مواضيع اليوم

البيت الكبير ..!

تركي الأكلبي

2009-08-27 21:30:23

0

البيت الكبير ..!

قصة قصيرة .. بقلم / تركي الأكلبي

 

- Hello sir
- من أنت أيها الغريب ؟
- زائر من بعيد
- تفضل
- منزلكم جميل يا ولدي
- أنه كذلك حتى وأن كنت ذا تجمل
- كلا .. ولكن قلي :
لمحتك هنا من قبل ، وهاأنذا أجدك الآن مكانك ، ما الذي
يجلسك في فناء هذا البيت الكبير ألست من أهله ؟
- بلا .. ولكن المنزل رغم اتساعه لا يتسع لجسدي النحيل
- عجيب ما أسمع .. ماذا تعنى أيها الفتى ؟!

هذا البيت الكبير به خير كثير ، وبه مال وفير ( عيّن ) عليه ذلك المدير ،

فتكور فوق كرسيه الوثير ، وهو ( ف الحوش ) لا يسير ، ولكنه إلى دياركم كثيرا

ما يطير ، يمرح ويرتع ، ثم يعود وهو يصدح وله زئير ، وكثيرا من الصفير،

ثم يخلد إلى الراحة فلا تسمع له إلا " الشخير " و" وعوعة " التجشؤ بعد أن ينعم بكل
ما لذ وطاب على مائدة البيت الكبير .
وكلما سمع لي صوتا هرع إلى تلك الشجرة العتيقة ذات الجذور الممتدة في

العمق البعيد فطفق يخصف عليه من أوراقها ما يستر به سوءته

تماما كما فعل آدم في الجنة بعد خطيئته العظمى .

أما أنا ، فليس لي سوى هذه الشجيرات ذابلة الأوراق ،
أستظل بجذوعها وأغصانها العارية كجسدي النحيل .

- وكيف تحصل يا بني على قوتك وما أرى بشجيرات فناء
منزلكم من ثمار ؟

- قانون القبيلة يقتضي أن أذهب إلى الحاجب عند إحدى بوابات
بيتنا الكبير ، أرجوه واستعطفه ، كلما شعرت بالحاجة للأكل
والشرب فيتناول مطلبي مدوّنا على ورقة صفراء ألتقطها
من وريقات شجيراتنا البائسة ، وعلي أن أنحني لأدحرجها له
من تحت ثقب الباب . وبعد حين ليس باليسير يأتيني شيئا من
فتات الخبز البايت بعد أن يُلتهم منه المزيد في المساء على
طاولة الطعام العامرة بكل ما تتصور من لذيذ الطعام .

- وما ذلك " الصندوق " المتهالك ؟
- هو مخزن تقادم عهده توضع فيه بعض المسكنات الطبية
مثل " البندول " ومسكنات آلام الصداع الأخرى وآلام المغص !
فأن مرضت أو أصبت بعارض ما فعلي أن أتبع نفس الخطوات
السابق ذكرها آنفا مع الحاجب ( مدير عام مكتب المدير العام !) .

- كفى بني .. كفى .. لا أريد سماع المزيد . لكن دعني أسألك
عن سر تلك الغرفة في الطابق العلوي التي تطل على فناء المنزل

وذلك الشيخ الوقور الذي ينظر إلينا من داخلها ؟
- أما الغرفة فهي للواعظ .. يفصلها عن غرف المنزل الأخرى جدار أسمنتي

سميك جدا ، وليس به منافذ ويتخلله عازل للصوت . ولكنها تطل على الفناء الذي

أسكنه من خلال تلك النافذة الكبيرة .
أما الرجل الوقور فهو الواعظ المبجل ، يلقي علي ، كل يوم ، من خلال نافذته

الواسعة دروسا دينية ، يتخللها تذكير بعواقب الشرك بالله وأقوال علماء السلف في

ذلك ، وهو يعلمني ، كل يوم ، كيف أتوضأ ، وكيف استقبل القبلة ، وكيف أصل ،

ويحذرني ، كل يوم ، من

" ياجوج وماجوج " العصر ويحثني على الدعاء :
" اللهم أجعل بيننا وبينهم سدا .. اللهم أجعل بيننا وبينهم سدا "! ،

ويحذرني ، كل يوم ،

من لعب الميسر والقمار !
ومن السفر إلى بلاد الكفار !

ومن مشاركتهم سعيهم للغزو الفكري والاستعمار !

وهو يحذرني ، كل يوم ، من أكل أموال
" القبيلة " .
ومع كل هذا الوعظ اليومي ، البليغ والمكثف ، وبصوت لا أكاد
أفقه منه شيئا لشدة نبرته وانفعاله وانتشاره في فضاء فناء هذا البيت الكبير ...

استعجب فكأني بواعظي الكريم لا يراني

أكابد الحياة هنا في العراء على هامش هذا البيت الكبير .!

.. والآن مهلا أيها الغريب .. ما الذي أتى بك إلى هنا ..
وماذا تريد ؟
- حسنا بني .. هذا ما جئت من أجله .. ما زال الأمر مطمئنا !!!

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !