مواضيع اليوم

ضربات الكورونا الموجعة

مصـعـب المشـرّف

2020-09-27 19:59:49

0

 ضربات الكورونا الموجعة

مصعب المشرّف

27 سبتمبر 2020

الذي يتأمل ضربات فبروس الكورونا يلاحظ أنه لم يؤثر على نحو فاعل سوى على السياحة والمناشط الترفيهية المرتبطة بها . مما يقتضي التجمعات مثل البلاجات على الشواطيء والمراقص والحانات والمطاعم والمقاهي . وصالات القمار وملاعب كرة القدم والسلة أحواض السباحة . وصالات السينما والمسرح وأشياهها. ثم والسفر والإقامة في الفنادق والتجوال في المولات المغلقة المزدحمة. كذلك أخذت التجمعات للصلوات الجماعية والحج لكافة الأديان السماوية والتعاليم الأرضية حظها من التقييد.


وأما إذا تطرقنا إلى جانب الإنتاج الحقيقي مثل الزراعة والرعي والصناعة , ونقل البضائع . فإن تأثير الكورونا بكاد ينعدم تقريباً.


في بلادنا أنستنا ظروف الحياة والبحث عن الأكل والشرب ودرء كوارث السيول والفيضانات وجود الكورونا . وأصبح الحديث عنها  ترفاً ... وربما لم يعد لدى البعض مطمع في مواصلة الحياة . أو ربما  يظل الوباء المنزل من السماء جندي من جنود الله يعرف أين يضرب وأين يوجع.


جميع ما ابتدعه الناس في هذا العصر يستحق العقاب من السماء بالوباء . وأطرف ما في الأمر جميعه أن الناس اليوم لا تبكي أمواتها بقدر ما تبكي أموالها.

إنهم يضعون على أنوفهم وأفواههم الكمامات .. ولا يصافحون بعضهم  بالأيدي .. ويتباعــدون بالمتر ونصف والمترين ... ولكنهم حين يتبادلون النقود الورقية والمعدنية تسقط كل الأقنعة . فتمتد الأيادي ما بين تسليم وتسلم وترجيع للباقي بلهفة لا تعادلها لهفة.


وأن من أكبر الأخطاء التي أوقع فيها المسلمون والناطقون باللغة العربية أنفسهم هو مجاراتهم غيرهم في تبني مصطلح "جائحة" بدلاً من "وباء".


في البداية تبنّى المسلمون مصطلح "وباء" في وصف الكورونا. وقد كان ذلك التوصيف صحيحاً . وكذلك تم توصيفه عالميا بمسمى وباء لبضعة أيام ... ولكن سرعان ما تدخلت الديانات والعصبيات . فتحوّل الأمر إلى مكايدات وأجندة تتبعها حماقات . وسحبت منظمة الصحة العالمية مصطلح وباء واستخدمت بدلا عنه مصطلح جائحة.


إسخدام العالم الإسلامي مصطلح وباء جاء معه بأطروحات إسلامية  أزعجت غيرهم من غير المسلمين في شتى أنحاء العالم حتى لو كان هذا التوصيف (وباء) صحيحاً 100% . ولكنهم جحدوا بها واستيقنتها أنفسهم.

كذلك من أسباب خوفهم هو خشيتهم أن يصبح القبول بهذه المصطلحات الإسلامية منفذاً لدخول أفكار الإرهاب والجهاد على طريقة الدواعش غب حناياها إلى مجتمعاتهم. 


وحين التطرق لغير المسلمين. فلربما تتجه الأفكار والأنظار تلقائيا نحو العالم المسيحي. ولكن هؤلاء ليس هم المقصودون . فهناك ديانات أخرى متعددة تمارس العداء السافر ضد الإسلام والمسلمين ولا تكتفي بذلك فحسب . بل تحاول أقصى ما تستطيع لإزالة الإسلام كديانة من على وجه الأرض إن إستطاعوا . وقد جاء تقرير عدائهم للإسلام والمسلمين في الآية رقم 82 من المائدة (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ...) إلى تمام الآية الكريمة.

ولقد فوجئت الصين البوذية على سبيل المثال بأن ما ظنت أنه إيتكارها (الحجر الصحي) إنما هو جزء من التعاليم الإسلامية التي أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف عن كيفية التعامل مع الوباء بقوله : (إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا إليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه).

وقد شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم الفرار من الأرض التي وقع بها الوباء بأنه بمثابة "التولي يوم الزحف". وذلك لما يسببه ذلك من إنتشار العدوى وأرباك للسلطات . علما بأن التوصيف الشرعي للتولي يوم الزحف هو أنه من السبع الموبقات.

وقد صاحب وباء الكورونا في الصين ظاهرة أن الأقاليم التي تقطنها أغلبيات صينية مسلمة لم تعاني من وباء الكورونا. واستشاطت العاصمة بكين غضباً . واعتبرت ذلك تحدياً مباشراً للبوذية . فكان أن شهدت أقلية الإيغور الصينية المسلمة المزيد من التعسف الرسمي . وجرى إقتياد  ما يقارب 2 مليون منهم قسراً إلى معسكرات ما يسمى بإعادة التأهيل الثقافي. على أمل أن يرتدوا عن عبادة الله الواحد القهار ، ويعبدوا المُعـلِّم بوذا.

وهكذا إذن تظل الأمور في هذه الحياة مدعاة للسخرية والتأمل ، حين يتم تفسير العديد من خلفيات القرارات الرسمية وأسباب حروب الإبادة العنصرية والدينية.


في جانب الإلحاد . حدث أيضاً نفور من إستخدام مصطلح الوباء .. فالوباء مصطلح إسلامي عرفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه غضب من الله عز وجل متنزل من السماء . وأرشدنا عليه افضل الصلاة والسلام بأن نصطحب في التغلب على الوباء إلى جانب الأخذ بالأسباب .. أن نصطحب الدعاء والإبتهال إلى الله عز وجل بأن يرفع عنا الوباء وغضبه ومقته.

والأسباب التي تجلب غضب الله وسخطه ومقته كثيرة هذه الأيام . وقاض بها الكيل في كل أنحاء العالم.

وللأسف الشديد . فإن الملاحظ في أمة الإسلام اليوم أنها لم تلتفت بالجدية اللازمة إلى فاعلية سلاح الدعاء الجماعي لمجابهة وباء الكورونا . وأسهمت وسائط المعلوماتية والفضائيات بشكل ملحوظ في إثارة الهلع وسط المسلمين . وانشغل المسلمون بالرعب والخوف . وتركوا الإبتهال والدعاء واللجوء إلى الله . فرزأنا الله بمصبيتين . مصيبة التخلف العلمي ومصيبة التخلف الديني.

والذي يتابع وسائط المعلوماتية التفاعلية يلاحظ بشكل واضح غياب الجانب الديني لدى المسلمين في التعامل مع وباء الكورونا . بل أصبحوا جميعاً يلهثون ويتلقفون أخبار المختبرات وشركات الدواء الألمانية والبريطانية والصينية والأمريكية والفرنسية ، التي كانت تزعم نجاحها في العثور على علاج للفيروس تارة ولقاح محصن منه تارة أخرى ... وموت يا حمار لغاية ما يجيك البرسيم.


منذ الأسبوع الماضي وإلى يومنا هذا تجتاح موجة ثانية من وباء الكورونا دول الغرب الأوروبي والأمريكي , والمصيبة أن قطاعات شعبية واسعة ترفض إصدار الحكومات في تلك الدول قرارات بالإغلاق الشامل . والسبب كما يقول هؤلاء أن الإغلاق الشامل سيؤدي إلى كوارث إقتصادية .

كوارث إقتصادية في المفهوم الغربي والأمريكي. تعني بشكل مباشر إنهيار حضارة المال والرفاهية في تلك المجتمعات.

من بين أكثر الدول الغربية التي تناهض وتخشى الإغلاق الجزئي والشامل هي بريطانيا وإسبانيا وفرنسا . والسبب أن هذه الدول تعتمد بشكل جوهري على تقديم الخدمات والسياحة .. والكورونا تبدو وكأها قد جاءت بوجه خاص لتضرب بقوة في مجالات الخدمات والترفيه وغيرها من أنشطة طفيلية .

في الولايات المتحدة تظل السياحة الداخلية ومجالات الترفيه مصدراً رئيسياً من مصادر المداخيل هناك . ودونالد ترامب رئيس الولايات المتحدة هو اليوم أكثر ما يعاني شخصياً من ضربات الكورونا لمجالات الترفيه والسياحة . ذلك أن معظم إستثمارات ترامب إنما تتمثل في جانب الترفيه والأنشطة السياحية التي تقتضي أهم ما تقتضي التجمعات الجماهيرية. كالمصارعة الحرة واللياقة البدنية ، وماكينات القمار ، والحانات والمراقص ، ودور السينما. والمطاعم والمقاهي وخطوط الطيران . وهو ما يفسر ممانعته في بداية الوباء إتخاذ الإحتياطات الصحية والوقائية اللازمة في حدها الأدنى.


والآن ومنذ ديسمبر الماضي فإن الكورونا تؤكد أحوالها وضرباتها أنها وباء بكل ما يحمله هذا المصطلح من معنى . والوباء لا يصلح معه سوى الحجر الصحي في الجانب العملي مهما كانت التضحيات التي ينبغي على الغرب الأوروبي والأمريكي تقديمها في جانب المناشط الترفيهية والسياحية التي أحدثت تشوهات غير منطقية في الإقتصاد العالمي. وأنشأت  ظواهر تكاد تكون مضحكة حين تسمع عن مصارع وملاكم وممثل سينما أو مطرب يتقاضى الملايين في الليلة الواحدة . وحين تسمع بلاعب كرة قدم يتقاضى 750,000 دولار في الأسبوع. وهو ما يشير بشكل واضح أن هناك خطأ مّـا في توزيع الدخل ما بين مناشط الترفيه والمناشط الأخرى التي لا تنتج سلعاً إستهلاكية مباشرة . ومنها على سبيل المثال المناشط الصحية والتعليمية.


والمشكلة اليوم أن كافة الخطط والإستراتيجيات منذ أواسط السبعينات من القرن الماضي قد ركزت على إخراج الناس من بيوتهم للحياة في الشارع والمولات وأماكن الترفيه وعدم العودة إلا للنوم . فاعتاد الناس في ألعديد من الدول الكبرى على هذا النمط من الحياة . حتى التلفزيون والراديو والفيديو وجهاز الكمبيوتر المنزلي تمكنت الإستراتيجيات مؤخراً من تهميش دورها وسط النشء والشباب بفعل ما تم إبتكاره من الموبايلات وألتابلت والكثير القادم في المستقبل بما يشجع الأجيال القادمة على الصرف والإنفاق على الترفيه ببذخ. وعدم العودة إلى منازلهم إلا للضرورة القصوى التي هي النوم لسويعات.


جميع هذه الخطط والإستراتيجيات يضربها الآن وباء الكورونا في مقتل . وهو ما سيدفع بشركات الترفيه والسياحة إلى الضغط على الحكومات لفتح الأبواب والنوافذ مشرعة . وترك الوباء يصيب من يشاء ولا يصيب من يشاء . وبذلك يتحول وباء الكورونا إلى مرض فيروسي عادى ومسئولية فردية كالأنفلونزا.  


والحكومات في الغرب تبدو ميالة إلى ما يسمى بفتح الإقتصاد  . ذلك أن تساقط شركات السياحة والترفيه تحت ضربات الكورونا سيعني حرمان الخزينة العامة للدولة من حصيلة وافرة من الرسوم والضرائب .     




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات