مواضيع اليوم

الثورة المهدية من أبـا إلى الخرطـوم (حلقة 1)

مصـعـب المشـرّف

2017-08-11 22:47:06

0

 الثورة المهدية من أبا إلى الخرطوم

(حلقة 1)

مصعب المشرّف

12أغسطس 2017م


 

تحل يوم 12 أغسطس الجاري الذكرى السنوية لمعركة الجزيرة أبا عام 1881م  التي إنطلقت بعدها الأعمال العسكرية لتحرير السودان . وكلّلها النصر المبين بتحرير مدينة الخرطوم ، وتطهيرها من دنس الإحتلال الخديوي المصري . وإعادتها إلى حضـن أبنائها وأهلها وذويها في 26 يناير 1885م.

وكان الإحتلال الخديوي المصري للسودان قد بدأ بغزو عسكري عام 1821م . بقيادة إسماعيل باشا . نجل والي مصر آنذاك محمد إبراهيم أغا القوللي (تسمى فيما بعد بمحمد علي) . .... ولم تكن من أهداف ودوافع لهذا الغزو الجائر الغير مبرر سوى نهب موارد وثروات البلاد وإستنزاف شبابه بدم بارد.

ومحمد أغا القوللي هذا عسكري في الجيش التركي من أصل ألباني . جاء إلى مصر صحبة خاله قائد الفرقة المقدونية . وكان وقتها جندي عادي ولكنه عرف من أين تؤكل الكتف فنزوج من إبنة خاله وترقى إلى رتبة ضابط .. وما إنفك بدهائه وذكائه ورشاويه يتسلق حتى أصبح حاكم مصر عام 1805م . أباد منافسيه قادة المماليك غدراً في مجزرة تاريخية سوداء دبرها لهم عرفت بمجزرة القلعة. أعلن نفسه والياً على مصر بإسم الخلافة العثمانية التي كان مركزها الإستانة في تركيا .... ولكنه كان الحاكم الفعلي لمصر ، مقابل أتاوة سنوية ورشاوي وجواري يقدمها بين الحين والآخر للسلطان العثماني ومستشاريه وكبار حاشيته .. ثم تمكن برشاويه وجواريه وراقصاته من تحويل حكمه إلى عائلي وراثي بمسمى (الأسرة العلوية) لدغدغة مشاعر العرب والمسلمين وتخديرهم بمثل هذه الهجايص التي لا تخيل إلا على البلهاء ... وما لبث أن أصبح أحفاده في نهاية المطاف ملوكا على مصر تحت الإدارة البريطانية. وانتهى عهد حكم هذه الأسرة على إثر إنقلاب عسكري بقيادة اللواء محمد نجيب في  23يوليو 1952م. الذي أصبح أول مصري إبن مصري يحكم مصر منذ عام 341 قبل الميلاد.

  

لم تكن موقعة الجزيرة أبا هي " بدر السودان الكبرى" فحسب كما يظن البعض من المواطنين .... كانت هذه الموقعة هي قمة جبل الجليد.

لم تكن موقعة الجزيرة أبا محض صدفة أو جاءت ردة فعل على مطالبة سلطات الإحتلال للإمام محمد أحمد المهدي بتسديد ما عليه من "متأخرات" الضرائب . وفق ما حاول المؤرخ الأجنبي أن يوحي به لتفريغ الثورة المهدية من مضامينها الوطنية والسياسية... وأبعادها الدينية.

ولم تكن موقعة أبـا نتاج هوس وجهل "دراويش" ... فحاشا أن يكون الإمام المهدي وتلامذته ومريديه فخر صناعة الخلوة السودانية ، وخريجي مدارسها الإسلامية العلمية والصوفية ؛ حفظة القرآن الكريم ، ومجوّديه على أكثر من قراءة وبإطِّلاع على أشهر تفاسيره  ... حاشا وكلاّ لأمثال هؤلاء من حفظة الحديث النبوي الشريف أن يوصفوا بمسمى "الدراويش" الذي تلاعبت بمعناه ذهنية أهل مصر والشام . فنزعوا منه معناه الإيجابي،  ووضعوه في خانة السلبي على سبيل السخرية والتجريد الفكاهي الشعبي . رغم أن الأتراك في لغتهم يطلقونه على المتنسك المتصوف. ويحملونه على ذلك بمحمله الإيجابي. ... وقيل أن أصل الكلمة فارسي.


تتلخص أحداث الجزيرة أبا . أنه وفي يونيو عام 1881م ؛ جهر الإمام محمد أحمد المهدي بإعلان رسالته المهدية . والعصيان لسلطات الإحتلال الخديوي المصري.

بداية ... نخن هناك أمام كوثق واضح :

1)   فكري مرتبط بالعقيدة الإسلامية . وهو قابل للنقاش.


2)سياسي مرتبط بمطالبة سلطات الإحتلال الأجنبي الخروج من السودان. ليعود السودان للسودانيين كما كان في الأصل قبل عام 1821م .. وهو بذلك يجري تفسيره من جانب المحتل بأنه عصيان يستوجب الإجراء البوليسي أو العسكري.

لأغراض سياسية (بالطبع) ؛ فقد أخفت قيادة سلطة الإحتلال في الخرطوم أمر العصيان . وحاولت إبراز إعلان الأمام محمد أحمد أنه مهدي الزمان المنتظر دون غيره ..... وبدأت بالعزف على هذا الوتر وحده بتجنيد العديد من خطباء المساجد وفقهاء العلوم الإسلامية ... لا بل وحتى بعض منافسي وخصوم الإمام محمد أحمد في سلك الطريقة السمانية .. فنهض كل هؤلاء يفندون إعلانه المهدية ويكذبونه بكافة الأسانيد التي إجتزأوها إجتزاءاً من القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف .. وكذلك نهض بعض علماء الأزهر في القاهرة لمؤازرة حكومة الإحتلال في الخرطوم بإصدار الفتاوى المكذبة للدعوة المهدية.


كل الحراك الفقهي العلمي من جهة والصوفي من جهة أخرى المشار إليه كان في واقع الأمر هراء .... ومحاولة بائسة من جانب إدارة الإحتلال في الخرطوم ذر الرماد في العيون . وصرف الأنظار عن مطالب المهدي السياسية المتمثلة في مطلب واحد لا ثاني له . وهو إخلاء الإحتلال الخديوي المصري لأراضي السودان وعودته بجيوشه إلى بلاده.


من بين أوضح الأدلة على أن سلطات الإحتلال الخديوي المصري لم تكن تأبه في بداية الأمر ووالواقع بإعلان الإمام محمد المهدي نفسه مهدي الزمان .... من أوضح الأدلة على ذلك هو ما جاء في إفادة شيخه السابق وخصمه اللدود في تلك الفترة "الخليفة محمد شريف رحمه الله" .. جاء في إفادته أن "محمد أحمد" أسر إليه خلال زيارته له في عام 1878م  بأنه مهدي الزمان المنتظر . وطلب منه إتباعه على أن يكون وزيره ومستشاره.

وافاد الخليفة محمد شريف أنه إمتنع عن مبايعة المهدي . وزجره وأمره بالكف عن التفكير في هذا الأمر . وأنه عقد له مجلساً تأديبياً في الجزيرة أبا بحضور نظار القبائل وشيوخ الطريقة في المنطقة . ولكن المهدي لم يقتنع بنصيحة المجلس . وطلب الإذن بالخروج لإستشارة أتباعه . فخرج ولم يعد مرة أخرى . وهو ما أضطر فيه الحليفة شريف إلى إعلان طرده من الطريقة السمانية. وتجريده من رايته التي سبق وأن قلده لها أيام الصفـاء.

ويواصل الخليفة محمد شريف بقوله : أنه خاطب مامور مركز الكـوّة بهذا الشأن . وأطلعه بأن "محمد أحمد" في سبيل إعلان نفسه مهدي الزمان المنتظر. وقد بدأ يجمع حوله الأتباع في الجزيرة أبا .

وأضاف الخليفة محمد شريف أنه قد حذر المامور من تفاقم الأمر وإستفحاله وعاقبته ، وخطورة ما يدعو إليه "محمد أحمد" ... ولكن المامور رفض إتخاذ أي إجراء رسمي تجاه "محمد أحمد" . وأخبره أن "الشيخ محمد أحمد" رجل تقي وولي صالح . وأنه من أصحاب الخضر عليه السلام . وأن الأهالي يقولون عنه كل خير.

وعلى أية حال . فإن مهدية الإمام محمد أحمد المهدي لم تلقى حظها حتى يومنا هذا من النقاش والتحليل الموضوعي لأسباب متعددة بعضها زال وبعضها قائم .... وقد يكون بعضها آت.


هناك فجوة تواصل ومتابعة من جانب سلطات الإحتلال الخديوي المصري مع ما كان يجري في أوساط المدارس الدينية العلمية ، وتلك الصوفية داخل الساحة السودانية الأهلية .... هذه الفجوة لم أجد من إلتفت إلى إتساع رقعتها وتأثيرها الإيجابي على منح الدعوة المهدية الكثير من حرية التأصيل الفكري والإندياح وسط المواطنين ... المدى الزمني لهذه الفجوة إمتد ما بين عامي 1877م إلى بداية عام عام 1880م . وهي الفترة التي شهدت تعيين الخديوي إسماعيل باشا الجنرال غوردون حكمداراً عاماً للسودان (الولاية الأولى) خلفا للحكمدار إسماعيل باشا أيوب ؛ الذي كان يخطط بالفعل لتحويل السودان إلى إقطاعيات بتمليك الأراضي الزراعية الخصبة فيه إلى ضباط وجنود الإحتلال الخديوي المصري . وهو ما أثار حنق المواطنين . عوضا عن سمعة إسماعيل أيوب السيئة بوصفه قد كان "بالوعة رشاوي" . ويقبل الهدايا القيمة والتافهة على حدٍ سواء ؛ حتى لو كانت سخـل ماعـز.


إنشغل الجنرال غوردون بإغلاق جنوب السودان (السابق) في وجه الشماليين على زعم مكافحة تجارة الرقيق .. وإنشغل كذلك بإخماد تمرد السلطان هارون في دارفور .. وأكثر من هذا وذاك إنشغل بوصفه (مسيح العصر الفكتوري) برحلات مكوكية ما بين السودان والحبشة والقاهرة ، لتكريس وتوطيد دعائم القلعة المسيحية الأفريقية في الحبشة . وإقتراحه تنازلات مصرية من أرض السودان لمصلحة الملك الحبشي يوحنا ؛ ومنحه تعويضات مالية من الخزينة المصرية .... وهو ما أثار شكوك قصر عابدين . ودفع الخديوي محمد توفيق إلى التراجع عن السلطات الغير محدودة التي منحها لغوردون في خطاب تعيينه حكمداراً على السودان .. فغضب السير غوردون وقدم إستقالته من منصبه وعاد إلى بلاده.


الشاهد إذن أنه وخلال هذه الفترة من عام 1877م إلى 1880م كان الإمام محمد أحمد المهدي هو وتلاميذه ومريديه في قمة ممارسة نشاط الدعوة السرية للثورة .. والتجوال والترحال على قدم وساق في نواحي الجزيرة والنيل الأبيض وكردفان ، وإجراء المعاينات والمسح لطبيعة الأرض والتضاريس . وإيفاد المناديب وجامعي المعلومات ، وزرع الخلايا في دارفور والشرق والشمالية.

لم يكن الإمام المهدي مشروع قائد ملهم فحسب .. ولكنه كان منذ طفولته فريد عصره  وعقـل أمّـة.

والشيء الجدير بالإستنتاج هنا أن المهدي قد بدأ دعوته السرية هذه من منطلق سياسي ؛ ثم تلا ذلك مرحلة الدعوة المهدية ومالبثت الدعوتان أن إندمجتا ..

وقد كان المهدي خلال مرحلة الدعوة السياسية لطرد الإحتلال من البلاد  حريص على تعرية فساد حكومة وإدارة الإحتلال .. وهو ما يجيب على بعض الأسئلة التي قد تثار حول مدى مصداقية إفادة الخليفة محمد شريف ؛ بأن الشيخ محمد أحمد قد أسر له بمهديته عام 1878م ... وأنه لم يجد من يستمع في الخرطوم إلى تحذيراته من إستفحال أمر محمد أحمد المهدي.

الإستنتاج المنطقي هنا إذن ؛ أن الجنرال غوردون حكمدار السودان في تلك السنوات (1877م – 1880م) لم تكن ثقافته تتيح له تقدير إمتدادات وعواقب إسرار أو إعلان رجل دين ومتصوف تقي صالح المهدية .... كما أنه وكما أسلفت كان منشغلاً بمعالجة الكثير من تركة الفساد التي خلفها وراءه الحكمدار السابق (إسماعيل باشا أيوب) . وترميم النسيج الإجتماعي الذي مزقته ثورة السلطان هارون لإستعادة ملك آبائه في دارفور .... ثم ومعالجاته التبشيرية في بحر الغزال والإستوائية ..   

 ثم جاء تعيين رؤوف باشا حكمداراً للسودان خلفاً لغوردون.

تولى رؤوف باشا منصب حكمدار السودان خلال الفترة ما بين مارس 1880م و 1882م ؛ بعد أن كان قد سبق له العمل في بعض مناطق الإستوائية ، وإقليم هـرر (شرق أثيوبيا).  

كان رؤوف باشا بحكم تشابه الثقافة والقناعات ؛ وعمله السابق في السودان قبل توليه منصب الحكمدار ؛ كان يعرف "الشيخ" محمد أحمد حق المعرفة ؛ بوصفه قد كان في الأصل شيخا من شيوخ الرايات في الطريقة السمانية برخصة من الخليفة محمد شريف .... وكانت له مدرسة دبنبة علمية وزاوية للطريقة السمانية في الخرطوم ...... وواقع أنه قد تمت مبايعته بعد وفاة الخليفة القرشي في الحلاوين عام 1880م .....  تمت مبايعته الخليفة الوريث لسجادة الشيخ القرشي . ومن ثم فقد ورث في معية هذه السجادة واقع وعبء التنافس الحاد والإستقطاب الذي كانت تشهده الطريقة السمانية ما بين الخليفة القرشي من جهة والخليفة محمد شريف ؛ رحمهم الله جميعا من جهة أخرى.

وبحسب ما يوضع على طاولته من تقارير . فقد كان الحكمدار رؤوف باشا على علم مسبق بما بين الخليفة محمد شريف وبين الشيخ محمد أحمد من خلاف وخصومة.

ولأجل ذلك فإن رؤوف باشا حين قابله الخليفة محمد شريف في الخرطوم . وشكا إليه أمر الشيخ محمد أحمد . وأفاض في بيان خطورة أمر إدعائه المهدية . لم يعر الأمر إهتماماً كبيراً . وإعتبره عارضاً من عوارض العداء والغيرة بعد أن تفوّق الحُوار على شيخِه.

في مؤلفه "تاريخ السودان" يرى نعوم شقير أن تاريخ إشهار المهدي لدعوته كان في 29 يونيو 1881م. وذلك من خلال عدة رسائل مكتوبة بعث بها المهدي إلى عديد من مشايخ الطرق الصوفية والفقهاء العلماء.

وعليه فإن نعوم شقير يوثق هنا لمظهرين من مظاهر الدعوة المهدية الأولى سرية بموجب إفادة الخليفة محمد شريف له خلال لقائه الوحيد به (عام 1898م) . والثانية بموجب نصوص في رسائل المهدي موقعة في يونيو 1881م.

ولكن ... الهاجـس الأمنـي لم يتحرك لدى رؤوف باشا إلا بعد أن وقعت في يده نسخاً من رسائل ومنشورات المهدي ، التي جهر فيها بالدعوة إلى إتباعه بوصفه مهدي الزمان المنتظر و الثورة على الإحتلال الأجنبي ..... عندها فقط تحرك رؤوف باشا . وأرسل رسالة إلى المهدي في الجزيرة ابا يستفسر منه عن ما نسب إليه في هذه الرسائل ، وهل هي حقيقة أم دسيسة؟ ... فأجابه المهدي برسالة أكد له فيها أنها صادرة منه.

في أغسطس عام 1881م قرر رؤوف باشا إرسال مجموعة قليلة العدد من جنود الإحتلال تحت إمرة "محمد ابو السعود العقاد" لإعتقال المهدي ، وإصطحابه معه إلى الخرطوم .

يوم الأحد 7 أغسطس 1881م وصل أبو السعود إلى الجزيرة أبا على متن باخرة نيلية . وصادف ذلك اليوم 11رمضان عام 1298هـ.

ذهب ابو السعود إلى مسيد الإمام المهدي . ففوجيء بكثرة أعداد أتباعه وتلاميذه والمريدين . فنخلى عن فكرة الإعتقال وآثر الحوار والحيلة عل وعسى يفلح في إستدراجه ....

بعد السلام والترحيب ومنحه الأمان . تحدث أبو السعود فأخبر المهدي أن حكمدار السودان رؤوف باشا ؛ ولي الأمر في البلاد ، يطلب منه بصفة رسمية الحضور إلى الخرطوم لمناقشته في أمر ما صدر عنه من دعواه.

فأجابه المهدي بقوله:

-   "أما ما طلبته من الوصول معك إلى الخرطوم فهذا مما لاسبيل إليه . وأنا ولي الأمر الذي تجب طاعته على جميع الأمة المحمدية .

ويقال أن أبي السعود لم يتمالك أعصابه . فكشف جميع أوراقه حين خاطب الإمام المهدي بالقول :

-         "إرجع عن هذه الدعوى . فإنك لا تطيق حرب الحكومة .. ولا نرى معك من يقاتلها ".

فأجابه المهدي وهو يبتسم:

-         "أنا اقاتلكم بهؤلاء - وأشار إلى أصحابه.

ثم التفت إليهم وقال:

-         أأنتم راضون بالموت في سبيل الله؟

فقالوا كلهم:

-         نعم . راضون بالموت في سبيل الله . وباذلون أرواحنا في رضى الله ورسوله ومهديه.

فالتفت المهدي إلى أبي السعود . وقال له:

-         قد سمعت ما أجابوا . فأرجع إلى ولي أمرك في الخرطوم وأخبره بما رأيت وسمعت.

عاد أبو السعود من مكانه وساعته مسرعاً إلى الخرطوم . وحكى لرؤوف باشا ما رآى وسمع بالتفصيل .

سارع رؤوف باشا إلى تجهيز قوة عسكرية مكونة من 200 جندي (مئتين) وستة ضباط من بينهم إثنين برتبة صاغ (رائد) . وجعل على راسهم معاونه محمد أبو السعود العقاد آنف الذكر. وأبحر هؤلاء جميعهم بكامل عتادهم وأسلحتهم . كما كانت القوة العسكرية هذه مجهزة بمدفع.

من جانبه أدرك الإمام المهدي من تهديدات أبو السعود المشار إليها في المحاورة أن سلطات الإحتلال في الخرطوم تعد العدة لقتاله . فلم ينتظر حتى يفاجئه جيش الإحتلال . جمع أصحابه وتلامذته وأطلعهم بما يرى من أن الحكمدار لن يلبث أن يرسل إليه عساكر لقتاله . وخيرهم ما بين البقاء معه أو العودة إلى بيوتهم وعيالهم. فبايعوه جميعهم على القتال حتى النصر أو الشهادة.

كذك أرسل المهدي إلى خلايا الثورة النائمة في الجزيرة أبا وكافة المناطق القريبة منها للمسارعة إليه . فاجتمع حوله ما يقارب 350 مجاهداً أهل صدق عند اللقاء لا يهابون الموت. فبادر الإمام المهدي إلى تقسيمهم على هيئة مجموعات وجعل على رأس كل مجموعة قائد مباشر أطلق عليه مسمى المقدم.

صادف تاريخ موقعة الجزيرة أبـا فجر الجمعة 12 أغسطس 1881م  الموافق 16 رمضان لعام 1298الهجري.

في مثل هذا اليوم المذكور أعلاه ؛ وصلت باخرة عساكر الإحتلال إلى الجزيرة ابا . ونزل منها الجنود يظنون أنهم متوجهون إلى نزهة لصيد الأرانب . وكان المهدي وأصحابه قد كمنوا لهم خلف الأشجار ووسط الأحراش والمستنقعات . فدارت معركة حامية الوطيس بين الطرفين . أعمل فيها أنصار المهدي السلاح الأبيض في أجساد الغزاة . وسرعان ما انكشف جمع الأعداء فقتل الأنصار معظمهم . وهرب من تبقى راكضا نحو الباخرة فتتبعهم الأنصار بالرماح والسهام والهراوات والمقالع ... فلم لم ينجُ منهم إلا خفيف العظام واللحم والشحم السريع في الجري.

وأما المعاون محمد أبو السعود (وكان يحمل لقب بيك) . فقد أخذها من قصيرها ؛ وتمترس داخل الباخرة يراقب المعركة من بعيد . وحين تأكد من هزيمة جنوده ورآى فلول جمعهم تركض مذعورة نحو الباخرة ؛ خاف على نفسه من مغبة إقتحام الأنصار لها في مرساها . فأعطى الأوامر لقبطانها بالإقلاع سريعاً دون إنتظار أحد والعودة إلى الخرطوم.... فلحق بالباخرة من لحق وقفز إلى الماء من قفز .. وبقي في اليابسة من تبقى ليواجه قـدره المحتوم.

وأصيب الإمام المهدي في هذه المعركة بجرح غائر في كتفه جراء إصابته بطلق ناري أثناء مشاركته بالقتال في ميدان المعركة . وبلغ عدد شهداء الواجب  12 شهيداً . حملوا للصلاة عليهم وتم مواراة أجسادهم الثرى داخل خلوة المهدي.


كان صدى إنتصار المهدي في هذه المعركة عظيماً. وسرعان ما إنتشر خبرها في كافة أرجاء البلاد . وصاحبتها أدبيات وطنية وقصائد في مدح بطولة المهدي وأنصاره . وضرب الأمثال ببسالتهم وشجاعتهم وثباتهم في أرض المعركة .. فأسهم ذلك في سرعة إستجابة أنصاره وعامة أبناء القبائل السودانية للهجرة إليه في جبل قدير . ونهوض من كان متردداً ومتكاسلاً لتلبية نداء الجهاد وواجبه.

(يتبع يإذن الله)





التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات