورة مراجعة موقف الخطاب الديني السعودي من قضايا المرأة خاصة وأن بعضها قد ذهب إلى إباحة الاختلاط اعتمادا على مواقف علماء دين من خارج السعودية أو استنادا إلى التراث الفقهي والتاريخي للحضارة الإسلامية أو اقتداءا بدول العالم الإسلامي اليوم.

كما أنني لست حريصا على شن هجوم مستحق أو غير مستحق على الشيخ (الشثري) بعد إقالته لأنني أعتقد أن ظرفه السياسي والإعلامي لا يسمح له بحرية التفاعل أو المواجهة .

موضوع البحث هنا، قراءة في مقالات الكتاب الإسلامويين، أو المتعاطفين مع التيار الإسلاموي، والتي تناولت الحملة الصحافية على الشيخ (الشثري) أو قرار إقالته.

في البدء، وانطلاقا من موقف أخلاقي، تجدر إدانة الكتابات التي نسبت للشيخ الشثري ما لم يقله في قناة (المجد) من باب تحريض صاحب القرار عليه، وفي الوقت نفسه، إدانة الكتابات التي لم تقل كل ما قال (الشثري) ولم تشرح حساسية ظرفه الزمني والسياسي بغية استنكار الحملة الصحافية التي استهدفته.

يجدر أيضا ادانة الحالة الحدية التي سادت المشهد الإعلامي والصحافي السعودي منذ تصريحات (الشثري) التي أشار لها د. عبد العزيز قاسم من موقعه الفكري في صحيفة (الوطن) بتاريخ 2 أكتوبر : " للأسف أن من يكتب أو يتحدث في هذه المسألة، يجد نفسه مرغما بين جهتين، فإما أن يحسب على أنه متطرف الفكر ورافض للجامعة وفكرتها من الأصل، وقد استطاعت كتيبة الإعلاميين الذين تصدوا للشيخ الشثري تصوير ذلك في ساحة المعركة، وبين مؤيد بإطلاق لكل ما في الجامعة" ، وهذا ينسحب من وجهة نظري وموقعي على أصداء قرار الإقالة والموقف من التصريحات التي أصبحت معارضتها خصومة لحرية الرأي والتعبير.

هذه الحدية من أي جهة نبعت، هي المرض العضال الحقيقي للعقل الجمعي السعودي، والذي يستدعي من صاحب القرار ومن أرباب الثقافة والعلم التصدي لها بالدراسة والمعالجة بحثا عن ثقافة الحوار وقيم التنوع والحرية والعدل.

من أهم المقالات التي تناولت قضية (الشثري) وفق المعيار المذكور توجز في التالي : " وليمة الليبراليين في معركة الشثري وخاشقجي" لعبد العزيز قاسم، "الليبراليون السعوديون : خيانةٌ للمبادئ أم شهوةٌ في الانتقام ؟" لمحمد الهرفي في صحيفة (الوسط) البحرينية بتاريخ 6 أكتوبر، وأخيرا وليس آخرا، المقال الذي تناقلته بعض المواقع الإلكترونية بعد قرار الإقالة عن د. عادل با ناعمة عضو هيئة التدريس في جامعة أم القرى بعنوان : " الـ (كاوست ) و(هولوكوست) الصحافة السعودية" والذي قال فيه : " لقد خسروا مصداقيتهم ، وخسروا مروءتهم ، وتساقطت دعاوى التسامح والحرية والحوار التي ينادون بها . وستغدو حملتهم على الشيخ دليلاً ساطعاً ناصعاً يدمغهم بالإدانة كلما كرروا وأعادوا أسطوانة ( الحريات ) و أكذوبة رفض ( الوصاية ) التي اتهموا بها رجالات الدين طوال السنوات الماضية .لن يكونَ في وسع أحدٍ منهم بعد اليوم أن يعظنا في ضرورة ( قبول الآخر ) ، ولا أن يذكرنا بـ (التسامح) كقيمة إسلامية إنسانية عظمى ، ولا أن يصدِّعَ رؤوسنا بـ (انغلاقية الإسلامويين)، و(أدلجةِ الصحويين)..لن يجرؤ أحدٌ منهم بعد اليوم – إن كان إنساناً – أن يتحدث عن حرية الكاتب واستقلاليةِ رأيه وتساميه عن الضغوط " .


هذا المضمون، كان قد قاله (قاسم) مصطنعا البراءة والتساؤل في مقالة (الوطن) في نصه : " فالشثري مارس حقه في التعبير عن الرأي الشرعي الذي يدين به معظم هيئة كبار العلماء والتيار الديني في المملكة، ولا أدري ما الذي أزعج الليبراليين من صدحه برأيه، بل كان من المفترض أنهم هم أول من فرح لهكذا تطبيق حقيقي وواقعي لأدبيات الحوار وتعددية الآراء" .

أما (الهرفي) بعد أيد نفس المضمون ذهب إلى تفسير الحملة في قوله : " يدّعي كل أنصار التيار المتحرر الذين يرون ضرورة التحرر من بعض القيود الشرعية أن «المشائخ» كانوا وراء كل القيود التي عانوا منها عشرات السنين، وأنهم - أي المشائخ - حاربوا أهواءهم وبشدة وبدعم من الدولة. ويرى هؤلاء أن الظروف بدأت تتغير لصالحهم - وهي فرصة حلموا بها طويلا - فلماذا لا يستغلونها وبكل قوة!إسقاط المشائخ وفتاواهم التي تغيظهم، وعن طريق كبار المسئولين يمكنهم الوصول إلى تلك الغاية!" .

إذن، تصريحات (الشثري) مشروعة من زاوية " حرية التعبير"، هجوم الليبراليين على الشيخ أو تأييد قرار الإقالة ينافي قيم الليبرالية، وأخيرا .. الدين هو المستهدف الحقيقي خلف الحملة، هذه هي خلاصة الآراء التي وردت في مجمل الردود السابقة، وسأتجاهل الرد عن النقطة الأخيرة، لأنها من وجهة نظري، ليست سوى تهويل مبرره إرهاب قرار الإقالة والحملة الصحافية من قبل، ولا يستطيع من ادعاه إثباته بنص صريح أو واضح مما نشر في الأيام الفائتة دون التأويل المؤدلج أو المتعسف، كما أنه يمثل تطرفا واضحا وأحادية مقيتة من خلال الحكم على النوايا لا الأقوال والأفعال، ويلاحظ في هذه المقالات، عدم الإشارة إلى مطلب اللجنة الشرعية لأنها تعكس احتكارا للإسلام ووصاية غير مقبولة على الدولة والمواطن، كما أثار عجبي هؤلاء الكتاب في حديثهم الانتقائي عن حرية التعبير دون أن نسمع أصواتهم وأصوات غيرهم في قضايا موضوعها من صميم هذه الحرية، على سبيل المثال :

- إقالة قينان الغامدي من رئاسة تحرير صحيفة (الوطن) الأسبق عام 2002م .

- إقالة محمد الفال رئيس تحرير صحيفة (المدينة) السابق إيقاف الشاعر عبد المحسن حليت بسبب نشر قصيدة (المفسدون في الأرض) في عام 2002م، وبعدها إقالة رئيس تحرير الصحيفة المكلف محمد حسني محجوب ومديرها العام أحمد محمود.

- إقالة جمال خاشقجي في فترته الأولى من رئاسة تحرير صحيفة (الوطن) عام 2003م .

- فتاوى تكفير تركي الحمد بعد إصدار ثلاثيته الروائية " أطياف الأزقة المهجورة" والتي منها فتوى الشيخ حمود الشعيبي عام 1420 هـ .

- اعتقال دعاة الإصلاح السلمي والمدني في مارس 2004 ، والموقف من الأحكام القضائية التي طالت الإصلاحيين الثلاثة : عبد الله الحامد، متروك الفالح، وعلي الدميني.

- الحكم على د. حمزة المزيني عام 2005م بالسجن 4 أشهر والجلد 200 جلدة بسبب مقال صحافي، قبل أن يتصدى لهذا الحكم المشين خادم الحرمين الشريفين.

- فتوى تكفير الكاتبين عبد الله بن بجاد ويوسف أبا الخيل عام 2008 من قبل الشيخ عبد الرحمن البراك.

- فتاوى التكفير التي طالت تيار الحداثة السعودية وأفرادها في ثمانينيات القرن الماضي، ومن الممكن الإشارة إلى كتاب "الحداثة في ميزان الإسلام" للدكتور عوض القرني وكاسيت الشيخ سعيد بن ناصرالغامدي عن الحداثة أو رسالته لنيل الدكتوراه عام 2005 و التي عنوانها : " الانحراف العقدي في أدب الحداثة وفكرها".


وما زاد عجبي، مطالبة هؤلاء الكتاب الكرام، بأن يلتزم الليبراليون بمبادئهم، دون إشارة إلى فتوى عضو اللجنة الدائمة للإفتاء الشيخ صالح الفوزان عن الليبرالية في يونيو 2007 : "إن المسلم هو المستسلم لله بالتوحيد، المنقاد له بالطاعة، البريء من الشرك وأهله، فالذي يريد الحرية التي لا ضابط لها إلا القانون الوضعي، هذا متمرد على شرع الله، يريد حكم الجاهلية، وحكم الطاغوت، فلا يكون مسلمًا، والذي يُنكر ما علم من الدين بالضرورة، من الفرق بين المسلم والكافر، ويريد الحرية التي لا تخضع لقيود الشريعة، ويُنكر الأحكام الشرعية، ومن الأحكام الشرعية الخاصة بالمرأة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومشروعية الجهاد في سبيل الله، هذا قد ارتكب عدة نواقض من نواقض الإسلام، نسأل الله العافية. والذي يقول إنه (مسلم ليبرالي) متناقض إذا أريد بالليبرالية ما ذُكر، فعليه أن يتوب إلى الله من هذه الأفكار؛ ليكون مسلمًا حقًا" .

لذا، فإن الحجتين التي تسلح بها الكتاب الكرام، تسقط من طرفهم بداهة، بسبب موقف التيار الذين ينتمون إليه أو يتعاطفون معه من (الليبرالية) و (الحرية)، ثم تسقط صراحة، بسبب عدم انتهاز الفرصة، لمراجعة مواقف سلبية سابقة سواء بالصمت أو بالتحريض أوبالتشفي إزاء التيار الليبرالي، ويكفي استخدام محركات البحث في الشبكة العنكبوتية في أي قضية من القضايا الوارد ذكرها لنجد سلسلة لا متناهية من المواقف المشينة التي لا تليق بأبناء الوطن الواحد.

ومع هذا، أجد رفع لواء حرية الرأي والتعبير، مقبولا ومفهوما، من التيار الإسلاموي وأعوانه في السعودية إذا استذكرت مقولة يغلب ظني أنها لصادق جلال العظم مفادها أن مجرد رفع الإسلامويين لشعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان والحرية، هو انتصار يسجل لصالح الليبرالية بغض النظر عن نوايا الإسلامويين من هذا الاستخدام، وبالتالي .. ومع انتقال هذه العدوى الحميدة للإسلامويين السعوديين لأول مرة فإننا لا شك، أمام ظرف، يستحق الانتباه والتأمل، بل إنني لا أجد غضاضة في القول، بأن هذا هو الحدث الأصل، أمام الحدث الفرع، أي قضية الشيخ (الشثري).

من زاوية أخرى، وأساسية، يحق التساؤل: هل يصح وصف معركة تصريحات الشيخ (الشثري) وإقالته بأنها معركة بين الليبراليين والإسلامويين في السعودية؟! الإجابة دون تردد أو وجل هي : لا !

أولا .. جامعة (كاوست) للعلوم والتقنية التي افتتحها خادم الحرمين الشريفين في 23 سبتمبر 2009 هي حلمه الأثير منذ ربع قرن كما صرح هو، لذا فإن الادعاء بأن إنجاز هذه الجامعة يعود لمطلب من التيار الليبرالي فيه ظلم بواح لقرار خادم الحرمين الذي سبق به عصره قبل أن يسبق التيار الليبرالي، كما أن أي متابع لهذا الحلم – الإنجاز منذ الإعلان عنه حتى قيامته يعرف أن خادم الحرمين أمر به وأشرف عليه من الألف إلى الياء بعد تكليف شركة (أرامكو) بتنفيذ هذه المهمة.

ثانيا .. إن الحملة الصحافية التي شنت على الشيخ (الشثري) والتي بدأت بكتابة أو توجيه بعض رؤساء التحرير في السعودية، دليل واضح على أن هذه الحملة، تسجل لهم كمقربين من النظام، وليس لأنهم ينتمون للتيار الليبرالي، والمتابع للصحافة السعودية يعلم علم اليقين، أنه في لحظات التوتر بين النظام والتيار الليبرالي، فإن الصحف ورؤساء تحريرها، يقفون إلى جانب النظام، أو يلتزمون الصمت في أفضل الحالات، والأمثلة على ذلك لا حصر لها.

ثالثا .. قرار إقالة الشيخ (الشثري) صدر من خادم الحرمين الشريفين، ولا يحضرني أي مقال كتب خلال الحملة الصحافية طالب فيه كاتب ليبرالي بإقالة (الشثري) حتى لو كان النقد الموجه حادا و قاسيا في بعض الأحيان .. أو ظالما في أحيان أخر، وحتى لو وجدنا مثل هذا المقال، فإنه يأتي على سبيل الاستثناء لا الأساس..

فالحملة على (الشثري) ثم إقالته، بكل تفاصيلها، تدخل في إطار العلاقة بين التيار الإسلاموي والنظام، وتحديدا بين الشيخ سعد الشثري وصاحب القرار، أما حضور التيار الليبرالي في المشهد، فكان حضورا تكميليا لا يستحق كل هذا الانفعال من التيار الإسلاموي ولا يستحق في المقابل حفلة تأنيب الضمير التي سوقها بعض الليبراليين، إضافة إلى أن إدانة أو معارضة تصريحات الشيخ (الشثري) من قبل الليبراليين بحكم خطابهم طبيعية ولا تثير الاستغراب أو الدهشة.

يقول (خاشقجي) في مقاله : " الشيخ الفاضل لم يصبح عضوا في هيئة كبار العلماء، بتوصية من سابقيه وإنما بدعم من ملك البلاد وولي أمر المسلمين فيها الذي يؤمن بالمستقبل وإعطاء الفرص للجيل الجديد في كل التخصصات بما في ذلك العلم الشرعي، كان يستطيع بما له من صلة أن يطلع على تفاصيل جامعة الملك، وأهدافها، والتوقعات المتوخاة منها .. ولنفترض أنه لم يقتنع بعد شرح واف صريح، وبقيت شبهات تحوم عليه، وعنده ما يعتقد أنه نصيحة يبرئ بها ذمته فلن يحول بينه وبين ولي الأمر أحد، فهو يسمع للصغير و الكبير، فما بالك بعضو في هيئة كبار العلماء، بمثابة ابن له شجعه وتوقع منه إن يكون دافعا للتجديد والتفكر وداعما لمنهج الدولة والدعوة الوسطي، ولكن الشيخ اختار قناة المجد، والتي فتحت بابا للفتنة والتشويش على الجامعة، وعلى عملية التنمية تصريحا وتلميحا ". ويضاف على هذا النص، الموضوع الدقيق الذي كتبه سلطان القحطاني في صحيفة (إيلاف) في السادس من أكتوبر والذي وصف فيه (الشثري) بأنه من آل البيت السياسي بعد أن كشف تفاصيل الساعات الأخيرة قبل قرار الإقالة : " كان الهدف الملكي من تعيينه برفقة آخرين واضحًا، توسيع هذا الجهاز، الذي له ثقله ووزنه في بلد يحكم بالشريعة الإسلامية، وجعله منفتحًا على كافة الأطياف الدينية في البلاد.. غير أنّ كل هذه الآمال التي وضعت في الشثري ذهبت أدراج الرياح بعد مهاجمته جامعة (كاوست) بدعوى الاختلاط المتوقع حيث كان من الغريب أن يضع رجل من السلطة عصا في دواليب عجلات السلطة نفسها .. وحين ذهب إلى الديوان الملكي الذي سبق وأن دخله على طريقة طارق بن زياد فاتحًا ومنتصرًا ومحبوبًا وجد أن المباني هي نفسها لم تتغير، لكن الأبواب تغيرت لتغدو أكثر صعوبة عند الفتح أكثر سهولة عند الإغلاق، وأصبحت مقابلة أصغر الموظفين أصعب من كبارهم، فطلب توصيل رسالة الاستقالة إلى الملك لكنها كانت متأخرة؛ فقد أقيل الرجل وأصبح من الذكرى" .

بعد الرسائل التي كشفتها الأسطر السابقة، أتساءل : لماذا لم يمارس الإسلامويون حقهم الطبيعي صراحة في الاختلاف مع النظام وصاحب القرار؟! بمعنى .. أن هجوم التيار الإسلاموي والمتعاطفين معه على التيار الليبرالي من أجل قضية (الشثري)، هو في حقيقته نقد مبطن للنظام، وعلى الرغم من أن هذا النقد حق مشروع إلا أنه لم يتميز بالمباشرة هذه المرة، لأن رمز الدولة ورجلها الأول، هو من يقف بنفسه في الضفة الأخرى.

ما يستحق أن يقال هنا، للتيار الإسلاموي وللمتعاطفين معه، إن الحدية الخطيرة التي لمحناها في تداعيات إنجاز جامعة (كاوست)، هي نتاج طبيعي لثقافة الخطاب الديني – وليس الدين - الأحادية والصحراوية والقمعية التي رسخها وتبناها هذا التيار في فتاواه وأدبياته ومواقفه منذ هيمنته على السياسة التعليمية والإعلامية والثقافية منذ رفع شعار (التضامن الإسلامي) وحادثة جهيمان في الحرم المكي، وهنا مناسبة ليتعرف الإسلامويون على معاناة شريحة كبيرة من المواطنين السعوديين مورست بحقهم سلفا من قبل التيار كل أدوات الإقصاء وأساليبه بسياط التكفير والتخوين.

لم أكن شخصيا أتمنى إقالة الشيخ (الشثري) ولا أستطيع أن أمنع نفسي من التعاطف معه انتصارا للتنوع وحرية الرأي والتعبير رغم وقوفي موقف الرافض لمضمون تصريحاته ومنطلقاتها إضافة إلى يقيني بالضرورة السياسية والمشروعية النظامية، ولكن هذه الحريات والحقوق للأسف ليست راسخة أو متجذرة في مجتمعنا الذي بدأ العودة مؤخرا لثقافة الحوار في ظل تطور وسائل الاتصال والفضاء المفتوح ومبادرات صاحب القرار.

حتى لا تتكرر هذه الحادثة وشبيهاتها، من الواجب على التيار الإسلاموي أن يساهم مع الآخرين في تجديد الخطاب الديني بجرأة وإخلاص، في اتجاه الانتصار لثقافة المدينة، والعمل على تحقيق ثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان والتنوع والمواطنة وتمكين المرأة.. والتصالح مع الآخر.. ولفظ ثقافة الموت والكراهية ، والأهم .. إرساء قيمة (القانون) محل قيمة (الفتوى) من أجل تعزيز دولة العدل والحرية والمؤسسات والمجتمع المدني، وآمل أن تكون هذه القضية درسا يؤكد لهذا التيار أن مطالبات الإصلاحيين الليبراليين بالإصلاح الشامل وفي مقدمته الإصلاح السياسي والاقتصادي وتجديد الخطاب الديني عبر تطبيق النظام الأساسي للحكم وتوصيات الحوار الوطني الثاني ووثيقة (الرؤية) وبرنامج معالجة التمييز الطائفي هي في صالح الوطن .. وليست لمصلحة طرف دون آخر، ولا يمكن تحقيق هذه المطالب، إلا بالمشاركة الإيجابية والفعالة في قضايا البلاد، وبأن تكون عناوين الإصلاح، قاسما مشتركا بين الليبراليين والإسلامويين من أجل رفعة الوطن لا تمزيقه بدلا من اتخاذ المطالبة بالإصلاح وسيلة لتصفية الحسابات بين التيارات أو بين موازين القوى.

إن المطالبة بنعيم الحرية، يقتضي الإيمان بمنظومتها الفكرية لا الانتفاع بها عند الحاجة فقط، مما يعني، تكييف تلك المنظومة مع البيئة المعاشة، وهذا هو الواجب على التيار الإسلاموي، تضافرا مع جهود الليبراليين الإصلاحيين نحو الإصلاح السياسي والاقتصادي.

في الختام، لا أجد أبلغ من كلمة خادم الحرمين في افتتاح (كاوست) والتي منها : "العلم والإيمان لا يمكن أن يكونا خصمين إلا في النفوس المريضة... لقد تعرضت الإنسانية لهجوم عنيف من المتطرفين الذين يرفعون لغة الكراهية، ويخشون الحوار، ويسعون للهدم، ولا يمكننا أن نواجههم إلا إذا أقمنا التعايش محل النزاع، والمحبة محل الأحقاد، والصداقة محل الصدام، ولاشك أن المراكز العلمية التي تحتضن الجميع، هي الخط الأول للدفاع ضد هؤلاء"، و في الوقت نفسه من اللازم أن نضيف هنا التساؤل – التخوف الذي طرحه خالد الفيصل أمير منطقة مكة والفكر العربي عن الجامعة التي فجرت كل هذا السجال : هل سنسجن هذه الجامعة داخل سورها ونُحكمُ عليها الأقفال من الخارج، ونستمر نتحدث عنها بإعجاب – لكن عن بعد – ونبقيها جزيرة متطورة متفوقة في بحرٍ من التخلف العلمي والإداري والمالي ؟!


 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !