مواضيع اليوم

التلقي النقدي لأدب غادة السمان

عمر شريقي

2014-12-13 15:25:51

0

التـلقّـي النّـقـدي لأدب غـادة الســـــمّان

 

 

رسالة دكتوراه باللغة العربية وآدابها في جامعة تشرين باللاذقية

-----------------------------------------

تم مناقشة رسالة الدكتوراه باللغة العربية في جامعة تشرين باللاذقية من إعداد السيدة نضال القصيري بعنوان (التـلقّـي النّـقـدي لأدب غـادة الســـــمّان) مبيّنة أهمية مقاربات نتاجغادة السمّان الروائي؟

 التقطَ فوكو نظرةَ المبدعِ لحظةَ الإبداعِ، فقالَ : "منْ عَيْنَيّ الرسّام يَمتدُّ خطٌّ لا نستطيع تلافيَهُ ... إنّه يجتازُ اللوحةَ الحقيقيّةَ، ويلتقي في مقدّمة سطحها بالمكان الذي نرى منه الرسّامَ الذي يراقبنا؛ هذا الخطُّ المرسومُ بالنقط يصلُ إلينا حتماً ويربطُنا إلى تمثيل اللوحة ... ففي هذا المكان المحدّد يتبادلُ الناظرُ والمنظورُ الأدوارَ بلا توقّف" .. وكذلك الشأنُ في كلّ إبداع. وهذا ما يجعلنا نوافق الرأي القائل إنّ النصوصَ الأدبيّة تخلّدُ في التاريخ من خلال القارئ، وإنّ الأدباء العظماء الذين ما نزالُ إلى يومنا هذا، نردّدُ أسماءَهم، ونتحاورُ مع نتاجاتهم الشعريّة منها والنثريّةِ من أمثال : موليير، وشكسبير، وهمنغواي، وكافكا، وفرجينيا وولف، وجورج صاند، وامرِئ القيس، وأبي تمّامٍ، وأبي نُواسٍ، والمتنبّي، وغيرِهم - مثال حيّ على أهميّةِ القارئ وفاعليَّتِهِ في إخراجِ النصِّ الأدبيِّ من حالة الوجود بالقوّة إلى حالة الوجود بالفعل، فهو من يسبرُ أغوارَهُ، ويحرّكُ سواكنَهُ، ويستنطقه، باحثا عن الممحوّ فيه، والمقصيّ، والمنفيّ، والغائب، والمسكوت عنه، مقدّما، نصّاً جديداً، أو ولادة جديدة، تضمنُ للنصّ الأدبيّ بقاءَهُ وخلوده؛ ذلك أنّه لا يمكنُ لأيّ نصّ أدبيّ وفق ما يقولُ ياوس أن يكونَ لهُ أثر مستمر إلاّ إذا كان أولئك الذين جاؤوا فيما بعدُ مازالوا يستجيبون له مرّة أخرى؛ أي إذا كان هناك قرّاءٌ يتفاعلونَ مع العمل الذي ينتمي إلى الماضي، أو مؤلّفون يريدون أن يقلّدوا هذا العمل، أو يتفوّقوا عليه، أو يؤكّدوا بطلانه. لذلكَ ظهرتْ نظريّةُ التلقّي في الربع الأخير من القرن العشرين؛ لتؤكّدَ أهمّية القارئ في العمليّة الإبداعيّة بعد أن انشغلت الدراساتُ النّقديّة دهراً بالمبدع أو بالنصّ، متجاهلة دوره.

 

مسوغّات البحث

                  وعلى الرّغم من الاهتمام الذي حظيت به نظريّة التّلقي من قبل، فإنّالدّراسات النقديّة التي أفادت منها اقتصرت في أغلبها على الجانب النّظري؛ ذلك أنّنا من خلال تقصّينا للدراسات التي تناولت هذه القضيّة لم نقف في المكتبة العربيّة على دراسة نصّية إجرائيّة في ضوء مفهومات نظريّة التلقّي، وجلّ ما اطّلعنا عليه يتوقف عند تخوم النظر الّذي يتكئ على ما أنتجه الغرب الحديث في هذا الحقل، فإذا تجاوز النّظر إلى الإجراء جاءت نماذجه جزئيّة أقرب ما تكون إلى الشّواهد في السّرد الرّوائي. باستثناء كتاب النّاقد حميد لحمداني (القراءة وتوليد الدلالة، تغيير عاداتنا في قراءة النصّ الأدبيّ).

وكان افتقار المكتبة العربيّة إلى الدراسات الإجرائيّة في هذا الحقل حافزاً إلى اختيارِ موضوع (التلقّي النّقدي لأدب غادة السمان)؛ على أنّ أدب غادة السمّان - فيما نعلم- في الوطن العربي بوجه عام، وفي سوريّة على نحو خاص لم يحظَ بدراسة مستقلّة تتناوله في ضوء نظريّة التّلقّي؛ لذلك تولّدت لدينا الرّغبة في تخصيص دراسة مستقلّة لهذه القضيّة، سنحاول عبرها تعرّف القراءات النقديّة للخطاب الرّوائي السمّاني، من خلال الإجابة عن الأسئلة الآتية :

-      هل تمكّن النقّاد من فكّ شفرات الخطاب الرّوائي السمّاني، وملء الفراغات الكامنة فيه ؟

-      أكانت آفاق توقّعاتهم لهذا الخطاب متطابقة، أم أنّها اختلفت من ناقد إلى آخر؟

-      وهل تطوّرت هذه القراءات عبر التّاريخ ؟

-      وهل خرج الخطاب الرّوائي السمّاني عن التقاليد الفنيّة المعروفة ؟

-         ثمّ هل تمكّن النقّاد من الوقوف على طبيعة تطوّر أعمال غادة السمّان الرّوائية؟

-      وهل ما كتبته غادة السمّان لقرّائها عام خمسةٍ وسبعينَ وتسعمِئةٍ وألفٍ ما يزال خطاباً موجّهاً إلى قرّاء اليوم ؟

 

ولكن من هي غادةُ السمّان؟

ولدت غادة السمّان (1942) لأسرةٍ دمشقيّةٍ معروفةٍ، فوالدُها الأستاذُ الجامعيُّ أحمدُ السمّان عميدُ كلّيةِ الحقوقِ في جامعةِ دمشقَ عشر سنواتٍ ثمَّ رئيسُ الجامعةِ، فوزيرُ التربيةِ والتعليمِ، وكان مشاركاً في وضع القوانينِ، والأنظمة الاقتصاديّة، والاجتماعيّة، بعد استقلالِ سوريّةَ (1946)، وأمّها الأديبة الشاعرة سلمى رويحة من مدينة اللاذقيّة. وقد بدأ تكوين غادة السمّان الثقافي منذ طفولتها؛ إذ أتقنت اللغة الفرنسيّة، وعمرها ثلاث سنوات، وألمّت بالإنكليزيّة والفضل في ذلك يعود إلى أمّها التي كانت تدرّسُ في مدرسة اللاييك التي تعلّم اللغة الفرنسيّة للعرب.

وقد كان لوالدها إسهامٌ كبيرٌ في صقل شخصيّتها، فأولاها عناية فائقة، خاصّة بعد رحيل والدتها، فخصّها بصداقته وعالمه من الأساتذة الجامعيين والمثقّفين، وشجّعها على القراءة، وواظب على تحفيظها القرآنَ الكريمَ، وجعلَها تنهلُ من ينابيع التراث العربي والشعر الأجنبي، وزرع في نفسها حبّ العمل وتقديسه، وعلّمها الصبر والإرادة، فكان لهذه التربية بالغ الأثر في تفكيرها، وتطوّرها فيما بعد.

أثبتت غادة السمّان منذ الطفولة أنّها فتاة استثنائيّة، فقد كانتْ متفوّقةً دائماً في دراستها؛ وآيةُ ذلكَ أنّها كانتْ تنتقلُ بين صفّين في سنةٍ واحدةٍ، وهذا التفوّقُ أهّلها لتدخل الجامعة مبكّراً، في الوقت الذي كانت النساء اللواتي يرتدن الجامعة قليلات.

كانت طفولة غادة السمّان عالماً من المتناقضات التي جعلتها تشعر بأنّ المرأة العربيّة لم تحظَ بفرصةٍ إنسانيّةٍ؛ لتعبّرَ عن نفسها. وهي بتربية أمّها المتحرّرة، وثقافة والدها، والثقةِ، والقوةِ اللتين وضَعَهُما فيها، خرجت من تلك الطفولة، تحلم بعالمٍ مختلفٍ، عالمٍ تتحقّق فيه الحريّة، والعدالةُ الاجتماعيّة، وينتفي فيه الاضطهاد و الاستغلال.

بعد تخرّج غادةَ السمّان في قسم اللغة الإنكليزيّة بجامعة دمشقَ، عملت أستاذة محاضرة في الجامعة نفسها، ومترجمة للرئيس ونائبه في أثناء الوحدة بين سوريّة ومصر، ومقدّمة لبرنامج إذاعي.

في عام (1962) صاغت غادة السمّان بياناً خاصّاً حول حريّة المرأة، تحدّثت فيه عن وضع المرأة العربيّة الصعب، وطالبت فيه بتغيير حياتها، وحثّتها على التزام الحريّة المسؤولة التي تجعل منها إنسانة مساوية للرجل، مدركة في الآن نفسه أنّ المرأة لا يمكن لها أن تتحرّر في ظلّ مجتمعٍ يفتقر رجاله إلى الحريّة. وبهذه  الرؤية كانت غادة السمّان واحدة من كاتبات قلائل في العالم العربي، تجاوزت الحدود والأطر التي تحدّد حريّة المرأة العربيّة.

وبعد هزيمة حزيران عامَ سبعةٍ وستّينَ وتسعمئةٍ وألفٍ التي هزّتِ الوِجدانَ العربي،خرجت غادة السمّان من مرحلة الكتابة الذاتيّة إلى مرحلة أوسع وأرحب، وأدركت أنّ قضيّة المرأة ليست سوى قضيّة من قضايا متعدّدة يجب أن تتضافر مع قضايا تحرّر الإنسان، وتحرّر المجتمع على المستويات جميعها السياسيّة، والاجتماعيّة، والفكريّة، والاقتصاديّة، وغيرها.

 

فما هي أهمّ مقاربات نتاج غادة السمّان الروائي؟

 أهمّ هذه المقاربات : كتاب (الحريّة في أدب المرأة) للنّاقد عفيف فراج الذي تناول فيه روايتي (بيروت 75) و(كوابيس بيروت)، إضافة إلى بعض مجموعاتها القصصيّة، وكتاب غالي شكري (غادة السمّان بلا أجنحة) وفيه دراسة للرّوايتين السّابقتين، إضافة إلى ثلاث مجموعات قصصيّة للكاتبة، وكتاب عبد العزيز شبيل (الفن الروائي عند غادة السمّان) الذي درس فيه الجانب الفني للروايتين المذكورتين، وكتاب ﭘاولا دي كاﭘوا (التمرّد والالتزام في أدب غادة السمّان) الذي هدفت منه النّاقدة إلى تحليل الوجه الأدبيّ لأعمال غادة السمّان، ولا يفوتنا كتاب ماجدة حمّود (جماليّات المغامرة الروائية لدى غادة السمّان) الذي قدّم دراسة شاملة لأعمالها الرّوائيّة سواء أكان ذلك على مستوى الشّكل، أم على مستوى المضمون.

وتضاف إلى تلك الدراسات بعض المقالات منها : مقالة مفيد نجم "المرأة في مرايا الذات والآخر"، ومقالة أديب عزت "كوابيس بيروت"، وأخيراً مقالة إبراهيم جنداري "المفارقات الزمنيّة في روايات غادة السمّان".

ونظراً لغزارة النتاج السمّاني (قصّة، رواية، شعر، أدب رحلات، أدب رسائل)، وغزارة الدّراسات النّقدية حوله، رأينا أنّ نقيّد البحث ونخصّصه؛ ليكون وقفاً على الخطاب الرّوائي السمّاني فقط.

وبعد القيام بعمليّة إحصاء دقيقة للموضوعات المختلفة التي قدّمها هذا الخطاب، لاحظنا أنّ القضايا التي هيمنت على خطاب غادة السمّان، وكانت محطّ أنظار النقّاد والباحثين أكثر من غيرها هي : حريّة المرأة، والحرب اللبنانيّة؛ لهذا اقتصرنا على مقاربة هذين الموضوعين؛ لأنّ مقاربة الموضوعات جميعها تحتاج إلى دراسات متعدّدة لا دراسة واحدة، وتتطلّب أيضاً عدداً لا يُحصى من الصّفحات.

 

منهج البحث

وهكذا أقمنا بحثنا هذا على الوصف، والتحليل، والتفسير، والموازنة، والتقويم مفيدين من التيّارات النقديّة التي يجتذبنا النصّ إلى فضاءاتها، في ضوء نظريّة التلقّي، كما وردت عند أعلام مدرسة كونستانس الألمانيّة (ياوس وإيزر)، فوفقاً لياوس : الذي يَعدّ النصّ الأدبيّ إجابة عن أسئلة القرّاء في عصره يمكن تصوّر مراحل الدّراسة على النحو الآتي :

-      معرفة الإجابات التي قدّمها النصّ إلى معاصريه.

-      تطوّر هذه الإجابات عبر القراءات المتعاقبة.

ووفقاً لإيزر : الذي يرى أنّ تشكيل معنى النصّ الأدبيّ، لا يكون إلّا من خلال التفاعل بينه وبين القارئ، فإنّه من الصّعوبة مقاربة آليّة التفاعل؛ لتعقّد هذا الموضوع، وجهلنا بالذي يحدث عندما يواجه القارئ نصّاً ما؛ لهذا سنعمد إلى أهمّ مقولات إيزر (الفراغات) التي تبرز دور القارئ في عمليّة إبداع النصّ.

 

مكوّنات البحث

وهكذا ينتظم البحث في مقدّمة، ومدخل، وخمسة فصول، وخاتمة، وثبت المصطلحات، ثمّ ثبت المصادر والمراجع :

-      تبيّن المقدّمة أهميّة البحث، وغايته، ومنهجه.

-      أمّا المدخل فيتناول مفهوم نظريّة التلقّي، لغة واصطلاحاً.

-      يرصد الفصل الأوّل جذور هذه النظريّة عبر التّاريخ، وتطوّرها إلى ما استوت عليه عند أعلام مدرسة كونستانس الألمانيّة.

-      ويتناول الفصل الثاني ذخيرة الخطاب السمّاني على المستويات الاجتماعيّة، والسياسيّة، والفنيّة.

-      أمّا الفصلان الثالث والرابع فيقاربان القراءات النقديّة لكلّ من موضوعي حريّة المرأة، والحرب اللبنانيّة، ويكشفان عن تجربة النقّاد الجماليّة، وعن الإجابات التي قدّمها الخطاب الرّوائي السمّاني إلى معاصريه حول هذين الموضوعين، فضلاً عن معرفة تطوّر هذه الإجابات.

-      وتستقصي الدّراسة في الفصل الخامس المستوى الفنّي في قراءات النقّاد.

-      وينتهي البحث بخاتمة تكثّف أهمّ النتائج التي توصّل إليها.

-      ولمزيد من الفائدة رأينا أنّ نضع ثبتاً للمصطلحات التي وردت في متن البحث، يليه ثبت المصادر والمراجع التي نهل منها البحث مادّته.

 

وعندما مخضنا البحث وصلنا إلى النتائج الآتية :

n    اختلفت التصوّرات النّقديّة حول تحديد مصطلح نظريّة التلقّي، فتعدّدت التسميات وتباينت.

n    يتحقّق التحديد الشّامل لنظريّة التلقّي من خلال اندماج كلّ من مشروعي ياوس وإيزر اللذين أكّدا غير مرّة أهميّة التّداخل، والتّفاعل بين التلقيّ والتأثير؛ ذلك أنّ النظريّة تنطلق من التّفاعل بين النصّ والقارئ.

n    حفل الفكر النّقدي العربي قديماً برؤى نقديّة قيّمة ، اهتمّت بوظيفة المتلقّي في العمليّة الإبداعية، وأكثر ما توضّح ذلك لدى عبد القاهر الجرجاني، وحازم القرطاجنّي، على أنّ مفهوم التلقّي في تراثنا النّقدي القديم يختلف عمّا هو عليه في دلالاته المعاصرة. أمّا في الفكر النّقدي الغربي، فيعدّ كتاب (فنّ الشّعر) لأرسطو أقدم المصادر التي وطّأت لنظريّة التلقّي.

n    وكان من أهمّ العوامل التي مهّدت لظهور نظريّة التلقّي، وكان لها أثر واضح في منظّري مدرسة كونستانس الألمانيّة (ياوس، إيزر) : الشكلانيّة الروسيّة، وظاهراتيّة رومان إنغاردن، وبنيويّة براغ، وهرمينوطيقيا هانس جورج غادامر، وسوسيولوجيا الأدب.

n    حظي معنى النصّ الأدبيّ باهتمام كلّ من أعلام نقد استجابة القارئ ونظريّة التلقّي، بيد أنّهما تباينا في أنّ الأوّل صبّ اهتمامه على وصف ردود أفعال القرّاء كلّ على حدة، جاعلاً من استجاباتهم المتنوّعة والمختلفة بؤرة الاهتمام النّقدي، دون أن يكون لدى أعلامه المنتشرين في أنحاء العالم أيّة نظريّة تؤطّر لمشروع مستقبلي. على حين أنّ  نظريّة التلقّي كانت ثمرة جهد جماعي تطوّر فيما بعد، وحاك نظريّة موحّدة، قدّم من خلالها مشروعاً خاصّاً به.

n    اهتمّ ياوس بالتّلقيات الجماعيّة والتّاريخيّة للأعمال الأدبيّة، وأكّد أنّ النصّ الأدبيّ لا ينفصل عن تاريخ تلقّيه، وهو وسيط بين الأفق الذي ظهر فيه، وآفاقنا الحاضرة؛ لذا، كان مفهوم أفق التّوقّع الرّكيزة الأساسيّة في تشكيل نظريّته. ويتشكّل هذا الأفق من ثلاثة عوامل؛ هي : تمرّس الجمهور بالجنس الأدبيّ الذي ينتمي العمل إليه، ومعرفة أشكال الأعمال الماضية وموضوعاتها فيه، إضافة إلى التّعارض بين اللغة الشّعريّة واللغة العاديّة المستخدمة في هذا العمل.

n    ركّز إيزر على تطوير مفهوم القارئ، واهتمّ بآليّة فعل القراءة، وذهب إلى أنّ معنى النصّ الأدبيّ لا يتحقّق فيه، ولا في حضرة القراءة، وإنّما في نقطة التّقاطع بينهما؛ لهذا، قام بوضع استراتيجية تستند إلى ثلاثة أبعاد؛ هي : النصّ بوصفه موجوداً بالقوّة يسمح بإنتاج المعنى عندما يقوم القارئ بتجسيده وملء فراغاته، وفحص عمليّة مقاربة النصّ الأدبيّ من خلال القراءة، إذ تبدو أهميّة الصّور الذهنيّة التي تتكوّن في أثناء محاولة بناء المعنى، وأخيراً بنية الأدب الإبلاغيّة التي يتمّ بها فحص الشّروط التي تسمح بقيام التّفاعل بين العمل الأدبيّ والقارئ.

ولوصف هذه الاستراتيجيّة، عمد إيزر إلى تقديم جملة من المفهومات تتمثّل في (القارئ الضّمني) الذي يشكّل بنية نصيّة تتوقّع حضور قارئ ما؛ لتقيم جسراً بينه وبين النصّ الأدبيّ، ومفهوم (الذّخيرة)؛ أي منطقة التقاء النصّ الأدبيّ مع القارئ، من أجل البدء بعمليّة التّواصل، ثمّ مفهوم (الاستراتيجيّات النصيّة) التي تقوم بفعل إرشاد القارئ وتوجيهه في أثناء سيرورة القراءة، فتساعده على تحقيق موضوعه الجماليّ، ثمّ مفهوم (وجهة النّظر الجوّالة) التي تتيح للقارئ أن يجول في فضاء النصّ الأدبيّ، كاشفاً خلال ذلك عن المنظورات المختلفة التي يرتبط بعضها ببعض، ثمّ تعدّل من المعنى في أثناء عمليّة القراءة، والانتقال من منظور إلى آخر، وأخيراً مفهوم (الفراغات) التي تشكّل الأساس الذي يُبنى عليه التّفاعل بين النصّ الأدبيّ و القارئ.

n    امتازتْ ذخيرة الكاتبة السّوريّة غادة السمّان بالغنى والتّنوّع، ويعود مصدر هذا الغنى إلى عوامل عدّة؛ منها : حفظ القرآن الكريم، وإتقانها اللغتين الفرنسيّة والإنكليزيّة، وقراءتها التّراث العربي، والشّعر الأجنبي، والأعمال الأدبيّة العربيّة منها والأجنبيّة. وشكّلت مهنة الصّحافة منعطفاً رئيساً في حياتها، فتعرّفت أحوال الفقراء في المجتمع، وأسهم السّفر في تعميق ثقافتها، وزيادة خبرتها في الحياة.

n    شكّلت قضيّة حريّة المرأة الموضوع الأبرز في الخطاب الرّوائي السمّاني على المستوى الاجتماعي، وكان لرواية (بيروت 75) الحظّ الأوفر في الدّراسة، وقد جاءت آفاق توقّعات النقّاد متقاربة حيناً، متباعدة حيناً آخر. كما وقع بعضهم في أسر التّلقيات السّابقة، وإن كنّا وجدنا أنّ التّطابق بين آفاق توقّعاتهم تركّز على أنّ حريّة المرأة تكمن في العمل الاجتماعي المنتج، وفي الاعتماد على الذّات، والتّسلح بالعلم والوعي.

n    على المستوى السّياسي حظيت رواية (كوابيس بيروت) بقراءات متعدّدة؛ لما تحمل من موضوعات ذات أهميّة للإنسان العربي.

n    أكّد معظم النقّاد امتلاك غادة السمّان أدوات فنيّة خاصّة في رسم عالمها الرّوائي، على الرّغم من بعض الثّغر التي لم تحل دون تميّزه، وتفوّقه، وتماسك بنائه، فأقرّوا لمبدعته بأنّه خطاب يتجاوز الرّواية الكلاسيكيّة السّوريّة في مقولاته، وغنى ذخيرته، وتداخل الأجناس الأدبيّة فيه.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !