مواضيع اليوم

بعد الإنقلاب العسكري المسخرة

مصـعـب المشـرّف

2021-09-26 21:42:07

0

  بعد الإنقلاب العسكري المسخــرة

 

بعد انقلاب ٢١ سبتمبر ٢٠٢١م  الهزلي المسخري . فان الجيش السوداني نراه بحاجة ماسة اليوم قبل الغد الى التفكيك واعادة التأسيس من جديد على اسس وطنية خالصة ، بمناهج اعداد وتربية وطنية ، وتثقيف وتعليم وتدريب عسكري منضبط من تصميم سوداني محلي من الألف إلى الياء مبتكر ومعتمَد تحت اشراف اساتذة وعلماء نفسيين وخبراء اعداد مناهج.... مناهج وطنبة تصبح بديلة عن تلك المناهج والقناعات الأجنبية التي اسسها الاحتلال الخديوي المصري ثم الاحتلال الثنائي ثم الاحتلال البريطاني في بناء الجيش السوداني ورسم هيكليته وأغراضه لمصلحة ذلك الإحتلال طوال الفترة من عام ١٨٢١م الى يومنا هذا. والتي حرصت على "ابعاد" و "تغريب" و "إقصاء" و "فصل" الضابط السوداني خاصة عن واقع بيئته وإنسانه ومجتمعه السوداني ، وكذلك حال ضباط الصف والجنود. بل واصبح هؤلاء كانهم دواعش يعيشون حالة فريدة من الإغتراب الداخلي النفسي و"انفصام الشخصية" تحت عنوان وظيفة إسمها جيّاشي .. فهو من جهة مواطن طيب وخلوق وحمل وديع ومجامل عندما يلبس الجلابية ويضع الطاقية ويلف العمامة وينتعل المركوب او  يرتدي الزي المدني الافرنجي ، ويذهب الى الاسواق ويجامل في الاتراح ، وينتشي ويبتهج ويطرب ويشيل ويردد ويصفق ويرقص على الايقاعات الدافئة والساخنة في القعدات والافراح والليالي المِلاح.

ولكنه ما ان يخلع الزي المدني ويرتدي الزي العسكري حتى ينقلب حاله 180 درجة وتنتفخ اوداجه ويصرصر وجهه ، ويتطاير  الشرر من عينيه . ويتحول الى طاووس مسلح وشخص ايوني اخر مختلف تماما. ومكهرب عالي الشحنات ممنوع الإقتراب منه والتصوير . يكاد يتميز من الغيظ إذا لمح جلابية ملكي  حايمة. ويصبح غير قابل للسلام والتحية الملكية ورد السلام و الابتسامة والنقاش والتفاهم ، واكل الكسرة بالويكة ومفروكة البامية والملوخية اللايوقة ، واحتساء اكواب الشاي ورشف فناجين القهوة والونسة الدُقاقة  حتى مع اقرب الناس اليه.

......
ينسى البعض ان نواة الجيش السوداني كان "السنجق" الذي اسسه اسماعيل محمد علي أغا باشا بعد غزو واحتلال المصريين للسودان عام ١٨٢١م.

ثم اعيد التاسيس بعد الغزو الثنائي (لانجليزي المصري) عام 1898م بتشكيلة كان معظمها من المرتزقة الافارقة وبعض السودانيين.

وبعد ثورة علي عبد اللطيف عام ١٩٢٤ وطرد الجيش المصري من السودان ، انفرد الإنجليز بحكم السودان وأعادوا تاسيس الجيش بمسمى "قوة دفاع السودان" تحت قيادة ضباط انجليز.
ثم انشا الانجليز الكلية الحربية . التي كانت حتى عام ١٩٧١م تستوعب الراسبين في امتحان الشهادة الثانوية السودانية. وهو ما ادى الى تلك الجفوة والفجوة النفسية المزمنة بين ضباط الجيش والمثقفين وطلاب وخريجي الجامعات السودانية . وبرزت هذه الفجوة والجفوة للراي العام خلال قمع ثورة اكتوبر ١٩٦٤م بوصفها اول ثورة شعبية مدنية بأيدي بيضاء يواجهها الجيش والبوليس مباشرة بالرصاص الحي والمدرعات،  ثم وما تلاها من انتفاضات شعبية ابرزها انتفاضة شعبان . ومحاولات انقلابات عسكرية نجح بعضها في مايو ١٩٦٩م و يونيو ١٩٨٩م ، فدمرت البلاد واقعدتها عن التنمية الإقتصادية وبناء القواعد الاساسية للنهضة الصناعية والعلمية والثقافية واشاعت البطش والقتل خارج نطاق القضاء وافرزت ظاهرة التعذيب والإعتقال لمجرد إبداء الرأي . وانتهاك الحقوق والنهب والسلب ومصادرة الأملاك ، وسرقة المال العام وارهاب الدولة الفاشستي الشامل.

.......

والأدهى والأمر من كل ذلك أن إنشغال الجيش بالسياسة والحكم وتدبير الإنقلابات العسكرية من جهة . ومنعها والحيلولة دون إنقلاب بعضهم عليهم من جهة أخرى أدى إلى تشتت ذهني ومهني عن طبيعة وصميم واجبهم . فضاعت في عهد اللواء إبراهيم عبود أراضي وادي حلفا ، وحصص مستحقة من مياه النيل . وتم إحتلال الفشقة وحلايب وشلاتين وفرس ورماد من جانب المصريين ، ونشأ تمرد جون قرنق في الجنوب على عهد نميري ، ولما لبث أن انفصل هذا الجنوب عن الشمال وذهب ثلث مساحة السودان في عهد العميد عمر البشير ... ويبدو أن البقية من تفريط في أراضي البلاد وإنفصالات واردة وقادمة في الطريق. ولا يستبعد أنزلاق السودان في حرب بالوكالة ضد أثيوبيا تقضي على الأخضر واليابس منه وتعيده إلى العصر الحجري بإمتياز إذا استمر الوضع على ما هو عليه من توتر سياسي داخلي بين العسكر والمدنيين.

(6 + 16 + 30 عام) مجموعها 52 عام من عمر السودان القصير بعد إستقلاله عام 1956م إنفرد بحكمها عساكر توهم بعضهم أنه يوشع بن نون فتى موسى عليه السلام ، وسيف  الله المسلول ؛ وتوهم آخرهم أنه خامس الأئمة الأربعة . فلم نلقى فيهم سوى أنهم جاسوا خلال الديار  . ومع كل ذلك الدمار والسخام والحرائق وجثث القتلى التي إبتلعتها الصحاري والأنهار  وتكدست وتحللت داخل المشارح لا يزال البعض منهم يلقي باللوم على المدنيين والسياسيين ؛ الذين رغم ما علق بهم من بعض طين وأوحال لا تزال صفحاتهم بيضاء في مجالات الحد من إستشراء الفساد وعدم رعايته حثيثاً وترك الحبل له على الغارب . وعرف عنهم تطبيقهم للديمقراطية وتقبل النقد وحتى الإساءة والشتائم بصدر رحب لأنهم يدركون أن هذه هي ملح الحياة المدنية الديمقراطية والحرية . كما لم يعرف الشعب في ظل حكمهم القصير جداً للبلاد إستسهال لقتل النفس التي حرم الله وسفك الدماء ، وفساد بهذا الحجم الأسطوري الذي جرى على يد الأتباع والمتسلقين والمنافقين وحملة المباخر والبهلوانات والمهرجين والقوادين وأصحاب الطِرَح والتنابلة طوال عهود عبود ونميري والمخلوع.

-----------
ومن جابنها فقد التفتت شخصيات وقيادات وكوادر إنتهازية "محسوبة" على الاحزاب الطائفية والعقادية خاصة الى سهولة اختراق الجيش وتحريض ضباطه واستغلالهم في تدبير الانقلابات العسكرية وتصفية الحسابات السياسية مع غيرهم والتنافس على القيادة فيما بينهم . فكان تدبير حزب الامة لانقلاب عبود ، وتدبير الشيوعي والقومي العربي لانقلاب نميري. وتدبير الشيوعي لانقلاب هاشم العطا ١٩٧١م ، وتدبير حزب الامة لغزو المرتزقة الدموي عام ١٩٧٦م بتمويل ليبي بقيادة العميد (الانصاري) محمد نور سعد. .... والمصالحات التي أعقبته خوضاً في أشلاء ودماء المناضلين والشهداء . وإنتهاءاً بانقلاب العميد عمر البشير بتدبير الكيزان.ثم وإنقلابات صديقة ومسرحية مسخرية بعد ثورة ديسمبر يندي لها جبين كل ملهاة ومأساة أنتجتها العقلية البشرية.

------------

ولا يزال الجيش رغم توقيعه للوثيقة الدستورية المُثلى بعد ثورة ديسمبر يتافف وينذمر ، ويتحين الفرص ليتضجر من الشراكة في الحكم مع السياسيين والمدنيين ويحلم بالتفويض (من المدنيين) للانفراد بحكم المدنيين بالدوس على الرقاب والنواصي والجباه ؛ والإغتصاب وبيوت الأشباح ولحديد والنار.
....

وهكذا ظل السودان العوبة واضحوكة عالمية حتى يومنا هذا.

وسيظل السودان عرضة للمغامرين من ضباط الجيش ، الذين لن يتوقفوا عن تنفيذ الانقلابات العسكرية المدمرة ، ما لم يتم اعادة تشكيل القوات المسلحة السودانية على اسس مهنية قتالية . يكون همها الوحيد هو الحفاظ على التراب السوداني من الدنس الاجنبي ، وان يبقى السودان للسودانيين معززين مكرمين فيه.

...........
ثم والاهم من كل ذلك ان تنغرس في عقلية ونفوس الجيش انهم غير مؤهلين لحكم المدنيين ، وتحمل مشاق وتبعات وتعقيدات قيادة الشعوب . وان ما يصلح لقيادة الجيوش وادارة المعارك وخوض غمار الحروب  لا يصلح لقيادة الشعوب وادارة معاش الناس.

مصعب المشرف

٢٥سبتمبر ٢٠٢١م




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات