مواضيع اليوم

التربية والقيم الاجتماعية

ناجم مولاي

2010-05-12 22:36:06

0

مقدمة
تعد التربية علما لكونها حقائق منظمة قائمة على التجارب المتعددة ليصبح الإنسان عضوا صالحا في المجتمع ، وإن هدف العملية التربوية هو تغيير الفرد حتى ينمو ويتغير ويتطور سلوكه من ثم يستطيع أن يسهم في تغيير وتطوير مجتمعه ، وتتخذ أنماط سلوكه في المجتمعات مسارا وفق مجموعة من القيم ، وهذه القيم يخلقها الإطار المرجعي العام في المجتمع الذي يتمثل في نوع الثقافة السائدة فيه .
وفي ظل الظروف والمتغيرات التكنولوجية وما يحدثه التطور العلمي السريع من ضياع الكثير من القيم الاجتماعية وسط زحام هذا العصر، كان من نتيجتها إدخال مفاهيم جديدة لا تتناسب مع واقعنا ومجتمعنا واختفاء الكثير من قيمنا المستمدة من تراثنا الثقافي و تلاشيها نسبيا ، لذلك كانت المجتمعات في حاجة إلى تدعيم بعض القيم الاجتماعية التي كانت تلاشت نسبيا ومحاولة إحيائها من خلال المؤسسات الاجتماعية المحيطة به في ضوء استعداداته الذاتية عن طريق تهيئة جو تربوي اجتماعي ينمو فيه الفرد ويتعلم ويرسخ في ذهنه وسلوكه قيم مجتمعه .
فما هي هذه القيم الاجتماعية وما علاقتها بالتربية ؟

 

1 - التربية
1-1- مفهوم التربية
للتربية تعريف وهو:
1-1-1 لغة : التنمية والزيادة والتطوير والتحسين ،وقد جاء هذا المعنى في قول العرب : - ( رَبَا، يَرْبُوْ :بمعنى زَادَ ونَمَى (
- ومعنى النشوء والترعرع وقد جاء على قول العرب َربِيَ ) رَبِيَ على وزن رضيَ(
- ومعنى أصلح الشيء وعالجه حتى يتم إصلاحه ، ورَبَّ الرجل قومه : أي سادهم وساسهم ، ومأخوذة من قول العرب )رَبَّ الإنسان الشيء ، وعلى وزن شَبَّ(.
2-1-1 اصطلاحا :
لا بد من التطرق إلى التعريفات المتعددة للوصول إلى تعريف مقبول يؤكد النقاط الأساسية في العملية التي نسميها« التربية ».
1- جان جاك روسو 1712-1778 م والذي يعتبر رائد التربية الغربية الحديثة في كتابه ” اميل ” حيث يقول ليس على التلميذ أن يتعلم ولكن عليه أن يكشف الحقائق بنفسه ، مما يدل على أن التربية عملية ذاتية وشعارها من طبيعة الطفل ، وكانت آراؤه فاصلا بين عصرين : عصر التربية القديمة وشعارها المادة ، وعصر التربية الحديثة وشعارها الطفل .
2- جون ستيوارت ميل ، إن التربية هي كل ما نفعله نحن من أجل أنفسنا ، وكل ما يفعله الآخرون من أجلنا حين تكون الغاية تقريب أنفسنا من كمال طبيعتنا وهو يشير هنا إلى ثلاث نقاط : إلى ما يفعله الآخرون من أجلنا في سبيل رعايتنا ، وإلى جهدانا في تربية أنفسنا في إيصالنا إلى كمالنا وإلى أن غاية هذا الجهد هي إيصال الإنسان إلى كماله الإنساني الذي وضع في طبيعته كإنسان .
3- لالاند يقول في معجمه الفلسفي لتوضيح معنى التربية إنها العملية التي قوامها أن تنمو وظيفة أو عدة وظائف نمو تدريجيا عن طريق التمرين للوصول للكمال ...، ويمكن أن تنجم إما عن عمل الآخرين ،أو عن عمل الكائن نفسه الذي يكتسبها ،إذ لابد أن يكون العمل تقدما ، وأن تكون النتيجة الحاصلة منه نموا في القيمة وأن يكون قوامه اكتساب عادة ملائمة لغايات مرجوة من قبل فلا تربية إلا إذا وجدت أحكام القيم. 1
4- جون ديوي 1759 – 1952 م حيث يقول إن الحياة في أصل طبيعتها تسعى إلى دوام وجودها ، عن طريق التجدد المستمر ، فهي إذن عملية التجدد بذاتها ، فجيل يموت لقيام جيل آخر ، وهذا النقل للتراث الثقافي الإنساني من جيل لآخر يظهر العملية بأجمعها على أنها عملية تجدد تستطيع الحياة بواسطتها المحافظة على دوامها .
فالتربية هي مجموعة العمليات التي بها يستطيع المجتمع أن ينقل معارفه وأهدافه المكتسبة ليحافظ على بقائه ، وتعني في الوقت نفسه التجدد المستمر لهذا التراث وأيضا للأفراد الذين يحملونه . فالتربية هي عملية نمو وليست غاية إلا المزيد من النمو ، إنها نفسها بنموها وتجددها .
لاشك أن التربية عملية معقدة ، وأنها توسط ذكي ومقصود بين راشد وناشئ . وتساعد الإنسان منذ صغره على التكامل التدريجي في جميع جوانب شخصيته تكاملا حرا وموجها معا بحيث يستطيع التفكير في أمور حياته والتعامل معها ويستطيع بالتالي مواجهة الظروف التي تصادفه مواجهة تمكنه من التكيف معها والمحافظة على بقائها .
فإذا أردنا وضع هذه العملية في إطار التعريف نقول : إنها عملية تضم الأفعال والتأثيرات المختلفة التي تستهدف نمو الفرد في جميع جوانب شخصيته وتسير به نحو كمال وظائفه عن طريق التكيف مع ما يحيط به ، ومن حيث ما تحتاجه هذه الوظائف من أنماط سلوك وقدرات.2
2-1 أنواع التربية
للتربية أنواع هي :
1-2-1 التربية التلقائية : وهي التربية التي ينعدم فيها ضبط التعلم ويتم اكتساب الخبرة والمهارات عن طريق البيئة الاجتماعية والطبيعية المادية ، ويمكن أن نصنف هنا التربية الموازية وهي الخاصة بالتعلم عن طريق وسائل الإعلام والمكتبات وغيرها التي يمكن للفرد أن يكتسب بواسطتها المعارف والمعلومات والاتجاهات .
2-2-1 التربية غير النظامية : وهي التربية التي تتم في المنزل والمسجد والمؤسسات الاجتماعية والنوادي ، حيث لا يدخل التعليم المنظم في أنشطتها ، وتتم التربية فيها بطريقة غير نظامية أو منهجية .
وقد يتوافر في التربية غير النظامية قدر معين من التوجيه لاكتساب المهارات والاتجاهات كما في بعض الأسر التي تحرص على تعليم أبنائها بنفسها ، أو المساجد التي تطرح برامج تعليمية منظمة ، ويمكن أن نضيف بعض نظم وأساليب التعليم الذاتي .
3-2-1 التربية النظامية المقصودة : وهي التربية التي تتم في المدارس والمعاهد والكليات حيث تعرف بأنها تعليم الناشئ وإعداده ، تعليما متدرجا يصل به إلى درجة الكمال الممكن جسميا وعقليا وروحيا واجتماعيا ، لكي يصبح مواطنا صالحا ، قادرا على التكيف مع البيئة المحيطة به ، فاهما للعصر الذي يعيش فيه ، يقوم بما عليه من الحقوق المشروعة ، حتى تتحقق له سعادة الدنيا والآخرة .
- وللتربية النظامية أنماط :
1– التربية النظامية العامة الأكاديمية: وكانت قديما تسمى بالتربية الحرة وتشمل القاعدة الأساسية من التعليم الموجه لجميع أفراد المجتمع الذي يتضمن المراحل الدراسية الابتدائية والمتوسطة والثانوية العامة غير المهنية .
2 – التربية النظامية الفنية والمهنية :وتسمى بالتعليم التطبيقي حيث يهدف إلى إعداد الأفراد لبعض المهن ذات العائد الاقتصادي غير أن هذا الاتجاه يبدأ بعد نهاية المرحلة الثانوية .
3 – تربية الفئات الخاصة : وتعني بتربية وتعليم وتدريب فئات خاصة من الأفراد مثل المتفوقين والمعوقين جسميا وعقليا والمختلفين والعاجزين عن التعليم .
4 – تعليم وتدريب الكبار : ويتم هذا النمط من التربية الآن بطرق نظامية ومنهجية ، حيث تعد بعض المجتمعات هذا النوع من التعليم إلزاميا لمكافحة أمية الكبار والقضاء عليها وعدم ارتداد المنقطعين عن مواصلة تعليمهم إلى الأمية.3

3-1 دور التربية في تنمية بعض العادات الاقتصادية و الاجتماعية
للتربية دور مهم في تنمية بعض العادات الاقتصادية والاجتماعية منها :
1-3-1 تنمية الوعي بأهمية العمل:
تهدف التربية إلى وعي الإنسان للعمل والإنتاج وقيمة الجهد الإنساني ، كما تعني التربية بالعمل بصفة شاملة وبأنواعها المختلفة كالعمل اليدوي ، والعمل الفكري والعمل البدني ، وتكمن أهمية الوعي بقيمة العمل ليس فقط في تحقيق المكاسب المادية بل أيضا في إشباع الرغبة في النشاط الخلاق وتحقيق القيم الإنسانية والتأكد على الصفة الاجتماعية للفرد . ولذا يعد العمل أحد قيم التربية الاقتصادية عن طريق التدريب على حسن استغلال الوقت والاستفادة منه ،وتنظيم العلاقات بين الأفراد بعضهم ببعض ، والتعاون في أداء العمل ، وتنمية المسؤولية الذاتية .
2-3-1 تنمية الوعي التخطيطي:
ان التخطيط هو اتجاه عقلي يقوم على حسن إدراك العلاقات بين ماهو موجود والأهداف المنشودة وبيان نواحي الضعف والقوة لمواقف المختلفة ، واستنباط أنسب الحلول للمشكلات القائمة ، وتسهم التربية إسهاما إيجابيا في ذلك عن طريق تنمية سلوك الأفراد وتحقيق الممارسات الفعلية والمستمرة للتخطيط من واقع الحياة ومشكلاتها إلى تكوين الاتجاه العقلي لدى أفراد المجتمع ومن ثم الإسهام في تقدم المجتمع .
3-3-1 تنمية عادات الادخار
تسهم التربية في تنمية عادات الادخار بين أفراد المجتمع عن طريق بيان معنى الإنفاق ومجالاته والموازنة بين هذه الحالات واستثمار المال بأفضل طريقة وصولا إلى تحقيق أكبر عائد ممكن ، كما تسهم التربية في تنمية العادات والاتجاهات الفكرية والسلوكية التي تتمثل في المحافظة على الممتلكات العامة وصيانة الموارد المختلفة والدقة في العمل والتنظيم في عملية الإشراف على العمل ، كل ذلك يعبر عن الادخار بمعناه الشامل اقتصاديا واجتماعيا. 4
4-3-1 احترام الملكية العامة
تسهم التربية في تنمية وعي الأفراد باحترام الملكية العامة وصيانتها والمحافظة عليها ، وكذلك تنمية الوعي الإيجابي لديهم بمصادر الإنتاج ووسائله التي تعود بالمصلحة العامة على أفراد المجتمع ، كونها ملكا لجميع أفراد المجتمع .
5-3-1 تنمية السلوك التعاوني:
تسهم التربية في تنظيم وتوجيه السلوك التعاوني بين أفراد المجتمع وخاصة فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي وصولا إلى تحالف القوى العاملة والتعاون من أجل تحقيق المصلحة العامة وتحقيق مزيد من الإنتاج ، كما تساهم التربية في تنمية الاتجاه التعاوني وترسيخ أسس التعاون الإنتاجي ومن ثم تصبح هذه العادات الاجتماعية سلوكا تلقائيا يمارسه أفراد المجتمع بدون أية عناء أو مشقة .
6-3-1 تنمية السلوك الثقافي العام
يقوم الاقتصاد الحديث على أسس تقنية ، كما يتميز بالسرعة في تطوره ، ومن ثم فالعاملون في ظل الاقتصاد الحديث لا يتوقف دورهم على مجرد أداء عملهم بل هناك حاجة ماسة إلى المزيد من الثقافة العامة بمفهومها الشامل لمواكبة التطور الاقتصادي حيث تهتم التربية في تحقيق ذلك ، كما تعمل على توفير أساس ثقافي عبر المناهج المختلفة وبيان أهمية الثقافة والعلم في إحداث التقدم.5
2- القيم الاجتماعية
1-2 مفهوم القيم
للقيم تعريف وهو :
1-1-2 لغة : القِيمَة في اللغة تعرف على أنها قدر الشيء – فقِيمَة المتاع... ثَمَنُه ، ويقال ما لفلان قِيمَة أي ليس له ثبات ودوام على الأمر . وفي القرآن الكريم ﴿ ذَلِكَ الدِينُ القَيِّمُ ﴾ [ التوبة -36 ]
أي المستقيم ، ﴿ فِيهَا كُتُبُ قََيِّمَة ﴾ [ البينة -3] أي ذات قِيمَة رفيعة .
﴿ قًلْ إِنَنِي هَدَانِي رَبِي إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دينًا قَيِّمًا مِلَّةَ إبرَاهِيمَ حَنِيفَا﴾[الأنعام -121] أي مُسْتَقِيمًا لا عِوَجَ فيه.
وقَََوَّمَ المِعْوَجْ أي عَدَّلَهُ و أَزَالَ عِوَجَهُ ويقال قَوَّمَ الشَّيْء: قَدَّرَ قِيمَتَهُ واسْتَقَامَ الشيء : اعْتَدَلَ واسْتَوَى .
وقد وردت كلمة القيمة Value مشتقة من الفعل اللاتيني Vales بمعنى أنا أقوى ، أو بصحة جيدة – وهذا يعني أن القيمة تحتوي على معنى المقاومة والصلابة.
وبالتالي فإن القيمة أخذت معان متعددة في اللغة وهي الاستقامة ، القيام بالشيء ، الاعتدال ، الاستواء ، الاستقلال.6
2-1-2 اصطلاحا : لقد اختلف العلماء في تحديد مفهوم القيم
1- الجوهري : حيث يرى أن القيم هي التفضيلات الإنسانية والتصورات عما هو مرغوب فيه على مستوى أكثر عمومية ولذلك تشمل القيم كل الموضوعات والظروف والمبادئ التي أصبحت ذات معنى خلال تجربة الإنسان الطويلة ، أنها باختصار شديد الإطار المرجعي للسلوك الفردي .
2- روكيش : يرى أنها معتقد أو اعتقاد يحظى بالدوام ويعبر عن تفضيل شخصي أو اجتماعي لغاية من الغايات للوجود بدلا من نمط سلوكي أو غاية أخرى مختلفة .
3- ألينسون : يعرفها بأنها الأفكار التي تعبر عما هو جدير بالرغبة والاهتمام ومن ثم فإنها تمثل بالنسبة للفرد في الحياة اليومية عمل وحياة اجتماعية وخطط للمستقبل .
4- تاجوري : القيم بأنها عبارة عن مفاهيم تختص بما هو جدير بالرغبة ومن ثم فهي تعرف بوصفها قوى مؤثرة على نماذج وأشكال وغايات السلوك البشري .
- والقيم هي محطات ومقاييس نحكم بها على الأفكار والأشخاص والأشياء والأعمال والموضوعات والمواقف الفردية والجماعية من حيث حسنها وقيمتها والرغبة فيها ، أو من حيث سوءها وعدم قيمتها وكراهيتها ، أو منزلة معينة ما بين هذين الحدين.7
- والقيم الاجتماعية : هي القيم التي تمثل الفرد بغيره من أفراد المجتمع وميله إلى مساعدتهم حيث يجد في ذلك إشباعا لرغبته في خدمة أفراد مجتمعه ويتميز أصحابها بالعطف والإيثار.
كما أنها توضيح لموقف الإنسان وتحديده بدقة من الجماعة التي يعيش معها صغيرة كانت كالأسرة أم كبيرة كالمجتمع أم أكبر كالعالم كله. كما تعني توضيح علاقة هذا الإنسان بالكون والبيئة ، وما يحكم هذه العلاقات من نظم اجتماعية كالدين والأسرة والسياسة والاقتصاد والثقافة والفكر وأنواع السلوك والعادات والتقاليد والأعراف. 8
ويرى سبرينجر " أن القيم الاجتماعية في أنقى صورها تتجرد عن الذات وتقرب جدا من القيم الدينية". 9
-والقيم هي قيم شخصية وقيم جماعية واتحاد هذه القيم يكون ما يسمى القيم الاجتماعية التي يدخل في معناه كل القيم التي ورثها المجتمع من دين أو عصبية أو غيرها من الروابط والضوابط والتقاليد والعوائد والعلاقات التي تستوعب اللسان كما تستوعب الدين والفكر في شكل عقد اجتماعي تكون غايته التواضع على قيم اجتماعية معينة تحدد طبيعة ووجهة المجتمع .وهي كل ما ينتجه المجتمع ويفضي إليه الاجتماع من قيم شخصية وقيم دينية واقتصادية وسياسية وهي التي تمثل بوتقة تنصهر فيها كل القيم السابقة من حيث كون القيم الاجتماعية أصلا لهذه القيم المتفرعة .
فالقيم عموما من أهم الديناميات التي توجه سلوك الفرد في حياته اليومية ، وهي تمثل المراكز النشطة في الجهاز النفسي الاجتماعي لكل فرد التي تستقبل الأحداث المادية بصورها المختلفة ثم تقوم بعملية إنتاج السلوك الذي يقود بدوره إلى تكوين العلاقات البشرية في الجماعات المختلفة والقيمة الاجتماعية في ابسط حالاتها تنشأ وتتكون في مواقف المفاضلة والاختيار حيث يتحتم على الفرد اختيار احد حلين بقدر ما تسمح به قدراته وإمكانياته.
وكلما ازدادت خبرة الإنسان بمثل تلك المواقف – مواقف المفاضلة –كلما تكونت لديه القيم الاجتماعية ، ونضجت واستقرت وكونت له جهازا يستطيع عن طريقه أن يحكم على الأشياء والأحداث.
ولذا فانه يمكن تعريف القيم الاجتماعية بأنها مجموعة من الاتجاهات العقلية التي تكون فيما بينها جهازا شبه مقنن يستخدمه الإنسان في قياس وتقدير المواقف الاجتماعية .
وتمر القيم بمراحل عديدة حتى تستقر وتصبح هي الوحدات المعيارية في الضمير الاجتماعي لدى الإنسان ، وأثناء هذا التطور والنمو تأخذ القيمة الاجتماعية صفة الثبات النسبي .
والقيمة تمثل ركنا أساسيا في تكوين العلاقات البشرية ، إذ أن القيمة هي التي تنتج السلوك ، والسلوك "التفاعل الاجتماعي" هو الذي يؤدي إلى تكوين شبكة العلاقات البشرية ، وهذه الأخيرة تؤثر مرة أخرى على تكوين القيم وتطويرها. 10
2-2 مكونات القيم وتصنيفها
1-2-2 مكونات القيم
تتكون القيم من ثلاث مكونات رئيسية هي :
1- المكون المعرفي : ويشمل المعارف والمعلومات النظرية ، وعن طريقة يمكن تعليم القيم ، ويتصل هذا المكون بالقيمة المراد تعلمها وأهميتها وما تدل عليه من معاني مختلفة .
وفي هذا الجانب تعرف البدائل الممكنة وينظر في عواقب كل بديل ، ويقوم بالاختيار الحر بين هذه البدائل.
2- المكون الوجداني : ويشمل الانفعالات والمشاعر والأحاسيس الداخلية ، وعن طريقه يميل الفرد إلى قيمة معينة ، ويتصل هذا المكون بتقدير القيمة والاعتزاز بها ، وفي هذا الجانب يشعر الفرد بالسعادة لاختيار القيمة ويعلن الاستعداد للتمسك بالقيمة على الملأ.
3- المكون السلوكي : وهذا الجانب هو الذي تظهر فيه القيمة ، فالقيمة تترجم إلى سلوك ظاهري ، ويتصل هذا الجانب بممارسة القيمة أو السلوك الفعلي والأداء النفسي حركي ، وفي هذا الجانب يقوم الفرد بممارسة القيمة وتكرار استخدامها في الحياة اليومية. 11

 


2-2-2 تصنيف القيم :
1- تصنيف القيم على أساس الشدة
تتفاوت القيم من حيث شدتها تفاوتا واضحا ، وتقدر شدة القيمة بدرجة الالتزام التي تفرضها ، وكذلك بنوع الجزاء الذي تقدره وتوقعه على من يخالفها ، فهناك القيم الملزمة والآمرة الناهية ، وهناك القيم التفضيلية وهناك القيم المثالية :
أ- القيم الإلزامية : وتشمل الفرائض والنواهي
وهي القيم ذات القدسية مثل العقيدة والعبادات التي تلزم الثقافة بها أفرادها ويراعي المجتمع تنفيذها بقوة وحزم سواء عن طريق العرف وقوة الرأي العام أو عن طريق القانون والعرف معا ، ومن ذلك في مجتمعنا القيم التي ترتبط بتنظيم العلاقة بين الجنسين مثلا أو بمسؤولية الأب نحو أسرته أو بتحديد حقوق الفرد ووقايتها من عدوان الغير .
ب- القيم التفضيلية : وتحدد ما يفضل أن يكون ، ويشجع المجتمع أفراده على الإقتداء بها والتمسك بها والسير وفق متطلباتها ، وتلك القيم تتصل اتصالا مباشرا ووثيقا بسلوك الناس عن طريق أساليب الثواب والعقاب ، ولكنها لا تمثل مكانه الالتزام أو القدسية التي تتطلب العقاب الصارم الحاسم الصريح لمن يخالفها ، ومن ذلك مثلا النجاح في الحياة العملية والحصول على الثروة والترقي في ميدان العمل ، وكذلك ضروب المجاملات في العلاقات غير الرسمية ، إدراك لأهمية الدين والثقافة الدينية والتعاون والقول بأن هذه القيم لا تبلغ مبلغ القدسية التي تفرض العقاب الصارم الصريح على من يخالفها لا يعني أنها ضعيفة الأثر في حياة الناس وفي سلوكهم تبلغ مبلغ القدسية التي تفرض العقاب الصارم الصريح على من يخالفها لا يعني أنها ضعيفة الأثر في حياة الناس وفي سلوكهم .
وهذه القيمة تحدد ما يفضل أن يكون فهي تبلغ مبلغا عظيما من شدة الأثر في توجيه السلوك وتكتسب هذا الأثر عن طريق أساليب الثواب والعقاب الثقافية غير الرسمية .
ج- القيم المثالية : و التي يرى الناس استحالة تحقيقها في المجتمع بصورة تامة ، ولكنها كثيرا ما تؤثر تأثيرا بالغا في توجيه سلوك الأفراد ، كما أنها تلك القيم التي تتطلب الكمال في أمور الدين والدنيا ، وذلك مثل القيم التي تدعو مقابلة الإساءة بالإحسان ، فقد يعجز الفرد في واقع الأمر عن الالتزام بها ، مع ذلك إذا تبناها عدل كثيرا من سلوكه حيال من يعتدون عليه أو يسيئون إليه.
2- تصنيف القيم على أساس العمومية
أ-القيم العامة : وهي تلك القيم التي تنتشر في المجتمع الواحد مع اختلاف ظروفه الاقتصادية والاجتماعية والدينية والسياسية ، مثل أهمية التمسك بالدين والعقيدة والعبادات ، قيم النظام واحترام الوقت والتمسك بتقاليد الماضي ، وهذه القيم تعمل على وحدة المجتمع وتماسكه .
ب- القيم الخاصة : وهي تلك القيم التي تنتشر في مناطق معينة في القطر ، أو تلك التي تميز طبقة اجتماعية دون أخرى ، كتلك القيم التي تميز فئة المعلمين عن غيرهم مثل القيم التربوية والأكاديمية ،والتعاون والثقافة الدينية وإدراك أهمية الدين في الحياة ، وهذه القيم تعمل على تماسك هذه الفئة وترابطها وإمكانية التنبؤ بسلوك صاحبها .
3 -تصنيف القيم على أساس الغرض – المقصد -
وهي تلك القيم التي ينظر إليها الأفراد والجماعات على أنها وسائل لغايات معينة أبعد من ذلك ، كقيمة العلم وغايتها اكتساب الحقائق وتتضح القيم عند روكيش أنها ضرب من ضروب السلوك أو غاية من غايات الوجود المفضلة ، فعندما نقول أن لدى الشخص قيمة معينة ، نقصد بذلك أن معتقداته تتركز حول أشكال السلوك المرغوب فيه أو حول غاية من غايات الوجود ، والقيم عند روكيش تنتظم في نوعين رئيسيين هما :
أ‌- القيم الغائية : وهي عبارة عن غايات في ذاتها وتعرف بالقيم النهائية .
ب‌- القيم الوسيلية : وتعرف بالقيم الوسيطة وهي تمثل أشكال السلوك الموصولة لتحقيق هذه الغايات ،مثل الصلاة والصوم ، الزكاة ،الحج التي توصلنا إلى قيمة العبادات. 12
4- تصنيف القيم على أساس الوضوح
أ‌- قيم ظاهرة – صريحة- : هي التي يصرح بها الفرد ويعبر عنها بالكلام مثل القيم المتعلقة بالخدمة الاجتماعية والمصلحة العامة .
ب‌- قيم ضمنية : أي التي تستخلص وتدل على وجودها من ملاحظة الميول والاتجاهات والسلوك الاجتماعي بصفة عامة .
5- تصنيف القيم على أساس الدوام
أ- قيم دائمة نسبيا وهي التي تبقى زمنا طويلا وتنتقل من جيل إلى جيل مثل القيم المرتبطة بالعرف والتقاليد.
ب- قيم عابرة أي وقتية عارضة قصيرة الدوام ، سريعة الزوال مثل القيم المرتبطة بالموضة
هذه القيم موجودة لدى كل فرد ، وان اختلفت درجتها على السلم القيمي حسب أهميتها لدى كل إنسان ، والأخيرة منها القيم الدينية ، تحتل قمة السلم القيمي لدى كثير من المجتمعات. 13
3-2 اكتساب القيم الاجتماعية
إن القيم والرموز والأشكال السلوكية المقبولة كلها جوانب من الحضارة ، تكتسب في إطار ثقافة المجتمع ، ولا يمكن أن تقوم إلا من خلال البناء الاجتماعي وتنتقل عبر الأجيال .
1- الأسرة :
وهناك قيم خاصة بالأسرة تزودها بهيكل مستقر متماسك ولكنها تخلق توترا وإجهادا لأعضاء الأسرة في مواجهة الهياكل والقيم المجتمعية الكبرى ومن أهم هذه القيم :
أ- السلطة الأبوية : كان الأب من أول العصور هو الرئيس ، وكانت الأم والأطفال هم الخاضعون ، وكان لهذه السلطة ما يؤيدها من الأديان المسيحية واليهودية والإسلام ولكن هناك انحدار ملحوظ في طبيعة وسلطة الأب في السنوات الأخيرة ، فإن هناك تحديا لسلطة وقيمة الأب.
ب- الأسرة كجماعة : من الضروري قبل الاهتمام بالأسرة كجماعة الاهتمام بالأفراد أعضاء هذه الجماعة ، وتضم هذه القيمة التزام قوى وواجب للجماعة ، وإذا كان الأب هو الوحيد المسئول ماديا على نفقات هذه الأسرة فهو مسئول قانونيا على أن يقدم الدعم لها .
وقد بدأت هذه القيمة تتخذ أبعادا جديدة ، فمن المتوقع أن يعكس الأطفال اسم الأسرة في المدرسة وفي أنشطة أخرى ، ولكن ليس في إعالة أنفسهم ، فمن المتوقع أن يعول الوالدان أبنائهم في مراحل التعليم وأوقات المرض والأزمات المادية ، فتستمر الأسرة في التماسك ، وهذا يعني أن تماسك الأسرة يرتبط بإعالة الوالدين لأبنائهم .
ج-الانتساب : الفرد ينتسب عضويا في الأسرة بمجرد الميلاد وبينما قد يعلم الوالدان الإنجاز لأطفالهم ، فهنا بطيئان في الهروب من المسئولية لأولئك الذين لم ينجزوا أو لم يستطيعوا الانجاز.
د-ملاذ العاطفة والدفء والحب : حقيقة في الأزمنة الحديثة بوجه خاص تعتبر ملاذا أو ملجأ من المجتمع الأكبر ، فالأسرة يتزايد إدراكها على أنها مصدر التنشئة والحب والعاطفة ، ويعتقد كثير من علماء الاجتماع أن هذه هي الوظيفة الهامة الباقية للأسرة وإذا أدت هذه الوظيفة جيدا فهي بذلك تبرر وجودها.
هـ- فالأسرة تكسب أفرادها قيما معينة ، ثم تقوم الجماعات الأخرى التي ينظم إليها الفرد خلال حياته الاجتماعية في مراحل عمره المختلفة بدور مكمل لدور الأسرة.
2-إدراك أهمية الدين في الحياة: فالدين شكل من أشكال أطر التوجيه الذي يسعى الإنسان إليها من أجل استعادة الوحدة والاتزان مع الطبيعة فهو مصدر القيم والمثل العليا وقواعد السلوك الأخلاقي ، فهو سبب قوة الفرد والمجتمع وهو الذي يتيح الفرصة المشاعر الحب والتعاون والبذل والعطاء والمشاركة الوجدانية تجاه الآخرين ، وكلها مشاعر ضرورية للحد من الصراع بين الأفراد وتغلب المصلحة العامة على المصلحة الشخصية، قال الرسول  في هذا السياق «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».
3- الهيئة التدريسية : على العاملين والفاعلين في الهيئة التدريسية العمل بجهد ضمن الإطار التربوي ، لا للتركيز فقط على قضية التحصيل العلمي ، بل الاهتمام والعمل على غرس وتذويب القيم النبيلة في نفوس الطلبة لتساهم في بناء السلوك الاجتماعي المقبول اجتماعيا ، قال جون ديوي : "بإمكان المدرسة أن تغير نظام المجتمع إلى حد معين ، وهو عمل تعجز عنه سائر المؤسسات الاجتماعية " .
كما قالت لورين ايزلي :" ان المعاهد الثقافية والمؤسسات التربوية هي العمود الفقري الذي تقوم عليه حضارة بلد ما ، وقد أقيمت المدرسة تلبية لحاجة لنا ، علينا أن نستجيب لها ونلبيها بشكل دائم ومنظم ، فلا ندع استجابتنا هذه للصدفة ، أو أمرا مشكوكا فيه " ، إن التفاعل والتعامل اليومي مع هذا الموروث الثقافي القيمي من قبل الهيئة التدريسية بشكل مكثف ، سيساهم حتما من تقليص حدة انتشار وتنامي ظواهر العنف والآداب والفضيلة الحسنة ، أن نهيئ الطلبة للعلم والمعرفة وأن نركز على أهمية دور العقيدة والإيمان. 1
4-2 أنواع القيم الاجتماعية
للقيم الاجتماعية عدة أنواع :
1-4-2- القيم الخلقية : وهي مجموع المبادئ الخلقية ، والفضائل السلوكية والوجدانية التي يجب أن يتلقنها الفرد ويكتسبها ويعتاد عليها منذ تمييزه وتعقله إلى أن يصبح مكلفا ، وهي ترسيخ السجايا الفاضلة في النفس ، والابتعاد عن الأخلاق السيئة والسلوكيات غير السوية .
2-4-2- القيم الدينية : ليست مبادئ نظرية ولكنها سلوك وعمل وواقع حياة ، وهي تتجه إلى تكوين الفرد الصالح ، فإذا تم ذلك تحقق قيام المجتمع القوي السليم الذي يتعاون أفراده على البر والتقوى وتستقر في دعائم الكفاية والعدل والسلام .
3-4-2- القيم الجمالية : وهي تهتم بنواحي الشكل والتناسق ، ويعبر عنها اهتمام الفرد وميله الى ما هو جميل من ناحية الشكل أو التوافق والتنسيق .
4-4-2- القيم الاقتصادية : وهي تهتم بالنواحي المادية ، ويعبر عنها اهتمام الفرد وميله إلى ما هو نافع ، بحيث يتخذ من البيئة والعالم المحيط به وسيلة للحصول على الثروة وزيادتها عن طريق الإنتاج والتسويق والاستهلاك واستثمار الأموال ، كما أنها مجموعة الأحكام التي شرعها الإسلام لحل مشكلات الحياة الاقتصادية وتنظيم علاقة الإنسان بالمال وصيانته وإنفاقه.
5-4-2- القيم السياسية : وهي تهتم بنواحي السلطة والمركز الاجتماعي ، ويعبر عنها اهتمام الفرد بالنشاط السياسي أو العمل السياسي وحل مشكلات الجماهير ويتميز الأشخاص الذين تسود عندهم هذه القيم بالقيادة في نواحي الحياة المختلفة ، ويتصفون بقدرتهم على توجيه غيرهم ، كما أنها إعداد الرفد لأن يساس ويسوس ، أو تعويد الفرد على التدبير الحكيم والنظر الحصيف في عواقب أمر ما .
6-4-2 القيم النظرية : وهي تهتم بالمعرفة والحقيقة ، ويعبر عنها اهتمام الفرد وميله إلى اكتشاف الحقيقة ، فيتخذ اتجاها معرفيا من البيئة والعالم المحيط به ، فهو يسعى وراء القوانين التي تحكم هذه الأشياء للتعرف عليها ، وهؤلاء يتميزون بأن نظرتهم موضوعية ، نقدية ، معرفية ، تنظيمية.
مما سبق يتضح أن للقيم أنواعا مختلفة حيث تتحدد هذه القيم وتستمد مضمونها ومعاييرها وأسسها من طبيعة المجتمع الذي توجد فيه ، ومن ثم فإن القيم الاجتماعية تختلف من مجتمع إلى آخر.14
5-2 أهمية القيم الاجتماعية
وإذا انتقلنا إلى أهمية القيم وما يمكن أن تؤديها نجدها تتمثل في الأتي :
أنها تهيئ للأفراد اختيارات معينة تحدد السلوك الصادر عنهم و بمعنى آخر تحدد شكل الاستجابات وبالتالي تلعب دورا هاما في تشكيل الشخصية الفردية و تحدد أهدافها في إطار معياري صحيح .
يمكن التنبؤ بسلوك صاحبها متى عرف مالديه من قيم أو أخلاقيات في المواقف المختلفة و بالتالي يكون التعامل معه في ضوء التنبؤ بسلوكه.
أنها تعطي الفرد إمكانية أداء ما هو مطلوب منه و تمنحه القدرة على التكيف و التوافق و تحقيق الرضا عن نفسه لتجاوبه مع الجماعة في مبادئها و عقائدها الصحيحة.
أنها تحقق له الإحساس بالأمان و تعطي له الفرصة في التعبير عن نفسه ،بل و تساعده على فهم العالم المحيط به وتوسع إطاره المرجعي في فهم حياته وعلاقاته.
أنها تعمل على ضبط الفرد لشهواته كي لا تتغلب على عقله ، ووجدانه لأنها تربط سلوكه وتصرفاته بمعايير وأحكام يتصرف في ضوئها وعلى هديها .
تشير القيم إلى الكيفية التي سيتعامل بها الإنسان في المواقف المستقبلية وتساعد الإنسان على التفكير فيما ينبغي عليه أن يفعله تجاه تلك المواقف والأحداث وتحدد له الأساليب والوسائل التي يختارها تجاهها بالإضافة إلى تفسير السلوك الصادر عنها .
تحفظ على المجتمع تماسكه وتحدد له أهداف حياته ومثله العليا ومبادئه الثابتة المستقرة التي تحفظ له هذا التماسك والثبات اللازمين لممارسة حياة اجتماعية سليمة .
تساعد المجتمع على مواجهة التغيرات التي تحدث فيه بتحديدها الاختيارات الصحيحة التي تسهل للناس حياتهم وتحفظ للمجتمع استقراره وكيانه في إطار موحد .
تربط مختلف ثقافات المجتمع بعضها ببعض حتى تبدو متناسقة .
تقي المجتمع من الأنانية المفرطة والنزعات والشهوات الطائشة .
حيث أنها تحمل الأفراد على التفكير في أعمالهم على أنها محاولة للوصول إلى أهداف هي غايات في حد ذاتها بدلا من النظر إليها على مجرد أعمال لإشباع الرغبات والشهوات .
تساعد على التنبؤ بما سيكون عليه المجتمعات ، فالقيم والأخلاقيات الحميدة هي الركيزة الأساسية التي تقوم عليها الحضارات وبالتالي فهي تعد مؤشرات للحضارة ، فالمجتمع الذي يحمل أفراده قيما وأخلاقيات مجتمع يتنبأ له بحضارة ورقي وازدهار ، وإذا ما انهارت تلك القيم والأخلاقيات سقطت الحضارة وأصبحت الأمم في طريقها إلى التخلف ، وهذا ما حدث لكل الحضارات السابقة ، فالحضارة الإسلامية ما قامت إلا على القيم والأخلاقيات التي تربى عليها المسلمون الأوائل ، على يد رسولنا الكريم  ، وكان انهيار تلك القيم سببا في تخلف المسلمين إلى وقتنا الحاضر.
تتوقف قوة المجتمع إلى حد كبير على وحدة القيم ، فكلما زادت القيم داخل المجتمع زاد تماسكه وارتباطه، وكلما قل ارتباطها زاد التفكك الاجتماعي. 15


3- التربية وعلاقتها بالقيم الاجتماعية
1-3 التربية عملية قيمية
إن العلاقة بين التربية والقيم بصفة عامة علاقة وطيدة ووثيقة ، حيث لا يمكن أن نفصل بين التربية والقيم لأنهما متلازمان ومتكاملان.
من هنا بدأت التربية تتحمل المسئولية في حل تلك الأزمة القيمية التي تعاني منها المجتمعات بصفة عامة، ولذلك أكد علماء التربية منذ زمن بعيد على إن الاهتمام بتنمية الجانب القيمي يمثل وظيفة أساسية للتربية .
فالتربية في جوهرها عملية قيمية تسعى المؤسسات التعليمية إلى غرسها لدى أبناءنا بل إن أهم ناتج للتربية هو أن تتخذ لها مجموعة من القيم البناءة الدائمة التي تخضع لها الجماعة وتنظم حولها حياة الأفراد والجماعات ، وما لم يحقق التعليم والدراسة هذا الهدف فإن فائدة المعارف والمهارات المكتسبة تنعدم ، فالشخص المتعلم الذي لا توجه معارفه و قدراته نحو أهداف قيمية يتخذها لنفسه يصبح خطرا على نفسه وعلى المجتمع على حد سواء ، ومن الملاحظ إن عملية البناء القيمي ليست مسئولية مؤسسة اجتماعية بعينها أو منهج دراسي بعينه ولكنها مسئولية كل من له علاقة بعملية التربية سواء في إطار الأسرة أو المدرسة أو أي مؤسسة ومن خلال كافة الوسائل المتاحة للفرد في أي مجال وعلى أي مستوى. 16
فالتربية تسعى إلى تحقيق العمل النافع اجتماعيا والتعامل بين أفراد المجتمع من أجل الصالح العام ، واستثمار الموارد والإمكانات المادية والبشرية ، كما تعمل التربية على غرس مبادئها في نفوس أفراد المجتمع وتخطط في ضوئها أسس العلاقات الإنسانية الطيبة بين أفراد المجتمع .كما يقع على عاتق التربية بناء القيم عن طريق إعداد أجيال قادرة على تحمل المسئولية والإسهام بايجابية في النهوض بأنفسهم والارتقاء بمجتمعهم .
كما تتضح مهمة التربية ودورها في العمل على تفهم الفرد لقيم وعادات مجتمعه الذي يعيش فيه ، وذلك عن طريق تهيئة جو تربوي اجتماعي ينمو فيه الفرد ويتعلم ويرسخ في ذهنه وسلوكه قيم مجتمعه .
كما أن التربية تعمل على ترسيخ القيم عن طريق ما تستمده من المجتمع الذي توجد فيه ، فالتربية الإسلامية تستمد قيمها من الدين الإسلامي الحنيف الذي يمثل مصدرا أساسيا للقيم التي تحكمها ، كما تعمل التربية على تـرسيخ القيـم ليس فقط عـن طريق الجانب النظري المعرفي فحسب بل عـن طريق الجـانب التطبيقي
السلوكي. 17

خاتمة
إن التربية باعتبارها عملية إعداد للمواطن الصالح الذي يستطيع التكيف مع مجتمعه تعمل على تشكيل الشخصية الإنسانية في أدوار سياسية ، واجتماعية ، واقتصادية ، لذا لابد من أن يحدد الإطار الثقافي الذي يقوم عليه المجتمع أبعاد العملية التربوية واتجاهاتها ، بحيث لا تخرج التربية عن هذا الإطار إلا تطويرا له ، وتقدما به في عملية ريادة آخذة بيد المجتمع نحو مستوى أفضل وعلى هذا الأساس فإن القيم الاجتماعية تحتل مركزا أساسيا في توجيه العملية التربوية ، فالقيم هي نتاج المجتمع ولها من الموضوعية ما يجعلها تؤثر في السلوك فتعمل على توجيهه بما يتفق مع السلوكيات الايجابية في المجتمع .
وهي التي تمثل مجموعة الأخلاق التي تصنع نسيج الشخصية وتجعلها متكاملة قادرة على التفاعل الحي مع التوافق مع أعضائه ، وهي قيم ايجابية كلف الله الناس التحلي بها والتمسك بمقتضياتها .


الهوامش والإحالات :
1 - عبد الله الرشدان ، نعيم جعنيني ، "" المدخل إلى التربية والتعليم " ، ط2 ، عمان الأردن ، دار الشروق للنشر والتوزيع ، 2002 ، ص ص 10 – 14
2- المرجع نفسه ص 15
3- إبراهيم بن عبد العزيز الدعيلج ، "التربية " ، ط1 ، القاهرة ، دار القاهرة ، 2007 ، ص ص 31-34
4- المرجع نفسه ص ص 72-73
5- المرجع نفسه ص74
6- علي أحمد الجمل ،” القيم ومناهج التاريخ الإسلامي ” ، ب ط، القاهرة ، علم الكتب للنشر والتوزيع ، 1996 ص 17
7- نورهان منير حسن ،”القيم الاجتماعية والشباب ” ، ب ط ،الإسكندرية ، دار الفتح للتجليد الفني ، 2008 ، ص ص 32 -33
8- المرجع نفسه، 2008 ، ص 134
9- المرجع نفسه، ص 93
10- المرجع نفسه ص 136
12- المرجع نفسه ص ص 137-140
13- نورهان م المرجع نفسه ص ص 110-112
14- إبراهيم بن عبد العزيز الدعيلج ، "التربية " ، ط1 ، القاهرة ، دار القاهرة ، 2007 ، ص ص 65-66
15- علي أحمد الجمل ،” القيم ومناهج التاريخ الإسلامي ” ، ب ط، القاهرة ، علم الكتب للنشر والتوزيع ، 1996 ص ص23-24
16- علي أحمد الجمل ،” القيم ومناهج التاريخ الإسلامي ” ،المرجع السابق ص
17- إبراهيم بن عبد العزيز الدعيلج ، "التربية " ، ط1 ، القاهرة ، دار القاهرة ، 2007 ، ص ص 66-67
من إعداد: ط/ج/س وتحت إشراف:أ.ناجم مولاي
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !