مواضيع اليوم

أسرار إستمرار وزير التجارة والصناعة والتموين

مصـعـب المشـرّف

2020-10-01 20:41:17

0

 أسرار إستمرار وزير التجارة والصناعة

مصعب المشرّف

29 سبتمبر 2020

منذ البداية جاء تولّي مدني عباس مدني منصب وزير التجارة والصناعة، مثيراً للجدل والدهشة والإستغراب الذي ظل ملازماً ماثلاً إلى يومنا هذا.

 

ومنذ الوهلة الأولى لإذاعة خبر تعيينه وزيراً . إنهالت التساؤلات المنزعجة عن "أســرار" تنصيبه ، وهو الذي لم يصل في كارزميته وحضوره الثوري تلك المنزلة الرفيعة بالمقارنة مع تلك التي تبوأها أترابه في الحرية والتغيير ، الذين كانوا يملأؤن الساحة منذ خروجهم إلى العلن حاسري الرأس. وقد خلعوا الأقنعة عشية إعتصام القيادة العامة في 6 أبريل 2019.

 

لا ننكر أن مدني كان يظهر ما بين الحين والآخر من على شاشة قنوات الحدث والعربية والجزيرة والعربي. وهو يجيب على بعض الأسئلة التي كانت تطرح في ذلك الحين مستفسرة بشغف  ودهشة عن ثورة ديسمبر التي قدمت الشعب السوداني عامة والشباب من الجنسين خاصة بشخصية جديدة لم يألف نمطها العرب ؛ بل لم تكن معروفة أو متعارف عليها كإنطباع في عامة الدول العربية . وحيث كانت شخصية وثقافة وقالب السوداني المحصورة في "البوّاب والطبّاخ والسايس والأحمق والسفرحي والجارية وقعر الحَـلّة وخادمة الباشا "  في الأفلام والمسلسلات وبرامج التولك شو المصرية. وأغنية (المامبو السوداني) هي في مجملها بمثابة "دليل الإستخدام" للشخصية السودانية المفترى عليها وسط الشعوب العربية.

 

وأما في الداخل السوداني. فقد لفت مدني عباس مدني الإنتباه بوصفه قد تميز بسكون وهدوء . ومسحة حُوار صوفي تطل أحيانا من وجهه غصباً عنه ... وهو ما دفع الناس للتساؤل عنه . فعرفوا أنه إبن لواء عسكري ووزير سابق.

 

البعض في تجمع المهنيين وقوى الحرية والتغيير (أيام الصفا) نصح مدني عباس مدني يصوت عالي بعدم التقدم لتولي منصب وزاري. وكانوا في ذلك الوقت يرون أن كافة الشخصيات التي إرتبطت بقيادة العمل الثوري الجماهيري الذي أسهم في إسقاط نظام المؤتمر الوطني البائد . كانوا يرون أن لا تتلوث هذه القيادات بأوحال وإمتحان العمل التنفيذي الصعب. خاصة في مرحلة البواكير من حكومة إنتقالية لم يرغب حتى الثوار في منحها شرف مسمى "حكومة الثورة الإنتقالية" . فجاء إسمها "الحكومة الإنتقالية" إتقاءاً لمغبات تحمل وزر فشلها إن فشلت. وهي التي خرجت إلى النور بعد ولادة متعسّرة سببها تمسك المجلس العسكري بمكاسبه الإنقلابية. والظن القاصر بأن مجزرة فض الإعتصام السلمي بالقوة العسكرية الغاشمة قد أنهت الثورة الشعبية إلى غير رجعة.

 

ولكن إصرار مدني عباس مدني على تولي منصب وزاري في هذه الوزارة الإنتقالية كان من الإلحاح بمكان ؛ جعل من الصعب فيه على زملائه في الحرية والتغييرالحيلولة دون تلبيته له على مضض منهم.

 

لاحقاً إتضحت مغبات وكوارث تعيين مدني في منصب وزير التجارة والصناعة ، بعدما تسبب به في معاناة حياة الإنسان السوداني اليومية ساعة بساعة.

 

إنعقد المؤتمر الإقتصادي السوداني الأول . بالخرطوم وصادف ذلك اليوم تاريخ 26 سبتمبر 2020م . وبحضور رئبس الوزراء حمدوك . إعتلى منصة المتحدثين البروفيسور "الفاضل عباس" . وإنهمرت منه الكلمات الغاضبة على حال ومعيشة المواطن السوداني البسيط . وتدهور صحته وضياع زمنه وعمره وطاقاته في صفوف المخابز والأسواق ومحطات التزود بالوقود. ملقياً اللوم على عدم كفاءة وزير التجارة والصناعة مدني عباس مدني. وتساءل عن ماهو السر الذي يجعل حمدوك محتفظاً به حتى يومنا هذا رغم فشله في القيام بأعباء منصبه.

 

هناك سر بالطبع .. فلا مواقف بلا أسباب ، ولا قرارات بلا خلفيات.

 

السر الذي يبحث عنه البروف "الفاضل عباس" هو أن حمدوك وجد في مدني عباس مدني عدة إيجابيات أهمها أنه سيبقى إلى جانبه في الوزارة بمثابة "رهينة" يجهض أو يخفف بها إلى أدنى حد ممكن مضايقات ومشاكسات الحرية والتغيير. ويجعلهم يترددون أكثر من مرة قبل إتهام وزارته بالفشل في ظل الظروف الماثلة. سواء في حنايا التمكين من حهة وحصار العسكر له من جهة أخرى... وهي سياسة جاءت شبيهة بتلك التي لجأ إليها المخلوع بشة في إستيعابه لكل من أبناء الصادق المهدي ومحمد عثمان الميرغي كمساعدين له. وليكون ذلك بمثابة كسر عين.

 

د.حمدوك من جانبه وجدها فرصة مواتية لمصلحته إذا ضم إليه مدني  كعضو في وزارته. واستغله كوسيط بينه وبين قوى الحرية والتغيير.

 

وحين تم إقصاء وقبول إستقالة سبعة وزراء لاحقاً ؛ ظل مدني عباس مدني رقماً صعباً . فهو ووفق تصوّر وتقدير حمدوك كان المتحدث الرسمي بإسم قوى الحرية والتغيير. وكان عضو لجنة التفاوض مع المجلس العسكري الإنتقالي . وكان حاضراً في ساحة الإعتصام . ولم يأتي وحيداً من وراء أعالي البحار يحمل أغراضه الشخصية في حقيبة تتدلى من كتقه كما جاء دكتور أكرم التوم ، ودكتور البدوي وغيرهم في الوزاري والسيادي.

 

ولكن الخطأ الذي إرتكبه حمدوك كان منحه حقيبة وزارة التجارة والصناعة إلى مدني عباس مدني ، دون أن يدور في خلد حمدوك القادم من مهجر وإغتراب طويل .. دون أن يدور في خلده مدى أهمية هذه الوزارة في ظروف شح العملات الأجنبية وقائمة رعاية الإرهاب لجهة تعاملها مع معاش عامة الناس في بلد ساد فيه الفقر. وقد محت دولة الكيزان ملامح الطبقة الوسطى فيه. ولا نستطيع أن ندعي أنه متطور أو حتى نامي.

 

وقطعاً لم يكن حمدوك يدري شيئاً كثيراً عن ألاعيب ومكائد وخبث وحجم سرطان ونفوذ مافيا الدقيق والوقود والوراقين والبصاصين . ومصاصي الدماء والسماسرة سارقي الدعم ، الذين تراكموا وجثموا فوق صدر إقتصاد وتجارة البلاد خلال السنوات السود الثلاثين الماضية التي حكم الكيزان فيها البلاد وأكثروا فيها الفساد.

 

فهل كان من الحصافة منح منصب وزير التجارة والصناعة لشاب حديث عهد لايملك خبرات . ولا يحمل من شهادات دراسية في حقل الإقتصاد سوى البكالوريوس الذي حصل عليه عام 1999م ؟

 

لاشك إذن أن حمدوك الذي تقلد بدوره منصب رئيس الوزراء لأول مرة في حياته  ولتوّه فور عودته من إغترابه الطويل ؛ كان يظن حتماً أنها وزارة هامشية مثلما كان الناس يظنون فيها أيام زمان . فرمى بها إلى مدني عباس مدني ليلهو بها.

 

وقد فرح مدني عباس مدني بالمنصب الوزاري فرحاً لا يدانيه فرح . حتى أنه حرص على إلتقاط صور له بعد توليه المنصب يحاكي في ملبسه وجلسته والكرسي وسيناريو الفخامة والإضاءة والديكور من حوله رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل بُعيد إنتصاره المعجزة على دول المحور في الحرب العالمية الثانية..

 

وانتشرت له صور أخرى تجمعه بأصدقائه داخل مكتبه. وجميعهم على فرحة وإحتفاء به.

 

كانت هناك فرص سانحة كثيرة أمام مدني ليغتنمها لولا أنه جمع حوله شباب وأطفال ديجيتال عديمي الخبرة . لخموا الناس بتحاليل وبيانات عالم المعلوماتية دون إدراك منهم بواقع المافيات والديناصورات التي تجوب مكاتب وصالات الوزارة وتحاصر البنوك والمواني ةتلتهم اللحوم والأخضر واليابس.

 

تجمّع أطفال الديجيتال (الأصدقاء) حول الوزير مدني فوّت عليه ومنعه وحال دون إستفادته من خبرة بعض الأفندية القدامي الذين تمرسوا العمل في حوش هذه الوزارة. وتوارثوا الخبرات المتراكمة التي حظيت بها منذ الإستقلال . وظل الإحتفاظ بهم والإستئناس بخبراتهم ومشورتهم ضروريا حتى في أحلك فترات التمكين . فهذه الوزارة وإداراتها تكمن حساسيتها في أنها تتعامل مع السماسرة والتجار .. وما أدراك ما التجار وبراجماتية التجار التي لايصلح التعامل معها ببراءة أطفال الديجيتال.

 

والذي اتضح اليوم أن مدني عباس لا يرغب في ترك منصبه . فقد أجاب على هذا السؤال مؤخراً بقوله أن حمدوك يحتفظ به لأنه مقتنع به. وأن إبتعاده عن المنصب يتوقف على رغبة جمدوك. وهو ما يفهم منه تمسكه إلى حد التعلق بالمنصب.

 

والواقع أنه بمثل ما كان من مقدار إلحاح مدني بالحصول على منصب وزاري سيكون مقدار تشبثه به.

 

والملفت للنظر تعرض البروفيسور الفاضل عباس في اليوم التالي مباشرة إلى هجوم أسفيري ممنهج. شنه عليه الجداد الوزاري  لتشويه صورته. بدايةً بكوزنته ثم بفبركة لقطة له وضعته ضمن مجموعة من أشرار أساتذة جامعة الجزيرة الذين منحوا المخلوع بِشّة درجة الماجستير مجاملة وتقرّباً وتزلّفاً .

 

والحقيقة التي إتضحت في نفس اليوم؛ أن البروف عباس كان في تلك الفترة مغترباً في أبوظبي . ولا حاجة له في ملاليم ورضاء بــشــة.

 

كذلك تبين بسرعة زيف الصورة المفبركة . بعد أن بحث الشرفاء فوجدوا أصل الصورة المفيركة وسارعوا بنشرها.

 

وبالطبع فإن هذه الجريمة الألكترونية مدفوعة الثمن . وما كانت لتتم ويبذل فيها فاعلها الجهد مجانا لوجه الله. ولكنها أعطت مؤشر واضح بأن مدني لا يفكر في التنحي من تلقاء نفسه مهما كلّفه الأمر.

 

وربما يظل الأمل معقوداً على تعديل وزاري شامل لابد منه ، بعد التوقيع الختامي على إتفاق سلام السودان في جوبا شهر أكتوبر القادم. فيعيد حمدوك النظر في تقييمه الشخصي لمدى أهمية وزارة التجارة والتموين الإستراتيجية في علاقتها بمعاش الناس وحاجاتهم الأساسية في حياتهم اليومية التي لا يختلف عاقلان في ضرورة تلبيتها وعدم إغفالها لجظة.


ويتبقى أن نستذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسى دعائم هامة في مجال تولية المناصب. ومنها جوابه على رجل سأله إمارة فقال له : "إنّا لا نولي هذا الأمر أحداً طلبه".

 

وقال لعبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه: "لا تسأل الإمارة فإنك إن أُعطِيتُها عن مسألة وكلت إليها . وإن أغطيتها عن غير مسألة أعِنت عليها"

 

وأما عن زعم البعض أن طلب الأمارة جائز سبقهم إليه سيدنا يوسف عليه السلام عند قوله عز وجل في الآية رقم (55) من سورة يوسف: (أجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم) ... فإن يوسف عليه السلام نبي معصوم يوحى إليه . ولا يوجد ما يمنع أن طلبه هذا قد جاء بأمر من الله عز وجل .. خاصة وأنه (يوسف) حفيظ عليم.

فإذا كنت يا هداك الله تظن نفسك نبي مرسل معصوم . وأنك بشهادة القرآن الكريم فيك شخصياً منصوص عليك بأنك (حفيظ عليم) . وبالتالي تضع نفسك في مقام يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام . فسارع وواصل طلب الإمارة يميناً وشمالاً ولا تتردد.

 

وحسبنا الله ونعم الوكيل.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات